الأحلام ودورها في عملية النوم والصحة النفسية
الأحلام جزء أساسي من الحياة البشرية رافقنا منذ فجر التاريخ، إذ لطالما تساءل الإنسان عن ماهية هذه الهلوسات الغريبة والسبب وراء رؤيتها خلال النوم، وبالعودة إلى الدلائل الأثرية نجد أن شعوب بلاد الرافدين بدأت بتدوين الأحلام على ألواح فخارية ومحاولة تفسيرها منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، بعدهم بألف عام جمع المصريون القدماء أكثر من مئة حلم شائع مع مدلولاتها المتوقعة في كتاب للأحلام، ومن الواضح أن الأحلام حافظت بقوة على هذه الجاذبية والغموض حتى اليوم.
الآن وبعد آلاف السنين أصبحنا نعرف الكثير عن آلية النوم وفوائده، فهو يعطي الجسم وقتاً كافياً لترميم الأضرار الناتجة عن الأعباء اليومية، كما يحافظ على صحة الخلايا العصبية وينشط عمل جهاز المناعة وعملية النمو عند الأطفال، لكن الأحلام بقيت منطقة غامضة يقف العلماء في شيء من الحيرة تجاهها، وهذا ما فتح المجال أمام المنجمين والمفسرين لاستغلال هذا العجز والتلاعب بعواطف الأشخاص في محاولة لربط الأحلام بأفكار غيبية وأحداث مستقبلية لا يمكن لأحد تأكيدها أو نفيها.
في هذا المقال سنتعرف إلى الفوائد التي يمكن أن تقدمها الأحلام، والتفسيرات العلمية المقترحة لهذا النشاط الذهني المذهل.
ما هي الأحلام؟ وما هو المميز فيها؟
يمكن تعريف الأحلام بأنها هلوسات سمعية وبصرية تحدث تحديداً في مرحلة من النوم تدعى باسم مرحلة حركة العينين السريعة (REM Sleep)، في هذا الحين تكون المراكز العصبية المسؤولة عن تخزين الذكريات الجديدة متوقفة عن العمل لذلك نجد صعوبة بالغة في استذكار الأحلام وننساها بعد أن نستيقظ بدقائق معدودة.
عندما نكون في حالة اليقظة، نشعر أن أفكارنا ومشاعرنا تحمل دوماً جانباً منطقياً إلى حد ما، أما خلال النوم والأحلام يبقى الدماغ فعالاً، ولكن الأفكار ضمن الأحلام تكون غريبة وغير منطقية (مثل أن تحلم أنك تطير في السماء أو تخضع لامتحان الرياضيات بالرغم من أنك تخرجت من الجامعة قبل زمن طويل وغيرها أمثلة كثيرة..)، يعزى هذا الأمر إلى كون الأحلام ناتجة عن تفعيل المناطق الدماغية المسؤولة عن العواطف دوناً عن تلك المسؤولة عن المنطق والمحاكمة العقلية.
لعل أهم الأسباب التي تجعل فهم عملية الأحلام مشكلة معقدة هو صعوبة إخضاعها لقواعد المحاكمة والتجربة التي تحكم المنهج العلمي، لذلك نجد تفسيرات علماء النفس مبنية إلى حد ما على الملاحظات والافتراضات، والمعروف أن الأحلام هي أفكار ذاتية (أي أن الشخص يلعب دور نفسه في الحلم عادة وليس دور شخص آخر) مبنية على النشاطات والأحداث والحوارات التي تحصل في الحياة اليومية.
ما هي الفوائد التي يمكن أن تقدمها لنا الأحلام؟
بالرغم من عدم اتفاق الباحثين على الهدف الذي تحدث من أجله الأحلام، يوجد إجماع علمي على بعض الحقائق والافتراضات المتعلقة بهذا النشاط الذهني غير الواعي ونذكر منها[1]:
- الأحلام كعلاج نفسي: في مرحلة حركة العينين السريعة من النوم (المرحلة التي تحدث فيها الأحلام) تكون النواقل العصبية المسؤولة عن التوتر والقلق في أدنى مستوياتها، يتزامن هذا الانخفاض مع تحريض كبير للمراكز الدماغية العاطفية التي تستعيد الذكريات المشحونة بالعواطف إن كانت حزينة أو مخيفة أو سعيدة.
