كثرة الأسئلة والفضول عند الأطفال
مفهوم الفضول كمصطلح لا يخلو من سلبية في نظرتنا له ورأينا فيه، ولكن مع ذلك لا نستطيع أن نغفل أن هذه الصفة موجودة فينا جميعاً بدرجة ما، كما لا يمكن إغفال أهمية هذه الصفة في التعرف أكثر على عالمنا وفهم ما يحيط بنا من أحداث وظروف.
وعند الحديث عن الطفل فإن فضوله وكثرة أسئلته واستفساراته لا ينشد فيها غاية أكثر من ذلك، وإنما هو بحكم قلة خبرته وبساطة أسلوبه يبدو لنا بمظهر الفضولي والحشري الذي يكثر من الأسئلة المزعجة، وهنا تأتي مهمتنا في فهم أسباب أسئلته وما غايته منها وإيجاد الأجوبة المناسبة لها تمهيداً لتوجيهها وإدارتها لما فيه فائدة له ولمجتمعه.
أن يكون الطفل فضولي فهي مسألة يمكن ملاحظتها من خلال عدة تصرفات أو أنماط سلوك يقوم بها في حياته الطبيعية اليومية، مثل الإكثار من الأسئلة حول كل شيء وإلى حد مزعج، أو التدخل في أحاديث الكبار وأمورهم، أو التدخل في شؤون الآخرين من أقرانه سواء أخوته أو زملائه في المدرسة أو الحي والأقرباء.
يحاول الطفل الفضولي دائماً أن يعرف كل شيء سواء ما يعنيه أو لا يعنيه من مشاكل الآخرين وأمورهم وظروفهم، والكثير من التصرفات الأخرى التي تدخل جميعاً ضمن إطار مفهوم الفضولية، ويتحدد مستوى فضولية الشخص أو الطفل كلما أظهر قدراً أكبر من هذه السلوكيات.
يعد الفضول صفة متعددة الأوجه والأشكال، فهو لا يتوقف على تصرف أو سلوك معين يمكن اختزال مفهوم الفضول به، وإنما بحسب الموقف والتصرف الذي يبديه الطفل تجاه أي موضوع في الحياة، فأي موقف يبدو فيه سلوك الطفل تدخلاً فيما لا يعنيه أو في شؤون الآخرين وأمورهم يعتبر فضولاً وفي بعض الأحيان يكون الفضول هو رغبة في معرفة المزيد وحباً للتعلم والاطلاع، وهكذا تتنوع أشكال الفضول وأنواعه كما يلي:
- كثرة الأسئلة: بعض الأطفال يوجهون عدد لا يحصى من الأسئلة لجميع من حولهم وخاصة الوالدين، وهذه الأسئلة حول كل شيء في الوجود إلى درجة تثير الانزعاج والملل لدى من توجه له هذه الأسئلة ففي بعض الأحيان تكون غير منطقية أو محرجة أو لا يوجد هدف أو طائل منها.
- التدخل في شؤون الآخرين: فهذا التدخل قد يكون في شؤون الكبار حتى لو كان موضوع التدخل لا يناسب سنه سواء في أحاديثهم أو اهتماماتهم أو حتى مشاكلهم، وفي أحيان أخرى يكون التدخل في شؤون الأقران من أصدقاء وزملاء أو أخوة بطريقة تظهره بأنه حشري ويفرض نفسه على الآخرين.
- مراقبة الآخرين: قد يصل الفضول عند بعض الأطفال لمراقبة الآخرين والتجسس عليهم سواء الأهل أو غيرهم من الغرباء مثل الجيران وهذه من الأمور الخطيرة على الطفل ذاته عندما يطلع على أشياء لا تناسب سنه أو يكتشف أسرار الآخرين وربما يصرح فيها للعلن وما يتبع ذلك من مشاكل.
- التنصت على أحاديث الآخرين: كالتنصت على أخوته سواء الأكبر منه سناً أو المختلفين معه في الجنس، أو التنصت على أحاديث الوالدين، أو الضيوف في منزله.
- الفضول المعرفي والعلمي: أما هذا فهو من أنواع الفضول الجيد الذي يساعد الطفل في التعرف على عالمه ومحيطه وتعلم العديد من الأشياء والخبرات المهمة في الحياة، ويمكن اعتبار هذا النوع من الفضول من صفات العلماء والمخترعين والعباقرة.
- الرغبة في التعرف على الأشياء الجديدة: فالأطفال خبرتهم قليلة في شؤون الحياة ومعارفهم محدودة وكي يتمكنوا من التعلم وملئ خزانهم المعرفي وزيادة خبراتهم ومعلوماتهم من المهم وجود دافع لديهم لتعلم الأشياء الجديدة واكتساب خبرات أكثر سوف تساعدهم في تكوين شخصياتهم والتعرف على مجتمعهم وحياتهم.
