مرض الرّبو (Asthma) عند البالغين
قد تستخدم المادّة المؤرجة (عوامل الحساسية) التي تطلق ردّ الفعل المناعي المفرط عند مريض الربو كوسيلة علاجيّة لحالته في بعض الأحيان، ويتمّ ذلك عبر حقنه بجرعات قليلة جداً منها مرّة واحدة في الأسبوع على مدى بضعة أشهر، ثم يتم إنقاص مدة التعرض إلى مرة واحدة في الشهر وذلك على مدى عدة سنوات، حيث يعتقد أن هذا التعرض البسيط للمادة المحسسة سيخفف رد الفعل المناعيّ المبالغ فيه تدريجياً لدى مريض الرّبو.
تابع معنا في هذا المقال أسباب حدوث مرض الرّبو عند الأفراد، وتعرّف على مجموعة الأعراض التي يشكو منها المريض إلى جانب طريقة التدبير الطبيّة المتبعة حالياً.
يعتبر الرّبو واحداً من أكثر الأمراض المزمنة التي تصيب رئتي الإنسان شيوعاً، يقوم بشكل أساسيّ على فرط حساسيّة الطرق الهوائيّة التي تتفرّع من قصبتي الرغامى وتعمل على إيصال الهواء إلى داخل الرئتين، والتي تحدث كاستجابة لوجود بعض العوامل المحسّسة (المؤرّجة) في الجو المحيط، يتلوها حدوث الالتهاب في جدار هذه الطرق الهوائيّة (والتي نسميها القصبات) وتضيّقها، مما يعيق وصول الهواء وبالتالي حدوث ضيق النفس عند الفرد، ليس هذا فحسب، بل تزداد إفرازيّة الغدد المخاطية التي تتواجد بكثرة في جدار القصبات الهوائيّة، مما يؤدي لتشكيل السدادات المخاطيّة التي تغلق جزءاً من السبيل الهوائيّ العابر إلى داخل الرّئة.
لماذا يحدث الرّبو عند الأفراد؟
لا تزال الأسباب المسؤولة عن حدوث الربو غير معروفة بدقّة من قبل الأطباء، إلا أنّ الملاحظات والنتائج المتتابعة التي توصّل لها الباحثون تفضي بتدخّل العامل الوراثيّ كسبب هامّ وذي أرجحيّة عالية لإحداث الرّبو عند الأفراد.
نسمّي العوامل المسؤولة عن إطلاق فتيل الالتهابات المزمنة في جدار القصبات الهوائيّة بالعوامل المحسّسة أو المؤرجات (Allergens)، لاسيّما أننا بيّنّا كيف يعتبر الرّبو شكلاً من أشكال فرط الحساسيّة التي يبديها جسد الإنسان تجاه بعض العوامل الموجودة في البيئة المحيطة، ومن هذه المؤرجات نذكر ما يلي:
1- غبار الطّلع والأغبرة الأخرى الموجودة في الهواء.
2- الغبار المتراكم على أثاث المنزل والعتّ المنزليّ.
3- دخان السجائر، سواء كان مريض الربو مدخناً أو يتعرض لدخان السجائر ممن حوله (تدخين سلبيّ).
4- الدخان المنبعث بعد حرق العشب أو الخشب.
5- وبر الحيوانات الأليفة (قطط مثلاً) والصراصير.
6- بعض المواد الحافظة التي تضاف للأطعمة والمشروبات المعلّبة.
ليس هذا فحسب، بل يمكن لنوبة الرّبو الحادة أن تحدث لدى المريض إذا ما تعرّض لتوتر نفسيّ شديد، أو بعد ممارسة التمارين الرياضيّة (الربو المحرّض بالجهد)، أو حينما يصاب الشّخص بإنتانات في الجزء العلويّ من الجهاز التنفسيّ (أي من مخاطية الأنف وحتى الرغامى) كحالات البرد الشائع (Common Cold)، من جانب آخر يمكن للقلس المعدي المريئيّ (GERD) (حالة مرضيّة تنجم عن ارتخاء المعصرة السفلية للمري مما يتسبب بارتداد قسم من العصارة المعدية الحامضة إلى داخل المري) أن يحرّض نوبة الرّبو الحادة، خصوصاً إذا اشتدت حالة القلس دون ضبط أو تحكّم طبيّ فيها.
