أسباب وأعراض وعلاج التهاب الطرق البولية
بدايةً وقبل الحديث عن التهاب الطرق البولية وأسبابه لا بد لنا من استعراض لمحة بسيطة حول مكونات الجهاز البولي الذي تتواجد ضمنه هذه الطرق، يتألف جهاز البول من: الكليتين اللتين تقومان بتصفية وتنقية البول لكي تحافظا على التركيز الصحيح للمواد المختلفة ما بين الدم والبول، الحالبين اللذين ينقلان البول من الكليتين باتجاه المثانة (Bladder) والتي هي جوف كروي صغير في أسفل البطن يتجمع فيه البول المصفى في الكليتين ليتم طرحه عبر الإحليل (Urethra) وهو الطريق الذي يحمل البول إلى خارج الجسم.
يمكن أن تصاب أي من هذه المكونات بالالتهاب (الذي قد يبقى محصوراً فيها أو ينتقل إلى باقي أجزاء الجهاز البولي) وعندها يحصل ما نطلق عليه اسم التهاب الطرق البولية (Urinary Tract Infections).
ما هي العوامل المؤهبة التي تزيد من احتمال حدوث التهاب المجاري البولية؟
يحصل الالتهاب عادة كنتيجة لدخول الجراثيم عبر الإحليل إلى الجهاز البولي وبما أن الإحليل أقصر لدى النساء منه لدى الرجال فإن احتمال دخول الجراثيم عبره صعوداً إلى المثانة أكبر لذلك يعتبرن أكثر عرضةً للإصابة بالتهاب الطرق البولية، وفي الغالبية العظمى من الحالات تكون الجراثيم المتهمة هي الإيشيرشيا الكولونية (E Coli) التي تتواجد بكثرة في البراز وتنتقل من فتحة الشرج إلى فوهة الإحليل نظراً لقربهما من بعضهما بشكل أكبر عند النساء وتشمل عوامل الخطورة المؤهبة للمرض ما يلي:
- الحمل: نظراً للتأثير الذي يملكه هرمون البروجستيرون (Progesterone) الذي يكون مرتفعاً بشدة خلال الحمل على عضلات الحالبين والمثانة إذ يقوم بإرخاء هذه العضلات وتوسيع الحالبين الأمر الذي يؤدي إلى ركود البول داخل الطرق البولية وتكاثر الجراثيم فيه وبالتالي حدوث الالتهاب الذي قد يشكل خطراً على حياة الحامل في حال وصوله إلى الكليتين.
- الحالات التي تؤدي إلى انسداد الطرق الناقلة للبول: سواء من الداخل مثل الحصيات البولية الكبيرة أو من الخارج مثل الأورام والكتل التي قد تنمو من الأعضاء المجاورة إلى لحالبين في البطن والحوض، لأن أي انسداد في هذه الطرق يؤدي إلى تراكم البول أعلى مستوى الانسداد وركوده وتكاثر الجراثيم فيه.
- الحالات التي تعيق إفراغ البول من المثانة بشكل كامل: مما يؤدي إلى بقائه راكداً فيها فترة طويلة من الزمن، وكمثال على هذه الحالات نذكر ضخامة غدة البروستات الحميدة التي تضغط على الإحليل من الخارج وتمنع انفراغ البول عبره في الحالات الشديدة، بالإضافة إلى بعض الإصابات في الأعصاب المسؤولة عن تعصيب المثانة والتي تؤدي إلى ارتخائها وعدم قدرتها على التقلص لدفع البول عبر الإحليل.
- تركيب القساطر البولية: وهي أنابيب أسطوانية رفيعة من مواد متنوعة يتم إدخالها عبر الإحليل إلى المثانة لإفراغ البول لدى المرضى العاجزين عن النهوض والمشي إلى الحمام أو الغائبين عن الوعي أثناء العمليات الجراحية مثلاً، إذ تعتبر أنابيب القساطر طرقاً سهلة تمر عبرها الجراثيم إلى داخل الجهاز البولي.
- الحالات التي تنهك الجهاز المناعي وتضعفه: مثل العلاج الكيماوي لمرضى السرطانات، العوز المناعي المكتسب (AIDS) والداء السكري من النمط الثاني.
لا يزيد مرض السكري من التهاب المجاري البولية نظراً لإضعافه جهاز المناعة فحسب، بل يساهم أيضاً في ذلك بسبب ارتفاع تركيز السكر في البول الأمر الذي يعتبر مشجعاً جداً على نمو الجراثيم فيه.
متى عليك أن تشك بإصابتك بالتهاب في الجهاز البولي؟
من الشائع جداً أن يمر التهاب المجاري البولية دون أن يلاحظ له أية أعراض خطيرة تُذكر وقد يستمر أو ينكس لعدة مرات بشكل صامت وصولاً بالمريض إلى مرحلة الفشل الكلوي والتي قد تكون أولى التظاهرات الخطيرة (يعرف الفشل الكلوي بأنه تخرب في الكليتين يؤدي إلى عجزهما عن تصفية البول مما يؤدي إلى اختلال في تراكيز المعادن والشوارد في الجسم وبالنتيجة اضطراب في عمل مختلف أجهزة الجسم).
تختلف الأعراض بحسب عمر المريض وجنسه وحالته الصحية العامة، ويشكل عام تتنوع الأعراض ما بين اثنين أو أكثر مما يلي:
- ارتفاع الحرارة وظهور القشعريرة خصوصاً عند توضع الالتهاب في الكليتين.
- الغثيان والقياء في الالتهابات الشديدة.
- الإحساس بالوهن والتعب المستمر حتى عند عدم بذل مجهود جسدي.
- الإحساس بالحرقة والألم عند التبول.
