بهذه الطريقة كسبت حماتي لصفي وأصبحت كل شيء بحياتها
عندما تزوجت اعتقدتُ أنِّي سأحظى بحياة لا تشوبها المنغِّصات، خاصة وأنَّ زوجي إنسان مثقف ومتعلِّم ومرتاح ماديًّا ويحبُّني بدرجة لا توصف. لكني وقعتُ بمطب آخر لم أتلفَّت إليه مطلقًا أو كنتُ على درجة كبيرة من السذاجة بحيث أني لم أفكِّر أن أمَّه ستكون تلك العقبة التي ستنغِّص حياتي. كنتُ قد دخلتُ إلى حياتي الجديدة وأنا أحمل مشاعر الإبنة نحو حماتي، أحببتها لأنها كانت أم زوجي الذي عشقته حد الجنون مدة عاميْن كامليْن، صحيح أنَّ ملامحها كانت جامدة خلال لقاءاتنا المتواضعة أيام الخطبة، لكني أوَّلتُ ذلك إلى عدم معرفتها التامة بي، وأيقنتُ بداخلي أن كل شيء سيتغير نحو الأفضل عندما أصبح في دارهم. إلَّا أن الأمور بدأت تتوضَّح لي من الأيام الأولى، فحماتي_ رغم محبة الناس لها ومدحهم أسلوبها ولطافتها وبشاشتها_ لا تعاملني إلَّا معاملة الخادمة بل ربما عاملتها أفضل مني، إن تحدثتُ سخرتْ من حديثي، وإن طبختُ طبخة ودعيتها إلى تناولها تقول بأني أحتاج إلى دورات مكثفة لتعلم الطبخ، ومرة قالت لي أن الطبخ يحتاج إلى نفس وأنت لا تملكينه، كانت تعلِّق على كل شيء، ملابسي، قطع الأثاث التي أنتقيها، طريقة كيي لثياب زوجي، أسلوبي في تنظيف البيت، حتى أنها كانت تحاول أن توقع بيني وبين زوجي باتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة. في البداية سكتتُ على مضض، ثم بدأتُ أشكو لزوجي أفعالها وأقوالها، لم يكن يفعل شيئًا سوى الإنصات لشكواي وهذا ما طلبتُه منه خوفًا من أن يزيد الطين بلَّة. لكني وبعد أن استهزأتْ بطريقة نشري للملابس المغسولة على حبل الغسيل أمام بناتها، وبعد أن رفضتْ تذوق الحلوى التي صنعتها مرفقةً رفضها بكلام جارح: "عمري ما ذقت إشي عملتو وكان زاكي"، وقفتُ في وجهها وقررتُ أن أشعل حربًا ولا يهمُّني إن أكلتِ الأخضر واليابس، المهم كرامتي، المهم ألا تدوس على طرفي، وقلت في نفسي لن أخسر الدنيا ولا الآخرة إن عاديتها فلم يأمرني ربي بإطاعتها. دارت الحرب في أرجاء البيت، نما لي لسان يرد بوقاحة على أي مهزلة أو تعليق يهدف إلى التقليل من شأني، أصبحت ألتقط كل همسة وأضخمها وأرد الصاع صاعين، بل وصرت أفسر جميع التحركات والتمتمات على أنها مؤامرة تحاك ضدي، فكنت لا أسمح لزوجي الإختلاء بأمه لأقطع عليها فرصة عرض عروس أُخرى عليه، وكنتُ كلما اتصلتْ على هاتفه أردُّ بسرعة دون أن يدري زوجي وأقول أنه نائم، أو حتى مشغول.. فقط لأغيظها.. لا تظلموني فقد كنت مظلومة والبادئ أظلم! أصبحتُ في هذه المرحلة أطلب من زوجي أن يدافع عني، وأن يعلن أنَّ أيَّ تعد عليَّ هو تعدي عليه، إلى أن أخذتنا الحرب إلى منحىً آخر، فقد طلبتُ من زوجي أن نترك البيت ونستأجر بيتًا آخر بعيد