رحلتي مع المرض أنستني طفولتي
الطفولة أجمل لحظات العمر فيها أحلى وأنقى الذكريات نبقى دائما نعيش على ذكراها وعلى أطلالها نسرد أجمل القصص والمغامرات ،يجلس الآباء بكل براءة يروون لأبنائهم لحظات العفوية والطهر والأحاسيس الرقيقة هذه هي حال الدنيا ولكن رحلتي مع المرض انستني طفولتي بل العكس ،دوما ماأتذكر اللحظات المؤلمة من تعب ووهن وألم وأقول في نفسي :الحمد لله الذي كافأني بشفائي وإنهاء تلك اللحظات والذكريات المأساوية .كنت في السابعة من عمري عندما بدأت رحلة شقائي مع المرض ،مازلت أذكر تلك اللحظات الطويلة التي قابلت فيها الموت عدة مرات ولكن إرادة الله وثقتي به أعادتني إلى هذه الحياة لتعطيني أجمل هدية ،بدأت أتعب وأمرض من أقل الأسباب وأخذوجهي يشحب يوما تلو الآخر ودوما كنت متعبة مجهدة انفاسي تتقطع وصدري يؤلمني ،كنت أجلس وحيدة لا أستطيع اللعب مع أولاد الجيران مع العلم أن جوارحي كلها تتألم فأنا لا امارس طفولتي ،أخذني والدي إلى أطباء كثر ولكن من دون نتيجة يخبرونه بأنها لوزتاي اللتان تؤثران علي ،وظللت على هذا الحال سنة كاملة إلا أن اجهادي وتعبي زادا وذات يوم أتى لزيارتنا أقرباء أمي وشاهدوا شحوب لوني وضعف جسدي فنصحوها أن تأخذني إلى طبيب أمراض القلب ،أخذني والدي في اليوم التالي مباشرة فهو مثل أي أب حنون لا يهنئ له بال حتى يطمئن على صحتي وهنا أتت الصاعقة الكبرى !!!!أخبره الطبيب أنني بحاجة إلى عملية تغيير صمامات القلب لأن لوزتاي قد أثرتا على قلبي وبأن العملية مكلفة جدا تقدر بقيمة نصف مليون ليرة سورية وبأنني أحتاج هذه العملية على وجه السرعة ،وقف أبي عاجزا ينظر إلي بحرقة والدموع تغرغر في عينيه ولكن حالي صعب عليه ،قرر أن يطرق جميع الأبواب لإنقاذ حياتي طلب من عمي أن يقول لأزواج بناته أن يقدموا المساعدة ،فهم يعملون لدى أمير من إمراء السعودية و مناصبهم تجعلهم في ثراء فاحش .بالفعل قدم الاثنان المساعدة ولكن ياللصدمة احدهم تبرع بمبلغ العملية والآخر قدم مئة ألف ليرة ولكن لم يصلني إلا مبلغ خمسة آلاف ليرة فعمي المصون قرر أن يحتفظ بالمبلغ لنفسه وآثر موتي على إعطائي هذا المبلغ حتى أنه كان ضابطا ويحق له أن يدخل أقربائه للعلاج في المشفى العسكري ولكنه رفض أن يدخلني المشفى على بطاقة ضمانه الصحي لتوفير التكاليف ،كانت أخت والدي عمتي الكبيرة تحب والدي حبا جما وتحب أبائه لذلك قررت عدم التخلي عني وأخذت تلف على الجمعيات الخيرية والتجار وكل من تسمع أنه من المحسنين واقترض والدي مبلغا من رفاقه وقامت والدتي ببيع مالديها من مجوهرات ذهبية تملكها هي وأخواتي البنات حتى اكتمل المبلغ وأجريت لي العملية ،وقال لي الطبيب :عليكي تغيير الصمامات كل خمس عشرة سنة .ولكن ظل هنالك ندب صغير فوق معدتي كان دائما يزعجني ويؤلمني فبعد كل حمام آخذه يلتهب ويخرج القيح والعمل ،وكلما ذهبت إلى الطبيب يطمئنني ويقول لي بأن ذلك أمر طبيعي واستمر هذا الألم إلى أن أصبح عمري عشرين سنة ،وفي مرة من المرات دخلت للاستحمام فعلق المشط في سيخ كان يخرج من هذا الندب ونزف الجرح ونقلوني للمستشفى ،ايضا صدمنا عندما قال الطبيب أنني بحاجة إلى تغيير الصمام التاجي والأبهر وترقيع شيئ في القلب وبماأنني تركت المدرسة في الصف السادس لم أكن احفظ مايقوله الأطباء لي كان مرضي أحد أسباب تركي المدرسة حتى التعليم حرمت منه ،وجاءطبيب امراض القلب وأخبرني أن نسبة نجاح العملية هي خمسة بالمئة فقط واحتمال موتي شيئ مؤكد ولكن تمسكي بالحياة وإصراري على إنهاء معاناتي كانت أكبر ،تأملت في نفسي وقلت :ماذا قد أخسر أكثر من حياتي ؟؟؟