- الشعور بالحاجة الملحة والمستمرة للتبول حتى مع وجود كميات قليلة من البول في المثانة.
- الشعور بالألم والثقل في أسفل البطن (في التهابات المثانة) أو في الخاصرتين وأسفل الظهر (في التهاب الكليتين) خارج أوقات التبول.
- ملاحظة تغير لون البول ليصبح داكناً وعكراً وأحياناً مدمى، بالإضافة إلى وجود رائحة غريبة فيه.
- لدى كبار السن قد يلاحظ ضمن أعراض التهاب الطرق البولية تغيرات مفاجئة في السلوك واضطراب المحاكمة العقلية، وقد يصعب حتى تمييزها لدى المسنين المصابين بالخرف.
أما لدى الأطفال تتصف الأعراض ببعض التمييز كالتالي:
- يبدو الرضع متهيجين ومتوعكين بشكل عام بالإضافة إلى ضعف الرضاعة لديهم وارتفاع الحرارة.
- حصر البول بشكل إرادي نظراً للألم المرافق لعملية التبول.
- تبليل الفراش وملابسهم ليلاُ بسبب التبول اللاإرادي والتالي لحصر البول نهاراً.
ما الذي يمكن فعله للتقليل من خطر الإصابة؟
يعد التغيير البسيط في بعض العادات اليومية وممارسات النظافة الشخصية كفيلاً في كثير من الحالات بتقليل احتمال إصابة الشخص بالتهابات الجهاز البولي، ومن أهم إجراءات الوقاية:
- شرب كميات كبيرة من السوائل خصوصاً الماء والذي يعد أفضلها بما لا يقل عن 6 أو 8 كؤوس يومياً، لأن السوائل تساعد في دفع الجراثيم إلى خارج الجهاز البولي.
- الذهاب إلى الحمام فور الشعور بالحاجة إلى التبول وعدم حصر البول طويلاً في المثانة والحرص على إفراغها بشكل كامل للتقليل من تكاثر الجراثيم داخلها.
- التبول بعد الانتهاء من ممارسة العلاقة الجنسية لأن ذلك يساعد في إخراج الجراثيم التي قد تتدخل إلى الإحليل أثناء العلاقة.
- معالجة الحصيات البولية في حال وجودها وعدم تركها في مكانها لوقت طويل.
- مسح المنطقة التناسلية عند التبول أو التغوط بالطريقة الصحيحة أي من الأمام باتجاه الخلف وذلك لمنع انتقال الجراثيم من البراز إلى الإحليل عند القيام بالمسح بالاتجاه المعاكس.
- ارتداء الألبسة الداخلية القطنية الفضفاضة مما يساعد على إبقاء المنطقة المحيطة بالإحليل جافة.
كيف يتم تدبير الالتهابات البولية وما هي العلاجات المستخدمة؟
تعالج هذه الالتهابات بأدوية تدعى المضادات الحيوية (Antibiotics) والتي تؤخذ بموجب وصفة الطبيب حصراً، تعتمد مدة العلاج على شدة الالتهاب ومكان توضعه إذ تحتاج الالتهابات الخفيفة إلى أخذ الدواء لثلاثة أيام على الأقل بينما يستمر إعطاء الدواء في الالتهابات الأكثر شدة لأسبوع أو أكثر حسب ما يراه الطبيب مناسباً.
تتطلب بعض الحالات العلاج في المشفى لما تحمله من تهديد للحياة أو صعوبة في العلاج ومن هذه الحالات:
- النساء الحوامل المصابات بالتهاب الطرق البولية لكونه يشكل خطراً على حياة الجنين ويحرض تقلصات الرحم لديهن وبالتالي حدوث الإجهاض أو الولادة المبكرة.
- إصابة كبار السن الذين لا يمكن إلزامهم بتناول الأدوية الفموية فيكون الحل عندها إدخالهم إلى المشفى وإعطاؤهم الأدوية عبر الطريق الوريدي.
- الأطفال الصغار الذين ترتفع حرارتهم بشدة أثناء المرض أو الذين نكس لديهم الالتهاب.
يشغر غالبية المرضى بالتحسن الملحوظ بعد يومين أو ثلاثة من بداية تناول الدواء في حال كون العلاج صحيحاً، لكن الأمر الهام هنا والذي يقع فيه الكثيرون هو ضرورة الاستمرار بتناول الدواء حتى نهاية الجرعة وعدم التوقف عن تناوله فور تحسن الأعراض تجنباً لنكس الالتهاب أو جعله مقاوماً على الأدوية أحياناً.
من الشائع أن ينكس الالتهاب خصوصاً عند النساء عندها تكون طرق العلاج حسب الحالة:
- تناول جرعات يومية قليلة من المضاد الحيوي لمدة طويلة قد تصل إلى ستة أشهر أو أكثر.
- تناول جرعة وحيدة من الدواء بعد كل جماع في حال ثبت أن سبب الالتهابات المتكررة لدى السيدة هي العملية الجنسية.
- أخد الدواء لمدة قصير لا تتجاوز يومين أو ثلاثة عند ظهور الأعراض فقط.
في الختام.. يلعب الجهاز البولي دوراً هاماً في الحفاظ على توازن الوسط الداخلي للجسم وتنعكس صحته الجيدة على صحة الجسم بشكل عام، والالتهابات التي تصيبه تصبح مشكلة عابرة عند علاجها بالشكل الصحيح لذلك لا بد من الانتباه جيداً إلى التغيرات الحاصلة في لون البول أو رائحته أو عدد مرات التبول لعلها تكون العلامة الأولى لوجود خطب ما، الأمر الذي يعطي فرصة للعلاج المبكر له وتفادي حصول أية مضاعفات خطيرة لاحقاً.