الأعراض المبكرة لمرض باركنسون
يعتبر داء باركنسون (Parkinson’s Disease) من الأمراض العصبية المزمنة التي تؤدي إلى تراجع في قدرة المريض على التحكم بحركاته وأدائها بسهولة وسلاسة، بالإضافة إلى أعراض نفسية وعقلية تنتج عن تنكس في النسيج الدماغي.
من المؤكد أن إخبار شخص مقرب بخبر هذا المرض لن يكون أمراً سهلاً، ولكن تطوير علاجات جديدة لهذا الداء يعني أن التشخيص المبكر وكشف الأعراض يساعد على تحسين سير المرض والحفاظ على الوظائف الطبيعية.
يختلف داء باركنسون عن الأغلبية العظمى من الأمراض العصبية بعدم وجود اختبار تشخيصي مؤكد للمرض، ولذلك يعتمد التشخيص المبكر على ملاحظة أعراض وعلامات المرض من قبل أخصائي الأمراض العصبية، وفي المقال التالي سنتحدث عن أكثر الأعراض المبكرة لداء باركنسون شيوعاً، لا يمكن لأي منها تأكيد تشخيص المرض أو نفيه لكن ملاحظة أكثر من واحد منها يعني أن عليك حجز موعد واستشارة الطبيب.
أولاً: رعاش الراحة (Passive Tremor) والرجفان في داء باركنسون
هل لاحظت في الفترة الأخيرة ظهور رجفان ناعم أو اهتزاز في يدك أو أصابعك أو ذقنك؟ يعتبر الرجفان واحداً من الأعراض الرئيسية لداء باركنسون ويتميز بكونه ظاهراً في حالة الراحة أي عند استرخاء اليد مثلاً، ويوصف شكله النموذجي بأنه يشبه حركة عد النقود، لكنه يختفي تماماً أو بشكل شبه تام عند تحريك اليد أو الحديث (في حالة رجفان الذقن).
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
يمكن أن يحدث الرجفان بشكل طبيعي بعد ممارسة التمارين الرياضية المتعبة، في حالة التوتر النفسي أو عند التعرض لإصابة جسدية، كما يمكن أن يكون نتيجة لتناول بعض الأدوية مثل الأدرينالين أو دواء قصور الغدة الدرقية.
ثانياً: خط اليد الصغير
كيف تتغير كتابة المريض في هذا المرض؟، هل أصبح خط يدك أصغر بكثير مما كان عليه في الماضي؟ يمكن أن تلاحظ في بداية تطور داء باركنسون تغيراً في شكل الحروف التي تكتبها, ويكون هذا التغير واضحاً في حجم الخط الذي يصبح أصغر، كما تتزاحم الحروف وتقترب من بعضها، يدعى هذا التغير علمياً باسم (Micrographia) وهو من المعايير الثانوية لوضع التشخيص.
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
من الطبيعي أن يتغير حجم الخط مع التقدم في السن لذلك لا يعتبر هذا التغير من العلامات الرئيسية للتشخيص، فمع التقدم في السن تتراجع مرونة مفاصل أصابع اليد وتصبح حركتها أقل سلاسة.
ثالثاً: فقدان حاسة الشم
ما علاقة حاسة الشم بداء باركنسون؟، هل لاحظت مؤخراً أنك غير قادر على شم بعض أنواع الطعام أو العطور، فإذا شعرت بتغير في حاسة الشم وبخاصة تجاه بعض الروائح المحددة مثل الموز والمخلل والعرقسوس، ولم تكن مصاباً بالزكام أو بأحد أمراض الأنف والجهاز التنفسي عليك أن تسأل طبيبك عن داء باركنسون.
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
يمكن أن تتغير حالة حاسة الشم بشكل قابل للعكس في بعض الحالات مثل الإنفلونزا، الجو البارد أو شديد الجفاف ولكنها تعود إلى الحالة الطبيعية بعد زوال الظروف المسببة لاضطرابها.
رابعاً: مشاكل في النوم
تأثر النوم في داء باركنسون، وهو من الأعراض التي قليلاً ما يشكو منها المريض نفسه إنما تأتي الشكوى من قبل الزوج، فقد يقوم مريض باركنسون بالتحرك وفقاً لأحلامه خلال النوم كأن يلوح بيديه وقدميه ويركل النائم بجانبه مثلاً، تحدث الحركات المفاجئة خلال النوم عند إصابة المراكز العصبية الدماغية المسؤولة عن تثبيط عمل العضلات وإدخالها في وضع ارتخاء حتى الاستيقاظ، وهو من علامات الإصابة العصبية في داء باركنسون.
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
من جهة أخرى ليس من الضروري أن نحمل هذا الموضوع أكبر من قيمته الحقيقية، فالجميع قد يمر ببعض الليالي التي يقضيها متقلباً في السرير، كما أن الانتفاضات العضلية المفاجئة في مرحلة الدخول في النوم أو النوم السطحي تعتبر أمراً طبيعياً ولا يشير إلى أي مرض.
خامساً: صعوبة في المشي أو الحركة والأعراض الحركية لداء باركنسون
هل تشعر أحياناً بالصلابة في جسمك أو ذراعيك وقدميك؟ هل أخبرك الآخرون بأن يديك لا تتحركان إلى الأمام والخلف بشكل طبيعي عندما تمشي؟ أحياناً تختفي هذه الصلابة عندما تبدأ بالمشي، وإذا لم تختف فقد تكون دليلاً على الإصابة بداء باركنسون، من العلامات المبكرة ظهور تيبس أو ألم في الكتفين أو الوركين، كما أن المريض لا يرفع قدميه عن الأرض مع كل خطوة، ويصف بعض المرضى أقدامهم بأنها ’ملتصقة بالأرض’.
