الذكاء التفاعلي والاجتماعي عند الأطفال
أن يكون طفلك متميز بالذكاء التفاعلي والاجتماعي، فإن هذه الميزة تعد من الأشياء التي سوف تنعكس إيجابياتها على مختلف مراحل حياته وتفاصيلها، وقد بلغت أهمية هذه المسألة قيام العديد من المختصين والمؤسسات العلمية أو الاجتماعية بدراسة هذا الموضوع والوقوف على أهمية الذكاء التفاعلي وطرق تنميته سواء عند الأطفال أو الكبار.
إذاً ما المقصود بالذكاء التفاعلي أو الاجتماعي؟ وما هي أهمية هذا الذكاء في حياة الفرد الاجتماعية
والعملية؟ وما هي معوقاته؟ وكيف يمكن تنميت الذكاء الاجتماعية لدى طفلك؟
كلمة التفاعل كمصطلح لغوي تشير لعلاقة قائمة بين شيئين أو شخصين أو أكثر وتبحث في ماهية هذه العلاقة، والربط بين هذا المصطلح وكلمة الاجتماعي يقصد بها تحديد علاقة التفاعل هذه بالمجال الاجتماعي من حيث علاقات أفراد هذا المجتمع مع بعضهم البعض.
أما بالحديث عن الذكاء التفاعلي الاجتماعي فالمقصود به قدرة الفرد على تكوين علاقات اجتماعية جيدة مع الآخرين في محيطه والحفاظ على هذه العلاقات، والحصول على مكانة اجتماعية جيدة بين الآخرين.
يعد اتصاف طفلك بالذكاء الاجتماعي بمثابة ميزة أو موهبة أو قدرة خاصة سوف تكون سنداً وعوناً له في حياته الاجتماعية، ودافعاً له نحو النجاح والتفوق في حياته العملية، وذلك لما لها من أثر إيجابي على طفلك سواء من حيث علاقاته مع الآخرين ومكانته عندهم ونظرتهم إليه، أو من حيث توازنه النفسي والاجتماعي والعاطفي، وأثر كل ما سبق على تنمية باقي مجالات الذكاء لديه، ويمكن أن نذكر بعض فوائد الذكاء الاجتماعي، مثلاً:
- الذكاء التفاعلي وتنمية الشخصية الاجتماعية: حيث أن وجود الذكاء التفاعلي في شخصية طفلك يساهم إلى حد بعيد في تكوين شخصية سوية على المستوى الاجتماعي والنفسي والعاطفي، فهو يتفاعل مع الآخرين ويعيش معهم ويتعلم منهم ويتأثر بهم وربما يؤثر فيهم، وكل هذه الأشياء سوف تكوِّن لديه شخصية ناجحة اجتماعية مقبولة من الآخرين.
- أهمية الذكاء التفاعلي في بناء العلاقات مع الآخرين: الذكاء الاجتماعي التفاعلي يساعد طفلك في بناء شبكة علاقات جيدة مع الآخرين سواء بين أقرانه أو حتى في جعله شخصية جذابة ومحبوبة من قبل الكبار، وسوف تستمر معه هذه الميزة وفوائدها حتى بعد أن يتقدم بالعمر سواء في العمل أو العائلة أو تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية المختلفة.
- الذكاء التفاعلي والثقة بالنفس: قدرة الطفل على التفاعل مع محيطه بشكل جيد وبذكاء سوف ينمي ثقته بنفسه ومحبته لها عندما يجد نفسه ناجحاً على مستوى العلاقات ومحبوباً ومقبولاً من محيطه ومجتمعه.
- العلاقة بين الذكاء التفاعلي والرغبة بالنجاح والتفوق: الذكاء الاجتماعي يعد دافع للنجاح والتفوق عند الطفل، فهو يبحث عن تقديم صورة أفضل عن ذاته أمام الآخرين وسعيه نحو النجاح في واجباته أو دراسته وأي شيء آخر سوف يعطيه هذه الصورة التي يريدها ويستحقها.