- كثرة الغلبة: وهي صفة سلبية يمكن أن نجدها لدى الصغار أو الكبار على حد سواء، حيث أن صاحب هذه الصفة لديه رغبة دائمة في إقحام نفسه بكل شيء إلى درجة قد توقعه بالمشاكل مع الآخرين في بعض الأحيان.
أسباب وعوامل تكَون صفة الفضولية عند الأطفال
مثل أي صفة لدى الإنسان لا يتوقف نشوؤها على عامل وحيد أو سبب محدد، فالفضول صفة يسهم في تكَونها وتطورها العديد من الأسباب منها الفطري والمكتسب والوراثي، وهذه الأسباب يجب أن يتضافر بعضها مع البعض الآخر بطريقة ما لتنتج شخصية فضولية لدى طفلنا تسعى لمعرفة كل شيء والتدخل في كل شيء، ومن هذه الأسباب والعوامل يمكن ذكر:
- أسباب غريزية: وهي غريزة التعلم والنشوء والارتقاء الموجودة سواء لدى المخلوق البشري أو حتى المخلوقات الأخرى ولكن بدرجات متفاوتة، فمنذ أن يولد الطفل يبدأ بتعلم الرضاعة من والدته ثم يكبر ويتعلم الجلوس ثم القيام بحركات معينة ثم المشي وبعدها يتعلم الكلام وهكذا يستمر الإنسان في مسيرته التطورية الطبيعية عبر تعلم المزيد من الخبرات والأشياء لنهاية حياته.
- أسباب مكتسبة اجتماعية: حيث أن الأطفال يلاحظون كل ما يدور حولهم من أحاديث ويلاحظون أيضاً تصرفات من حولهم وصفاتهم، فعندما يرى الطفل أن أحد والديه يتصف بالفضولية من خلال أحاديثه أو تصرفاته مثل جلسات والدته مع جيرانها والتكلم حول شؤون الآخرين فإنه من الطبيعي أن يتعلم هذا السلوك ويقلده ويرى فيه شيء جيد.
- حب المعرفة والتعلم: فبعض الأطفال لديهم ميل أكثر من غيرهم للتعلم وزيادة مستواهم المعرفي، وهذا يبدو دافعاً جيداً ولو كان من أنواع الفضول ولكنه يهدف لاكتساب الخبرات والمعارف المختلفة وتطوير الذات والقدرات والمهارات.
- حب التجريب والاستطلاع: فمن منطلق غريزة التعلم نفسه يبدي الأطفال أحياناً اهتماماً ما في تجريب بعض الأشياء والأفكار، فقد تعجبه تجربة معينة على التلفزيون أو يرى ذويه وهم يقومون بأشياء يجد متعة في تقليدها، وهنا يقوم الطفل بتجاربه حول هذه الأشياء لاختبارها واستطلاع نتائجها عن قرب وفهم ابعادها وتفاصيلها.
- بناء الخلفية الثقافية والشخصية الاجتماعية: حتى يتمكن الطفل صاحب الخبرة القليلة في الحياة من بناء قاعدته المعرفية وخلفيته الثقافية فهو بحاجة لطريقة تساعده على ذلك وفضوله المعرفي أو أسئلته الكثيرة هي الطريقة التي يراها الأنسب لتحقيق هذه الغاية وتطوير معارفه.
- الرغبة في التعرف على عالم الكبار: أكثر ما يشغل الأطفال هو عالم الكبار والأدوار الاجتماعية العديدة التي يمارسها الكبار أمامهم، فالأطفال أدوارهم محدودة في المدرسة أو اللعب أو بعض الوظائف المنزلية، أما الكبار يمارسون الكثير من الوظائف والأدوار وهذا يعد من الدوافع القوية ليحاول الطفل التعرف أكثر على هذه الأدوار سواء من خلال التقليد أو الأسئلة أو التجريب والتدخل في أمور الكبار وشؤونهم.
- حب السيطرة على الآخرين والتدخل في شؤونهم: حيث أن بعض الأطفال يوجد لديهم رغبة في السيطرة على الآخرين وقيادتهم، فهذا يدفع هؤلاء الأطفال للتعرف على شؤون الآخرين الذين يرغبون بالسيطرة عليهم، وذلك ظناً منهم أن معرفتهم هذه سوف تساعدهم في الوصول لمرادهم وحينها سوف يظهرون بشكل الأذكياء الذين يعرفون كل شيء عن الجميع.
