أصبحت قوية جداً ولكن نسيت قلبي عندك يا أمي..
البرد في هذه البلاد لايرحم، يصفع خدودي غير مكترثٍ بأني أعيش هنا في هذه المدينة الكبيرة وحدي، وأنني بحاجة القليل من الدفء والكثير من الحنان..
حارات وشوارع هذه المدينة أيضاً لا تكترث لذيول الوحدة التي أجرها خلفي، وأنا اسأل بلغة متلعثمة المارة عن طريقي الذي غالباً ما أضيعه.. كل الأيام هنا متشابهة، لا مواعيد حب في الخفاء ولا ساهرون يملؤون المكان بضحكاتهم..
ولكن في ليلة لن انساها، عدت من العمل وقد اضناني المرض، دخلت إلى البيت ألقيت بجسدي على السرير، وقد كان صمت البيت يضاعف مرضي وكأبتي، فلا أحد يفتح لي باب البيت أو يسألني كيف كان يومي... في تلك اللحظة كنت بحاجة إلى من يصنع لي شيئاً ساخناً، ويضع الكمادات على رأسي...
في تلك اللحظة تذكرت أمي ففاحت رائحة القهوة الشامية المعطرة بالهيل في الغرفة، تذكرتها عندما كانت تضع يدها على جبيني، لتقيس حرارتي، تذكرت صوتها وهي تقول ( يا شافي يا معافي)، كلما دست جبهتي..
تذكرت كم كانت حنونة، كنت بحاجة إلى ضمة منها، تعوضني عن هذه الوحدة القاتلة، وتشعرني بالأمان... ولكن أمي هناك، في الجهة من الأخرى من العالم، حيث الحياة لاتشبه الحياة، وحيث يأتيني صوتها عبر الهاتف ممزوجاً بأصوات القذائف وأخبار الموت..
في صباح اليوم التالي، اتصلت بأمي لأخبرها بأنني أحبها وأني بحاجتها كثيراً، أردت أن ألقي بوحدتي وهمومي عليها، ولكن قلبي لم يطاوعني...
سألتني : كيفك؟ طمنيني عنك؟
فكذبت، كما كنت أفعل عندما اتأخر وأنا تتسكع في حارات باب توما، واخترع حجة تعرف أمي مسبقاً أنها كذبة لكنها تقبلها، وفي ذلك اليوم أيضاً كذبت وقلت لها أني "منيحة، كتير الحمد الله"..
لكن غصتي فضحتني.. ولم يعد هناك مكان للكلمات. فالدموع باتت ابلغ منها في الإجابة على ذلك السؤال "كيفك"...
اليوم يا أمي بعد ست سنوات من الغربة، بت أقوى، وصارت دموعي عصية، لكني ما زلت بحاجة النوم في حضنك، وإخبارك ذلك الشاب الذي يدق قلبي كلما رأيته، وبحاجة إلى أن اسمع دعائك في الصباح "روحي الله يسرلك وينورلك طريقك"..
صرت أقوى نعم، لكني نسيت قلبي هناك بين تلك الحارات المتعانقة، والمنازل القديمة التي غالباً ما ينسى أصحابها أن يقفلوا أبوابها..
قيل لي أن الشام تغيرت كثيراً، وأنها باتت قاسية مقسمة بحواجز لا تعرف الحب ولا يبتسم أصحابها للمارة، وبأن الغلاء كسر ظهور سكانها، والخوف غشى عيونهم وأخرست أصوات القذائف ثرثرة النساء، فالثرثرة باتت رفاهية ممنوعة على سكان الشام..
هل من سبيل للتخلص من هذا الحنين؟ وهل من حضن يتسع لوحدتي ؟
شارك في الاجابة على السؤال
يمكنك الآن ارسال إجابة علي سؤال
كيف تود أن يظهر اسمك على الاجابة ؟
- المدربة جينيا الصباغ اهلا بك عزيزتي، كلماتك تهز القلب هز بالحب والحنين كما وصفتها انت فتاة مشتاقة لحضن والدتها ولتراب بلدها الذي قسى عليه ظروف الحرب وشتت اهله . هل انت كاتبة ؟ ام شاعرة ؟ يالا جمال هذه العبارات وبلاغة التعبير كان الله في عونك على غربتك وما يؤنسها ولكن لا يعوض مكان والدتك واهل بلدك الصحبة الطيبة التي من الممكن تعينك على هذه الغربة كان الله معك وردك سالمة لحضن والدتك وبلدك
شارك في الاجابة على السؤال
يمكنك الآن ارسال إجابة علي سؤال
أضف إجابتك على السؤال هناكيف تود أن يظهر اسمك على الاجابة ؟
احدث الوصفات
فيديوهات ذات صلة
مقالات ذات صلة
اختبارات ذات صلة
أسئلة ذات صلة
مقالات ذات صلة
احدث مقالات قضايا اجتماعية
احدث الوصفات
احدث اسئلة قضايا اجتماعية
اسئلة من بلدك
احجز استشارة اونلاين
شارك في اخر الاختبارات