تأثير العنف اللفظي والجسدي على الأطفال
مع تطور المجتمع البشري المستمر وتطور أساليب التربية سواء التربية المنزلية أو المدرسي؛ ظهرت قضية العنف ضد الأطفال كقضية محورية في العالم الحديث، حيث تسعى المنظمات الحكومية وغير الحكومية إلى الحد من ظاهرة العنف ضد الطفل بأشكالها المختلفة للوصول إلى مجتمع سليم ولمنح الأطفال حقوقهم بالطفولة.
في هذا المقال؛ نتعرف وإياكم إلى أنواع العنف التي قد يتعرض له الطفل في بيته أو في مدرسته أو في بيئته، ونحاول أن نحلل الأسباب التي قد تقف وراء تعنيف الأطفال، كما نحاول أن نناقش أبرز آثار العنف على نفسية الطفل ومستقبله، ونتوقف أخيراً مع طرق التعامل مع الطفل الذي تعرض للتعنيف.
العنف اللفظي ضد الأطفال
يعتبر العنف اللفظي من أخطر المشاكل الاجتماعية التي قد تعاني منها الأسرة، ويتمثل العنف اللفظي تجاه الأطفال في سبهم والتلفظ بالألفاظ النابية والشتائم ضدهم ووصفهم بالنعوت والصفات ذات الدلالات السلبية، كذلك يعتبر عنفاً تحقير أفعال الأطفال وأفكارهم والتعامل معهم على أنهم أغبياء والتنمر عليهم.
ويعتبر العنف اللفظي من أبشع الإساءات التي قد يتعرض لها طفلك، فأنت عندما تسيء إلى طفلك بغرض تصحيح سلوكه فإنك لا تدري كم الآثار النفسية والمعنوية السلبية التي تسببها لطفلك، فالعنف اللفظي من شأنه أن يؤثر على الاتزان النفسي للأطفال ويفقدهم ثقتهم بأنفسهم، فعندما يخطئ طفلك وتقول له "أنت أخطأت ولكني أحبك كثيراً" فهذا الأسلوب له اَثار إيجابية على نفسية طفلك، وسيصبح الطفل أكثر حرصاً على عدم تكرار تلك الأخطاء من دافع خوفه على زعلك وحبه لك.
العنف الجسدي ضد الأطفال
العنف الجسدي هو تعرض الطفل للتعذيب والضرب والإساءة الجسدية كنوع من أنواع العقوبة، وكلما زاد مدى استخدام العنف الجسدي وحدته زادت خطورته، وخطورة العنف الجسدي تنعكس على صحة الطفل من حيث تعرضه للجروح والكدمات وحتى الكسور والعاهات المزمنة وربما الموت كما حصل مع الأب الذي انهال على ابنته ضرباً بالشاكوش حتى الموت، كما يترك العنف الجسدي أثراً عميقاً في نفسية الطفل.
العنف الجنسي ضد الأطفال
والعنف الجنسي من أخطر أنواع العنف التي تتم ممارسته على الأطفال، فهو الأكثر تأثيراً على نفسية الطفل ومستقبله، فضلاً عن كونه يجمع بين العنف اللفظي والجسدي معاً، ويتعرض الأطفال للعنف والاعتداء الجنسي من خلال:
- الاتصال الجنسي مع الطفل بأي شكل من الأشكال سواء من الأقارب أو الغرباء.
- التحرش الجنسي بالأطفال عن طريق تسميعهم للكلام الجنسي والألفاظ البذيئة، وعن طريق القيام ببعض الأفعال الجنسية دون الوصول إلى مرحلة الاتصال الجنسي الكامل، أو عن طريق إجبارهم على مشاهدة الصور والأفلام الإباحية.
- يتعرض الأطفال أحياناً إلى عقوبات جسدية من المربين أو الأهل تحتوي على إساءات جنسية مثل ضربهم على المناطق الحساسة أو إجبارهم على التعري أو إيذاء أعضائهم الجنسية بطريقة أو بأخرى.
إن النظر في الأسباب التي قد تدفع الأهل والمربين لتعنيف الأطفال أمر بالغ التعقيد بسبب تحكم السمات الشخصية إلى حد بعيد في استخدام العنف، واختلاف تأثير العوامل الخارجية على الأشخاص، هذا ما يجعلنا غير قادرين على وضع أسباب قاطعة تدفع الأبوين إلى تعنيف الأطفال، لكن يمكن النظر في جملة من الأسباب التي تعتبر عوامل مؤثرة في ميل الأهل لاستخدام العنف في تربية أطفالهم:
- العصبية وفرط الغضب عند الأهل: فالآباء غير القادرين على التحكم بانفعالاتهم هم أكثر من يتلفظ بالإساءة تجاه الأطفال وأكثر من يقوم باستخدام العقوبات الجسدية القاسية.
