تاريخ إشارات المرور وأهمية الإشارات الضوئية
يعتقد بعض الناس أن وجود الإشارات المرورية أمر مزعج ومستفز، فهي تجعلهم في بعض الأحيان يتأخرون عن أعمالهم، إلا أننا في الحقيقة لا نستطيع التخلي عنها! تخيل خمسين شخصاً مثلاً يتناقشون في نفس اللحظة بدون وجود منسق لينظم الفوضى، هذه هي حياتنا بلا إشارات المرور، حياة مليئة بالفوضى، حياة تفتقر إلى النظام أو الإدارة.
تعرف معنا على تاريخ هذا الاختراع الذي غير الكثير في شوارعنا، وقارن معنا بين أهميته الكبيرة وبعض الأخطاء والهفوات التي يتسبب بها، وتعرف معنا أيضاً على الدولة الوحيدة في العالم التي تمكنت من تنظيم أمورها بالاستغناء عن الإشارات المرورية.
أين ظهرت أول إشارة مرورية كهربائية ومن كان صاحبها؟
ظهرت أول إشارة مرور شبيهة بالتي نعرفها اليوم في أوائل القرن العشرين، حيث كان يبلغ الزحام ذروته في الجادة الخامسة في نيويورك بأمريكا، حيث كان الوقت الوسطي للوصول من الشارع رقم 57 إلى الشارع رقم 34 هو 40 دقيقة كاملة.
كانت هذه الشوارع تمتلئ بالخيول والعربات والمارة والسيارات والدراجات، مما جعل من التصادمات والحوادث أمراً شائعاً للغاية، كان الحل عند أحد الأطباء الأغنياء الذي كان مفوضاً للمرور في مدينة نيويورك، كان اسمه الدكتور جون هاريس، حيث قام بتصميم إشارة بسيطة ثنائية الإضاءة في عام 1920م.
تكونت هذه الإشارة من مصابيح على قطعة خشبية مدعومة بإطار معدني فولاذي، مما ساعد في حل الأزمة المرورية في المنطقة، إلا أن ما ساعد الدكتور هاريس في تصميمه هذا هو أمرين مهمين، أولهما وجود الكهرباء وانتشارها على نطاق واسع، وثانيهما هو التصميم البسيط الذي قام به ليستر فارنزورث واير ضابط الشرطة في مدينة سالت لايك.
قام ليستر في عام 1912م بإنشاء صندوقٍ خشبي يشبه بيتاً للطيور، وبنى له عاموداً كي يركبه عليه، ومن ثم غمس المصابيح الكهربائية باللونين الأحمر والأخضر ليحاكي الألوان التي تستخدم في أضواء السكك الحديدية، وقام بعدها بربط الصندوق الخشبي بأسلاك تستخدم في العربات، إلا أن هذه الأسلاك كانت متصلة بزر يقوم شرطي بإدارته من مكان قريب.
بعد مدة قصيرة في العام 1914م قام جيمس هوج بتطوير التصميم السابق ليجعله يتعمد بشكل كلي على الكهرباء، حيث تم تركيب هذا التصميم في 5 آب عام 1914م وحصل بعدها على براءة اختراع عام 1918م تحت اسم (نظام مراقبة حركة المرور البلدي)، اعتمدت الإشارة المرورية التي صنعها على أربعة أزواج من المصابيح الحمراء والخضراء، وكانت الأضواء الخضراء حينها تعني التوقف.
كيف كانت الإشارات المرورية البدائية؟ وكيف تطورت؟
على الرغم من أن الغرض من الإشارات المرورية هو تنظيم حركة مرور السيارات، إلا أنها كانت قد ظهرت قبل فترة طويلة من اختراع السيارات. لنتعرف معاً على خطوات تطور الإشارات المرورية منذ لحظة ولادتها.
