السلوك الانحرافي عند الأطفال وحماية الطفل من انحراف السلوك
إبعاد طفلك عن الانحراف أو اتباع السلوك المنحرف يعد من الغايات التربوية الأساسية لعملية التأهيل والتربية، فالانحراف مثل المرض يتعرض له كافة الأطفال إن لم نحسن تربيتم وإن لم نتعامل معهم بطريقة سليمة، وإن لم نحمهم من الأسباب التي تؤدي للسلوك المنحرف.
بهذه الحالة تأخذ عملية التربية دور عملية الوقاية من جهة لإبعاد الطفل عن هذا المرض، وعملية العلاج من جهة أخرى إذا أصيب الطفل بأحد أنواع الانحراف، ولتحقيق هذه الغاية كان لا بد من دراسة أشكال الانحراف وأنواعه وأسبابه وتعريفه من حيث مضمونه ومعناه وتحديد بعض الخطوات التي تساعد للوقاية من انخراط الطفل في السلوك الانحرافي.
يعد التعريف بمفهوم الانحراف أمر متشعب يتعلق بالاتجاه العلمي الذي يفسر هذا المفهوم، فالانحراف من وجهة النظر اللغوية يعني الخروج عن مسار معين ومألوف سواء كان هذا المسار مادي أو معنوي كأن تنحرف السيارة عن الطريق، أما في علم الاجتماع فيعني خروج الشخص عن الخط المعياري والقانوني والقيمي الخاص بكل مجتمع على حدة أو بالنظام الاجتماعي بشكل عام، مثل سلوك السرقة أو خرق القوانين أو رفض عادات وتقاليد المجتمع.
وفي علم النفس يمكن الربط بين مفهوم الانحراف والسوية النفسية للشخص المنحرف بالإضافة لبعض الأمراض التي يترافق وجودها مع انحراف معين في شخصية الفرد وسلوكه.
بالنظر إلى شمولية وعمومية المواقف التي يمكن أن يطلق عليها مفهوم الانحراف، فإن الدافع أو العامل الذي يؤدي للسلوك المنحرف يعتبر متعدد ومتغير بحسب السبب الذي نتج عنه السلوك الانحرافي، ومن هنا يمكن ذكر العديد من الأسباب التي تؤدي لهذا السلوك وتقسيمها بحسب النوع والشكل والنتيجة، ومن هذه الأسباب:
- سوء التربية وعلاقتها بانحراف الأطفال: فالعملية التربوية هي الأساس الذي يتوقف عليه معظم أشكال وأنماط السلوك التي تصدر عن الفرد سواء كان هذا السلوك يتصف بالسوية أو الانحراف، فمن خلال التربية قد يتشجع الطفل على اتباع سلوكيات معينة أو استبعاد بعضها الآخر، ويعود السبب في هذا لطبيعة الاستجابات التي يتلقاها نحو سلوكه من ثواب أو عقاب.
- التقليد والاقتداء وعلاقته بالسلوك الانحرافي عند الطفل: في كثير من الأحيان يلاحظ الطفل شخصيات منحرفة وتتصف بعدم السوية النفسية أو الاجتماعية أو السلوكية وقد تغري بعض هذه الشخصيات الأطفال لتقليدها، اعتقاداً منهم أنهم يقلدون نماذج محببة تتصف بالقوة أو الجمال أو العديد من المغريات الأخرى.
فالعديد من الشخصيات الموجودة سواء في محيط الطفل مثل أصدقائه أو أسرته وأقاربه أو حتى الشخصيات الخيالية والتلفزيونية تعتبر محببة لدى الطفل ويعتبرها قدوة له، وفي هذه الحالة سوف يحاول الطفل التماهي مع مثل هذه الشخصيات بجميع مواصفاتها سواء الجيد منها أو ما قد يعتبر منحرف وغير سوي.