- مشاكل الحياة المختلفة: مشاكل الحياة بكافة أنواعها مثل مشاكل العمل ومشاكل العلاقات الزوجية وغلاء المعيشة ومشاكل البطالة ومصاريف الأطفال وضيق الحالة المادية للوالدين؛ كل ذلك يمثل ضغط عصبي على الوالدين يجعلهم يستخدمون العنف اللفظي ضد أطفالهم و يعاملونهم بمنتهى العنف، ويتلفظون تجاههم بالألفاظ النابية، لكن هذا لا يعني أن كل من يعاني من مثل هذه الضغوطات سيستخدم العنف بالضرورة.
- يبدو أن الوالدان ممن تعرضوا للإساءات أثناء طفولتهم أكثر ميلاً لممارسة العنف على أبنائهم، فالآباء الذين تعرضوا لتلك التربية الخاطئة يفعلون ذلك مع أولادهم من تلقاء نفسهم، إما لقناعتهم أن العنف هو أسلوب التربية الصحيح، وإما كردة فعل على ما تعرضوا له من العنف في طفولتهم مع إدراكهم لخطورة هذا الأسلوب.
- العادات والتقاليد تلعب دوراً محورياً في ترسيخ السلوك العنيف عند الأهل، فبعض المجتمعات تنظر إلى أساليب التربية الحديثة بعين السخرية، وتعتقد أن الخيزرانة والعصا من الجنة، وأن الطفل الذي لا يعاقب بالنهر والضرب لا يمكن أن يتعلم تحمل المسؤولية.
- غياب العقوبات الرادعة، وعدم وجود عقوبات صارمة وقوانين لردع الآباء الذين يستخدمون العنف اللفظي تجاه أطفالهم يجعلهم يستسهلون ذلك ويتمادون فيه.
العنف ضد الأطفال بكافة أنواعه له اَثاره التي ترسخ في نفسية الطفل، فالأطفال المعرضون للعنف المنزلي هم أيضاً معرضون لخطر المشاكل الصحية والبدنية والعقلية على المدي الطويل، ويؤثر العنف أيضاً على تكوين العلاقات المستقبلية لدى الطفل، فكيف سيكون ذلك الطفل عندما يصبح شاب في المستقبل قادراً على تكوين أسرة وتربية أطفال بطريقة سوية وهو يعاني من اضطرابات نفسية ومن أثار العنف الذي تعرض له وهو طفل!.
ويمكن أن ننظر في نوعين من الآثار المترتبة على العنف ضد الأطفال:
آثار تعنيف الأطفال على المدى القصير
آثار العنف تظهر على الأطفال في مختلف المراحل العمرية، فالأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة عندما يمُارس عليهم العنف يقومون بأفعال كانوا يفعلونها وهم صغار مثل التبول في الفراش، مص الإبهام، والبكاء المتزايد، وهذه آلية دفاعية تسمى النكوص متمثلة بالعودة إلى سلوك كان يثير فيهم شعور الراحة.
وتظهر على الأطفال المعنفين علامات الإرهاب مثل التأتأة والاختباء وفقدانهم الشجاعة والقدرة على المواجهة، وتظهر عليهم أيضاً علامات القلق الشديد.
والأطفال في سن المدرسة يشعرون بالذنب تجاه ذلك العنف والإساءة ويلومون أنفسهم بسبب ذلك، ويجعلهم العنف غير واثقين بأنفسهم وبقدراتهم، وقد يدفعهم ذلك إلى عدم المشاركة في الأنشطة المدرسية، وكذلك عدم حصولهم على درجات جيدة، ويواجهون مشاكل أكثر ويعانون من القلق والاكتئاب.
وأما المراهقين الذين يشعرون بالإساءة قد يتصرفون بطرق سلبية مثل المشاجرة مع أفراد الأسرة وأصدقاء المدرسة، ويكون لديهم تدني في احترام الذات وصعوبة في تكوين صداقات، وينخرطون أيضاً في سلوكيات محاطة بالمخاطر مثل ممارسة الجنس بمرحلة مبكرة وشرب الكحوليات والمخدرات، ومن المحتمل أن يتورطوا في مشاكل قانونية.
بالمحصلة؛ يمكن القول أن الأطفال يبدون استجابة سريعة تجاه التعنيف، وهذه الاستجابة قد تحولهم إلى المواجهة وتطور مشاعر السخط والغضب لديهم بالتالي ارتفاع العدوانية، أو تحولهم إلى الانهزامية وفقدان الثقة بالذات والجبن.
