الرفض الاجتماعي للمرأة وتأثير الاستبعاد الاجتماعي
ارتبط رفض المرأة من قبل المجتمع واستبعادها؛ بعقدة العار والذنب التي ترافقها منذ مولدها كفتاة، ولا يتوقف ذلك على مجتمعات بعينها، حيث تعاني المرأة في مختلف أنحاء العالم كونها تبقى نكرة من دون المحددات التي يفرضها عليها الجميع، سواء من حيث الزواج أو إنجاب الأطفال أو العمل والمساواة في الأجور.. وما إلى ذلك، موضوع مقالنا الرفض الاجتماعي للمرأة.
الرفض مؤلم لأي شخص يختبره، لأنه من المشاعر التي يجب أن نتحملها جسدياً، يقول الخبراء أنه "من الطبيعي أن يجعل بعض الناس يشككون في تقديرهم لذواتهم"، كما تقول المتخصصة في علم الاجتماع ميغان بيكهام (Meaghan Peckham): "عندما نواجه الرفض.. يزيد الإحساس بالتهديد حول التواصل، يمكن أن يشعر المرء بتهديد عميق؛ فيتعامل الناس مع الرفض بشكل مختلف، أحياناً يمكن أن يكون رد الفعل عنيفاً"، فتخيل رجلاً ترفض زوجته تلبية رغباته الجنسية (وهنا نتحدث عن أحد أشكال الرفض والذي يلاقي رد فعل واستجابة قد تكون مدمرة)؛ هذا الرجل سيبادر ربما بردّ عنيف على زوجته، كما تتم تربية الأولاد من الذكور على استحقاق ينبغي أن تتم تلبيته من قبل المرأة ومستقبلاً عندما يصبحون رجالاً: "النساء يخدمن هدفاً من أجل الإشباع الجنسي (وفي بعض الأحيان) هذا هو الهدف الوحيد"، يقول المفكر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد في كتابه (دوائر الخوف- قراءة في خطاب المرأة): "النموذج الأصلي لتصور العلاقة بين الرجل والمرأة؛ تمتد في الوعي الإنساني لمسألة حواء التي انفصلت عن جسد آدم، فهي جزء منه يحن إليه حنين الكل للجزء الذي فارقه، وهو بالنسبة لها بمثابة (الأصل) الذي تتوق دوماً للعودة إليه والاحتماء به".
المرأة على ضوء ذلك هي (نكرة).. من دون الرجل! وبسبب الثقافة الاستهلاكية والخطاب الإنساني الحالي من خلال الأغاني والسينما والصحافة والفن... إلخ، تتحول المرأة إلى سلعة، وبطبيعة الحال تمثل استحقاقاً للرجل وأداة للمتعة مهما وصلت في مركزها الاجتماعي والوظيفي؛ فتكثر حوادث التحرش في مكان العمل والشارع، وقد تصل إلى جرائم الاغتصاب.
لا تمتلك المرأة كيانها إنه للرجل؛ أب – أخ- زوج – حمي – ابن – عم – خال.. "يجب أن تخضع للسلطة ولا تستخدم طاقتها الذهنية، حيث فُرض على وضعها الجمود والشلل ودُفعت إلى مواقع العاطفة والانفعال والمعاناة والخرافة والحلول السحرية لمجابهة وضعها"، والكلام للمفكر اللبناني مصطفى حجازي في كتابه الشهير (سيكولوجيا الإنسان المقهور) حول العُقد التي تبرز بسبب تبخيس الذات (الاجتياف) ومنها عقدة العار فيقول: "إنها تكمّل عقدة النقص وأحد هواجسها الأساسية (السترة)، بالإضافة إلى (هاجس الفضيحة، المرض، الشرف، العجز، الفقر)، وتهدد نظرةُ الآخرين وتعليقاتُهم؛ المكانة الركيكة والاعتبار الذاتي التي يحاول الشخص المحافظة عليها بمشقة بالغة"، ويضيف: "تحتل العزة والكرامة مكانة أساسية في خطاب الإنسان المقهور"، حيث "يرتبط الشرف والكرامة بحياة المرأة الجنسية ووظيفتها الاجتماعية، محاطة بالأساطير من خلال التعبير عن الشرف المهدد المربوط بها"، كذلك "إسقاط العار عليها"، بالنتيجة "قتلها مُبَرر اجتماعياً ومعترفٌ به تحت اسم خيانة الشرف"، حتى لو كان هذا القتل معنوياً من خلال استبعادها اجتماعياً، فإن لم تتزوجي فأنت همّ، وإذا اخترتي أن تكوني عصامية وتبني نفسكِ فأنت عار، وإذا وصلتي بالفعل إلى مرحلة من (الحرية الجسدية) ولو بدافع الحب أو التمرد على القيم السائدة؛ ستحملين عقدة الذنب ما حييتي!.. فتعيشين؛ وفقاً لوصف حجازي: "على تضخم آلام الماضي وتأزم معاناة الحاضر وانسداد آفاق المستقبل، في حالة استسلام ورضوخ طلباً للسلامة من خلال الاستكانة للقدر والمكتوب".
