حقوق المرأة بعد الطلاق في الشرع والقانون
قد تضيق علينا زوايا الحياة الزوجية رغم محاولاتنا الدؤوب لتفريجها، فترانا نبحث عن مختلف الطرق التي تؤدي إلى حل مشاكل الحياة الزوجية، فتارة بالحسنى وتارة بالغضب وتارة بالتحاكم إلى افراد العائلة، غير أننا وللأسف قد نصل إلى طريق مسدود ولا يبقى أمامنا إلا الخيار الأبغض وهو الطلاق! ولأن أكثر من يُظلم -في الغالب- هم الأطفال والنساء.
نتحدث هنا عن حقوق المرأة بعد الطلاق في الشرع والقانون وكيف يجب أن تحفظ المرأة حقها بعد الانفصال عن زوجها.
لا بد من أن نبدأ هنا بتعريف الطلاق بشكل مبسط وسريع ثم ننتقل بعدها لمرحلة حقوق المرأة بعد الطلاق، ويقع تعريف الطلاق فقهياً تحت جملة (حِلٌ لعقد الزواج، وقد يكون بلفظ صريح أو كناية، وكل كلمة تدل على الطلاق تعني وقوع الطلاق) وهو حل للرابطة المقدسة التي جمع الله بها الزوجين من أجل تحقيق هدف الاستخلاف في الأرض، ويقع على عدة أوجه منها ما هو من قبل الزوج كالطلاق الرجعي أو البائن، ومنها ما هو من قبل القاضي الذي يحل محل الزوج في التطليق حيث يقضي بالتفريق، ومنها ما هو من قبل الزوجة كأن تطلب الخلع من القضاء أو تفتدي نفسها من زوجها، وعلى جميع الحالات يجب أن تكون هنالك علة شرعية مباحة لوقوع الطلاق أو التفريق على اختلاف أنواعها كوجود مرض لا شفاء منه أو عدم القدرة على النفقة من قبل الزوج أو ما شابه.
كثيراً ما يراود هذا السؤال أذهان النساء المقبلات على الطلاق، حيث أنه -وللأسف الشديد- تستغل النساء المطلقات وتهضم حقوقهن بأبشع الصور لعدم علمهن بحقوقهن بعد الطلاق مما يؤدي لضياع حق النساء المطلقات وأولادهن على حد سواء، وقبل أن نتوقف مع حقوق المرأة القانونية والشرعية بعد الطلاق لا بد أولاً أن نذكر أهمية معرفة المرأة بهذه الحقوق؛ وذلك على ثلاثة وجه:
- الحفاظ على دور المرأة بعد الطلاق كأمٍّ ومربية، وحماية حقها بحضانة الأطفال ورؤيتهم والمشاركة بتربيتهم.
- صيانة كرامة المرأة، وحمايتها من المضايقات أو التشهير.
- ضمان حصول المرأة على حقوقها المادية والمعنوية التي نص عليه الشرع والقانون.
فصل الدين بين عدة أمور منها ما يحق للمرأة المطلقة طلاقاٌ بائناً ولا يحق للمطلقة طلاقاً رجعياً والعكس صحيح، ولكن إجماع الفقهاء على أن الزوجة المطلقة مهما كانت حالتها تستحق صداقها المؤخر كاملاً بدون نقصان، هذا بخلاف نفقة المتعة حيث اختلف الفقهاء هل هي واجبة ام مستحبة، وهي عبارة عن مقدار من المال ينفقه الزوج على المرأة المطلقة لمدة سنة كاملة مصداقاً لقوله تعالى: (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف)(1).
أما المطلقة طلاقاً رجعياً فقد أوجب لها حق المسكن والنفقة فترة العدة مصداقاً لقول الله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) وتكون هذه الفترة هي فترة العدة وتمتد لثلاثة شهور حيث يجب على الزوج أن ينفق عليها وأن لا يخرجها من بيتها فترة العدة وضمن إمكانيات الزوج، وتحدد مقدار النفقة من قبل القاضي الشرعي، والنفقة والمسكن تكون للمرأة المطلقة طلاقاً رجعياً وليس للمرأة المطلقة طلاقاٌ بائناً حق في ذلك إلا أن تكون حاملاً.
وهنا نأتي لحالة الزوجة المطلقة طلاقاً بائناً وهي حامل، فيوجب لها حق المسكن إلى أن تضع حملها، بالإضافة إلى أجرة رضاعة الطفل مصداقاً لقوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)(2)، وأجرة حضانة الطفل ويحددها القاضي في ذلك أيضاً.
