أسباب وأعراض الماء الأزرق في العين (الزّرق)
يشتهر الزَّرق بأسماء أخرى كثيرة منها ارتفاع ضغط العين، المياه الزقاء، الغلوكوما، الماء الأسود، وهو حالة عينية مزمنة شائعة تصيب الكثير من الأشخاص خاصة المتقدمين في السن، كما أنه مسؤول عن نسبة لا يستهان بها من حالات فقدان البصر عند المسنين.
فمن أين يأتي هذا الماء الأزرق؟ وكيف يؤثر على العين وعملية الإبصار بشكل عام؟ سنتعرف إلى كل ذلك وأكثر في المقال التالي.
يشير اسم الزرق إلى جميع الاضطرابات التي تؤدي إلى أذية العصب البصري، تحدث هذه الأذية بسبب تجمع السائل الشفاف الموجود في مقدمة العين (أو ما يدعى باسم الحجرة الأمامية)؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط ضمنها وتخريب هذا العصب الذي يخرج من مؤخرة العين.
قد يكون التراكم ناتجاً عن زيادة إفراز السائل من المنطقة المكونة له والمدعوة باسم منطقة الزوائد الهدبية التي تحيط بعدسة العين، أو قد يكون بسبب انسداد قنوات تصريف السائل من منطقة تدعى باسم زاوية العين.
لا يعتبر مصطلح الزرق (Glaucoma) مصطلحاً محدداً لمرض واحد، إنما يستخدم لوصف مجموعة من الحالات المرضية العينية التي تؤدي إلى إصابة العصب البصري (Optic Nerve) (وهو العصب الذي ينقل الإشارات العصبية البصرية من العين إلى منطقة من الدماغ مسؤولة عن استقبال المعلومات البصرية ومعالجتها)، تحدث هذه الإصابة نتيجة ارتفاع الضغط داخل العين إثر تجمع السائل ضمنها بشكل تراكمي ومستمر، إضافة إلى عدم عمل النظام المسؤول عن تصريف هذا السائل بشكل سليم.
يعتبر الزرق حالة طبية شائعة، لكن القليلين يلاحظون أعراضه خلال سنوات الشباب لأن الأعراض لا تظهر عادة في هذه الفترة، لذلك تندرج نسبة كبيرة من المصابين به في فئة المعمّرين (في العقد الثامن أو التاسع من العمر)، لكن هذا المرض لا يجب إهماله بغض النظر عن عمر المصاب لأنه قابل للعلاج في المراحل المبكرة إنما يتطور ويسبب أذية بصرية دائمة في حال لم يتم تشخيصه وعلاجه باكراً.
تختلف الأعراض كثيراً بين أنواع الزرق المختلفة لأن كلاً منها له أسبابه والآليات التي يحدث بها، لكن الزرق يتسم عموماً بغياب الأعراض في المراحل المبكرة ولا يمكن كشفه إلا أثناء الفحص الطبي الروتيني في العيادة العينية، أما غياب الأعراض الواضحة فهو يعود لعدد من الأسباب، منها كون فقدان البصر أمراً بطيئاً ومستمراً بشكل يسمح للعين بالتأقلم معه و"ملء الفراغات" إن صح التعبير، ومنها أيضاً كون الأذية البصرية تصيب المناطق المحيطية في البداية (أي أن رؤية المصاب تكون طبيعية لما يشاهده أمامه في البداية ويقتصر الضرر على رؤية المحيط أو ما يدعى الرؤية بطرف العين).
في مراحل متقدمة من الزرق يحدث ما يدعى رؤية النفق (Tunnel Vision) أي يرى المريض ما هو أمامه فقط وكأنه ينظر عبر أنبوب أو من داخل نفق لا يبدو منه شيء من المحيط، وهذا لأن الرؤية المحيطية تتضرر وتغيب أما الرؤية المركزية (نحو الأمام) تكون سليمة.
