قيمة المرأة الذاتية ومتى تقلل المرأة من قيمتها الذاتية؟
"لا توجد حدود.. هناك هضبات فقط.. عليك أن تتخطاها وتذهب إلى ما ورائها، وإن قتلك ذلك فليقتلك"، تحضرني هذه الكلمات العميقة للمحارب النبيل والنجم العالمي الراحل (بروس لي)؛ عند الحديث عن أهمية الثقة بالنفس وتقدير الذات لفعل المستحيل، هذا ما استطاعت إيميليا إيرهارت (كاتبة أمريكية انتهت حياتها بعد رحلة في طائرتها لوحدها فوق مياه المحيط الأطلسي عام 1939)؛ أن تكتشفه عندما قادها حلُمها إلى نهاية حياتها، لكنها ممن أثبتن بأن حدود الحلم لدى أي امرأة وإنسان على العموم.. لا يمكن أن تتوقف عند خط الأفق!.. مقالنا يناقش تقليل القيمة الذاتية عند أي امرأة.. لا سيما من تعيش هنا في بلاد الشرق العريق!
ماذا يقول العلم حول تقييم المرأة لذاتها وقدراتها؟
لم تكن إيميليا هي المرأة الوحيدة التي فعلت المستحيل؛ لكنني ذكرتها دوناً عن غيرها من النساء المهمات بسبب ثقتها بنفسها واستعدادها لملاحقة المستحيل، وإيمانها بأنها تستطيع أن تفعل ذلك، حيث وجدت دراسة: "أن الرجال يبالغون في تقدير قدراتهم وأدائهم، في حين أن النساء يقلّلن من قدراتهم" وفي الواقع لا يختلف الأداء الفعلي بين الرجال والنساء في النوع أو الكم.
هناك مشكلة لدى النساء في موضوع ثقتها بأنها تستحق الفرصة التي تحصل عليها في العمل مثلاً، فنحن نلاحظ أن الرجل يتقدم للحصول على ترقية في عمله عندما يستوفي فقط ما نسبته 50% من المؤهلات المطلوبة، في حين لا تستطيع المرأة وتعتبر نفسها دجالة؛ إذا لم تؤمن بأنها مؤهلة بنسبة 100%! لكن مع زيادة خبرة المرأة بمرور الوقت، تزداد ثقتها بنفسها.. (مع التقدم في السن مقارنة بالرجل)، لذا عليك أن تنظر في الفرص الكثيرة التي فقدتها خلال السنوات الأولى من عمرها وشبابها، بسبب الخوف وانعدام الثقة.
وهنا نتطرق إلى دراسة أسترالية بحثت تأثير السمات الشخصية في الفجوة ما بين النساء والرجال في الأجور، حيث ثم بحث العيّنة بناء على مقياس نفسي يتكون من؛ "الأمل في النجاح" و"الخوف من الفشل"، حيث كشفت النتائج: "أن أمل الرجال القوي في النجاح وخوفهم الأقل من الفشل يساهم في فجوة الأجور بين الجنسين، في حين أن ضمير النساء الأعلى مستوى هو السمة الوحيدة التي تعمل على تضييق هذه الفجوة"، إذاً السمة الوحيدة التي توفر للنساء ميزة أفضلية هي المستوى الأعلى من الضمير، وهو ما قد يوحي بأن النساء يملن إلى الاعتماد على إظهار كفاءتهن في وظيفتهن الحالية؛ أكثر من طرح أنفسهن لمناصب أكثر تحدياً، كواحدة من آليات تسلق سلم الأجور.
كيف يمكن للمرأة بناء الثقة بالذات؟
أتمنى أن تكون هناك خطوات محددة لبناء الثقة بالنفس واحترام الذات لدى المرأة، لكنني لا أعتقد أنها موجودة، مع ذلك هناك عدد من الأشياء التي يمكنك القيام بها:
- طريقة التفكير: لقد قيل أن الثقة بالنفس هي ما تفكر فيه عن نفسك، وأن تقدير الذات هو ما تعتقد أن الآخرين يفكرون به.. ولبناء الثقة بالنفس عليكِ سيدتي أن:
- التركيز على نقاط القوة التي تمتلكيها وإنجازاتك أيضاً، وليس على ما لا تفعليه بشكل جيد، احترسي ضد كلامك السلبي عن نفسك.
- التفاؤل والشعور بالسعادة يجلبان الحيوية إلى محادثاتك وسلوكك الخارجي هو يغير مشاعرك الداخلية.
- ينجذب الناس إلى أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم "دافئون"، وعادة ما يوصف الشخص الواثق بنفسه بأنه دافئ لطيف ومريح للتعامل معه.
- اللباس والمظهر: يشعر الناس بمزيد من الثقة عندما يعرفون أنهم يبدون جميلين.