- الذكاء التفاعلي والتوازن النفسي: بما أن الذكاء التفاعلي سوف ينتج استقراراً في العلاقات الاجتماعية وثقة بالنفس ونجاحاً وتفوقاً بشكل عام، فإن هذه النتائج جميعاً سوف تساهم بدورها في خلق شخصية متوازنة ومستقرة عند الطفل على المستوى النفسي والعاطفي.
- الذكاء الاجتماعي والقدرة على مواجهة ظروف الواقع: الطفل المتميز بالذكاء التفاعلي والاجتماعي يعد ذو قدرة أكبر على مواجهة ظروف الواقع التي قد تكون مجحفة أو قاسية في بعض الأحيان نتيجة لحالة الاستقرار الاجتماعي والتوازن النفسي الذي يتميز بهما صاحب هذا النوع من الذكاء.
صفات وخصائص الأطفال الأذكياء على المستوى الاجتماعي التفاعلي
يتساءل بعض المربين كيف يمكنهم تقييم مستوى ذكاء طفلهم التفاعلي، وهل للذكاء الاجتماعي صفات وخصائص يمكن ملاحظتها وتقدير مستواها بشكل واضح ومباشر، وهنا نقول أن خصائص الذكاء التفاعلي ما هي إلا ميزات يمكن ملاحظتها في سلوك الطفل وتصرفاته خلال حياته اليومية أو كلامه واهتماماته، ويمكن ذكر بعض هذه الصفات الأكثر وضوحاً على سبيل المثال:
- الكلام واللغة: فالطفل المتميز بالذكاء التفاعلي يبدي أداءً أفضل في مهارات الكلام من حيث الالتزام بآداب الحديث واستخدام مفردات وألفاظ مناسبة وجيدة للمعنى الذي يرغب بإيصاله للآخرين، فهؤلاء الأطفال يتميزون عن سواهم بقدراتهم اللغوية.
- حب التعاون والمشاركة: من السهل ملاحظة صفة حب التعاون والمشاركة مع الآخرين عند الأطفال الأذكياء اجتماعياً، وتنبع هذه الصفة من إدراكهم أن بناء علاقات أفضل ومرضية مع الآخرين يحتاج لهذا التعاون والمشاركة.
- كثرة العلاقات والصداقات: حيث نلاحظ أن الطفل في هذه الحالة قادر على بناء شبكة علاقات جيدة مع محيطه من خلالها يستطيع تكوين الصداقات المتعددة وكسب محبة الأصدقاء والحفاظ على علاقاته هذه.
- الجاذبية والقدرة على اكتساب محبة الآخرين: فالطفل الذكي على المستوى الاجتماعي عادةً ما يكون ذكياً على المستوى العاطفي وما ينتج عن ذلك من قدرته على تقديم وطرح نفسه بصورة جيدة لدى الآخرين وبالتالي كسب محبتهم واعجابهم وودهم.
- القدرة على التكيف مع الأوضاع والظروف الجديدة: مثل حالات الانتقال إلى سكن جديد أو مدرسة جديدة، فالطفل إن كان لديه ذكاء في التفاعل مع المحيط الجديد سوف يتأقلم بسرعة مع هذه الظروف ويكوَن فيها علاقات تعيده للاستقرار الاجتماعي.
- الودية في التعامل والرغبة في العطاء: من ميزات الذكي اجتماعياً أنه يتعامل بود ومحبة مع الآخرين، ونجد لديه ميزة الرغبة والقدرة على العطاء والمشاركة، لكي يحصل على نفس المكانة لدى الآخرين.