عادة ما تُصاب كلتا العينين بالزرق بالرغم من كون الأعراض تكون في إحداهما أسوأ من الأخرى، تتطور الأعراض من تشوش البصر حتى العمى بشكل بطيء ومتدرج، ولكن في بعض الحالات التي تسمى الهجمات الحادة يكون تطور الأعراض سريعاً ومفاجئاً إذ يحدث ما يلي:
- ألم شديد: في منطقة العين وما حولها، إضافة إلى ارتفاع حساسية هذه المنطقة لتصبح ملامستها ولو بشكل خفيف أمراً مؤلماً للغاية.
- تغير لون العين: إلى الأحمر أو البنفسجي.
- صداع.
- رؤية هالات ضوئية: أو حلقات مبهمة ملونة بألوان قوس قزح حول مصادر الضوء مثل المصابيح أو النجوم أو الشموع.
- تشوش الرؤية المفاجئ دون سابق إنذار.
- غثيان وإقياء.
بما أن الزرق لا يبدي أية أعراض ظاهرة في مراحله المبكرة ويتطور بصمت فيبقى الفحص الدوري المستمر للعينين الوسيلة الأفضل لاستقصاء ارتفاع ضغط العين وتشخيصه قبل أن يُحدث أذية بصرية كبيرة لأن فقدان البصر الناتج عن الزرق لا يعود ولا يُصحح.
أما في حال حدوث أحد الأعراض الخطيرة وتدهور الحالة بسرعة لا يجب الانتظار حتى الصباح إن حدثت في الليل مثلاً إنما يجب نقل المريض إلى أقرب وحدة عناية إسعافية من أجل السيطرة على الوضع لأن القدرة البصرية للمريض قد تكون في خطر ويجب إنقاذها بأسرع وقت ممكن.
هناك عدد كبير من التصنيفات الفرعية التي تندرج تحت مسمى الزَّرق، لكنها جميعاً تنتمي إلى مجموعتين كبيرتين هما الزرق الأولي مفتوح الزاوية (Primary Open Angle Glaucoma) والزرق ضيق أو مغلق الزاوية (Closed Angle Glaucoma):
- الزرق الأولي مفتوح الزاوية (Primary Open Angle Glaucoma):
- أكثر الأنماط شيوعاً، يتطور بشكل تدريجي لأن السائل المتراكم في العين لا يتم تصريفه بالشكل المطلوب بالرغم من كون أنابيب التصريف تبدو طبيعية، نتيجة ذلك يرتفع ضغط العين ويؤدي إلى تخرب بطيء في العصب البصري،
- هذا النوع من الماء الأزرق ليس مؤلماً ولا يسبب أي فقدان بصري في البداية، بعض الأشخاص معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بهذه المجموعة من الزرق لأن العصب البصري لديهم حساس بشكل كبير لارتفاع الضغط، لذلك تسهم العوامل الوراثية بشكل ملحوظ في ظهور الزَّرق مفتوح الزاوية.
- الزرق مغلق الزاوية (Closed Angle Glaucoma):
- يحدث هذا النوع في حال كانت القزحية (الجزء الملون من العين، تحيط بفتحة دخول الضوء التي تسمى الحدقة) قريبة من فتحة التصريف، ونتيجة ظروف متعددة يمكن أن تغطي القزحية فتحة التصريف في زاوية العين وتسدُّها بشكل مشابه لوضع قطعة من الورق فوق فتحة حوض الاستحمام مثلاً مما يسبب انسداده بشكل مفاجئ.
- إذا كان الانسداد تاماً يتراكم السائل ويرتفع ضغط العين بسرعة كبيرة وهذا ما يدعى باسم هجمة الزَّرق الحادة (Acute Glaucoma Attack)، وهي - كما ذكرنا - حالة طبية إسعافية مهدِّدة بفقدان البصر لذلك يجب تدبيرها بأسرع ما يمكن.
- في بعض حالات الزَّرق مغلق الزاوية لا تظهر الأعراض المؤلمة على الإطلاق في البداية؛ لذلك لا يعلم المصاب بوجود الزرق لديه حتى تتدهور القدرة البصرية بشكل ملحوظ أو تحدث هجمة زرق حادة بالأعراض النموذجية التي ذُكرت في الأعلى.