التبدلات الهامة التي تطرأ على جدار القصبات الهوائيّة في سياق مرض الرّبو
بعد تعرّض الإنسان لعامل محسّس معيّن لأول مرّة يسارع جهازه المناعيّ للتعرف عليه وتمييزه، مطلقاً بذلك الضد المناعيّ (Ig E) الذي يتوضع على سطح خلايا خاصّة تجول في دم الإنسان نسميها الخلايا البدينة (Mast Cells)، إن إطلاق هذا الضد المناعيّ وتوضعه على سطح الخلايا البدينة يحدث لسبب خاصّ ومميّز، يقوم مضمونه على تعرّف هذا الضد المناعيّ على العامل المحسّس وتمييزه إذا ما دخل لجسد الإنسان مجدّداً، فالدخول الثاني لهذا المؤرج سيحرّض ردة الفعل المناعية المفرطة والمبالغ فيها، حيث يرتبط العامل المحسس مع الضد المناعيّ (Ig E) على سطح الخلايا البدينة مما يؤدي لانفتاحها، وتتحرّر منها العوامل الالتهابيّة والتحسّسية المختلفة، كالهيستامين والإنترلوكين والبراديكينين التي تحرّض رد الفعل الالتهابيّ في جدار القصبات الهوائيّة، فسنجد وذمة واضحة في هذا الجدار مع تجمّع للخلايا الالتهابيّة (العدلات) وارتشاحها في جدار القصبات إلى جانب تقلّص العضلات الملساء التي تدخل في تركيب هذا الجدار بشكل شديد، مما يؤدي إلى تضيق السبيل الهوائيّ وإعاقة مرور الهواء الداخل إلى الرئتين، يضاف لها زيادة إفراز الغدد للمخاط وتراكمه ضمن لمعة القصبات مما يؤهب لتشكيل السدادة المخاطيّة.
1- قصّة عائليّة للربو، كوجود شكاية مزمنة للربو عند الأم أو أحد الأخوة.
2- التواجد في بيئة تكثر فيها المؤرجات المطلقة لنوبة الرّبو.
3- تدخين الفرد الإيجابيّ والسلبيّ.
4- تلوّث الهواء.
5- العمل في بيئة تكثر فيها الأغبرة (عمّال البناء) أو المخرشات الكيماويّة والمنظفات (مصانع لمواد كيماويّة) أو الأصبغة (مصفّفو الشعر).
6- وجود شكاية مزمنة من التهاب الأنف التحسّسيّ عند الفرد أو التهاب الجلد التأتبيّ (الإكزيما)، لاسيّما أنها من حالات فرط الحساسيّة أيضاً.
تحت تأثير مجموعة التبدلات المرضيّة التي استعرضناها في الفقرة السابقة يشكو مريض الربو من الأعراض التالية خلال نوبة حادّة:
1- ألم صدري وإحساس بالشّدّ على الصدر.
2- صعوبات في التنفس.
3- زيادة عدد الحركات التنفسيّة عند المريض كي يستنشق مزيداً من الهواء.
4- قد تحدث الزرقة في وجه المريض إثر التضيقات الشديدة التي تحدث في القصبات الهوائيّة وإعاقة مرور الهواء إلى داخل الرئتين للاستفادة منه.
5- سماع صوت وزيز (Wheezing) في نهاية الزفير عند المريض ينجم عن مرور الهواء المتجه نحو الخارج عبر قصبة متضيّقة (سبيل ضيّق).
6- سعال.