عن أمِّه.. بدأ زوجي يضجر من العلاقة المتوترة بيني وبين أمه، فمرَّة يقابل شجاراتنا بالبرود، وأحيانا يفقد سيطرته على غضبه فيخرج من البيت حانقًا على هذه العيشة، فأنا أعلم حاله، هو بين ناريْن، وكم كان يتمنى أن نتصافى ونعامل بعضنا كأم وابنتها، لكني كنتُ رافضة للفكرة بعدما رأيتُ منها الكثير من السخط والكره والبرود. ذات يوم وقعتْ بين يدي مجلة عربية، حملتْ بين أوراقها مقالة غيَّرت مسار حياتي مع حماتي، كانت المقالة عبارة عن دراسة لنفسية الأم بعد زواج ابنها وخاصة البكر، وأوضح الباحث أن نفسيَّتها تكون منهارة ( طبعًا البحث ليس مقياسًا على كل النساء) لأنها ببساطة تشعر بأن كنَّتها سلبتْ منها ابنها، فبعد أن كانت تقوم بالإعتناء به، وتُشرف على حياته، وتتلقَّى منه الحضن والقبلة وعبارات الإمتنان، فجأة يذهب كل هذا إلى امرأة تراها _ بمنظورها المليء بالغيرة _ جاهلة بأمور إدارة البيت والاعتناء بالزوج، عندها تشعر بغيرة لا إرادية، وتفقد السيطرة على نفسها في بعض الحالات، وكل هذا يتناسب طرديًّا مع درجة محبَّتها وتعلُّقها بذلك الابن، وباستقلاليته، وما يزيد الأمور تعقيدًا فقدانها لزوجها بسبب موت أو طلاق. ثم أُتبعت المقالة بعبارة أنْ رفقا أيَّتها الزوجة بقلب حماتك، صادقيها وحاولي التقرُّب منها عوضًا عن ركلها، وأفضت المقالة إلى نتيجة حتمية وهي خسارة الزوجة للحرب الدائرة بينها وبين حماتها في كل الأحوال، فإن فازت بقلب زوجها وجعلته يهجر أمه فإن سخط الأم سيقع على زوجها وسيخرجه عصيانه لها من رضى الله، فتكون هي أيضا عاصية لله وهذه الخسارة العظمى، وربما ستخسر قلب زوجها وتتعرض للطلاق إن كان بارًّا بوالدته وفضَّلها عليها. دارت بي الدنيا وأنا أُحلِّل كلَّ حرف في البحث، أشفقتُ على حماتي التي تتخبَّط في غيرتها، والتي تحتاج إلى يد دافئة وكلمة حنونة، وأشفقتُ على نفسي لأني أقودها نحو الهاوية بفعل هذه المعركة التي لم تكن متكافئة الأطراف، وأشفقتُ على زوجي المتأرجح بيننا. قررتُ أن أتغيَّر.. قررتُ أن أتقرَّب منها بشتّى الطرق، لأجلها، لأجل زوجي ولأجلي أنا! رحتُ أقضي وقتًا أكثر من المعتاد عندها، أساعدها في أعباء البيت، أتحدَّث معها، أصغي إليها، ورحتُ أمتدح نفَسها في الطبخ، وطلبتُ منها أن تعلِّمني أصوله، وطلبتُ منها أن تعلِّمني نشر الغسيل، ونقلتُ لها مديح زوجي لها، وبامتنانه الدَّائم لأفضالها، وكنتُ أداعبها وأقول لها أني أغار من حب زوجي لها، فليته يُحبني ربع محبَّته لها، مشَّطتُ شعرها، وأحضرتُ لها أصباغًا لإخفاء الشيب منه، ورحت أتغزل بملامح وجهها الجميل.. وأهديتها الهدايا بمناسبة وبغير مناسبة، بل وأقمتُ لها حفلة دعوت إليها بناتها وأخواتها بمناسبة عيد الأم. بدأتْ عيناها تلين، وومض فيهما الحب، أخمدت