لهذا السبب يفترض بعض الباحثين أن إحدى وظائف الأحلام هي استعادة الذكريات المحرضة للعواطف في ظروف بعيدة عن التوتر والقلق مما يفيد في معالجة هذه الأحداث وتخفيف حدتها على نفس الشخص، ويدعم هؤلاء الباحثون حجتهم بكون الأفراد المصابين باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) يعانون من الأرق واضطرابات النوم مما يمنعهم من معالجة الذكريات الصادمة والسيطرة على القلق المرافق لهذه الذكريات.
- الأحلام تدريب على مواجهة المخاطر: تعتبر منطقة اللوزة (Amygdala) أهم المناطق الدماغية بالنسبة إلى غريزة البقاء أو ما يعرف باسم استجابة القتال أو الهرب (Fight or Flight Response)، تبقى هذه المنطقة فعالة خلال النوم وتصبح إحدى أكثر باحات الدماغ نشاطاً خلال فترة الأحلام وحتى أكثر فعالية منها في وقت اليقظة، لذلك يفترض الباحثون أن تنشيط هذه المنطقة خلال الأحلام هو وسيلة أدمغتنا في تدريبنا على التعامل مع المخاطر والأحداث الطارئة.
لحسن الحظ تفقد مراكز الطوارئ سيطرتها على العضلات خلال النوم لأن منطقة جذع الدماغ تسيطر على العضلات وترسل إشارات عصبية مثبطة لعملها، لهذا السبب لا نركض أو نقفز في الواقع حتى لو كنا نطير في الحلم.
- الأحلام مصدر الإبداع: تفترض إحدى النظريات أن الأحلام تساعد على تنمية القدرات الإبداعية، لذلك نجد الفنانين في جميع المجالات الفنية يذكرون فضل الأحلام في إيصال الوحي الفني، ليس من الضروري أن تكون أحلامك أفكاراً عن أفلام أو مقطوعات موسيقية جديدة، ولكن الإبداع قد يتمثل بالوصول إلى حلول جديدة لمشكلاتك اليومية لم تكن لتخطر لك في تفكيرك الواعي.
- الأحلام تحسن الذاكرة: من النظريات الرائجة في المجتمع العلمي أن هدف الأحلام هو مساعدتنا على تخزين الذكريات الجديدة والمعلومات التي حصلنا عليها خلال اليوم، بالإضافة إلى التخلص من الذكريات العشوائية وغير الهامة، وترتيب الأفكار وتنظيمها في تفكيرنا الواعي.
نعلم أن النوم مفيد من أجل معالجة المعلومات الجديدة وتذكرها ولكن الأمر الغريب هو أن رؤية الأحلام المتعلقة بالمعلومات أو المشاكل تقدم فائدة إضافية، ففي عام 2010 وجد الباحثون من خلال دراسة تضمنت إدخال بعض الأشخاص ضمن متاهة معقدة لتجربتها أول مرة، ثم أخذ استراحة قضاها بعضهم في التفكير بالمتاهة، بينما أخذ الآخرون قيلولة قصيرة، لوحظ في المحاولة التالية أن أداء الأشخاص الذين ناموا خلال هذه الفترة كان أفضل بكثير من أداء الذين بقوا مستيقظين، ليس هذا فحسب إنما كان الأشخاص الذين حلموا بالمتاهة خلال القيلولة أفضل بحوالي 10 مرات من المستيقظين وحتى من النائمين الذين لم يحلموا بالمتاهة[2].
العوامل المؤثرة على محتوى الأحلام
هناك عدد من العوامل التي تؤثر علينا خلال أوقات الوعي وتتحكم إلى حد ما في محتوى أحلامنا ومنها:
- الظروف الصحية: لعل أكثر العوامل المؤثرة على الأحلام هو عادات النوم الخاصة بنا وفيما إذا كنا نحصل على قسط كاف من النوم، لأن الحرمان من النوم الكافي لمدة يوم أو يومين مثلاً يمكن أن يؤدي إلى تنشيط مناطق من الدماغ دوناً عن المناطق الأخرى وخاصة عند الدخول في مرحلة (REM) من النوم والتي تواكب حدوث الأحلام، يقول العلماء أن أحلامنا تصبح أكثر تنوعاً وحيوية كلما كنا بحاجة إلى المزيد من النوم، كما أن قابلية تذكر الأحلام تزداد في هذه الحالة.
يمكن للحمل أيضاً أن يتواسط في إحداث أحلام غنية أكثر لأن ازدياد إنتاج الهرمونات الجنسية الحملية يؤثر على الطريقة التي تعالج بها أدمغتنا الأفكار والعواطف، مما ينتج عنه أحلام غنية بالانفعالات والأحداث.