نقصد هنا بالنصوص القانونية المتبعة في الدول العربية إجمالاً، حيث أن معظمها استقت قوانين الأحوال الشخصية فيها من الشريعة الإسلامية لذا قد نجدها متقاربة في المجمل إلا من بعض الفوارق البسيطة من هنا وهناك، حيث نجد المشرع المصري قد أوجب حق المتعة للمرأة المصرية المطلقة لمدة سنتين بدلاً من سنة واحدة بالإضافة إلى حقها في أثاث منزل الزوجية حسب ما ذكر المحامي في الأحوال الشخصية الأستاذ أحمد زعزوع(3).
كما دافعت تلك القوانين في المجمل عن المطلقات حيث أقر القانون السعودي صرف إعانة شهرية من الحكومة السعودية للمرأة السعودية المطلقة تصرف من صندوق الضمان الاجتماعي.
أما القانون الأردني، فقد أقر للمرأة المطلقة الحق بإرضاع ولدها حتى ولو أسقطت هذا الحق مسبقاً، فتستطيع رفع دعوى قضائية جديدة حيث أن لها الأولوية في القانون الأردني بإرضاع ولدها، وتستحق أجرة من الزوج على ذلك، كما جعل دَين النفقة دَين ممتاز على الرجل له أولوية السداد ومتقدم على باقي ديون الرجل إن وجدت.
ونجد أن المشرع الإماراتي قد أقر حق المرأة الإماراتية المطلقة بحضانة أطفالها حتى بلوغ الأنثى عمر 13 عاماً والذكر 11 عاماً.
هذا وتشترك هذه القوانين في كثير من حقوق المرأة المطلقة كما سبق، لكن وجب على المرأة معرفة حقوقها والمطالبة بها وعدم الدفع بالجهل بهذه القوانين لما فيه من ضرر وظلم لها.
كما الأمر في كثير من القضايا الاجتماعية، هناك بعض الحقوق التي لم ينظمها القانون هي حق للزوجة المطلقة على طليقها وعلى المجتمع ككل، وندعو الرجل هنا إلى الالتزام بأخلاق ديننا الحنيف ومراعاة ضعف المرأة وحقها عليه رغم طلاقهما.
ومن ضمن هذه الأمور الإسراع إلى إصدار وثيقة الطلاق وكافة الإجراءات القانونية الخاصة بمعاملة الطلاق حتى لا تبقى المرأة معلقة ومقيدة حريتها كما يحدث للأسف في مجتمعاتنا(4).
كما أن من حقها على المجتمع أن لا ينظر لها نظرة الشفقة أو نظرة المذنبة فهذا أمر ليس من ديننا الحنيف وكل إنسان مقدر له نصيب في هذه الدنيا.
ومن حقها أيضاً على طليقها ستر ما اطلع عليه من عيوب خلال فترة زواجهما واحترام ما سبق من عشرة طيبة ولحظات جميلة بينهما.
تدور معظم الاتفاقيات الدولية في نفس الفلك عند حديثها عن المرأة، ولعل أبرزها هي اتفاقية (CEDAW5) التي تحاول دائماً وبشكل واضح المساواة التامة بين المرأة والرجل على صعيد الزواج والطلاق والحقوق والواجبات، مما يخالف وبصريح العبارة ما أمر به الدين الحنيف من أن لكل جنس خصوصيته ولا يتساويان في أمور الزواج والطلاق، وهذا واضح من النصوص القرآنية والتفاسير الفقهية لآيات الطلاق.
أخيراً وليس آخراً وبعد عرضنا لموضوع حقوق المرأة بعد الطلاق بشكله المفصل ندعو المرأة إلى التمسك بحقوقها وعدم التنازل عنها إلا برضاها وعن طيب خاطر منها، كما أن هناك الكثير من الهيئات الحكومية والخاصة التي تساعد المرأة المطلقة على العيش حياة كريمة ومستقرة تستطيع الزوجة اللجوء لها وقت الحاجة، وندعو الرجال الأفاضل إلى تحري حسن الخلق وطيب المعشر في التعامل مع طليقاتهم ومراعاة القوانين التي تقر وتنص على حقوق المرأة بعد الطلاق وعدم المماطلة والتأخير في سداد الحقوق لهن لما فيه من ضرر عظيم وواسع على المرأة وعلى المجتمع ككل.