سلوك التجريب عند الأطفال بين التعلم وإشباع الفضول
الاختبار والتجريب هما سمة الطفولة وهما المنظار الذي يمكن الطفل من إلقاء نظرة قريبة على كل ما يحيط به، فمنذ الصغر يمكنك ملاحظة طفلك وهو يحاول تلمس كل الأشياء التي تقع بين يديه وينظر إليها عن كثب وربما يحاول تذوقها في كثير من الحلات، وربما تستغرب وتستهجن مثل هذه التصرفات وتحاول منعه في بعض الأحيان، لا داعي للقلق إنه التعلم من خلال التجربة.
لا نبالغ إذ نقول أن التجريب هو الموسوعة الأغنى التي ينهل منها طفلك معلوماته ومعارفه عن محيطه وعالمه، وطريقته في ذلك تشبه إلى حد بعيد الخطوات الأساسية للمنهج العلمي التجريبي، بدء من الملاحظة ثم الانتقال إلى وضع الفرضيات وبعدها تجميع النتائج في نظرية قبل الانتقال أخيراً إلى مرحلة التجريب النهائية واختبار الفرضية.
التجريب في مفهومه العلمي هو المرحلة أو الطريقة التي يتم من خلالها التأكد من صحة النظريات والفرضيات الموضوعة لتفسير شيء معين، وفي هذه المرحلة يتم اختبار النظريات ومحاولة تطبيقها على أرض الواقع ثم رصد النتائج وتسجيل الملاحظات العلمية التي خلصت إليها الخطوات التجريبية تمهيداً لإجراء التعديلات المناسبة قبل إثبات النظرية بشكل نهائي ودعمها بالنتائج التجريبية.
إذا كانت وظيفة التجريب بالمنعى العلمي هي اختبار الفرضيات وإثبات النظريات العلمية، فإن هذا التجريب عند الأطفال يعتبر أكثر غريزية وفطرية في خطواته وأقل ضبطاً وتقييداً في منهجه.
فالطفل يلاحظ شيء ما فيقترب منه ويبدأ بفحصه واختباره عن طريق النظر إليه والتمعن في حجمه ولونه وتفاصيل شكله، ثم يلمسه ويشم رائحته وربما يحاول تذوقه بلسانه ليستشعر خواصه، وفي المرحلة التالية يحاول الطفل توظيف هذا الشيء في العديد من الاستخدامات ويتعلم ما الذي يمكن أن يفيد به، وبهذه الخطوات يكون الطفل قد أضاف معلومة جديدة إلى خبراته وتعرف على شيء جديد في عالمه، ومن هنا يمكن تحديد الوظيفة الأساسية للتجريب بالنسبة للأطفال وهي الاختبار والتعلم.
حدود الطفل المرتبطة برغباته وحاجاته وأفكاره من الصعب تقييدها وتحدديها، فالأطفال لا يعرفون المستحيل ولا يخشون المغامرات، فهم يرغبون في معرفة كل شيء وينظرون للحياة على أنها لعبة ومغامرة كبيرة، ومن هنا نجدهم يضعون كل طاقاتهم وقدراتهم ويوجهونها في التجربة والاختبار، وتقف العديد من الدوافع وراء هذه التجارب على اختلاف أهداف الطفل وغاياته من القيام بها، ومن هذه الدوافع:
- التقليد وعلاقته بالتجريب: في كثير من الأحيان نرى الأطفال يجربون سلوك الآخرين الذين يحبونهم أو يشعرون بالغيرة منهم من خلال تقليدهم ومحاكاة تصرفاتهم ومواقفهم، وهم في هذه التجربة يفهمون مشاعر الآخرين ويدركون أسباب تصرفاتهم ودوافعهم وبالتالي يتعلمون الكثير من الأشياء من خلال تجريب تقليد سلوك الآخرين.
- التسلية كأحد أهم دوافع التجريب: تعد المتعة والتسلية من أهم الدوافع التي تجعل الأطفال يقومون بالكثير من التجارب، فقد يجربون تمثيل الأدوار أو وضع أنفسهم في مواقف معينة ويحاولون التخلص منها وعلاجها.
- التجارب أثناء اللعب: اللعب هو شكل التجريب ووجهه الظاهر، والأطفال في ألعابهم يجربون كل شيء، فقد تجد الطفل يحاول إصلاح دمية ما أو يغير من قوانين لعبة مع أصدقائه وقد يحالون تعلم الرسم أو الكتابة والكثير من الأشياء من خلال اللعب والتجريب.
- التجريب والموهبة: بعض الأطفال الذين لديهم اهتمام أو ميل تجاه موهبة معينة، يجربون كل ما يتعلق بهذه الموهبة من خبرات كما قد يجربون أفكاراً جديدة بهدف إضافتها إلى معارفهم بقدرة معينة متعلقة بهذه الموهبة، كما في حالات الرسم أو الموسيقى أو الرياضة.
