تضحيات الأب لضمان مستقبل الأبناء
الأبوة مرحلة مقدسة يبدأها الرجل، حاملاً على عاتقه مسؤولية رعاية وتربية أبنائه؛ مهما كلفته سنوات عمره من تضحيات على مختلف الأصعدة، هذه التضحيات لضمان مستقبل الطفل هي موضوع حديثنا.
ما هي الأشياء الأساسية التي يقدمها كل أب لأسرته؟
هناك بعض الأشياء التي يجب على الإنسان التخلي عنها لجعل عائلته سعيدة، ومن الصعب الموازنة بين احتياجاتك الشخصية والحفاظ على أسرة سعيدة، لكن يجدر بك التضحية لضمان بقاء أطفالك وزوجتك سعداء في نهاية اليوم، وهذه هي التضحيات الأساسية التي تقدمها من أجل أسرة سعيدة:
- المسائل المالية: سوف تتغير عادات الإنفاق الخاصة بك بمجرد أن تقرر الزواج، إذ عليك أن تأخذ بعين الاعتبار عائلتك عندما يتعلق الأمر بالتخطيط للمستقبل، فسيكون عليك العمل بشكل إضافي لتلبية احتياجات عائلتك، لذا قد يتطلب الأمر العثور على مصدر دخل إضافي؛ من أجل توفير المال للعائلة على المدى الطويل.
- نمط الحياة: يجب على الرجل ضبط أسلوب حياته حتى يتمكن من أن يكون أباً جيد، هناك تغييرات جذرية ستحصل بمجرد أن تتزوج، ولن تستمر في إنفاق الكثير من المال عندما تخرج مع أصدقائك، حيث يكون لدى أسرتك احتياجات أهم.
- الوقت: يجب أن تخلق وقتاً لعائلتك، فوجودك يعني الكثير لأطفالك، وسيكون عليك أن تخصص بعض الوقت للخروج من ازدحام جدول أعمالك؛ لضمان أن يدرك أطفالك مدى حبك لهم، إذ لا يستطيع الرجل أن يكون مشغولاً للغاية عن عائلته.
يستطيع الأب تربية أطفال أقوياء إذا تجنب الأمور التالية
إن تربية طفل قوي لا يعني أنه لن يبكي عندما يكون حزيناً أو أنه لن يفشل أحياناً، فالقوة لن تجعل طفلك محصناً من المشقة، لكنها أيضاً لن تسبب قمع عواطفه، في الواقع.. الأمر معاكس تماماً إذ أن قوة شخصية الطفل هي ما يساعده على الوقوف من جديد عند كل نكسة يتعرض لها في حياته مستقبلاً، حتى عندما يعاني أبناءك من الشك وعدم الثقة بالذات، فإن قوة عقل الطفل هي المفتاح لمساعدته على الوصول إلى أكبر إمكاناته في الحياة، لكن تربية طفل قوي ومتماسك كذلك من الناحية الذهنية؛ تتطلب من الآباء تجنب الممارسات الأبوية الشائعة وغير الصحية التي تحرم الأطفال من تكوين شخصيتهم، وفي كتاب الطبيبة النفسية إيمي موران (13 شيء لا تفعلها لتربي أبناء أقوياء)، هذه هي أهم الأشياء التي يجب تجنبها؛ إذا كنت ترغب في تربية طفل قوي ذهنياً وجاهز.. لمواجهة أصعب التحديات في الحياة:
- لا تنظر إلى الطفل كضحية: عندما يتعرض الطفل للضرب خلال لعبة مع أقرانه، أو عدم تحصيله الجيد عند إجراء اختبار في المدرسة؛ هذا لا يجعل الطفل ضحية، لأن الرفض والفشل والظلم جزء طبيعي من الحياة، عليك رفض مبدأ الشفقة على أطفالك، بدلاً من ذلك علمهم أنه مهما كانت ظروفهم قاسية أو غير عادلة، فيمكنهم دائماً اتخاذ إجراء إيجابي والنظر بإيجابية للأمور.
- ممارسة الأبوة بعيداً عن الشعور بالذنب: يعلّمك الشعور بالذنب أن طفلك يعلم أن الشعور بالذنب لا يطاق، حيث لن يتمكن الأطفال الذين يتعلمون هذا من قول "لا" للأشياء التي لا يمكنهم فعلها، عليك أن تُظهر لأطفالك أنه على الرغم من أنك تشعر بالذنب في بعض الأحيان، (وجميع الآباء والأمهات الصالحين يشعرون بالذنب كذلك)؛ فإنك لن تسمح لمشاعرك غير المريحة أن تعترض طريق اتخاذ قرارات حكيمة.
- جعل الأطفال مركز الكون: إذا جعلت حياتك بأكملها تدور حول أطفالك، فسوف يكبرون ويفكرون أن كل شخص يجب أن يكون في خدمتهم، ويبقون "أطفال بالغين" وبذلك يُحتمل أن يحصلوا على مسافة بعيدة عن الحياة الواقعية، عليك تعليم أطفالك أن يركزوا على ما يقدمونه للآخرين، بدلاً من التركيز على ما يمكنهم الحصول عليه منهم.
