تبني الأطفال في الدول العربية
تم ذكر كلمة "اليتيم" في القرآن الكريم 23 مرة في 12 سورة، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يتيماً، توفي والده قبل ولادته وأمه ماتت عندما كان طفلاً، ورباه عمه أبو طالب، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾، جميع إشارات التبني توعز للمسلمين بممارسة الرحمة والعدالة تجاه الأيتام مع الحفاظ على هويتهم الحقيقية، قال تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.. صدق الله العظيم.
من حق اليتيم على المجتمع الرعاية والكفالة والاحتضان
لا يمكن أن تجبر جميع الناس على التفكير بمسألة التبني أو فرض أمر احتضان طفل يتيم على أسرة ما! إلا أن بعض الأسر العربية التي لم تُرزق بنعمة البنين؛ قد تجد في رعاية يتيم واحتضانه فرصة لتربية طفل فقد ذويه بغير ذنب، وتوفير حياة كريمة في كنف عائلة لهذا الإنسان، بحيث يحق للطفل معرفة هويته الحقيقية والحفاظ على روابطه العائلية وثقافته ودينه.
إن أهمية رعاية الأطفال الأيتام أمر راسخ في الإسلام، بالنظر إلى هذه الحقيقة، من المذهل إلى حد ما سماع البعض يؤكد أن التبني محظور في الإسلام بشكل نهائي، والسبب هو الارتباك هو حول التعريف الدقيق لمصطلح التبني، فطالما أن كفالة الطفل اليتيم تتطابق مع رعاية الأبويين لابن من صلبهما.. من حيث الإطعام والإلباس والسكن والتعليم.. الخ؛ تبقى تلك القصص التي تتعلق بالزواج والميراث، فمثلاً بالنسبة لمسائل الميراث لا يتم الاعتراف إلا بروابط الدم والزواج، كما لا يجوز للأب الزواج من زوجة ابنه البيولوجي، لكن يجوز له الزواج من زوجة ابنه بالتبني، ولن نخوض في هذه التفاصيل الآن، لكن كلمة "ابن" بمعناها المجازي تحل على الطفل المُحتضن في الإسلام، كما أن الانفتاح حول الهوية الحقيقية للأطفال لا يجب أن يكون عائقاً أمام الحب والرعاية من قبل الآباء والأمهات المتبنين لهم، فليس من الضروري ولا من الصواب؛ إنكار التراث الثقافي لهؤلاء الأطفال.
إذاً.. حظر التبني القانوني في الإسلام.. يأتي لحماية حقوق المتبنين والوالدين البيولوجيين وغيرهم من الأفراد ذوي العلاقة بالتبني والمجتمع ككل، ومن ثم لا يمكن استخدام التبني في الإسلام لإخفاء عدم شرعية الطفل أو أبوته، قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾، وقال: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾، وقال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ صدق الله العظيم..
لقد قطعت مجتمعاتنا شوطاً في مسائل كفالة ورعاية واحتضان الأيتام من قبل أسر عربية؛ قدمت للطفل اليتيم بيتاً دافئاً ورعاية أسرية تضمن مستقبله.
كسرت الكثير من الدول العربية القيود على احتضان الأيتام
نحتفل كل عام بيوم اليتيم العربي في أول يوم جمعة خلال شهر أبريل/نيسان، لهدف تقديم الترفيه والرعاية والاحتفال باليتيم، سواء من قبل مؤسسات الدولة أو الجمعيات المتخصصة برعاية الطفل أو من قبل أفراد مبادرين، فكيف قطعت العديد من الدول العربية أشواطاً في مسألة احتضان الطفل اليتيم؟
التبني في الإمارات العربية المتحدة: يُسمح للأجانب بالتبني، الذي يتم تشجيعه عند القيام به من خلال منظمات خيرية مرخصة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك عدد كبير من المغتربين الأجانب من مختلف الجنسيات الذين يعيشون في الإمارات العربية المتحدة يتبنون الأطفال، وتسهل هيئة الإمارات للهلال الأحمر ترتيبات الرعاية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن شروط واضحة وتسهيلات من قبل الخبراء العاملين في هذا المضمار، وهو تطور هام في مسألة رعاية الأيتام والتبني كما هو متعارف عليه في دول العالم، فقد لا يكون من الممكن بالنسبة للمواطنين الأجانب المقيمين في بعض الدول الإسلامية؛ تبني طفل يتيم والحصول على تأشيرة هجرة تسمح للطفل بالعيش في بلدهم الأصلي، رغم أن بعض البلدان الإسلامية؛ تسمح بنقل حضانة الأطفال من خلال الوصاية.