يمكن للجميع أن يصابوا بارتفاع ضغط العين بغض النظر عن العمر والجنس والعرق، لكن احتمال الإصابة ليس متساوياً بالنسبة لهم جميعاً، فيما يلي بعض عوامل الخطورة المعروفة حول الزرق:
- العرق: يملك السود قابلية عالية للإصابة بالزرق، إضافة إلى بعض المجموعات البشرية الأخرى مثل اللاتينيين والآسيويين.
- العمر: يمكن أن يصيب الزَّرق الأطفال أو حتى الرضَّع، لكنه ليس شائعاً تحت عمر الـ 40.
- القصة العائلية: أي وجود فرد من العائلة مصاب بالزرق، ويزداد هذا الاحتمال إذا كان هذا الشخص من العائلة المقربة (أحد الإخوة مثلاً).
- الداء السكري.
- بعض الأدوية: مثل الكورتيزون (Cortisone) والبردنيزون (Prednisone).
- ضعف البصر.
- أذية عينية: نتيجة حادث أو عملية جراحية سابقة.
للأسف، لا يمكن تعويض فقدان البصر الناتج عن الزرق قبل تشخيصه، حيث يهدف العلاج إلى منع الحالة من التدهور والحفاظ على القدرة البصرية في وضع مستقر، يعتمد تقرير الخطة العلاجية على نوع الزرق وحالة المريض، ومن هذه العلاجات:
- القطرات العينية (Eye Drops): تحوي هذه القطرات موادّاً تؤثر على المنطقة المفرِزة للسوائل وتدفعها إلى الحد من إفرازه، أو تحفز قنوات تصريفه لتمنع تراكمه في العين، لكن هذه الأدوية قد تُحدث آثاراً جانبية مثل الحساسية للدواء، تشوش الرؤية واحمرار العينين، كما أنها تملك تأثيرات بسيطة على القلب والرئتين، لكن هذه الآثار لا تظهر إلا في حالات قليلة عند المرضى الحساسين أو الذين يتعاطون أدوية قد تتداخل معها بشكل أو بآخر.
- الجراحة باستخدام الليزر (Laser Surgery): من أجل فتح الأقنية المسدودة في العينين وتحسين التصريف أو تخريب المناطق المفرزة للسوائل.
- العمليات الجراحية الدقيقة (Microsurgery): ليست شائعة إلا في الحالات التي قد تخرج عن السيطرة، يمكن أن تترك آثاراً جانبية متنوعة ومتدرجة في الشدة كما أن احتمال الخطأ فيها وارد، لذلك يجب إعادة العملية في حال فشلها أو عدم الرضى عن نتائجها.
ماذا يحمل المستقبل إلى مريض الزرق؟
يعتمد تطور الحالة على طبيعة الإصابة والفترة التي تطورت خلالها بصمت قبل أن يتم تشخيصها، ويواجه المصاب أحد الاحتمالات التالية:
- في معظم الحالات يؤدي الزرق إلى درجة ما من الأذية البصرية الدائمة التي لا تشفى ولا تتحسن، مع الحفاظ على قدرة بصرية كافية لأداء المهام اليومية الطبيعية دون إعاقة حقيقية.
- في بعض الحالات تصبح النشاطات الحياتية التقليدية مثل القراءة أو قيادة السيارة صعبة أو غير ممكنة، وهنا تُعتبر الأذية البصرية واسعة إلى حد ما.
- عند عدد قليل من المرضى تتطور الحالة إلى حدوث فقدان كامل للبصر.
وفي الختام.. يبقى الفحص البصري المتكرر وعدم إهمال صحة العينين الحلَّ الوحيد من أجل الوقاية من مضاعفات الزرق وسائر الأمراض العينية المزمنة الأخرى، كما يجب الانتباه إلى علامات الخطورة المنذرة بحدوث هجمة حادة والإسراع في نقل المريض إلى الإسعاف لأن التأخير لبضعة دقائق قد يصنع الفرق بين البصر والعمى.