تعنيف المرأة وأسباب ممارسة العنف ضد المرأة
تتعرض العديد من النساء حول العالم في كل يوم إلى العديد من الممارسات العنيفة من قبل الرجال. كل امرأة تعاني من التعنيف الجسدي أو اللفظي أو الجنسي إما من قبل زوجها أو من قبل أحد أفراد عائلتها وقد يكون أيضاً من قبل شخص غريب؛ هذا كله يقودنا إلى العديد من الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة في أيامنا هذه. إذاً لنناقش معاً في هذا المقال نسب النساء المعنّفَات حول العالم، والأسباب التي تجعل الرجال عنيفين مع النساء.
ماذا تعرف عن النساء المعنفات؟
يشير أحد التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، بأنه يوجد أكثر من 35% من النساء حول العالم يتعرضن للتعنيف الجنسي من قبل الشريك أو من قبل أشخاص لا يمتون لهؤلاء النساء بصلة؛ ليس هذا فقط، بل يوجد أكثر من 70% من النساء من مختلف أنحاء العالم يتعرضن بشكل يومي إلى التعنيف الجسدي من قبل الرجال، وهذا النوع من التعنيف يؤدي إلى إصابة النساء المعنفات بالاكتئاب الحاد، كما يعتبر العنف سبباً رئيسياً في الإجهاض حول العالم.
وفي دراسة متصلة جرت في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تبين أن الأطفال الذكور الذين يشاهدون آباءهم يعنفون أمهاتهم، يصبحون أكثر قابلية لتعنيف شريكاتهم في المستقبل؛ لتوضيح هذه النقطة تقول الدراسة، في لبنان كان الأطفال الذين شهدوا تعنيف أمهاتهم في الصغر أكثر قابلية لتعنيف شريكاتهم بثلاثة أضعاف من الأطفال الذين لم يشهدوا أي حالة تعنيف في الطفولة.
في عام 2012م، أكثر من نصف النساء اللواتي تعرضن للقتل في جميع أنحاء العالم، تعرضن للقتل على يد شركائهم الحميميين؛ أكثر من 51% من ضحايا الإتجار بالبشر هم من النساء البالغات، كما تشكل الفتيات القاصرات 3 من أصل كل 4 من ضحايا الإتجار بالبشر.
يوجد نحو 650 مليون امرأة وفتاة حول العالم تزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشر؛ مما يؤدي إلى الحمل المبكر والعزلة الاجتماعية، والتعرض للعنف المنزلي من قبل أزواجهن. الأمر لا يقتصر على التعنيف الجسدي فقط، فالفتيات والنساء بشكل عام يتعرضن للتعنيف الجنسي، حيث يوجد أكثر من 200 مليون فتاة تعرضت لتشويه الأعضاء التناسلية حول العالم. كما تعرضت في العام الماضي أكثر من 15 مليون مراهقة (15-19 عام) للاستغلال الجنسي، كما تم إجبارهن على ممارسة الجنس بشكل قسري، وغالباً كان يتم هذا الاستغلال والتعنيف من قبل الشريك.
في مقارنة بين نسب التحرش حول العالم، أوجدت الدراسات أن أكثر من 23% من الفتيات الجامعيات في الولايات المتحدة الأمريكية تعرضن للتحرش الجنسي، في حين أن النسبة في أوروبا لم تتجاوز 10%؛ أما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد وصلت نسبة النساء اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع (40-60%)، كما اعترف(31- 64%) من الرجال في تلك البلدان بأنهم قاموا بالتحرش بالنساء عن طريق الكثير من الحركات كالتحديق أو الملاحقة أو الكلام.
لماذا الرجال عنيفون بشكل عام؟
يختلف تفسير الأسباب الكامنة خلف عنف الرجال الكبير، ولكن إحدى الدراسات تبنت نظرية "الذكور المحاربون"، والتي تنص على أن الرجال تطوروا وحافظوا على الدوافع والأسباب التي تجعلهم مقاتلين، يبحثون عن الأحلاف ويهاجمون كل من يختلف عنهم؛ ربما تكون هذه الدراسة غير منطقية للغاية، أو تتعارض مع بعض المفاهيم العلمية، إلا أنها لاتزال نظرياً قابلة للتصديق؛ من الأسباب التي استند عليها مؤلفا الدراسة لتفسير عنف الرجال:
- الرجال أكثر كراهية للأجانب أو الغرباء أو المختلفين عنهم من النساء.
- يفضل الرجال التسلسل الهرمي للهيمنة الاجتماعية، بالإضافة إلى الطبيعة الفطرية للمنافسة التي يملكونها.
- الشعور بالسلطة والقوة الذي يدفعهم للتصرف بأنانية.
- الدوافع الجنسية التي تتحكم بالكثير من تصرفات الذكور.
- ظروف المجتمعات من (تمييز عنصري، وتمييز عرقي، وتمييز على أساس الجنس).
لكن ما رأي الطبيب النفسي رودني فلايس (Rodney Vlais) في عنف الرجال ضد النساء؟ هل هو أمر خارج عن إرادة الرجال، أم أنه مجرد خيار، ويمكن للجميع أن يتجاوزه؟
يقول الطبيب رودني فلايس، أن الأشخاص الذين يستعملون العنف ضد المرأة يرون أنهم هم الضحايا، وأن النساء هنّ من يدفعن الرجال للقيام بضربهن أو الاعتداء عليهن، نتيجة تصرفات النساء وطريقة كلامهن ونوع ملابسهن. وعلى الرغم من عدم صحة هذه الأفكار على الإطلاق، إلى أن الرجال العنيفون يصرون على أن النساء هن من يجبرن الرجال على ممارسة العنف.