من أين يأتي الذكاء التفاعلي (الاجتماعي) عند الطفل وما الذي يعيق تكوَنه؟
يولد الأطفال جميعاً وهم يتمتعون بنفس الخصائص والمزايا الطبيعية تقريباً مع هامش الفروق الفردية الموروثة، لكن ومنذ الولادة يبدؤون رحلتهم بالاكتساب والتعلم من محيطهم ومجتمعهم وحياتهم، وهنا تبدأ الفروقات الفردية بالظهور بين الأطفال الذين ولدوا متساوين نسبياً.
حيث أن بعضهم يعيش بظروف يتعلم منها خبرات ويكتسب مزايا مختلفة عن البعض، والبعض الآخر يعيش ظروفاً تعيق تعلمه واكتسابه ونمو ذكائه الاجتماعي، وهكذا يتشكل الذكاء التفاعلي على غرار باقي المزايا والخصائص وفقاً لما يمر به الطفل من ظروف وما يتعلمه خلال حياته، وهناك بعض الظروف التي تعيق أو تشجع نمو الذكاء التفاعلي عند الطفل وفقاً لطبيعتها ومنها:
- حالة الطفل الاجتماعية: من حيث وضعه في الأسرة كترتيبه بالعمر بين أشقائه أو نسبة الذكور والإناث في الأسرة أو أن يكون وحيداً أو لديه العديد من الأشقاء، فكل هذه الظروف سوف تعكس طبيعة معينة للأسرة من الناحية التربوية والاهتمام بأفرادها وبالتالي دور كل ذلك على نمو الذكاء التفاعلي لدى الفرد أو إعاقته.
- حالة الوالدين: كأن يكونا كبيرين بالعمر أو صغيرين أو يتمتعان بمستوى ثقافي وتعليمي مرتفع أو ضعيف، بالإضافة لطبيعة علاقتهما الاجتماعية سواء بعائلاتهما أو بالآخرين أو بأعمالهما.
- علاقاته مع الأقران: أصدقاء المدرسة أو الحي أو العائلة فالأقران لهم دائماً التأثير الأكبر على ما يتعلمه الطفل وعلى تطور ذكائه التفاعلي
- وضعه في المدرسة: مثل مستوى تحصيله الدراسي وطبيعة كادرها الإداري والتعليمي وما تفرضه من أنظمة وقوانين، فكل ذلك له تأثير على تطور الذكاء التفاعلي لدى الطفل.
- وضع الأسرة بشكل عام: مثل الحالة الاقتصادية للأسرة أو مستوى الترابط أو التفكك الأسري الذي ينتج عن العلاقات القائمة ضمنها مثل انفصال الوالدين أو فقدان أو مرض أحدهما.
- المناخ الثقافي والتربوي للأسرة: فبعض الأسر تتميز بوجود مستوى من الحرية والديمقراطية لأفرادها وبعضها الآخر يعد أكثر التزاماً بالقيم والعادات السائدة وتفرض على أفرادها نمط معيشي محدد.
- طريقة التربية التي يتبعها الوالدان: كأسلوب الحوار والإقناع أو أسلوب التزمت والأوامر أو سياسة العقاب والثواب. كما أن الأهل الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي أو الميل إلى الوحدة والابتعاد عن المناسبات أو حتى الزيارات أو الذين يبالغون بحماية الطفل قد يأثرون سلباً على تنمية الذكاء الاجتماعي والتفاعلي عند أطفالهم.
- اللعب والتسلية: حيث أن ألعاب الأطفال تعد المصدر الأساسي لتعلمهم وفهمهم للحياة، وطبيعية هذه الألعاب والمتاح منها يعد من الأشياء بالغة التأثير في نمو الذكاء الاجتماعي لدى الطفل.
- النزهات والزيارات: والأماكن التي يخرج فيها الأطفال وما قد يحصل فيها من أشياء ترفيهية وعلاقات يتعلم منها الطفل.