- لغة الجسد: يكون لها تأثير قوي على شعورك الداخلي، حيث يمكن أن تركزي على:
- طريقة الوقوف.. فعندما يقف شخص ما باستقامة وبقوة، تبدأ مشاعره الداخلية بالتغير نحو الأفضل.
- الحفاظ على اتصال العين مع الآخرين.. وهذا ينقل الاهتمام بالآخرين والثقة بنفسك.
- تعبيرات الوجه تنقل رسائل مهمة وتحتاج إلى أن تكون متسقة مع الكلمات التي تُقال، حيث يُقدر بأن نسبة 80٪ على الأقل من الاتصالات هي غير لفظية، وأن تعبيرات الوجه تنقل قدراً كبيراً من المعلومات.
- طريقة التعامل: كيف ستعملين على نقل شعورك بالثقة للآخرين؟ من خلال:
- المشي بسرعة.. يوصل انطباع أن لديك شيء مهم للقيام به.
- الضحك مع الآخرين وجعلهم يضحكون.. هذا لا يأتي بالضرورة من قول النكات، لكن عادة ما يأتي من المزاح اللطيف فيما يتعلق بالمواضيع ذات الاهتمام المشترك.
- التحدث في الاجتماعات. فالواثقون بأنفسهم لا يجلسون بهدوء خلال المناقشات، لكنهم مشاركون نشطون.
- التفاعل مع العديد من الأشخاص خلا التجمعات الكبير بدلاً من الاكتفاء في محادثات طويلة مع اثنين أو ثلاثة لأمسية كاملة.
- بدء الاتصال مع الآخرين.. ليس انتظار الآخرين ليأتوا إليكِ، حيث يتعرف الأشخاص الواثقون إلى عدد كبير من الناس أكثر من نظرائهم الأقل ثقة.
- طريقة الكلام: ما تقوليه وكيف تقوليه؛ ينقل الكثير عن مستوى ثقتك بنفسك، كما أنه يعكس شعورك عن نفسك:
- صياغة الصوت.. مما يسهل سماعك وفهمك.
- اختلاف درجة ونبرة الصوت... مما يجعل المحادثات مثيرة للاهتمام، عن طريق تجنب الرنين وإضفاء التنوع.
- وقفة للتأكيد.. ليست لحظات مخيفة من الصمت، لكنها تنقل مشاعر شخصية من الذات والثقة، في بعض الأحيان يتم استخدام هذه التوقفات المؤقتة لجمع الأفكار، أو أخذ نفس عميق، أو إعادة تركيز المناقشة.
- استخدام مفردات غنية.. لتكوني نابضة بالحياة، ما يعني استمرار تطوير مفردات قوية ليست للإثارة، لكن لمساعدة الأفكار لتخرج من خلال الكلمات الملونة، التي تجعل التواصل معك أمر لا يُنسى.
- تجنب كلمات وتعبيرات تنم عن ضياع الأفكار: مثل "إيه"، "أم"، "أنت تعرف كل التفاصيل".
- خبرات التواصل: يمتلك الأفراد الواثقون ممارسات الاتصال التي تنقل الثقة إلى الآخرين فإنهم:
- يطرحون أسئلة باستمرار.. ويظهرون اهتماماً شديداً بما يقوله الآخرون وما يفعلونه.
- يستخدمون الاستعارات والأمثلة والقصص.. يجعلون التواصل حياً مما يجعل الأفكار أكثر واقعية يسهل فهمها.
- يستخدمون الفكاهة لتوضيح نقاط مهمة.
- غالبا ما يكون الأشخاص الواثقون أسياد الفكاهة الذاتية: فمهما كانت مكانتهم وإنجازاتهم هم الأكثر استعدادا لممارسة الفكاهة على أنفسهم.
- التعبير عن الأفكار باحترام.. إذا اختلفت أفكارهم عن الآخرين، فمن المرجح أن يتم التعبير عن ذلك بقول مثلا: "أرى ذلك بطريقة مختلفة قليلاً" أو "ساعدني على فهم أسبابك في هذا التفكير...".
فجوة الثقة بالنفس بين الجنسين في الفصول الدراسية والبحث العلمي
من المرجح أن يدرك الذكور أنهم أذكياء في الفصل الدراسي أكثر من نظرائهم من الإناث؛ وفق دراسة أمريكية عام 2017.. أجراها باحثو جامعة ولاية أريزونا، وأجري البحث على طلاب كلية علم الأحياء (التي لا يشكل فيها الذكور الأغلبية، بل هناك نساء أكثر في فصول علم الأحياء)، والدافع وراء الدراسة هو خوف الطالب من أن ينظر إليه الطلاب الآخرون على أنه غبي!.. فأراد فريق البحث تحليل ثقة الطالب مقارنة بزملائه، والنتيجة: "وجدت الدراسة فرقا بين الجنسين، بأن الرجال كانوا أكثر ميلاً إلى الاعتقاد بأنهم أكثر ذكاءً من ذلك الشخص الذي عملوا معه بشكل وثيق في الفصل، كما ظن الرجال أنهم كانوا أذكى من نسبة أعلى من الطلاب مقارنة بالنساء"، فمن المتوقع أن يدرك الرجل أنه أذكى من 66% من الطلاب في الفصل، في حين تميل الطالبات إلى الاعتقاد بأنهن فقط أذكى من 54%، من الطلاب في الفصل.