- بعض الاضطرابات النفسية: لوحظ أن الاضطرابات النفسية المؤثرة على المزاج مثل الاكتئاب أو القلق أو الاضطراب ثنائي القطب يمكن أن تحرض مشاعر سلبية ومزعجة في الأحلام والكوابيس، كما أن الأدوية المستخدمة في علاج هذه الأمراض مثل الأدوية المضادة للاكتئاب والأدوية المضادة للفصام مرتبطة باحتمالات عالية لحدوث الكوابيس.
- الطعام: لا يوجد دليل قاطع على أن أنواعاً معينة من الأطعمة ترتبط بأحلام أفضل، ولكن المعروف هو أن بعض المأكولات يمكن أن تزيد قدرتنا على تذكر أحلامنا.
على سبيل المثال: تعتبر الأطعمة الغنية بالسكريات والنشويات بشكل خاص مصدراً جيداً للطاقة، ولكنها تجعلك تشعر بالإحباط بعد مدة ما، جميع العوامل المؤدية إلى تغيير مزاجنا عند الاستيقاظ قادرة على تغيير مزاجنا في اللاوعي.
علاوة على ذلك، هناك بعض الأصناف الغذائية التي تجعلنا نستيقظ عدة مرات خلال الليل وخاصة في مرحلة نوم الـ REM، وعندما يستيقظ الشخص في هذه المرحلة يكون أكثر قدرة على تذكر الحلم.
- النشاطات اليومية: يكثر حدوث الأحلام عندما لا نحصل على قسط كاف من النوم أو عند الاستيقاظ بشكل متكرر وعدم النوم لمدة طويلة دفعة واحدة، أما النوم المريح والكافي فيترافق مع احتمال قليل لرؤية الأحلام المميزة وتذكرها.
وجدت دراسة أجريت عام 2014 أن ممارسة التمارين الرياضية في الصباح طريقة جيدة للحصول على نوم هادئ ومريح، فإذا مارست الجري أو ركوب الدراجة مثلاً قبل وقت الظهيرة تقوم ساعتك البيولوجية بمساعدة جسمك على الدخول في النوم العميق عند حلول المساء[3].
لماذا تأتينا الكوابيس؟ وهل هي مشكلة خطيرة؟
من الجوانب الإيجابية للأحلام أنها تساعدنا على التعامل مع المشاعر والعواطف والأفكار الجديدة، أما الكوابيس فتعتبر أحلاماً محرضة للمشاعر السلبية مثل الرعب أو الحزن أو القلق، وتحدث عادة نتيجة التوتر والقلق أو كأثر جانبي لتناول بعض أنواع الأدوية.
لا تعتبر مشاهدة الكوابيس بحد ذاتها أمراً خطيراً أو يستحق القلق لكونها تحدث لدى الجميع، ولكن تكرار رؤية الكوابيس قد يؤدي إلى اضطراب النوم، وتعتبر الرؤية المتكررة للكوابيس مشكلة في حال حققت الشروط التالية:
• إذا أدت إلى الخوف من النوم.
• أو إذا قاطعت النوم بشكل متكرر.
• أو إذا سببت اضطرابات النوم أو اضطرابات ومشاكل نفسية.
يعاني الكثيرون من الكوابيس من وقت إلى آخر، ومن المتوقع أن جميع من يقرؤون هذا المقال رأوا كابوساً أو أكثر خلال حياتهم، أما الذين يعانون من الكوابيس المتكررة كاضطراب نوم حقيقي فيبلغون حوالي 5 في المئة من السكان تبعاً لإحصائيات الجمعية الأميركية لعلوم النوم.
وفي الختام.. الأحلام هي نشاط عقلي مذهل يمكن أن يخبرنا الكثير عن أفكارنا ورغباتنا الدفينة فهو نافذة إلى اللاوعي كما وصفه عالم النفس الشهير سيجموند فرويد، ومن المؤكد أن السنوات القادمة تحمل الكثير من المعلومات والاكتشافات في سبيل الوصول إلى حقيقة هذه الظاهرة الغامضة.
- مقال Neil Osterweil "الفوائد الصحية للأحلام" منشور في webmd.com، تمت مراجعته في 10/10/2019.
- مقال MATTHEW WALKER "لماذا يحتاج الدماغ إلى الأحلام" منشور في greatergood.berkeley.edu، تمت مراجعته في 20/1/2019.
- دراسة Kimberly Fairbrother, Ben Cartner وآخرين (2014) "تأثير توقيت التمارين على ضغط الدم وطبيعة النوم" منشور في ncbi.nlm.nih.gov، تمت مراجعته في 20/1/2019.