- التصميم البدائي
بدأت الفكرة بتطوير إشارات مرورية في 10 كانون الثاني عام 1868م، عندما تم تركيب أول إشارة ضوئية مضاءة بالغاز خارج مبنى البرلمان في مدينة لندن في بريطانيا، قام باقتراح هذه الفكرة مهندس السكك الحديدية البريطاني جي بي نايت، وذلك للتحكم في حركة مرور عربات الخيول في المنطقة والسماح للمشاة بعبور الطريق بأمان.
إلا أن هذا التصميم كان يعمل في الليل فقط لأن الأضواء المضاءة بالغاز لا يمكن رؤيتها في وضح النهار، لذا كانت تضاء الأضواء ليلاً بشكل يدوي من قبل أحد الضباط، الأحمر يعني التوقف والأخضر يعني المضي قدماً.
أما في النهار، فكان يقف الضابط ويرفع سلاحه كإشارة للعبور أو التوقف. لم يكن هذا التصميم آمناً، حيث سجلت العديد من الحالات التي انفجر فيها الضوء وقام بأذية ضباط الشرطة المسؤولين عن تشغيله.
- إشارة رباعية بثلاث ألوان
بعد فترة طويلة من الزمن، وفي أوائل القرن العشرين، تم استخدم النظام الكهربائي للإشارات المرورية كما ذكرنا لكم في الفقرة السابقة، أما الضوء الأصفر في الإشارات المرورية لم يكن قد ظهر حتى هذا الوقت! في العام 1920م اخترع رجل الشرطة ويليام بوتس في مدينة ديترويت الأمريكية أول إشارة مرورية ثلاثية الألوان، ولم يكتف بذلك بل جعل من إشارة المرور ذاتها رباعية الوجوه.
- إشارات تميز الأصوات
استمر التصميم الأخير في الانتشار لمدة طويلة من الزمن، إلا أنه ومع تطور التكنولوجيا ومرور الوقت ظهرت الحاجة لتحديثات أخرى على هذه الإشارات، حيث كانت بعض السيارات تضطر للوقوف على الضوء الأحمر بالرغم من عدم وجود أي سيارات عابرة من الطريق المعاكس. جاءت الفكرة للمخترع شارل أدلر الذي اقترح تركيب ميكروفوناً على الإشارات المرورية الذي سمح للسيارات باستخدام الزمور عند الإشارة في حال عدم وجود سيارات في الاتجاه المعاكس، ليتغير لون الضوء من الأحمر للأخضر فوراً.
بالطبع رافق هذا الاختراع العديد من المشاكل التي عانى منها سكان المناطق التي يوجد فيها إشارات مرورية بسبب الضجة مما تسبب في إلغاء هذه الإضافة.
- حوسبة الإشارات المرورية
في الستينات من القرن العشرين بدأت الإشارات المرورية بالاعتماد على الحواسيب، مما ساعد بتطويرها وتحسينها، حيث مكّنت الحوسبة من مراقبة حركة المرور وتغيير الأضواء وفقاً لذلك.
كما ساعد الحاسوب في اجراء تعديلات كثيرة في حال حدوث أي حالة طوارئ. لقد جعلت أجهزة الكمبيوتر التعامل مع الحركة المرورية أمراً سهلاً وساهمت في زيادة السلامة على الطرق.
- العداد التنازلي
تم إضافة العداد أو المؤقت الذي يقوم بالعد التنازلي إلى إشارات المرور في تسعينيات القرن العشرين، حيث ساعد جداً في التحكم بالحركة المرورية وتسهيل الأمور على سائقي السيارات، حيث يقوم المؤقت التنازلي بإخبار السائقين عن الوقت المتبقي لهم للعبور قبل أن يتغير لون الإشارة.
ما الدور الذي تلعبه إشارات المرور في حياتنا؟
قبل اختراع الإشارات المرورية، كانت الفوضى تعم الشوارع. تتعدد المزايا التي يقدمها لنا هذه الاختراع من الحركة الآمنة للسيارات والمساعدة في تجنب التصادم بينها والسماح بتدفق منظم للطرقات.