كيف يمكن التقليل من فضول الأطفال وتوجيه هذه الصفة لديهم نحو أهداف أفضل؟
من المعروف أن أسئلة الطفل واستفساراته لا حصر لها سواء ما يصرح به منها على العلن أو ما قد يخفيه منها ويحاول معرفة إجاباتها وحده دون مساعدة أحد، وهذه المسألة قد تسبب إزعاجاً وإحراجاً في بعض الأحيان لذوي الطفل، وقد تكون طريقة ووسيلة لجعله يتعلم الكثير من الأشياء المهمة في الحياة.
ويجب على ذوي الطفل أن يكونوا على قدر من المسؤولية في التعامل مع فضول أطفالهم وأسئلتهم الكثيرة، بحيث يوجهون إحساسهم برغبة المعرفة نحو أهداف علمية أو تعليمية بدلاً من الأشياء التي لا تعنيهم ولا يرجى منها فائدة لهم، ويتم ذلك من خلال اتباع مجموعة من الخطوات:
- يجب أن يعرف الطفل حدوده: ويتعلم أن ليس كل ما في الحياة مرتبط به ومن شأنه وهناك أشياء كثيرة تعتبر خصوصيات بالنسبة للآخرين ويجب أن لا يتدخل فيها، كما يجب عليه الاهتمام فقط بأموره وترك الآخرين وشأنهم، فكما ينزعج هو من تدخل الآخرين بخصوصياته يجب أن يتعلم أن تدخله في خصوصيات الآخرين أمر يثير انزعاجهم.
- تعريف الطفل أكثر بدوره الاجتماعي: وكيف يجب أن يتعلم هذا الدور ويحدد مكانه في الحياة وأن هناك أشياء أيضاً لا تناسب سنه أو جنسه، وهنا تكون الخطوة الأولى التي يتمكن الطفل فيها من تحديد اهتماماته والأمور التي يرغب بالتعرف عليها أو يميل نحوها وبهذه الحالة سوف يستبعد الأشياء التي لا تعنيه والتي تعتبر بعيدة عن أهدافه واهتماماته.
- احترام خصوصياته: يجب علينا أن نحترم خصوصيات أطفالنا وعالمهم الخاص الذي يحرجهم تدخل الآخرين فيه، فبهذه الوسيلة سوف يتعلم هو بدوره أن يحترم خصوصيات الآخرين ولا يتدخل في شؤونهم، فكما يرغب باحترام الآخرين لشؤونه يجب عليه أن يحترم شؤون الآخرين.
- توجيه فضوله نحو التعلم والمعرفة: كما سبق وذكرنا فإن الفضول يعتبر غريزة إلى حد ما في المخلوق البشري هدفها التعلم والمعرفة، وإذا بقيت هذه الغريزة في حدود هدفها الطبيعي وحاولنا تطويرها في نفس المسار، فإنها سوف تحول الطفل من شخص فضولي إلى شخص مفكر يبحث دائماً عن المعرفة وزيادة الخبرات بهدف التعلم.
- مساعدته في محاولاته وتجاربه القيمة: بعض تجارب الأطفال وأفكارهم التي يدفعهم لها الفضول العلمي تعتبر قيمة ويمكن تطويرها أو تشجيها لتصبح أمر ذو قيمة، وهذا النوع من الأفكار والتجارب عند أطفالنا لا ضير من تشجيعه ومساعدة الطفل في تحقيقه لتطوير قدراته ومهاراته بدلاً من تحول فضوله لأمور أخرى لا شأن له بها.
- إشغال وقت الطفل بأمور مفيدة: فبعض الأطفال يولد الفضول لديهم وينبع من الفراغ الزائد في حياتهم وأوقاتهم، ونحن عندما نشغل فراغ أطفالنا سواء في ممارسة هواياتهم وألعابهم أو تعليمهم أشياء جيدة أخرى، فإننا بذلك نبعدهم عن تعلم هذه العادة السيئة الفضول.
إذاً تتوقف نتيجة سلوكيات الطفل الفضولية وأسئلته التي لا حدود لها من حيث الفائدة أو الضرر، على هدف هذا الطفل من فضوله من جهة وعلى طريقة تعاملنا مع هذه المسألة من جهة أخرى، فإذا استطعنا تحويل فضول الطفل نحو غايات مرغوبة وجيدة كحب المعرفة والاطلاع حصلنا على نتيجة جيدة ومرغوبة، ولكن إذا بقيت المسألة عند الطفل بدافع التدخل في شؤون الآخرين ومراقبتهم والتجسس عليهم فإنها سوف تخلق طفل حشري يقحم نفسه فيما لا يعنيه.