- الحاجات والرغبات وانحراف الأطفال: قد يعود السبب في اتباع الطفل سلوك منحرف ما إلى طبيعة حاجاته ورغباته، فعندما يحتاج للمال مثلاً قد يلجأ للسرقة لإشباع حاجاته لشراء بعض الأشياء التي لا يمكنه إحضارها من مصروفه الشخصي الذي يحصل عليه من والديه.
- السلوك الانحرافي بدافع إثبات الذات والوجود: ويحدث هذا مثلاً عند الأطفال الذين يتبعون سلوكيات عدوانية كالاعتداء على أقرانهم أو من هم أصغر منهم سناً وأضعف منهم، أو التمرد على سلطة الوالدين أو العناد لإجبار الآخرين على تحقيق ما يريد وكل هذه السلوكيات قد يكون الدافع لها إثبات الذات.
- أصدقاء السوء وانحراف الأطفال: في معظم الأحيان يشجع الأصدقاء بعضهم على القيام ببعض الأفعال واتباع سلوكيات معينة، وبعض التصرفات السيئة والمنحرفة تأتي في معظم الأحيان من هذا السبب مثل التدخين أو الهروب من المدرسة أو حتى السرقة أو تعاطي أحد العقاقير المخدرة عند الأطفال الكبار.
- البيئة المحيطة بالطفل وأثرها في انحرافه: البيئة السكنية أو الاجتماعية وجميع ما تحتوي عليه من مكونات قد تكون سبباً رئيسي في انحراف أفرادها وخاصة الأطفال، مثل وجود الطفل في جو مشحون بالمشاكل وأشكال الانحراف مثل انتشار الصراعات أو الرذيلة أو تعاطي المخدرات أو الفقر والسرقة أو وجود الطفل في أسرة مفككة لا يوجد فيها من يهتم بتربيته ورعاية شؤونه.
تبعاً لطبيعة السبب الذي يؤدي للسلوك الانحرافي يمكن أن يتغير الانحراف من حيث النوع والشكل، فعندما يكون السبب مثلاً هو مرض أو اضطراب نفسي معين فسوف يعود هذا الاضطراب بنتائج سلبية على السوية النفسية للفرد وبالتالي سوف تتصف حالته النفسية بالانحراف أو الشذوذ.
أما إذا كان السبب خطأ تربوي معين سوف نلاحظ أشكال مختلفة من الانحرافات، كما للأسباب البيئية أيضاً طبيعة معينة من حيث ما تعكسه من أشكال للانحراف، وهنا يمكن تقسيم أشكال وأنواع الانحراف كما يلي:
- التدخين بأشكاله المختلفة وهو من السلوكيات المنحرفة الأكثر انتشاراً بين الأطفال، فنتيجة البيئة المحيطة بالطفل سواء من أسرته أو أصدقائه في المدرسة والحي وطبيعة تأثير هؤلاء الذين يكونون مدخنين في أغلب الأحيان، يتعلم الطفل هذه العادة السيئة التي تكون متعددة في أشكالها مثل تدخين السجائر أو الشيشة أو حتى أحد أنواع الحشيش في بعض الحالات.
- سلوك السرقة عند الأطفال من أشكال الانحراف المؤذية للفرد نفسه أو لمجتمعه وهي من أخطر أنواع الانحراف في نتائجها على الفرد والمجتمع، وهي متعددة في درجاتها بحسب كل حالة فقد يسرق الطفل لعبة أو بعض النقود للحصول على بعض الرغبات مثل التدخين وشراء الحاجات وقد تتطور لتصبح أكثر خطورة عندما يمتهن الطفل هذا السلوك ويستمر فيه ويطوره حتى بعد أن يكبر.
- الاعتداء على الآخرين من الأمور المنتشرة بين الأطفال وسبق أن ذكرنا أن السبب في هذا قد يكون بدافع إثبات الذات أو حتى بسبب الغيرة وله أشكال عديدة مثل العناد أو توجيه الشتائم والكلام السيء أو الغضب، وإذا تطور هذا السلوك في شخصية الطفل قد يتطور ليصبح شخصية إجرامية.