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
يمكن أن تشعر بالألم وصعوبة في تحريك الكتف عند تعرض الكتف أو الذراع لرض أو إصابة قبل فترة قريبة ريثما يتم الشفاء، كما أن بعض أمراض التهاب المفاصل تسبب ألماً وتحدداً في حركة الكتفين والوركين بشكل شبيه لما يحدث في داء باركنسون.
سادساً: الأعراض الهضمية وتأثر الجهاز الهضمي بداء باركنسون
هل تعاني من الإمساك بشكل متكرر ومستمر؟ يمكن أن يعاني المصاب بداء باركنسون في البداية من صعوبة في إخراج البراز كل يوم بدون الشد، ويعتبر الشد عند التغوط من الأعراض الهضمية التي تدعو لاستشارة الطبيب عند تطورها بشكل حديث عند شخص مسن.
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
يعتبر الإمساك واحداً من أكثر الأعراض الهضمية ملاحظة عند المسنين، ويمكن أن يحدث نتيجة نقص الألياف النباتية في النظام الغذائي وقلة الحركة يومياً، بالإضافة إلى استخدام الأدوية وخاصة تلك المسكنة للألم، ولذلك لا يثير الإمساك الشكَّ بداء باركنسون إلا إذا لم يمكن تفسيره بأي أسباب صحية أو غذائية أو دوائية أخرى.
سابعاً: تغير في لحن الصوت
كيف يكون صوت مريض باركنسون؟، قد يكون أفراد عائلتك أو أصدقائك قد أخبروك بأن صوتك أصبح خشناً أو منخفض اللحن، ويعتبر تغير لحن الصوت حديثاً لدى المسن من الأعراض التي يجب استقصاؤها لأنه قد يكون ناتجاً عن أورام الحنجرة أو التهاباتها المزمنة.
تبدأ تغيرات الصوت في داء باركنسون بشكل خفي وبطيء، ويتحول في النهاية إلى صوت منخفض اللحن والشدة، كما أن وتيرة الصوت تصبح ثابتة وتختفي تبدلات النبرة الصوتية الطبيعية في الكلام.
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
يمكن أن يتغير الصوت في بعض الحالات غير المتعلقة بداء باركنسون مثل الإنفلونزا أو التهاب الحنجرة، ولكن الصوت في هذه الحالات يعود إلى وضعه الطبيعي بعد زوال الأعراض التنفسية مثل السعال والاحتقان.
ثامناً: ثبات تعابير الوجه والوجه المقنع أو عديم الملامح في سياق باركنسون
يمكن أن يكون بعض الأصدقاء قد أخبروك بأنك تملك وجهاً جاداً أو مكتئباً أو غاضباً طوال الوقت، حتى عندما تكون في مزاج جيد، يدعى هذا المظهر باسم الوجه المقنع (Masked Face)، وهو من العلامات التي تدعو إلى طلب استشارة من طبيب الأمراض العصبية.
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
يمكن لاستخدام بعض المركبات الدوائية أن يؤدي إلى مظهر الوجه الجامد ذاته، ولكن هذا العرض يجب أن يزول بعد استخدام الدواء، وقد تكون من أولئك الأشخاص الذين يملكون هذه النظرة الجادة الغاضبة منذ البداية.
تاسعاً: الدوخة أو فقدان الوعي وتأثير داء باركنسون على الوعي
هل لاحظت أنك كثيراً ما تشعر بالدوار عند نهوضك بعد الجلوس لفترة طويلة؟ هل فقدت الوعي مسبقاً عندما نهضت عن كرسي مثلاً؟ تدعى هذه الحالة باسم هبوط الضغط الانتصابي وهي مرتبطة في بعض الأحيان بداء باركنسون.
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
جميع الأشخاص تقريباً سبق لهم أن شعروا بهبوط الضغط الانتصابي إلى درجة ما، فهو نتيجة عن عدم قدرة جهاز الدوران على التكيف بشكل سريع مع تغير وضع الجسم من أجل إيصال كمية كافية من الدم إلى الدماغ، وهو قد يكون أثراً جانبياً للكثير من الأدوية أهمها الأدوية الخافضة للضغط، لكن ظهور هبوط الضغط الانتصابي بشكل متكرر وبدون سبب دوائي يثير الشك بحدوث داء باركنسون.
عاشراً: الانحناء إلى الأمام وتحدب الظهر من أعراض داء باركنسون
إذا أخبرك أفراد عائلتك وأصدقاؤك بأن ظهرك أصبح منحنياً إلى الأمام بشكل زائد وخاصة عند الوقوف أو المشي، فقد يكون هذا الأمر من مظاهر داء باركنسون.
هل يمكن أن تكون هذه الحالة طبيعية؟
يمكن أن يقف الشخص بوضعية غير طبيعية إذا كان يعاني من مرض أو إصابة ما، كما أن أمراض العمود الفقري التي تحدث عند المسنين مثل تخلخل العظام تمثل سبباً هاماً من أسباب التحدب عند المسنين.
وفي الختام.. نجد أن هناك عدداً كبيراً من الأعراض التي قد يظهر بها داء باركنسون في مراحله الأولى، والتي قد تساعد الطبيب على كشف المرض مبكراً والسيطرة عليه، ولكننا رأينا أيضاً أن جميع هذه الأعراض قد تظهر في أمراض أخرى أو حتى لدى أشخاص طبيعيين، وهنا علينا الموازنة بين أخذ الأعراض بجدية من جهة، والتفكير المنطقي وعدم توهم الأسوأ من جهة أخرى.