هل المعلومات المتوفرة على الإنترنت موثوقة؟
على الرغم من التطور العلمي الذي وصل إليه الإنسان وعلى الرغم من كمية المعارف الجديدة والمتجددة والاكتشافات التي يصل إليها العلماء كل يوم؛ إلَّا أن فكرة الحصول على معلومات موثوقة 100% ما تزال بعيدة المنال سواء عبر الإنترنت أو عبر أي وسيلة أخرى.
وبما أن سهولة الوصول إلى المعلومات تعتبر من سمات العصر الحديث، لا بد من التفكير بمدى مصداقية المعلومات التي تعرضها شبكة الإنترنت، وكيفية التأكد من صحة المعلومات على الانترنت، اقرأ لتعرف أكثر عن هذه القضية.
هل يجب أن أثق بالإنترنت؟
معظمنا يعلم تماماً أن المعلومات التي نقرأها على الإنترنت قد لا تكون موثوقة، لكن مع ذلك يلجأ معظمنا لمحركات البحث للإجابة عن أسئلة في مواضيع مختلفة، فالمريض اليوم يسأل عن مرضه قبل الذهاب إلى الطبيب وبعد العودة من العيادة، على الرغم أن الفحص السريري لا غنى عنه في التشخيص، وأن العلاج لا يتوقف عند وصف الدواء فقط!.
وفي سبيل تقييم مدى مصداقية المقالات المنشورة على الإنترنت ربما يجب أن نتعرف أولاً إلى آلية عمل محركات البحث من خلال الإجابة على سؤال "كيف يفكر جوجل؟"
تمتلك محركات البحث المختلفة برامج متخصصة في تصنيف المحتوى الإلكتروني، وذلك اعتماداً على مجموعة من الخوارزميات المعقدة، فعندما نقوم بنشر مقال جديد يقوم محرك البحث بعملية تصنيف المحتوى من خلال قراءةٍ إلكترونية.
وبعيداً عن تفاصيل عملية الزحف والأرشفة التي تقوم بها محركات البحث؛ ما يهمنا هنا هو أن محركات البحث جميعها ومن بينها جوجل لا يمكن أن تتعرف إلى المعلومة إن كانت صحيحة أم لا، ولا يمكن أن تقيِّمَ مدى حيادية أو موضوعية الكاتب، بل أبرز ما تعتمد عليه محركات البحث هو تقييم الصلة بين موضوع البحث وبين المقال الذي سيظهر في الصفحة الأولى.
كلما كان الموضوع متصلاً بالكلمة المفتاحية التي يستخدمها الباحث، وكلما كان الكاتب مدركاً لآلية جوجل بترتيب النتائج؛ كلما ازدادت فرصة ظهور الموضوع في الصفحة الأولى، بعيداً عن طبيعة المعلومات ومدى صحتها.
هذا يعني ببساطة أن وجود مقال ما على الصفحة الأولى في نتائج البحث سيكون مفيداً جداً للموقع ولكاتب الموضوع، لكن هذا لا يعني أبداً أن المعلومات الواردة في الصفحة هي معلومات حقيقية وموثوقة أو حتى مفيدة للقارئ!.
إذاً... يمكنك أن تثق بجوجل أنه سيقدم لك غالباً النتائج الأكثر صلة بموضوع بحثك، وكل كلمة ستضيفها إلى موضوع البحث سيقدم لك جوجل نتيجة أكثر صلة وتحديداً، لكن لا يمكن أن تعتمد على جوجل فيما يتعلق بالمصداقية أو الثقة.
لنتحدث مثلاً عن وكيبيديا؛ حيث تعتبر موسوعة وكيبيديا من أقدم وأشهر المواقع الإلكترونية التي تقدم معلومات عامة حول مواضيع مختلفة، ومن النادر ألا تكون صفحة وكيبيديا ضمن العشرين نتيجة الأولى عند البحث عن أي موضوع، بل هي غالباً في الصفحة الأولى وضمن أول ثلاث نتائج.
لكن وجود وكيبيديا في ترتيب متقدم على محركات البحث لا يعني بأي شكل من الأشكال أن المعلومات الواردة في صفحاتها معلومات موثوقة أو حقيقية.
تحتوي موسوعة وكيبيديا على مئات الصفحات المضللة والتي تقدم معلومات مغلوطة أو مزيفة، خاصة فيما يتعلق بالأحداث التاريخية أو الشخصيات العامة، ومن اللافت أن الموقع نفسه ينبه مستخدميه أن المعلومات الواردة في وكيبيديا لا يمكن التعامل معها كمصدر موثوق ولا يمكن الاعتماد عليها في دراسات أو مقالات!، وهذا ما يجعل معظم أساتذة الجامعة يرفضون الاعتماد على وكيبيديا في حلقات البحث أو الدراسات التي يتقدم بها الطلاب.