- الميول الجنسية المنحرفة عند الطفل: تنبع الميول الجنسية من الحاجة الطبيعية ولكن محاولة إشباعها بطرق غير سوية وخاصة عند الأطفال تعد من أشكال الانحراف الأكثر رفضاً من قبل المجتمع، وفي بعض الأحيان قد تأخذ هذه الميول بحد ذاتها أشكال منحرفة مثل الاعتداء أو الشذوذ.
- تشكيل الجماعات وعصابات الأشرار: لدوافع عديدة يشكل الأطفال المنحرفون مثل هذه العصابات، فمثلاً قد تهدف هذه الجماعات إلى السرقة أو الاعتداء على الآخرين أو إيذاء الأشخاص والممتلكات، وعندما يدخل الطفل في هذه الجماعات ففي أغلب الأحيان سوف تكون نهايته في الإصلاحات أو السجون ما لم يلقى رعاية مبكرة.
- تعاطي المشروبات والمخدرات: فالأطفال الكبار (المراهقين) يلجؤون لتعاطي الخمور أو ادمان أنواع المخدرات، سواء بدافع التقليد أو التجريب أو للهروب من الواقع أو بتأثير البيئة المحيطة وأصدقاء السوء، وهذه الأشياء من السلوكيات المنحرفة شديدة الخطورة على المراهقين فهي تؤدي بهم إلى الابتعاد عن الواقع والتأخر عن دروسهم وقيامهم بالكثير من التصرفات دون تقدير نتائجها.
- الهروب من المدرسة: قد يهرب الأطفال من المدرسة للذهاب إلى المقاهي أو الحدائق أو للتدخين والهرب من الدروس والامتحانات، وتعد هذه المسألة من أشكال الانحراف لأنها تؤدي إلى التراجع والتأخر الدراسي من جهة، وتمضية الوقت الذي يهرب فيه الطفل من المدرسة في أماكن قد تعلمه أشكال أخرى من الانحراف.
- التمرد على الوالدين: في هذه الحالة يتجاوز الطفل حدود الأدب والالتزام والأخلاق في التعامل مع والديه، فيتمرد على أوامرهم ويسبب لهم الإزعاج ويتحدى سلطتهم وأوامرهم التربوية، وهذا قد ينمي لدى الطفل شخصية لا تحترم شيء ولا تضع اعتبار لأي سلطة أو قانون مما يؤدي للانحراف.
كيفية إبعاد الطفل وإنقاذه من السلوك المنحرف
لكل نوع من الانحراف طريقة خاصة وأسلوب في الوقاية منه يكمن في إشباع الدافع الذي يمكن أن يؤدي لهذا النوع من الانحراف أو ذاك، فإبعاد الطفل عن السلوك الانحرافي يتحقق من عدة نواحي تبدأ من التربية وعلاج المشاكل والاهتمام أكثر بشؤون الطفل ورغباته والانتباه لتصرفاته وأفكاره وما يمكن أن يعرض عليه من نماذج اجتماعية تعتبر مرفوضة ومنحرفة.
ويوجد مجموعة من الخطوات يمكن من خلالها الوقاية أو التخفيف قدر الإمكان من آثار السلوك الانحرافي ومن هذه الخطوات:
- التربية والتنشئة الصحيحة: فكما سبق وذكرنا تعتبر الطريقة التربوية المتبعة من المؤثرات الأساسية سلباً أو إيجاباً على السلوك السوي أو المنحرف بالنسبة للطفل، من هنا فإن الانتباه لما ينشأ عليه الطفل من خلال العملية التربوية من الخطوات الأساسية لإبعاده عن الانحراف.