ردّ فعل الجسد على الرفض الاجتماعي
تحدثنا أعلاه قليلاً عما يمكن أن تكون عليه ردود فعل الرجال في حال الرفض (الجنسي من قبل المرأة أو الرفض الاجتماعي عموماً)، حيث لا يعرف التعبير عن مشاعره المؤلمة تلك إلا بالعنف غالباً، وهنا سنتحدث عن آثار الرفض الاجتماعي على الجسد عند كلا الجنسين؛ ليست المرأة فحسب لأننا لا نخلق هنا جبهة قتال بين الجنسيين، بل نحاول توضيح أثر المعاناة التي تحملها المرأة على كاهلها جراء حملها وزر وعقدة الذنب والعار، الذي ينبغي أن تتحاشاه في كل لحظة من حياتها، فقط لأنها ولدت أنثى.
رد فعل الجسد وفق دراسة جاءت نتائجها غير متحيزة لجنس معين؛ بأن الاستبعاد الاجتماعي "يسبب استجابات عصبية مرتبطة بعمل الدماغ والهرمونات والغدد الصماء"، كما يمكن أن تفيد نتائج هذه الدراسة في استكمال أبحاث السلوكيات الاجتماعية مثل: الانتماء والعدوان، ووفق دراسة أخرى بحثت "في معالجة الدماغ للرفض الاجتماعي وعلاقة ذلك بمحاولات الانتحار"، أشارت نتائجها إلى اختلالات دماغية مستمرة مرتبطة بالإدراك الاجتماعي في محاولات الانتحار.
متى يتم رفض المرأة من قبل المجتمع؟
قمت بمناقشة موضوع الاستبعاد والرفض الاجتماعي الذي قد تتعرض له المرأة من خلال استطلاع لبعض الآراء، حيث تحدثت معظم السيدات والفتيات اللواتي سألتهن حول أن الأمر في هذا الزمن بات مستبعداً، ومثلاً لو اتخذت فتاة ما قراراً بعدم الزواج وكرست حياتها للعمل، فإنها تنال احترام الجميع وينظر إليها باحترام وتقدير، كونها استطاعت أن تثبت نفسها في مجالها المهني.
لكن آراء السادة جاء مختلفاً وأميل للنظر إليه بصورة منطقية أكثر؛ فهم يرون الفتاة التي رفضت الزواج مختلفة وستلاقي انتقادات ونظرات استنكار مضاعفة من بنات جنسها وخاصة اللاتي لم يقتنعن بعد بأنهن بقرار الزواج وإنجاب الأطفال قد حققن ذواتهن، بل يعتبرن الزواج فخ لا بد من الوقوع فيه حتى يتم الاعتراف بهم مجتمعياً، وكل من تقول أنها تحترم قرار فتاة بعدم الزواج والإنجاب، إنما تبالغ وتنظر إما بعين الشفقة لهذه الفتاة أو أنها قامت بارتكاب خطأ كبير حال دونها والاستقرار بتأسيس عائلة، فبحسب تعبير بعض الرجال الذين سألتهم: "إن امرأة متزوجة تنظر باحترام لغير المتزوجة؛ لهو ضرب من الخيال في الأفلام، الواقع يحدثنا عن أن المرأة هي أول عامل إحباط للمرأة، خذي مثلاً والدة هذه الفتاة التي قررت ألا تتزوج ووصلت لعمر من المستحيل أن تنجب حتى لو وجدت نصيبها؛ أمّ هذه الفتاة أو شقيقاتها وأقرب الناس إليها سوف يتعاملون معها برفض مبطن"، وتستطيع ترجمة هذا الرفض من خلال فرض سلطة ذكور الأسرة على هذه الفتاة، أو حصارها ضمن إطار محدد مرتبط بالعادات والتقاليد والسمعة (عقدة العار).. سوف تستسلم مهما وصلت في منصبها الوظيفي مثلاً ومهما بلغ استقلالها الاقتصادي؛ طلباً للرحمة خلال حياتها وبعد وفاتها بسلام، دون أن تجلب العار لأسرتها!
في موضوع آخر وهو الإنجاب.. كل السيدات اللاتي لم يُقدر لهن إنجاب الأطفال؛ مدعاة للشفقة ونظرة الانتقاص من الآخرين، حتى لو لم تكن هي السبب بل الزوج، ورغم التطور العلمي والطبي لعلاج وحل هذه المشكلة، فإن نظرة الانتقاص تلاحق المرأة فقط، في الميراث كذلك، في فرص العمل في الأجور... الخ.
فيما يلي بعض الآراء حول موضوعنا (رفض المرأة واستبعادها من قبل المجتمع):
- لورين (صحفية).. "إن فتاة قررت عدم الزواج وإنجاب الأطفال (الدور الأساسي للمرأة في هذه الحياة للأسف).. لا أعتقد أنها سيدة ضعيفة الشخصية، صدقيني هي إنسانة تعرف ما تريد واستطاعت رغم نظرة المجتمع؛ أن تتجاوز نفسها وتعيش حياتها بطريقتها".