- السماح للخوف بإملاء خياراتك: على الرغم من أن إبقاء أطفالك داخل فقاعة الحماية سيوفر عليك الكثير من القلق، إلا أن اللعب بطريقة آمنة للغاية يعلّم طفلك؛ أنه يجب تجنب الخوف في جميع الأوقات، بدلاً من ذلك.. أظهر لأطفالك أن أفضل طريقة للتغلب على الخوف هي الوقوف أمامه وجها لوجه، وسوف تربي بذلك أشخاصاً شجعاناً يرغبون دائماً في الخروج من مناطق الراحة.
- توقع الكمال: إن توقع أن يكون أداؤك جيداً أمر جيد، لكن توقع أن يكون أطفالك مثاليين سيؤدي إلى نتائج عكسية، علّم أطفالك أنه لا بأس بالفشل، ومن الجيد والطبيعي.. أن لا تكون عظيماً في كل ما تفعله، وأن لا يجعل الشخص قيمته الذاتية تعتمد على كيفية قياسها من قبل الآخرين.
- السماح للأطفال بتجنب المسؤولية: إن إعفاء الأطفال من أداء بعض الأعمال المنزلية، أو تجنب التعب في أداء واجباتهم المدرسية؛ قد يكون هدفك كي يتمتع طفلك بمرحلة طفولة ممتعة، لكن الأطفال الذين يؤدون واجبات مناسبة لأعمارهم، لا يمكن اعتبارهم مثقلين بالأعباء أو أن ذلك ضد عيشهم مرحلة الطفولة، لكنهم يكتسبون القوة التي يحتاجون إليها عندما يبلغون ويتحملون المسئوليات.
- حماية الأطفال من الألم: مشاعر الحزن والقلق هي جزء من الحياة أيضاً، وإبعاد الأطفال عن تجربة هذه المشاعر المؤلمة؛ يجعلهم غير مرتاحين عندما يمرون بها، لذا قدّم لأطفالك التوجيه والدعم الذي يحتاجونه للتعامل مع الألم، حتى يتمكنوا من اكتساب الثقة في قدرتهم على التعامل مع المصاعب الحتمية للحياة القادمة.
- الشعور بالمسؤولية تجاه عواطف الطفل: إبهاج أطفالك عندما يكونون حزينين وتهدئتهم عندما يشعرون بالضيق؛ يعني أنك تتحمل مسؤولية تنظيم عواطفهم، لكن الأطفال يحتاجون لاكتساب الكفاءة العاطفية، حتى يتمكنوا من تعلم كيفية إدارة مشاعرهم الخاصة، عليك تعليم طفلك طرق صحية للتعامل مع عواطفه، حتى لا يعتمد على الآخرين للقيام بذلك.
- منع الأطفال من ارتكاب الأخطاء: تصحيح الواجبات المدرسية لطفلك، أو التحقق للتأكد من أن الطفل قد أنهى طعام الغداء، وتذكيره باستمرار القيام بالأعمال المنزلية الملقاة على عاتقه لن يفيد، فالعواقب الطبيعية يمكن أن تكون من أكبر المعلمين في الحياة، لذا دع أطفالك يخطئون في بعض الأحيان وعلّمهم كيف يستفيدون من أخطائهم، حتى يتمكنوا من النمو بشكل أكثر حكمة ويصبحون أقوى.
- خلط الانضباط مع العقوبة: تنطوي العقوبة على جعل الأطفال يعانون بسبب أخطائهم، لكن الانضباط يدور حول تعليمهم كيفية العمل بشكل أفضل في المستقبل، إن تربية الطفل الذي يخشى "الوقوع في المشاكل" ليست تربية تقدم خيارات جيدة، لكن استخدام العواقب التي تساعد أطفالك على تطوير الانضباط الذاتي هو ما يحتاجونه لاتخاذ خيارات أفضل.
- تجنب الانزعاج: على الرغم من أن الاستسلام لتفاصيل مثل وقت نوم الطفل أو القيام بالأعمال نيابة عن أطفالك سيجعل حياتك أسهل قليلاً الآن، لكنها تغرس عادات غير صحية عند أطفالك على المدى الطويل، فألغي نموذج الأب الذي يسعى إلى إرضاء أطفاله، حيث يمكنك مقاومة إغراءات ذلك، من خلال تعليمهم أنهم أقوياء بما يكفي للثبات حتى عندما يريدون الكف عن المحاولة.
- التغاضي عن القيم أمام الطفل: لا يغرس العديد من الآباء القيم التي يعتزون بها في أطفالهم وبدلاً من ذلك، فإنهم ينخرطون في فوضى الحياة اليومية، لذا تأكد من أن أولوياتك تعكس بدقة الأشياء التي تقدّرها في حياتك، وستمنح أطفالك القوة ليعيشوا حياة ذات معنى.