التبني في دولة الكويت: تقوم بعض الأسر الكويتية عبر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل؛ باحتضان أطفال مجهولي النسب أو أيتام، من خلال قانون الاحتضان ساري المفعول في دولة الكويت منذ عام 1977، ويشترط في الأسرة التي تحتضن طفلاً؛ أن يكون الأب كويتياً متمتعاً بالصحة والقدرة المالية، كما يُعطى الطفل الجنسية الكويتية، ويتم اختيار اسم رباعي للطفل من دون لقب العائلة، بشرط أن يكون الاسم.. مناسباً للبيئة والثقافة الكويتية، هذا وتكافئ وزارة الشؤون الاجتماعية الأسر، التي لا تستطيع تحمل كلفة احتضان اليتيم لوحدها، وتحسنت شروط كفالة واحتضان اليتيم في الكويت في السنوات الأخيرة، ورغم الرفض المجتمعي كما حدث مع الزوجين (صفاء الفيلكاوي وهشام الطواري) لاحتضانهما طفلاً يتيماً؛ يعتبر الزوجان اليوم أنهما قاما بخطوة بعثت الأمل في حياتهما من خلال احتضان طفل يتيم، ومع إجراءات أكثر من سهلة لا يوجد اليوم أي طفل في دور الرعاية من دون احتضان أو كفالة من قبل أسرة كويتية، كما أن الكثير من الأسر تنتظر وجود أطفال كي تقوم باحتضانهم، حيث وصل عدد الأطفال المحتضنين إلى أكثر من 600 طفل قبل عام من الآن.
التبني في مصر: وضعت وزارة التضامن الاجتماعي شروط كفالة اليتيم، وعبر إدارة الأسرة والطفولة في الوزارة يتم بحث شامل للأسرة التي تتقدم بطلب الكفالة، كما تتم مطابقة الوثائق المقدمة، من حيث دراسة وضع الزوجين واشتراط عمرهما فوق الخامسة والعشرين على ألا يزيد عن ستين عاماً، هذا ويمكن للسيدات الأرامل أو المطلقات كفالة يتيم إذا وجدت اللجنة العليا للأسر البديلة في هؤلاء صلاحية وشروطاً مناسبة لتربية اليتيم، بهدف تقديم الرعاية له في ظل أسرة محبة ومتماسكة من النواحي الأخلاقية والاجتماعية والنفسية، فضلاً عن اشتراط تسهيل الزيارات الميدانية التي تقوم بها إدارة الأسرة والطفولة؛ لضمان حصول الطفل المكفول على حياة أفضل.
وتكفل الدول العربية والمجتمعات الإسلامية على العموم، مسألة رعاية الأيتام من خلال دور متخصصة تُرصد لها الميزانيات من قبل الحكومات، كما تعمل الجمعيات الخيرية على رفد هذه الدور مادياً ومعنوياً؛ بأفضل متطلبات العيش الكريم لهؤلاء الأطفال.
ما الذي يفسر الانفتاح على التبني على مستوى دولي؟
شككت نتائج دراسة منذ عام 2012؛ في مدى فعالية نظام التبني المشترك بين البلدان، وخلصت هذه الدراسة إلى أن تزايد الانفتاح على التبني يرتبط بزيادة أعداد الأيتام، كما يرتبط وجود المرأة في ميدان صنع القرار السياسي بمزيد من التقييد! (وهذا موضوع آخر للنقاش لن نخوضه الآن).
نذكر هنا أن معظم الدول العربية تحفظت على المادة 21 من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي تقر التبني ولهذا وفقاً لدراسة حول "الإتجار بالنساء والأطفال في الشرق الأوسط والاستجابة التشريعية المناسبة"؛ لا يشكل بيع الأطفال بطريقة غير مشروعة لغرض التبني على المستوى الدولي؛ شكلاً من أشكال الإتجار بالبشر في معظم بلدان الشرق الأوسط لأن القانون الإسلامي لا يعترف بالتبني كما نعرف، هذا ما يفسر ربما الشروط الدقيقة، التي تضعها الجهات المعنية والمشرفة على الأيتام ورعايتهم في الدول العربية، حول كفالة أو احتضان الأطفال الأيتام.