7- مشاكل في النوم، حيث يصعب على المريض أن ينام بشكل طبيعيّ مع وجود السعال وضيق النفس الذي يشتدّ ليلاً.
يستفسر الطبيب الفاحص عن مجموعة الأعراض والعلامات التي توجّهه نحو وجود الربو عند مريضه، كالسعال وضيق النفس اللذين يشتدان ليلاً، وسماع صوت الوزيز في نهاية كل زفير أثناء النوبة الحادّة، وتكرار الإنتانات التنفسية لديه أو استمرار حالة البرد الشائع عند المريض لأكثر من 10 أيام أو وجود مشاكل في النوم أو العمل أو تأثر التحصيل الدراسي بسبب كثرة النوبات غير المضبوطة بشكل جيّد، كما سيسأل الطبيب بالطبع عن وجود حالة ربو عائليّة أو أيّ حالة فرط حساسيّة لدى الأب أو الأم أو أحد الأخوة، مع الاستفسار عن طبيعة المنزل الذي يسكن فيه المريض والبيئة المهنيّة.
الاختبارات التي يقوم بها الطبيب في سياق تشخيص مرض الربو
يقوم الطبيب بفحص الوظائف التنفسيّة لدى مريضه عبر إجراء اختبار السبايروميتر (Spirometry)، حيث يقيس من خلاله قدرة الفرد على استنشاق الهواء بعمق وزفره بأقصى سرعة ممكنة، وهي بالطبع تتأثر سلباً في حالة الربو نظراً لضيق السبل الهوائيّة، إلى جانب استخدام جهاز بيك فلو (Peak-Flow) لتحديد مقدار ما يستطيع المريض أن يزفره من هواء، وإن انخفاض القيمة المحسوبة عند المريض عمّا هو متوقع يشخص الحالة.
متى ينبغي الإسراع إلى أقرب مركز صحيّ؟
تعتبر نوبة الربو الحادّة من الحالات التي تحتاج إلى تدخل طبيّ فوريّ وسريع ، وبالتالي فإننا ننصح الأفراد بضرورة الإسراع إلى أقرب مركز صحي حينما تظهر أعراض النوبة الحادة، أو حينما تشتدّ الشكوى البدئيّة لدى المريض، كأن يعاني مثلاً من:
1- اشتداد الوزيز لديه.
2- ضيق تنفسي شديد، لاسيّما بعد القيام بحركات رياضية بسيطة، أو بعد صعود درجات قليلة مثلاً.
3- عدم استجابة المريض على الأدوية المستعملة عادة في تدبير نوبة الربو الحادّة.
المضاعفات التي يمكن حدوثها في حال عدم اتخاذ التدابير الطبية الصحيحة عند مريض الرّبو
1- تأثر الحياة الطبيعيّة اليوميّة عند المريض سلبياً، حيث يشكو من صعوبات في النهوض إلى العمل أو المدرسة وعدم قدرته على ممارسة النشاطات المختلفة التي اعتاد القيام بها بشكل طبيعيّ.
2- تطوّر الحالة المرضيّة عند الفرد نحو الأسوأ، وانتقال التضيق القصبيّ الحاصل نحو المرحلة الدائمة.
3- يمكن لزيادة المفرزات المخاطيّة أن تتسبب بحدوث السدادة المخاطيّة التي تؤهب للتكاثرات الجرثوميّة وحدوث الإنتانات التنفسيّة المتكرّرة.
4- كثرة التردد لقسم الطوارئ والإسعافات.
الأدوية التي توصف عموماً لتدبير نوبة الربو الحادّة عند المريض
تستخدم الأدوية التالية عادة لتدبير نوبة الربو الحادّة التي تحدث بشكل مفاجئ عند الفرد، أو قد يوصي بها الطبيب المختصّ أحياناً قبل إجراء التمارين الرياضيّة، وهي:
1- مقلّدات بيتا قصيرة الأمد: وهي أدوية تفيد في توسيع القصبات الهوائيّة المتضيّقة، تؤخذ انشاقاً (Hand-held Inhaler) أو عبر الإرذاذ (Nebulizer) وتظهر فعاليتها الممتازة في توسيع القصبات خلال دقائق قليلة، غير أن تأثيرها يستمرّ لفترة قصيرة، نذكر منها ألبوتيرول (Albuterol).