فأنا مع هذا المرض في عداد الأموات ،حياتي متوقفة ،الآلام لاتفارقني فإما أن أموت بكرامة وإما أن يكتب الله لي عمرا جديدا ،حتى طبيب التخدير تحدث معي بصراحة وقال لي إن نسبة الأمل في نجاح العملية ضعيف جدا لذلك يجب أن أكتب إقرارا بخط يدي على عدم مسؤولية المشفى بأي إختلاطات طبية أو أي أمر مفاجئ قد يحدث لي وكتبت الاقرار والتعهد بمسؤوليتي عن هذه العملية .كان طبيب القلب يخفف عني أوجاعي بكلمات غزل لطيفة هو بعمر والدي ولكنه إنسان بمعنى الكلمة يعلم مدى تألمي ومدى إصراري على الحياة ،أتى يوم العملية وجاء الممرض إلى والدي يقول له لوسمحت قبل حدوث أي شيئ وقع أوراق وفاة ابنتك ،أخذت الدموع تنهال من عيني والدي وهو يقول هنالك رب كريم لن ينساها ابدا ،خرج الطبيب إلى عائلتي يبشرهم بنجاح العملية وبأن الله استجاب لدعواتهم ،أخرجوني إلى العناية المشددة لمدة أسبوع وبعدها تخرجت من المشفى وانا بأتم صحة ،ذهل الأطباء بعد نجاح العملية فمن المفترض أن أموت والنسبة المقدرة للنجاح ضئيلة .أكملت حياتي بعدها بشكل طبيعي وبعد سنة قررت أن أعمل ،وافق والدي على هذه الفكرة كان يريدني أن أنفذ أي رغبة كنت قد حرمت منها ،كان حنونا جدا علي لايرفض لي أي طلب ولايحرمني من أي شيئ لأنه يعلم مدى معاناتي ،تقدم لخطبتي أكثر من شاب ولكن والدي كان يرفض نظرا لوضعي الصحي ،ومن أحد المتقدمين شاب ايضا يعاني من مشاكل قلبية كانت مشكلته تخص الشرايين ،فقد أجرى عملية شبكة للقلب ،هذا الشاب وافق والدي على طلبه لأن لديه نفس الحالة الصحية ويمكنه الاعتناء بي ،ودامت خطبتي على هذا الشاب سبعة أشهر ولكن ياللعجب !!!تبين أنه يطمع في راتبي الذي أتقاضاه ويطلب مني باستمرار أن اقرضه مبالغ مالية ، ولكني اعتذرت منه لأنني كنت اساهم مع والدي في مصاريف المنزل وهنابدأ بالتهرب وافتعال المشاكل حتى اضطررنا لفسخ الخطوبة وبعدها تأثرت نفسيا ونقلوني إلى المشفى وهناك توقف قلبي تماما واضطر الأطباء لصعقي عدة مرات والحمد لله بعدها تعافيت وعدت إلى حياتي .وجاءت الحرب وخيمت اوزارها على سوريا وهدم منزلنا واضطررنا للخروج بملابسنا هربا من القصف واستأجرنا منزلا ،كنت في هذه الأثناء قد تعرفت على شاب أثناء عملي وأحببته بشدة إلا أن الحرب اضطرته لللجوء إلى لبنان والابتعاد عني ولكني كنت على تواصل معه ،نظرت من حولي وقد خسرت منزلي وخسرت حبيبي بسبب البعد وامتلأ قلبي بالأحزان مجددا .أثر ذلك على صحتي وفجأة نزفت بلا سبب ونقلوني إلى المشفى واكتشفو كيسة دم على أحد المبايض وأجرى الأطباء لي تنظيرا عن طريق المري للتأكد من سلامة القلب ولكنهم وجدوا أن الصمامات قد تلفت مع مرور الوقت فقد مضى على إجراء العملية خمس عشرة سنة وآن الأوان لتبديلها .ولكن هذه المرة كان الطبيب الذي أجرى لي العملية حاله كحال معظم الأطباء في سوريا قد هاجر ولكنني كنت على اتصال مباشر به ،كان يوجهني ويملي علي مايتوجب فعله .نصحني باستشارةطبيب وفعلا ذهبت ولكنه كان فقط مختصا بالمعالجة وليس طبيبا جراحا ،وبدوره وجهني إلى طبيب مختص بتلك الأمور .ذهبت إلى الطبيب ونظر مليا في حالتي وقال يتوجب علي إجراء عملية لهذا الكيس مباشرة لأنه يؤثر سلبا على صحتي ،كانت أختي قبل ذلك قد ادرجت اسمي في جمعية حفظ النعمة لتساهم.في تكاليف العلاج والعمليات نظرا لصعوبة حالنا وكان هذا الطبيب الذي ذهبنا إليه هو الطبيب ذاته المتعاقد مع تلك الجمعية ،رفض أن يأخذ منا النقود عندما رأى أوراق الجمعية وحجز لي في المشفى العسكري لأقوم بجراحة الكيس وأوصى الطبيبة المختصة بهذه الجراحة أن تراقبني وتهتم بي .