- حل المشاكل وتجاوز العقبات عن طريق تجريب البدائل: الأطفال وأثناء لعبهم أو حياتهم اليومية يتعرضون للكثير من المشاكل والعقبات، وهم أثناء بحثهم عن حلول لهذه العقبات يستخدمون التجريب كوسيلة لاختبار جودة هذه الحلول قبل تطبيقها بشكل نهائي.
كل ما هو موجود في محيط الطفل وعالمه هو بالنسبة له موضوع للتجريب والاختبار، فقد تجد طفلك يقلد سلوكك وأفعالك أو يضع الخطط للقيام ببعض الأشياء ويدرس هذه الخطط وفعاليتها عن طريق التجريب والتطبيق العملي.
فالطفل لا يقف عند اهتمام بعينه أو ميل يحاول تجريبه والتعرف على خصائصه، وإنما ينتقل من تجربة إلى أخرى باستمرار بحسب الموضوع الذي يثير انتباهه واهتماماه وغايته من تجاربه، ومن أكثر الأشياء التي يرغب الطفل بتجريبها:
- تجريب الأطعمة ومذاقها: فالأطعمة المتنوعة وخاصة تلك الأنواع المخصصة للأطفال مثل أنواع الحلويات والشيبسات والبسكويت، فكل يوم يوجد منتج جديد من هذه الأطعمة وهي تعتبر مغرية جداً للأطفال لتجريبها، هذا بالإضافة للأطعمة الأخرى المتعلقة بنظامه الغذائي في المنزل.
- التقليد لبعض تصرفات الآخرين: الأطفال كثيراً ما يقلدون الآخرين سواء من الكبار أو من اقرانهم أو بعض الأشخاص الذين يعجبوهم ويرون فيهم قدوة، وبهذا التقليد يجرب الطفل الأدوار المختلفة في الحياة سواء دور الأب أو الأم أو المعلم والكثير من الأدوار الأخرى
- تجريب الاختراعات والاهتمامات الشخصية: حيث أن بعض الأطفال لديهم إمكانات واهتمامات خاصة في أي من مجالات الحياة، وهم كثيراً ما يجربون ليتعرفوا أكثر على المجال الذي يبدعون فيه ويكوِّنوا خبرات من خلال تجاربهم، وبالتالي يطورون قدراتهم ومواهبهم في هذا المجال.
- تجريب إيجاد الحلول لبعض العقبات والمشاكل: فالطفل كثيراً ما يقع بمشاكل متنوعة سواءً في ألعابه أو دروسه أو علاقاته وتصرفاته اليومية، وهو يحاول علاج هذه الشاكل وحلها من خلال إجراء العديد من التجارب عليها واختيار الحلول الأفضل لها.
- التجريب وتعلم بعض الألعاب الجديدة: من خلال التجريب قد تجد الطفل يخترع ألعاب جديدة ومتنوعة هو وأقرانه أو قد يضع قوانين جديدة تناسبه هو وأصدقائه أكثر من القوانين الأساسية التي توجد أساساً في هذه الألعاب، وهدفه في ذلك تحقيق قدر أكبر من المتعة والتسلية ووسيلته التجريب.
الصفة الشمولية والعمومية لتجارب الأطفال تجعلها متضمنة للكثير من المواقف والخبرات التي يمكن أن تكون نافعة ومفيدة للطفل من ناحية، أو مضرة وسيئة من ناحية أخرى، وذلك تبعاً لما قد يتعلمه هذا الطفل من تجاربه وما قد ينتج من آثار خلال اختباره لمعظم الأشياء، وهنا كان لتجارب الأطفال العديد من الفوائد ويمكن ذكر البعض منها:
- التعلم والتجريب: كما سبق وأشرنا فإن التجربة هي أساس التعلم، فمن خلال التجريب يتمكن الطفل من تحليل وتركيب الأشياء التي يجربها فيتعرف أكثر على مضمونها وخصائصها، وهكذا حتى يصل لتكوين فكرة عامة عن الشيء الذي يجربه من حيث الشكل والمضمون والوظيفة والخصائص.
- التجريب وإشباع الفضول: من خلال التجريب يشبع الطفل فضوله المعرفي، فالكثير من الأشياء تغري الطفل ليلقى نظرة عليها مثل الألعاب أو المواقف وبعض الأدوار الاجتماعية، ومن خلال وضع هذه الأشياء تحت التجربة فإنه يشبع فضوله حولها ويتمكن أكثر من التعرف عليها.
- تنمية المعارف والخبرات من خلال التجارب: حيث أن كل معارف الأطفال تعتبر بسيطة ولم تنضج بعد، وهو من خلال التجارب التي يجريها يتمكن من تنمية هذه المعارف وتطويرها والحصول على خبرات أكبر عنها واختبارها على أرض الواقع وبالتالي زيادة ثقته بنفسه واحترامه لذاته.