كيف يضحي الآباء من أجل مستقبل أبنائهم؟
تعريف واحد عملي للتضحية هو: أن تتخلى عن شيء ما بشكل مؤقت لتحقق شيء أفضل للمستقبل، هناك العديد من الأشياء الجيدة في حياتك: مشاهدة كرة القدم، والصيد، وممارسة الرياضة.. الخ، لكن كلها أقل أهمية بكثير من قضاء الوقت مع أطفالك، من خلال اللعب معهم أو الخروج لتناول الآيس كريم أو لعبة فيديو مع أطفالك، حيث تضحي بأوقاتك الخاصة إذا لم يستطع أطفالك أن يكونوا معك، ومهما كانت هذه التفاصيل صغيرة، فستضحي من أجل أطفالك ومستقبلهم، وهذه التضحيات هي:
- نمط حياتك: لن يكون من السهل بعد أن تصبح أباً؛ أن تنسى أن لديك أوقات خاصة وطويلة تقضيها مع أصدقائك لمشاهدة مباراة كرة القدم، أو التسكع في سهرات طويلة معهم، سيكون عليك تغيير نمط حياتك وكيفية عيش يومياتك.
- أن تجد طريقتك في تربية أطفالك: في بعض الأحيان لا يمكنك أن تصدق أن الكلمات آتية من فمك، "أنا أبدو مثل والدي" تفكر بذلك مع شيء من الخوف، لكنك أنت المسئول الآن ولديك مجموعة مختلفة من الأولويات، عليك إعادة وتوجيه طريقتك في تربية أبنائك.
- التضحية بالوقت: يتحرك الوقت مثل قطار، حتى المناسبات والأعياد تتسرب فجأة إلى يومياتك، هناك دائماً شيء آخر تحتاج القيام به ومكان آخر تحتاج أن تكون فيه، فالمكان الوحيد الذي تعرفه سيكون هو حيث يريدك أطفالك أن تكون فيه! وأنت كوالد جيد يعرف معنى عبارة "الوقت يضيع".
- التضحية ربما بأحلامك: قائمة أمنياتك تزداد كل شهر، فأنت تعمل بجد حتى تؤمن لعائلتك كل الأشياء التي تحتاجها، ولو استطعت تأمين الكماليات عندما يكون ذلك ممكناً فستفعل، كما أنك لو وجدت أي طريقة تزيد ميزانيتك لصالح أطفالك؛ فلن تكترث بأن تضيع منك بعض الأحلام الشخصية.
- التضحية براحتك: ستكون محظوظاً لو تجاوزت الساعة 8 صباحاً وأنت نائم خلال أيام العطلات الأسبوعية، كما يبدأ عملك في وقت مبكر وينتهي في وقت متأخر، قد يخطر في ذهنك أن تترك كل هذه المسؤوليات؛ لكنك لا تفعل، قد تتخيل أمك تصرخ عليك "أنت تصرف كل وقتك في النوم يا فتى"، لكنك الآن تشتاق للراحة والنوم وتقول في رأسك: "لا يا أمي، يبدو أنني لن أنام طوال اليوم مرة أخرى".
- تتخلى عن وظيفة الأحلام: أنت تعمل بجد وأنت موهوب، بطبيعة الحال ستأتي الفرص للأفضل على الصعيد المهني، من فرصة مهمة وتمثل حلماً لديك لكنها تحتاج إلى انتقال الأسرة إلى بلد آخر، أو وظيفة تتطلب أن تسافر ثلاثة أسابيع في الشهر، وسيكون المردود المالي ممتازاً، لكن هل ستغامر بوظيفة الأحلام؟ بطبيعة الحال... نعم ستتركها تطير منك، حيث تأتي إلى المنزل وابنك يغمرك ويخبرك كل شيء عن يومه، ستكون سنداً له وصديقاً وحتى شريك لعب في الشارع! في تلك اللحظات.. تدرك أنك على ما يرام حيثما أنت، لديك حاجة إلى تسلق السلم الوظيفي فحسب حتى الآن، وترضى أنك بالفعل حصلت على وظيفة أحلامك.
في النهاية.. لا تقتصر تضحيات الأب من أجل أبنائه على كيفية تعليم ابنك ركوب الدراجة ثم ستكون معه عندما يسجل اختصاص دراسته في الجامعة، أو تعليم ابنتك قيادة السيارة والحديث معها عن حبها الأول، فالوقت يمرّ بسرعة والحياة تمضي وأمس كانت تلعب مع صديقاتها، ثم ستمسك يدها يوم زفافها.. بعد أن أمسكت هذه اليد الصغيرة إلى روضة الأطفال، إنها التضحية الأكثر صعوبة لأي أب؛ لكنك تعلم أنهم ينشرون أجنحتهم ويطيرون في النهاية، لقد علّمتهم جيداً وهم متهيئون للطيران نحو الأفق والشمس.. لتنظر أخيراً بعين الرضا عن أداء وظيفتك كأحسن أب، وظيفة مقدسة وكنتَ أنت من حمل مسئوليتها.