2- إبراتروبيوم (Ipratropium): يستعمل هذا الدواء أحياناً في تدبير نوبة الربو الحادّة، فهو يعمل خلال دقائق قليلة على استرخاء العضلات الملساء المتقلصة بشدّة مما يساهم في توسيع القصبات الهوائيّة المتضيّقة.
3- الستيروئيدات القشريّة (Corticosteroids): تعطى هذه الستيروئيدات فموياً أو عبر الوريد لعلاج الالتهاب الحاصل في جدار القصبات الهوائيّة والتخفيف من شدّته، نذكر منها البريدنيزولون (Prednisolone)، تجدر الإشارة إلى أن هذه الأدوية لها آثار جانبيّة مهمّة ينبغي أن يضعها الطبيب في الحسبان، لذلك توصف هذه الأدوية بحكمة ولفترة قصيرة الأمد لعلاج الأعراض الشديدة التي يشكو منها مريض الرّبو.
ما هي العلاجات التي يوصي بها الأطباء لتدبير الربو وضبط أعراضه على المدى الطويل؟
تستخدم هذه الأدوية عادة للسيطرة قدر الإمكان على الأعراض الخاصة بمرض الربو وضبطها، إلى جانب التقليل من إمكانية حدوث الأشكال الحادة من المرض، وهي:
1- مقلّدات بيتا طويلة الأمد: تفيد هذه الأدوية في توسيع القصبات الهوائية لتسهيل مرور الهواء عبرها، تؤخذ هذه الأدوية إنشاقاً، يستمر تأثيرها لفترات أطول عن المقلدات قصيرة الأمد، غير أنها تستغرق وقتاً أطول منها كي تبدأ فعاليتها، لذلك لا تفيد في تدبير الحالات الحادّة من الرّبو، إنما تشكل حجر الأساس في حالات الضبط والتحكم بالربو على المدى الطويل. نذكر من هذه الأدوية: سالميتيرول (Salmeterol) و فورموتيرول (Formoterol).
2- الستيروئيدات القشريّة الإنشاقيّة (Inhaled Corticosteroids): تفيد هذه الأدوية في تخفيف الحالة الالتهابية التي تحدث في جدار القصبات الهوائيّة والسيطرة عليها ومنع اشتدادها، وتمتاز بكونها أخفّ وطأة من الستيروئيدات الفمويّة من ناحية الآثار الجانبيّة، نذكر منها فلوتيكازون (Fluticasone).
3- مركبات اللوكوترين: تضبط هذه الأدوية أعراض الربو وتسيطر عليها لفترة زمنية تستمر إلى أكثر من 24 ساعة، نذكر منها مونتيلوكاست (Montelukast).
4- المواد الإنشاقيّة المشتركة: يحتوي هذا المركب الإنشاقيّ على الستيروئيدات ومقلدات بيتا طويلة الأمد معاً.
5- التيوفيللين (Theophylline): يرخّي التيوفيللين العضلات الملساء في جدار القصبات الهوائيّة، مما يخفف من تضيقها ويؤمن انفتاحها لمرور الهواء، وقد خفّ استخدامها حالياً قياساً للسنوات السابقة.
في ختام المقال ... نشير إلى أن معظم حالات مرضى الربو يستطيعون ممارسة أغلب نشاطاتهم اليومية بشكل طبيعيّ، وذلك مع اتباع تعليمات الطبيب وتوصياته بتجنب المؤرجات والإقلاع عن التدخين مع المواظبة على استخدام العلاجات طويلة الأمد وفقاً لتوصياته.