لا يتم تشجيع النساء مثل الرجال على الانضمام إلى الحقول العلمية، مما يخلق فجوة سلبية ويثبط عزيمة النساء الأخريات للانضمام بسبب قلة عدد النساء في هذه الحقول الدراسية، كما أن الذكور يقومون دور القائد ضمن مجموعات النقاش الدراسية مما يعني أنهم يتحدثون أكثر، طبعاً لم تنتهي مثل هذه البحوث الهامة للعمل على ردم هذه الفجوة للثقة بالنفس بين النساء والرجال، وبحاجة إلى تطبيقها في اختصاصات دراسية أخرى.
هذا النوع من البحوث يؤكد ترسّخ الصورة النمطية في مجتمعات مختلفة؛ الرجال يبالغون في تقدير ذكائهم في مضمار العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، في حين أن النساء يقللن من قدراتهن... وقد أثبتت الدراسة آنفة الذكر بأن هذه الصورة موجودة أيضاً في مجال علم الأحياء.
هل هناك فجوة ثقة بالنفس بين الجنسين في المجتمعات العربية؟
بطبيعة الحال.. لست مخوّلة للإجابة على هذا السؤال، كما أننا نفتقر إلى الدراسات والبحوث الدقيقة حول ذلك، لكن من خلال إجراء بحث عبر غوغل حول مساهمة المرأة في البحث العلمي العربي، وبالتالي التنمية، عثرت على دراسة عراقية في جامعة بابل عام 2017، بعنوان: (المرأة والتنمية: بين التحدي والمساهمة)؛ وأهم ما توصلت إليه هذه الدراسة الوصفية التحليلية التي اعتمدت منهج المسح الاجتماعي؛ "تمكـين المـرأة ورفـع قـدرتها علـى المشـاركة فـي التنمية؛ يتطلب جهداً كبيراً.. بسـبب عـدم تغيـر النظـرة المجتمـعية للمـرأة علـى الـرغم مـن التقدم الاجتماعي وتطور العلوم المعرفية والعقلية الاجتماعية، كما أن للظروف الاجتماعية التـي مـر بهـا المجتمـع العراقـي تأثير واضـح فـي تحديـد نوع المساهمة التي تؤديها في مجال التنمية الاجتماعية"، ونعرف أن أغلب الدراسات التي تتناول المرأة العربية في حقل من الحقول سواء التنمية أو العلوم والتكنولوجيا... الخ، تركز على المشكلات والمعوقات وما إلى ذلك، وتنتهي بتوصيات ومقترحات أغلبها برسم الجهات الرسمية المعنية بالمرأة في الدول العربية؛ لتتخذ خطوات الحل السحرية ربما!
بالنتيجة.. تتوقف جهود الدراسات والتحليل العميق في قضايا المرأة، على جهود أفرد أو كتّاب ومفكرين أمثال: (فاطمة المرنيسي- نصر حامد أبو زيد- مصطفى حجازي- نوال السعداوي..... وغيرهم) وللأسف معظمهم رحلوا عن عالمنا، كما تُعقد مؤتمرات علمية من قبل حكومات عربية بدعم وتعاون من منظمات أممية أو دولية معنية بالمرأة، تكون في معظمها نوعاً من استعراض إعلامي ربما ينتهي مفعوله مع ختام المؤتمر، ولم نتوصل بعد حتى هذه اللحظة؛ لبنية بحثية مدعومة رسمياً أو مجتمعياً، تمكننا من العمل على تغيير الصورة النمطية التي تحدد قيمة المرأة ودماغها في قالب صعب الكسر، إلا من خلال عمل تراكمي على المدى الطويل، لمستقبل أتمنى أن تختار فيه فتاة عربية ما؛ الدراسة والبحث في مجال الحياة الجنسية لبعض أنواع الحشرات (مثلاً).. دون أن تتعرض لنظرة ساخرة وتنمّر مجتمع يطالبها في حال أرادت تحقيق ذاتها.. بالعمل في وظيفة ينتهي دوامها عند الثالثة بعد الظهر لتلتحق بعدها بعملها الثاني في بيت أهلها أو زوجها.
في النهاية.. لا أحد يعرف كل شيء، ومعظم الناس - ذكوراً وإناثاً - لديهم لحظات من الشعور بأنهم يعيشون وهم يحاولون إثبات كفاءتهم وقيمتهم، لكن لدي هذا الخبر السار لك؛ وهو أنه بالنسبة للنساء والرجال أيضاً، فإن الثقة بالنفس تزداد مع مرور الوقت.. ما رأيك؟