لما لميزة الذكاء التفاعلي من آثار إيجابية على حياة الطفل الشخصية والاجتماعية؛ كثيراً ما نجد الأهل أو المربين أو حتى المنظمات المعنية بشؤون الطفل والتنمية أو مؤسسات البحث العلمي والاجتماعي، يتساءلون ويبحثون عن الطرق التي تساعد في تنمية هذه الخاصية عند الأطفال، وهنا نقول إن الأمر لا يحتاج إلى طريقة سحرية أو دواء محدد ذو تأثير ونتيجة مباشرين في هذا الإطار، وإنما يمكن من خلال اتباع عدة خطوات تربوية وتعليمية الوصول لهذه الغاية فمثلاً:
- شارك طفلك في شؤون أسرته سواء المسؤوليات الاجتماعية وما قد تحتاج له من واجبات وأعمال، أو التفكير ومحاولة إيجاد الحلول لبعض المشاكل البسيطة التي تواجه الأسرة.
- تشميل الطفل في برامج تعليم المواهب والمهارات مثل تعلم السباحة والبرامج الرياضية أو الفنية أو العديد من الأشياء الأخرى التي تناسب رغبات الطفل وميوله وقدراته.
- تعليم الطفل سلوك المشاركة والعطاء فوجود قيم المشاركة والعطاء والتعاون عند الطفل يجعل منه شخصية محبوبة لدى الآخرين وخاصة عند الحديث عن أقرانه واكتسابه لهذه المكانة سوف يزيد من ذكائه التفاعلي والاجتماعي.
- احجز لطفلك مكان في المناسبات والأنشطة الاجتماعية مثل الرحلات المدرسية العلمية أو الترفيهية، أو المهرجانات المحلية وحفلات الأصدقاء أنشطة المدرسة من أعمال تطوعية وخدمية أو تعليمية.
- تنمية مهارات التواصل لدى الطفل كأن يتعلم اللغة بشكل جيد وبوقت مبكر بالإضافة لتنمية الصداقات والعلاقات الودية مع الآخرين بالإضافة للعلاقات العائلية مع الأقرباء وتعليمه آداب اللغة والكلام التي يجب أن تكون في حديثه.
- اقترب أكثر من طفلك وذلك من خلال إتاحة الفرصة للطفل للتعبير بشكل أفضل عن مشاعره وآرائه وأفكاره وحاجاته والاهتمام بهذه الأشياء وجعلها من أولويات الأسرة.
- تنمية مواهب الطفل فعندما يظهر الطفل قدرات أو مواهب معينة في أي من المجلات يجب عدم إهمال هذا الأمر والاعتناء بهذه المواهب وتنميتها لدى الطفل حتى يتمكن من تطوريها وبالتالي تقديم نفسه على أنه شخص فريد من نوعه أمام المجتمع.
- شجع طفلك على المعرفة حيث أن حث الطفل على التعلم والمعرفة حول كل ما هو جديد بالنسبة له سوف يساهم في توسيع دائرة معارفه ومداركه وبالتالي زيادة خبرته في الحياة وما لهذا الأمر من انعكاس على شخصيته وعلى حضوره الاجتماعي وبالتالي ذكائه التفاعلي.
- لا تستخف أبداً بالميول الانعزالية والانطوائية عند الأطفال التي قد تكون أعراض أولية لاضطرابات ومشاكل نفسية أو عقلية، لذك تأكد أنك تتابع نمو طفلك الإدراكي والاجتماعي مع الطبيب المختص وبشكل دوري.
إذاً وانطلاقاً من أهمية ملكة الذكاء التفاعلي والاجتماعي على مختلف مجلات حياة الفرد سواء الاجتماعية منها أو النفسية أو حتى العملية والمهنية، يجب الاهتمام بالبحث حول مفهوم هذا النوع من الذكاء وكيف يتكوَن في شخصية الفرد وما هي أهم خواصه، هذا بالإضافة لأهمية البحث عن أنجح الوسائل والطرق لتنمية هذا الذكاء لدى أطفالنا وتطويره لكي نضمن لهم حياة اجتماعية جيدة وصحة نفسية ونجاح علمي ومهني.