يضيف الطبيب رودني، أن الرجال تستعمل العنف ضد المرأة بشكل عام لأنهم يخافون من فقدانها! نعم هذا صحيح، فالرجال تقوم بالتحكم بالأمور المادية للتأكد من أن النساء لا يملكن المال الكافي للخروج من المنزل وخيانته –مثلاً-، وقس على هذا المثال بقية أنواع العنف التي تمارس بحق المرأة.
كما جاء في مقال الطبيب السابق، أن العنف ضد المرأة هو خيار فردي، ولا علاقة له بالتطور أو غيره من الأسباب التي لا يمكن التحكم بها؛ وأضاف الطبيب رودني بأنه يجب على كل رجل احترام الأنثى وتوقيرها، وعدم السماح للغضب المكبوت أو الحاجات الجنسية أو غيرها من الدوافع بأن تدفعك إلى تعنيف المرأة لفظياً أو جسدياً أو جنسياً؛ فأنت شخص بالغ تملك القدرة على التفكير والتحليل المنطقي والتمييز بين الصواب والخطأ.
في هذا المقال، نحن نناقش كل الاحتمالات والدراسات حول موضوع تعنيف المرأة؛ لذلك سنستعرض معاً دراسة مميزة حول هذا الموضوع، إلا أنها قد تحتوي على أفكار تتعارض مع أفكار بعض الدراسات الأخرى؛ موضوع العنف ضد المرأة والعنف الأسري بشكل عام موضوع شائك ومتشعب للغاية ولايزال تحت الدراسة حتى هذه اللحظة، لذلك لا يوجد دراسة صحيحة ودراسة خاطئة بل مجرد استعراض لأفكار الباحثين في هذا المجال.
العنف الموروث
تقول الدراسة، بأنه ليس بالضرورة كل الأشخاص الذين تعرضوا للعنف في صغرهم سيصبحون عنيفين في كبرهم، فالتعرض للعنف في الصغر يعني أنك ستصبح قادراً على تطوير سلوكيات العنف في المستقبل، لكن ليس كل الذكور سيطورون هذه السلوكيات بالضرورة.
تربية الوالدين وعلاقتها بالعنف المنزلي
يعتبر الباحثون في هذه الدراسة أن العنف المنزلي حالياً نتج بشكل رئيسي بسبب العنف الذي عاشه الرجل في طفولته؛ لذلك يشعر الرجال المعنفون في الطفولة، بأنهم قادرين على التصرف مع النساء كما يريدون؛ وفي هذا المجال تبين أنه في معظم حالات العنف في المنزل يكون الوالد هو من يمارس السلوكيات العنيفة، ونادراً ما تكون الأم هي الشخص الذي يقوم بالتعنيف؛ هذا لا يعني أن الطفل لا يمكن أن يكون ضحية عنف الأم، إلا أن هذا الأمر نادر الحدوث.
المشكلة ليست مشكلة ذكور وإناث
يناقش الباحثون أن مشكلة العنف المنزلي ليست قائمة على أساس أن الرجال أقوى من النساء، أو أن الرجال مهووسين بالسيطرة على النساء؛ بل يقول العلماء، أن الأشخاص الذين يعنفون المرأة، غالباً لا يعرفون كيف ينفسون عن غضبهم إلا بهذه الطريقة، أي أنهم يواجهون ضغوطات الحياة والعمل والمنزل عن طريق تفريغ كل هذا الغضب بشريكتهم؛ ويقول العلماء أن هذه المشكلة نفسية، ومن أجل حل مشكلة العنف المنزلي، لابد من التوسع بالأسباب والعقد النفسية التي يملكها الرجال.
في النهاية، العنف ضد المرأة من أكثر السلوكيات السيئة التي يمارسها الرجال في كل أنحاء العالم ضد المرأة، وبالتأكيد لابد من تضافر الجهود والتعاون من قبل كل المسؤولين عن هذه المشكلة من أجل إيجاد حل جذري لها؛ وبشكل خاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فكما مر معنا في هذا المقال، تشير معظم الدراسات إلى أن مستويات تعنيف المرأة والتحرش بها تصل إلى ذروتها في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويمكننا تقديم بعض النصائح المهمة لك، إياك أن تستمري في علاقتك مع أي شخص يعتدي عليكي لفظياً أو جسدياً أو جنسياً، ولا تخافي من تقديم شكوى إلى الجهات المعنية، فهذا سيلقنه درساً ويجبره على التفكير مرتين قبل أن يحاول الاعتداء على شخص آخر؛ وكما رأينا معاً في هذا المقال، العنف ضد المرأة قد يكون له أسباب كثيرة تمتد منذ بداية طفولته وحتى تكون وعيه البشري، وحتى بلوغه ومواجهته لضغوطات الحياة بشكل عام، لكن هذا لا يمنحه الحصانة تجاه ما يفعله بك، ولا يمكن اعتباره كعذر لتعنيفك على الإطلاق، فكيفية تنفيس غضبه وطرق مواجهته للمشاكل أمر يعود له طالما أنه لا يقوم بجرحك أو إيذائك.