ودخلت المشفى لمدة أسبوع وكنت حقل تجارب للأطباء المتدربين ،وعندما أتى يوم إجراء العملية رفضت الطبيبة أن تقوم بالجراحة نظرا لخطورة وضعي ،فقد نصحها معظم الأطباء أن تنسحب لمافيها من خسارة سمعتها وايقافها عن العمل في حال أصابني مكروه ووقع الأطباء على أوراق تخرجي من المشفى. حزنت كثيرا وتوجهت إلى طبيب القلب وأخبرته أنني وتحت أي مسؤولية.سوف أجري العملية ووعد بمساعدتي ،اتصل بغرفة العناية المشددة وأمن لي سريرا هناك واتصل بطبيب التخدير وجعله يوافق على إجراء العملية واتصل بالطبيبة النسائية التي ستجري لي العملية وأخبرها بأن تجري العملية في غرفة الجراحة القلبية لأنها أكثر تعقيما وحفاظا على سلامتي ،وبأنه سيكون موجودا ان حصل أي مكروه لي .ونجحت العملية وكان هذا الطبيب في غاية الروعة اصراره على مساعدتي رغم خطورة الموقف جعله بطلا .ولكن المعاناة مازالت مستمرة فبعد العملية أخذ حال الصمامات بالانهيار وبدأت تتكسر كريات الدم لدي وفي كل شهر يتم نقل مايقارب كيسين من الدم لي ،وهنا أخبرني الطبيب بأنه يجب علي إجراء تبديل للصمامات ولكن خطورة هذه العملية اكبر من خطورةسابقتها فالنسبة بالنجاح تكاد تنعدم ،ولكنني وقفت مرة أخرى بإصرار وبثقة بالله كبيرة وبحب للحياة وقلت بأعلى عزيمة :سأناضل حتى النهاية فإما الموت وإما البداية .كان يفصلني عدة أيام على موعد العملية كنت أقول أمام أحد الأطباء إن موعد العملية هو نفس يوم عيد مولدي ،نظر لي الطبيب قائلا:إنه نفسه يوم وفاتك !!!امتلأت عيناي بالدموع ،ولكن أختي الكبيرة ردت عليه بكل ثقة قائلة :إن الله قادر على كل شيئ .قبل العملية أخذ طبيبي يملأ حياتي بالآمال ويقول لي:بإذن الله سوف تعودين أفضل من السابق وستركضين وتتأرجحين وستتزوجين وتنجبين ،كانت تلك الكلمات تزيدني عزما واصرارا رغم جميع الآلام ورغم جميع نوبات الشقيقة التي كانت تأتيني .ورغم دموع والدتي وهي تمسك برأسي وتساعدني عندما أتقيأ حتى رشفة الماء ،رغم جميع الأنات والآهات والأوجاع .دخلت إلى غرفة العمليات مودعة أهلي على أمل اللقاء .خرج الطبيب مهنئا عائلتي بنجاح العملية التام وبأنها بإذن الله آخرعملية لي وبأنني بعدها سأعود إنسانة طبيعية .وبعد خروجي من العناية المشددةذهبت أختي إلى الطبيب الذي استهزأ بي ،وأحضرته لتخبره بنجاح العملية،وقلت له خذني عبرة لتستفيد منها مع مرضى آخرين فأجابني بكل وقاحة :لوكان عندي مريض مثلك لطردته على الفور وخرج من الغرفة .نسيت هذا اللئيم وتناسيت بعدها لحظات الألم ورحلة العذاب التي استمرت خمس وثلاثون سنة ولكن الفرحة الكبرى كانت بعودة حبيبي لي وقدومه لخطبتي وموافقة والدي على الزواج به .طمأنني الطبيب أنني أستطيع ممارسة حياتي بشكل طبيعي وإن أردت الإنجاب فلا مانع ولكن تحت الإشراف الطبي والمراقبة .عوضني الله بأحن زوج وأطيب رجل في هذا العالم وتلك مكافئات الله للصابرين ومعجزاته التي لايبخل بها على عباده المؤمنين بقضائه وقدره
شارك في الاجابة على السؤال
يمكنك الآن ارسال إجابة علي سؤال
كيف تود أن يظهر اسمك على الاجابة ؟
-
شارك في الاجابة على السؤال
يمكنك الآن ارسال إجابة علي سؤال
أضف إجابتك على السؤال هناكيف تود أن يظهر اسمك على الاجابة ؟
احدث الوصفات
فيديوهات ذات صلة
مقالات ذات صلة
اختبارات ذات صلة
أسئلة ذات صلة
مقالات ذات صلة
احدث مقالات قصص النجاح
احدث الوصفات
احدث اسئلة قصص النجاح
اسئلة من بلدك
احجز استشارة اونلاين