بركانها الثائر، حتى تعلَّقت بي، وفتحتْ لي قلبها، وربما لا أبالغ إن قلتُ أنها أحبتني بدرجة موازية لحبِّها لإبنها( زوجي)، وصارت تمتدحني في كل جلسة أو لمة، فازداد تقدير زوجي وحبه لي، وبدأتُ أستشعر السعادة، إلَّا أنَّ فرحتي كانت تشوبها شائبة، وهي عدم قدرتي على الحمل رغم مضي أربع سنوات على زواجي، وقد استنفدتُ كل الوسائل العلاجية، وعجز الأطباء عن مداواتي. عندما تراني حماتي مهمومة وباكية في بداية كل شهر كانت تحضنني وتزرع في نفسي الأمل، وتقول أن الله سيجبر بخاطري كما أجبر دائمًا بخاطرها، وتبدأ بقصِّ قصص قديمة حول معجزات حمل حدثت لنساء تعرفهن، وتقص عليَّ بعض الأحلام التي فسَّرتْها بأنني سأملأ البيت بالأحفاد، ورفضتْ طلبي في أن يتزوج زوجي بامرأة ولود لا تحرمه الضنى. وفي العام الخامس لزواجي سافرتْ حماتي لتحج، وقالت لي أنها ستدعو لي عند الكعبة وفوق جبل عرفة، وببركة دعائها حدثت المعجزة، وحملتُ بابني الأول وقبل بلوغه العام حملتُ بابني الثاني.. ورزقني الله تباعًا بخمسة أولاد وبنت، وعوَّضني الله حنان أمي الذي فقدته وأنا صغيرة بحنان حماتي (أمي الثانية) التي تعبت معي في تنشئة أبنائي. الحمد لله، أنا سعيدة لأني استطعت أن أحول ذلك الفشل الذريع في علاقتي مع حماتي إلى نجاح حقيقي، إلى حب كبير، بل إلى حياة ثانية يملؤها الرضا والسُّرور
شارك في الاجابة على السؤال
يمكنك الآن ارسال إجابة علي سؤال
كيف تود أن يظهر اسمك على الاجابة ؟
- الدكتورة سناء مصطفى عبده اهلا بك يا سيدتي وشكرا جزيلا لمشاركتك لنا تجربتك مع حماتك وهي تماما ليس فقط ما اطبقه في حياتي ولكن ما انصح به كل النساء في كل العالم، هي من ولدته وربته وكبر واصبح رجلا فلا تاخذيه منها عنوة وخاصة ان كان الاب متوفي كما في حالتي وحالتك، والله يا ابنتي اني اقول لزوجي ان امك فوقي وامامي واعلى قيمة مني، وفقك الله واسعدك وبارك بك وباولادك، والكلمة الطيبة مفتاح القلوب، افرحتني وفتحتي قلبي معك ومع رسالتك ، احببتك في الله، ربي يرضى عنك.
- 1
- اعجبني
- .
- اضف رد
- .
- عرض الردود
- .
- 20-07-2018
-
- 1
- اعجبني
- .
- اضف رد
- .
- عرض الردود
- .
- 03-07-2019
- 1
- اعجبني
- .
- اضف رد
- .
- عرض الردود
- .
- 26-07-2018
- 1
- اعجبني
- .
- اضف رد
- .
- عرض الردود
- .
- 25-07-2018
- 1
- اعجبني
- .
- اضف رد
- .
- عرض الردود
- .
- 24-07-2018
شارك في الاجابة على السؤال
يمكنك الآن ارسال إجابة علي سؤال
أضف إجابتك على السؤال هناكيف تود أن يظهر اسمك على الاجابة ؟
احدث الوصفات
فيديوهات ذات صلة
مقالات ذات صلة
اختبارات ذات صلة
أسئلة ذات صلة
مقالات ذات صلة
احدث مقالات قصص النجاح
احدث الوصفات
احدث اسئلة قصص النجاح
اسئلة من بلدك
احجز استشارة اونلاين