إلا أن فوائدها لا تقتصر على السيارات، بل على المشاة أيضاً، فهي تقلل من نسب الحوادث وتجعل التصادمات عند التقاطعات أقل تكراراً، كما زاد التطور التكنولوجي من فوائد الإشارات المرورية، حيث أصبحت المدة الزمنية لبعض الإشارات غير ثابتة، وتتعدل وتضبط نفسها وفقاً لحجم الحركة المرورية مما يساعد على التخفيف من الازدحام المروري.
تخيل الفوضى العارمة في حياتنا بدون وجود هذا الاختراع، وتخيل كم ستتأخر عن عملك أو مدرستك أو موعدك إن لم تكن موجودة، حينها ستعرف وتقدر قيمة الإشارات المرورية جيداً.
هل يوجد حقاً أي آثار سلبية لوجود إشارات المرور؟
نعم، يمكن لإشارات المرور أن تكون مؤذية أحياناً. فعلى الرغم من قدرتها في تقليل التصادمات عند التقاطعات الطريقة، إلا أنها بطريقة أو بأخرى تساهم في زيادة نوع أخر من الحوادث. حيث تزداد الاصطدامات الخلفية بين السيارات في الشوارع التي تحتوي على إشارة مرورية.
كما أن زيادة الإشارات المرورية وتركيبها في الشوارع غير المزدحمة أو التي لا تحتاج لإشارة يتسبب في تأخير الناس عن أشغالهم وتسبب زحمة مرورية خانقة لا داع لها.
إلا أننا وللأسف نجد الإشارات المرورية مركبة في كل زاوية من كل شارع في أي مدينة، حتى وإن كان وجودها لا يقوم بأي تأثير إيجابي على المنطقة. يقوم بعض السائقين الذين يعانون من هذا الأمر بتحويل طريقهم من الشوارع الرئيسية إلى الشوارع الفرعية أو السكنية، لأنها تصبح أفضل وأسرع، كي لا يعلقوا في الزحمة المرورية التي تتسبب بها الإشارات ويضطروا إلى التأخير غير الضروري عن مواعيدهم.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الإشارات المرورية مكلفة للغاية، خصوصاً عندما تعرفون أن من يدفع الأموال لاستثمارها هو أنتم، دافعي الضرائب، فهي مكلفة في تصميمها وتركيبها كما أنها مكلفة لأنها تستهلك الطاقة الكهربائية على مدار 24 ساعة يومياً.
ما هي الدولة التي تعيش بلا إشارات ضوئية في شوارعها؟
بوتان هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا توجد بها ولا إشارة مرور واحدة في عاصمتها. إلا أنه بالطبع يوجد بديل عن هذا الاختراع، حيث يقف رجال الشرطة في مدينة تيمفو عند جميع التقاطعات الرئيسية ليتمكنوا بذلك من إدارة حركة مرور السيارات والمشاة بشكل يدوي ومباشر.
والجدير بالذكر هو أن أهالي هذه المدينة كانوا قد جربوا تركيب الإشارات المرورية في شوارعهم لفترة قصيرة من الزمن، إلا أنهم اشتكوا منها على الفور واعتبروها غير فعالة مقارنة بالشرطة المرورية.
في النهاية، بالرغم من جميع التناقضات التي تتعلق بموضوع الإشارات المرورية، والتفكير في سلبياتها وإيجابيتها وفيما إذا كانت فعالة حقاً، لا يمكننا الاستغناء عنها بكل بساطة، فهي عامل أساسي وضروري في الشوارع التي نعيش فيها وتنتقل من خلالها إلى حيث نريد.
ولو قمنا باللعن والشتم في كل مرة نقف فيها على إشارة مرورية ونرغب فيها في تحطيمها، سنتراجع عن ردة فعلنا هذه بمجرد أن نفكر بالأشياء السيئة التي تقوم الإشارات المرورية بردها عنّا، كالزحام والحوادث والفوضى.
نشكر لكم قراءة مقالنا ونتمنى أن تشاركونا آرائكم في التعليقات حول موضوع الإشارات المرورية ودورها في شوارع مدننا.