على منصة ويكيبيديا يمكن لأي منا أن ينشر مقاله، ويمكن لأي مستخدم أن يشكك في المعلومات وأن يطلب تعديلها، لكن المشكلة الكبرى أن تعديل المعلومات قد يأخذ وقتاً طويلاً وربما يأتي بعد فوات الأوان.
ومن الأخطاء المشهورة لويكيبيديا ذكر وفاة بعض الأشخاص وهم على قيد الحياة أو تاريخ ولادة ووفاة غير دقيق، أرقام تاريخية مغلوطة، معلومات غير دقيقة عن الشخصيات والأحداث، فضلاً عن وجود بعض المقالات التي يكتبها مناصرون لأيديولوجيا معينة تصب في حقل تلميع الصورة وتزوير الحقائق.
دراسة: عام 2014 نشرت حولية American osteopathic association دراسة نقل نتيجتها موقع BBC تقول أن 90% من المقالات الطبية على موقع ويكيبيديا تحتوي أخطاءً علمية!.
في ظل عدم قدرة محركات البحث على إدراك مدى المصداقية تصبح المسؤولية على كاتب وناشر الموضوع، ومن البديهي أن معظم مواقع الإنترنت التي تعمل على تقديم مقالات معرفية تسعى إلى تحقيق عدد أكبر من الزيارات لتحقيق تقدم أكبر لدى وكالات الإعلان وبالتالي تحقيق الأرباح، لكن...
يستخدم مصطلح أصحاب القبعات السوداء لوصف الناشرين الذين يعمدون إلى تضليل محركات البحث من خلال استخدام الكلمات المفتاحية بكثافة للوصول إلى الصفحة الأولى، مع محتوى ركيك ومزيف وغير علمي تماماً، وغالباً ما يعتمدون على معلومات شخصية مستمدة من الثقافة العامة، وتكون جذابة لأنها لا تقدم ما هو جديد بقدر ما ترسخ الاعتقادات العامة الخاطئة.
فيما يطلق مصطلح القبعات البيضاء على الكتَّاب والناشرين الأكثر نزاهة، والذين يعملون على تقديم معلومات حقيقية مدعومة بالمراجع والمصادر وهي في أسوأ الأحوال لا تشكل ضرراً على القارئ، وهذا لا يمنعهم من استخدام الكلمات المفتاحية استخداماً نزيهاً يضمن لهم التقدم في محركات البحث.
وبكل تأكيد فإن أصحاب القبعات البيضاء يقعون ببعض الأخطاء العلمية لكنها تعتبر أخطاء مشروعة يقع بها كل باحث، سواء كان ينشر مقاله عبر الإنترنت أو بوسيلة أخرى، وغالباً ما يمتلك أصحاب القبعة البيضاء الشجاعة والنزاهة التي تجعلهم يعدلون أخطاءهم ويعترفون بها.
تتمكن محركات البحث أحياناً من التقاط القبعات السوداء، خاصة أصحاب المحتوى المسروق، لكن كما ذكرنا فإن معايير محركات البحث لا تستطيع التقاط المعلومات الخاطئة أو فلترة المحتوى حسب المصداقية.
قد يعتبر البعض أن المعلومات الخاطئة على الإنترنت محدودة الخطورة، أو أن الخطر يرتبط بالأشخاص وليس بالمعلومات نفسها، ولكن ربما يجب إعادة النظر بالموضوع!.
إذا بحثت مثلاً عن استخدام الكمادات للرضع بعد التطعيم، ستجد مئات المقالات والمنتديات التي تناولت هذا الموضوع، لكنك لن تتمكن من معرفة نوع الكمادات المناسبة، الساخنة أم الباردة؟ وإذا اكتفيت بقراءة المقال الأول قد تتسبب الضرر لطفلك الرضيع.
إذا بحثت مثلاً عن طريقة صناعة الصابون ومساحيق التنظيف، ستجد أيضاً عشرات المقالات والطرق، لكن بعض هذه الطرق قد تنقلك من صناعة الصابون إلى صناعة المتفجرات دون أن تدري!.
وإذا بحثت مثلاً عن طرق لتكبير الأعضاء التناسلية ستجد الكثير من النصائح والأجهزة، لكن الحقيقة أن معظم هذه الأساليب قد ينتج عنها ضرر عضوي كبير يصل إلى تمزق أو ارتخاء الأنسجة، وستضطر عندها لزيارة الطبيب لإصلاح ما أفسده الإنترنت.
هذه الأمثلة مجرد لمحة بسيطة عن الأخطار التي قد تنتج عن معلومات الإنترنت الخاطئة، فبعض المقالات قد تشكل تهديداً للحياة، وبعضها قد يشكل تهديداً للوعي والأفكار أو تشويهاً للمعلومات.