- رولا (ربة منزل): "لا أظن أن السيدة في هذه الأيام تُعرَّف فقط من خلال منجزاتها بالزواج وإنجاب الأطفال، يوماً ما سيكبر الأطفال ويغدو لهم حياتهم الخاصة، ماذا أفعل أنا بعدها؟ أكرس أيامي وساعاتي لهم، أعرف أنهم سيكونون جيدين معي عندما أكبر في السن، لكن ماذا فعلت في حياتي؟ سأسأل نفسي هذا السؤال المرّ يوماً ما أعرف ذلك، لذا أصرّ على عدم زواج ابنتي حتى تجد عملاً بعد تخرجها، ولن أسمح لها بأن تكون ربّة منزل فقط كما فعلت بنفسي".
- رام (مصفف شعر للسيدات): "معاناة المرأة من مبدأ أن كل شيء متاح للرجل ليس للمرأة أن تفعل ما تحرمه عليها العادات والتقاليد والناس والدين.. كل تلك الأمور المحظورة ونعرفها جميعاً، الاستبعاد بطبيعة الحال موجود للرجل والمرأة على حد سواء، في حال خرج الشخص عن النسق الدارج والمعاناة موجودة لدى الطرفين، لكن المرأة تعاني أكثر قليلاً من الرجل، إن الرفض المجتمعي غير محصور فقط بالمرأة أو يقع ضد المرأة؛ بل الرجل يعاني في مجتمعنا أيضاً..!".
- أبو إياد (صاحب سوبرماركت): "طبعاً المرأة الخارجة عن المألوف مستبعدة من قبلي أنا ومن قبل كل الناس حتى بنات جنسها، لكن اليوم لم نعد نميز بين من تخرج عن المألوف وتلك المرأة العادية، كلهن بتن نسخ متطابقة، أخشى على حفيداتي من الأيام القادمة".
- حنان (مدرسة ومربية): "التحرر الظاهر للمرأة هو أكبر كذبة.. على العكس تخلفت وانحطّت مكانتها أكثر لأنها مستعبدة داخل المنزل وخارجه، ففي الوظيفة لا يحترمها الرجل لأنها باتت ندّاً له، أنا مدرسة ولدي 90% من طالباتي من عائلات منفصلة والطلاق سيد الموقف اليوم، الرجل يريد أن يتسلط على راتب زوجته العاملة مع مطالبتها بمسئولياتها في البيت، على الرغم أنها عملت أساساً حتى تزيح همها عن الرجل والعمل استقلال ذاتي للمرأة، لكن الرجل يطالبها بالمزيد دون شكر، بالنسبة لي طبعاً أستبعد تلك المرأة التي لا شخصية عندها حتى ولو كانت أميّة لا بد أن تكون لها شخصيتها، مشكلتنا في الأساس تربية شخص متفرد، وهي كشخص ليس لديها قرار، أريد أن أضيف بأن الزواج هو شيء مشروط وهدفه الإنجاب وليست نهاية الحياة في الزواج، لذلك المرأة مظلومة، وأريد أن أختم بأن الحب غير مشروط ونحن نفتقد الحب في مجتمعنا".
- وعد (ربة منزل): "لا بد أن تكون المرأة المرفوضة بالنسبة لي من تمتلك صفات الانتهازية والاستغلال للآخرين، تلك الغيورة من امرأة أخرى قادرة على تحمل مسئولية نفسها وأفعالها ولها رأيها المستقل، والظروف والحياة هي من تربي الإنسانة المتوازنة القادرة، لذا لا أحب وجود النساء الاستغلاليات للرجل، ولا أعتقد أن الرفض الاجتماعي للمرأة القوية مستمر حتى يومنا هذا، وتحمل المسئولية بالنسبة لأي امرأة حقيقية هو منصب مهم وجدير بأن تشغله".
لم يغب عن بالي أنني استطلع آراء نساء في معظم العينة، ففي مجتمع تعرض لويلات الحرب كما في سوريا باتت للمرأة اليوم فرصة لشغل مركز ومنصب فعلي من المسئولية أكثر من أي وقت مضى، وباتت فكرة الرفض المجتمعي مستبعدة.. إلا للعاجزة عن المضي قدماً وتنتظر أن ينتشلها أحدهم ويرسم لها طريقة عيشها.
في النهاية.. لا تعبر هذه الآراء من ضمن العينة التي سألتها؛ عن منظور محدد للاستبعاد الاجتماعي للمرأة، إلا أنها في النهاية آراء مختلفة ومتنوعة، بطبيعة الحال الرفض المجتمعي للمرأة والرجل أو أي إنسان، أمر مؤلم فعلاً.. تبدو كما لو أنك تعيش أحداث مسرحية تدور حول قصة المملكة، التي شرب أهلها من نهر الجنون.. إلا شخص واحد... شاركنا وشاركينا برأيك حول موضوع المقال.. لماذا ارتبط الرفض الاجتماعي للمرأة بعقدة العار بالدرجة الأولى.. من وجهة نظرك؟