- فائدة التجريب في توسيع المدارك وتنمية الذكاء: فالذكاء الغريزي عند الطفل لا يمكن تطويره وتنميته إلا من خلال القيام بالكثير من التجارب والاختبارات بغية توسيع المدارك والمعارف والخبرات وتكوين أفكار عملية عن اهتمامات الطفل وميوله.
- المخاطرة في التجريب: أثناء التجارب المتعددة التي يقوم بها الطفل قد يعرض نفسه للكثير من المشكلات والمخاطر، فقد يقترب من القابس الكهربائي أو من الغاز أو قد يعرض نفسه للسقوط من أماكن مرتفعة والعديد من المخاطر الأخرى وهي تعتبر من التجارب المضرة للطفل.
- تعلم وتجريب بعض العادات السيئة: وهذا يحصل في أكثر الأحيان في الحالات التي يقلد فيها الطفل سلوكيات وأفعال الكبار مثل تعلم التدخين أو عدم اللباقة في الحديث أو سرعة الغضب، هذا بالإضافة إلى أن تجاربه قد تؤدي لأشياء غير مرغوبة مثل اتساخ ملابسه أو عدم العناية بنظافته الشخصية أو تدمير بعض الممتلكات.
- التعرف على أشياء سيئة: مثل حلات دخول الأطفال إلى مواقع إباحية عبر شبكة الانترنيت، أو انشغالهم عن دروسهم وواجباتهم بالألعاب المختلفة، أو تقليد سلوك طفل آخر قد يتعلم منه الكلام البذيء أو عدم إطاعة والديه.
تجارب الطفل هي في أساسها تحقق غاية وهدف تعليمي بالنسبة له، فهو عندما يقوم بالتجربة يشبع فضوله ويتعلم الكثير عن الشيء الذي يقوم بتجربته من جهة، ويحقق غاية في المتعة والتسلية واللعب من جهة أخرى، وهنا كان من الممكن استغلال الفضول التجريبي لدى الأطفال في تحقيق بعض الغايات التربوية والتعليمية المرغوب غرسها في سلوك الطفل وثقافته وشخصيته، ويمكن تحقيق هذه الغاية من خلال عدة خطوات مثل:
- تعليم الطفل مهارات التفكير وحل المشاكل: وهي نفس المبادئ والخطوات في المنهج التجريبي العلمي ولكن بطريقة مبسطة حيث يبدأ الأمر بالملاحظة ووضع بعض الفروض ثم استخراج النظرية أخيراً تجريب الحلول والبدائل للمشاكل والمواقف التي يتعرض لها الطفل.
- ترسيخ المعلومات الضرورية في ذهن الطفل: فمن خلال طرح المعلومات المرغوب تعلمها من قبل الطفل على شكل تجارب أو ألعاب أو مواقف محببة لدي الطفل يمكن المساعدة على غرس هذه المعلومات بشكل أدق وأفضل في ذهنه وبالتالي الحفاظ عليها في ذاكرته.
- إقناع الطفل بضرورة تعلم العادات الجيدة: بما أن الطفل يقلد الكبار ويجرب سلوكياتهم، فيمكن من خلال التجريب تحسين تصرفاتنا وسلوكنا أمام الطفل بدافع تحفيزه على تجريب هذه التصرفات وتقليدها وتعلم بعض الأشياء الجيدة منها مثل العناية بالنظافة الشخصية او المنزلية أو تحمل المسؤولية.
- استخدام التجارب في شرح المواد التعليمة في المدرسة: يمكن للمعلمين اتباع أسلوب التجريب لشرح الدروس للأطفال وذلك من خلال القيام بتجارب حول كل فكرة علمية وطرح الكثير من الأمثلة على شكل ألعاب عنها حتى يتمكن الطفل من ربطها مع الواقع وفهمها بشكل أفضل وترسيخ معلومتها في ذهنه.
- تعليم الطفل طرق عمل واستخدام الأدوات: فمهارات الحركة واستخدام الأشياء والأدوات لا يمكن أن يتعلمها الطفل إلا من خلال الممارسة والتجريب، وهنا تبدو أهمية التجريب في هذا الإطار.
تجارب الأطفال تتيح لهم فضاء واسع يشمل على فرص المتعة والتسلية واللعب بالإضافة لعمليات التعلم واختبار الأشياء وفهم خصائصها ووظائفها، وهذه التجارب تعد المنهل والمنبع الأساسي لتشكيل معارف الأطفال ومعلوماتهم وثقافتهم، وهي أيضاً طريقتهم الأساسية للتعرف على كل ما حولهم، من هنا كان اهتمامنا في موقع حلوها لتقديم هذه الدراسة حول أهمية التجربة في حياة الطفل من حيث معناها ووظيفتها بالإضافة لفوائدها ومضارها وكيف يمكن الاستفادة منها في عملية تربية وتنشئة أطفالنا.