نستطيع قراءة ذلك فيما بحثته دراسة في التحولات الثقافية والتوافق المعنوي حول أفضل مصالح للطفل؛ تنطلق الدراسة من أن المعيار العالمي لحقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الطفل.. لا ينبغي أن يُؤخذ على أنها أمر مسلم به.. حيث لا يتحقق من خلال "عالمية" هذه القواعد والمؤسسات التي تعمل على تفعيلها، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، لذلك فيما يتعلق بتعريف وتطبيق مبدأ مصالح الطفل الفضلى؛ تؤكد الدراسة على الحاجة إلى تشجيع التنافس على طبيعة ومبررات العمل فيما يتعلق بالأطفال لأكبر عدد ممكن من وجهات النظر المختلفة، كما يجب أن يتضمن هذا تحليلاً دقيقاً لمعرفة من الذي يتخذ الإجراء المعني وعلى أي أساس وما هي أغراضه، ثم كيف يؤثر ذلك على الأطفال.. هكذا ينبغي إيلاء اهتمام خاص لفهم طبيعة علاقات الجهات الفاعلة وسياقها وديناميتها؛ فيما بين الجهات الفاعلة وموضوعات العمل، وإمكانيات تغيير أو تعديل تلك العلاقات، بالتالي فإن السمة الأساسية في وضع استراتيجيات محددة لتوافق معايير حقوق الطفل؛ هي الحاجة إلى تمكين المفاهيم والتفسيرات المحلية للقوانين الدولية والمؤسسات التي تنفذها، وخلصت الدراسة إلى أن مثل هذه الشمولية الإجرائية قابلة للتحقيق بسهولة، كما تساعد على تحقيق إجماع معياري حقيقي على تعريف وتنفيذ مبادئ عالمية مثل: مصالح الطفل الفضلى.
هناك الكثير من الظروف التي شجعت على الاحتضان والكفالة للأيتام في العالم العربي، وتغيرت نظرة المجتمع الرافضة لفكرة التبني نوعاً ما، كما أن معدلات الخصوبة باتت أقل في المجتمعات العربية لأسباب متعددة، وهنا نذكر ما أطلقت عليه دراسة عام 2018؛ توصيف "الثورة الإنجابية الهادئة"، حيث تراجعت وفق الدراسة الخصوبة في الدول العربية، التي كانت تُعد من أعلى مناطق العالم خصوبة قبل 30 عاماً فقط، وتطرح الدراسة تأثير الثورات العربية التي "فشلت" وفق الباحثة في علم الأنثروبولوجيا مارشا إنهورن (Marcia Inhorn) في أشكال مختلفة من الحرب والتهجير، كذلك انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية كذلك التمزق الاجتماعي، حيث تم طرد ملايين الرجال والنساء والأطفال من ديارهم بسبب النزاع، ومن بين أكثر عشرة نزاعات خطيرة حول العالم حالياً، تحدث سبعة منها في البلدان ذات الأغلبية المسلمة وحولها، مع أكثرها تدميراً في الأمة العربية أي (سوريا)، بالنتيجة إن صافي التدفقات الخارجية للرجال والنساء والأطفال (إما كمهاجرين أو لاجئين) بحسب دراسة الدكتورة إنهورن؛ "قد يكون له آثار ديموغرافية طويلة المدى بالنسبة للمنطقة ككل"، ووفق هذه الدراسة لقد حدثت ثورة تكاثرية هادئة في العالم العربي، مما أدى إلى تحولات كبيرة في مستويات الخصوبة والحياة الأسرية، ولا نعرف كيف سيكون تأثير ذلك على تبني الأيتام في العالم العربي مستقبلاً.
في النهاية.. لم يكن استعراضنا لكل هذه البحوث والدراسات العلمية المتعلقة بموضوع مقالنا وهو الطفل وحقوقه في عيش حياة كريمة في ظل أسرة حتى لو كان يتيماً أو مجهول النسب؛ إلا توضيحاً وإضاءة على بعض النواحي التي بدأت تتغير في مجتمعاتنا العربية للأفضل ربما، وكما قرأنا من خلال هذه الدراسات فإن للتنافس على تطوير القواعد والمبادئ الخاصة بحقوق الطفل ورعايته الفضلى؛ قد تشهد تطوراً جذرياً في المستقبل القريب، ما رأيك؟ شاركنا من خلال التعليق على المقال.