في أحد أهم مواقع الشعر العربي مثلاً (موقع أدب) يوجد عشرات القصائد المنسوبة للأديب جبران خليل جبران، وهي في الأصل لخليل مطران!، فقد تعجب بأسلوب جبران وأنت تقرأ لمطران والعكس صحيح!.
هل تعتقد أن الكتب الورقية والصحف أفضل بكثير من الإنترنت؟ للأسف هذا أيضاً ليس دقيقاً خاصة مع سهولة وفوضى النشر في العصر الحديث، وفي العصر الحديث قبل الانترنت قصص كثيرة عن المعلومات المزيفة، ربما أبرزها ثورة السبانخ!.
حيث وجد بعض الباحثين في أواخر القرن الماضي أن نسبة الحديد في السبانخ كبيرة جداً مقارنة بأنواع أخرى من الخضار، بناء عليه تم الترويج للسبانخ كأفضل مصدر للحديد على الإطلاق، وتم إنتاج سلسلة باباي الكرتونية، ليتضح فيما بعد أن الناشر أزاح الفاصلة العشرية بالخطأ، ونتج عن ذلك ضرب القيمة بعشرة أمثالها!، وأن الحديد في السبانخ لا ميزة له تذكر.
فإذا كانت الكتب ليست موثوقة، والإنترنت يقدم معلومات مغلوطة ومضللة في حمى حصاد الإعلانات، فكيف نحصل على مصادر موثوقة؟!.
1- ابحث بلغات مختلفة
من السذاجة القول أن الإنترنت باللغة الإنجليزية أكثر مصداقية حتماً من الإنترنت باللغة العربية، فأصحاب القبعات السوداء عابرون للغات وللجنسيات، لكن معظم المواقع العلمية ذات السمعة الطيبة تنشر الأبحاث والدراسات باللغة الإنجليزية.
حتى وإن لم تكن ضليعاً بالإنجليزية يمكن أن تحصل على القدر الأدنى من المعلومات اللازمة من خلال الاستعانة بالترجمة الإلكترونية، ويمكن أن تعتمد على المصادر الأجنبية للتأكد من المعلومات التي تقدمها المصادر العربية.
2- اقرأ أكثر من صفحة
من بديهيات مناهج البحث أن تقرأ أكثر من مصدر عن الموضوع ذاته، وذلك لتتمكن من إنشاء مقارنة بين المعلومات ينتج عنها تقاطع وتناقض يساعدك على معرفة المصدر الجيد من الرديء.
3- فكر... فكر... فكر
الباحث هو المسؤول عمَّا يصل إليه، فالبضاعة معروضة أمامك، وأنت تنتقي وتشتري، لذلك عليك دائماً أن تفكر ملياً وبعمق بكل ما تقرأ، وألَّا تخضع للكسل المعرفي.
4- ابحث عن مصادر المصدر
المواقع المحترمة تقوم بتضمين مصادرها في المقالات أو ذكر المصادر في نهاية المواضيع، والعودة إلى المصادر أمر بالغ الأهمية، فمن جهة قد تكون هذه المصادر مفيدة أكثر من المقالة نفسها، ومن جهة أخرى ستساعدك المصادر على التثبت من المعلومات، فالعودة إلى المصدر الرئيسي تختصر الكثير من الاحتمالات السيئة.
5- قم بزيارة الطبيب
على الرغم من وجود مواقع طبية متخصصة ووجود أطباء يعملون عبر شبكة الإنترنت، لكن زيارة الطبيب لا غنى عنها أبداً، نحن في موقع حلوها مثلاً نقدم لكم مقالات طبية يقوم على إعدادها أطباء متخصصون، لكننا أيضاً نؤكد دائماً أن التشخيص السريري لا غنى عنه، وأن استشارة الطبيب عن الأدوية وجرعاتها أمر مفروغ منه.
لكننا قد نقدم المعونة في معرفة تفاصيل أكثر عن أعراض مرض ما أو عن بعض استخدامات وأضرار بعض الأدوية، وكل ذلك لا يمكن أن يغني عن مراجعة الطبيب للتشخيص والعلاج، حتى إن اتصلت بالطبيب عبر الهاتف سيطلب منك القدوم إلى العيادة للفحص.
أخيراً... التعامل مع نشر المعلومات الخاطئة ليس أمراً متعلقاً بظهور الإنترنت، فقبل اختراع الانترنت بقرون انتبه الفيلسوف وعالم الاجتماع الأول ابن خلدون إلى ضرورة تفحص الأخبار وتنقيحها وتقليبها قبل الأخذ بها، ووضع منهجاً يقوم على المقارنة والتحليل للوصول إلى الخبر الصادق، لأنه تعامل مع الكثير من الأخبار الكاذبة التي تدخَّل بها الخيال البشري أو المصالح، ويبدو أن هذه المعضلة لن تنتهي.