آثار تعنيف الأطفال على المدى الطويل
الخطر الأكبر للعنف ضد الأطفال تظهر علاماته على المدى الطويل، وهو الخوف من تكرار تلك الدورة كبالغين، فعلى سبيل المثال الطفل الذي تمت الإساءة إليه لديه فرص أكبر بالإساءة لأطفاله من الطفل الذي نشأ بصورة سوية، وأيضاً الفتاة التي تكبر في بيت حيث يسئ والدها لوالدتها أكثر عرضة للخضوع للإيذاء الجنسي من البنت التي نشأت بصورة سوية.
وعلى وجه العموم سيكتسب الطفل مجموعة من الصفات التي تعتبر سمات راسخة في شخصيته تأثرت وتفاعلت مع الإساءة اللفظية والجسدية التي تعرض لها، وفي مرحلة المراهقة غالباً ما يحصل انقلاب في الشخصية يحدد ملامحها حتى سن الأربعين على الأقل.
من جهة أخرى أشارت الدراسات إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للإيذاء النفسي أو الجسدي أو الجنسي أكثر عرضة للمشاكل الصحية التي تصيب الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق وقد تصيبهم أيضاً مشاكل الصحة العامة مثل مرض السكري والسمنة وأمراض القلب.
الأسرة يمكنها مساعدة أطفالها الذين تعرضوا للعنف عن طريق:
- مساعدتهم على الشعور بالأمان، فالأطفال الذين تعرضوا للعنف يحتاجون إلى أن يشعروا بالأمان أكثر ليتمكنوا من تجاوز آثار التعنيف.
- التحدث معهم عن مخاوفهم، فذلك يبني الثقة المتبادلة بين الوالدين والأطفال.
- التحدث معهم حول العلاقات السليمة، ونساعدهم على التعلم من أخطاء التجربة المسيئة عن طريق التحدث عن علاقات صحية، فهذا سيساعدهم على معرفة ما هو صحي عندما يبدؤون علاقات عاطفية أو اجتماعية خاصة بهم.
- التحدث معهم عن الحدود في التعامل، أخبر طفلك بأنه لا يحق لأحد أن يلمسه ويجعله يشعر بعدم الارتياح بما فيهم أفراد العائلة والمدرسة والأصدقاء، واشرح له أيضاً أنه لا يحق لأحد أن يلمس جسم شخص أخر.
- بالإضافة إلى دور الأب والأم لا بد من وجود شخص آخر موثوق به ويكون هو مصدر الدعم لطفلك ومستشار خاص به، يعطي له النصائح ويتحدث معه عن مخاوفه، ومعرفة ما يدور برأسه ويقدم له الدعم المستمر للخروج من تلك الأزمة.
- التوجه إلى طبيب نفسي متخصص في التعامل مع الأطفال الذين تعرضوا للعنف.
وكل طفل يختلف عن الآخر من حيث الإستجابة للإساءة والعنف، بعض الأطفال أكثر مرونة وبعضهم أكثر حساسية تجاه تلك الإساءة ويعتمد مدى نجاح الطفل على التعافي من الإساءة والعنف الذي تعرض لها على عدة أمور:
- توقف مصدر العنف
- تقدير الذات
- نظام دعم جيد وعلاقات جيدة مع بالغين موثوق بهم
- صداقات جيدة وصحية
حماية الأطفال من العنف
العنف ضد الأطفال لا يهدد بقائهم وصحتهم فقط بل يهدد أيضاً سلامة علاقاتهم العاطفية وآفاقهم المستقبلية، ولذلك فلا بد من إيجاد الحلول لحماية الأطفال من العنف، وذلك لتربية أطفال أسوياء نفسياً، وذلك من خلال:
- خلق بيئة مناسبة لحماية الطفل وذلك عن طريق انتقاء الأشخاص المحيطين ببيئة الطفل، فيجب علينا أن نختار الأشخاص المتواجدين حولنا حتى لا يؤثر أي أحد منهم على أطفالنا بصورة سيئة.
- الحفاظ على خطوط التواصل مع الطفل وذلك لبناء الثقة بين الوالدين والطفل حتى يتمكن الطفل من إخبارهم بأي خطر قد يتعرض له.
- ضرورة ضبط النفس وتمالك أعصابنا في تعاملنا مع أطفالنا، فعندما يخطئ الطفل لا مانع من عقابه ولكن بحدود ويجب أن نبتعد كل البعد عن استخدام وسائل الضرب في تصحيح أخطاء الأطفال.
- يجب علينا أن نبعد أطفالنا عن مشاكلنا المادية والاجتماعية وأن نتعامل معهم بكل حكمة، فهم لا ذنب لهم في تلك المشاكل.
- لا بد من وجود بعض القوانين الصارمة في عقاب الآباء الذين يعاملون أطفالهم بقسوة وعنف جسدي أو لفظي.