- التعليم والمدرسة: فالمدرسة هي المكان الطبيعي للطفل والذي يستقي منه معظم أفكاره وسلوكياته ومعلوماته الاجتماعية والعلمية، لذلك فإن الطفل إذا خرج من هذه المدرسة فسوف يجد في انتظاره خارجها العديد من أشكال الانحراف التي يمكن أن يتعلمها في الشارع، ولذلك يجب أن يبقى الأطفال في هذا المكان الطبيعي لهم ويجب العناية بأجواء المدرسة وما يمكن أن يتعلمه الأطفال فيها.
- التعرض للنماذج الجيدة: كثيراً ما يقلد الأطفال ويقتدون بالنماذج الاجتماعية التي يتعرفون عليها ويتعرضون لها، ولذلك يجب باستمرار تعريض الطفل للنماذج السلوكية المطلوبة وتشجيعه على تقليدها، مثل تعليم العناية بالنظافة أو الواجبات المدرسية أو الأخلاق الحميدة وتنمية مهارات التفكير لديه.
- القدوة الحسنة: طفلك يقتدي بتصرفاتك السلبية منها والايجابية ولذلك فعند ملاحظته لأحد سلوكياتك الخاطئة أو المنحرفة مثل التدخين أو تعاطي الخمور فإن هناك احتمال كبير أن يقلدك طفلك في هذا السلوك.
- الاهتمام بالطفل وتحسين معاملته: فالأطفال بحاجة للشعور بأن هناك من يهتم بهم ويعطيهم ما يستحقونه من محبة، وهذه من الخطوات التي تبعدهم عن الإحباط الذي يؤدي عادة إلى بعض أشكال الانحراف.
- تعليم الطفل الثقة بالنفس: والتخفيف قدر الإمكان من مواقف الإحباط التي يمكن أن يتعرض لها بشكل طبيعي في الحياة، لأن الطفل غير الواثق من نفسه معرض في كثير من الحالات لسلوك الانحراف.
- الانتباه والمراقبة: يجب باستمرار الانتباه لاهتمامات الأطفال ومراقبة سلوكياتهم، حيث يمكن اكتشاف إذا كان الطفل لديه استعداد نحو أحد أنواع الانحراف قبل أن يتطور ويتعقد في شخصيته.
- تحسين البيئة الاجتماعية والسكنية للفرد: فالبيئة التي يعيش فيها الطفل لها أثر بالغ في سلوكهم ولهذا يجب الانتباه دائماً إلى تحسين هذه البيئة.
- تذويب العقبات أمام الطفل: مثل صعوبات الدراسة التي تؤدي لكره المدرسة أو الحرمان الذي قد يؤدي للسرقة، أو الأسئلة التي لا تجد إجابة فتدفع الطفل للبحث عن إجابات في أماكن غير ملائمة.
- تعليم الطفل الطريقة الصحيحة لإشباع بعض رغباته: أو ترويضها والسيطرة عليها مثل التخفيف من الطاقة الزائدة الناتجة عن الرغبات الجنسية من خلال الرياضة أو تعليم موهبة معينة.
نتائج السلوك الانحرافي لدى بعض الأطفال قد تتجاوز في حدودها التأثير على الطفل من حيث نفسيته وشخصيته وتصرفاته، فيمكن أن تمتد هذه الآثار لتنعكس على أسرته ومحيطه ومجتمعه في بعض الأحيان إذا ما تطورت ولاقت العوامل البيئية التي تزيد من خطورتها مثل التعرف على بعض الأصدقاء السيئين أو دخول بعض الأماكن التي تعد وجهة للأشخاص المنحرفين.
بهذه الحالة وبعد أن كان الطفل يسرق مثلاً من أجل إشباع الرغبات قد يصبح يسرق لمجرد السرقة نفسها وبأسلوب احترافي خطير، ولهذا كان من الضروري التعرف على الانحراف من حيث المفهوم والأسباب والأشكال والاطلاع على أفضل الوسائل والخطوات للوقاية منه والتخفيف من آثاره.