الغرور والنرجسية عند الأطفال
قد يجد البعض غرابة في الربط بين مفهومي النرجسية أو الغرور والطفولة، فعادة ما يرتبط مفهوم الطفولة بمعانٍ أخرى كالبراءة والنقاء واللعب أو التربية والتعليم والمدرسة، أما مصطلح النرجسية فهو مفهوم بعيد عن معاني الطفولة ومن غير المألوف الربط بينهما، وهنا يجب أن نوضح أن غرور الأطفال ليس بالضرورة أن يشبه غرورنا ككبار بشكل تفصيلي وإنما هذا النوع من الغرور أو النرجسية يحمل في طياته براءة الأطفال ونقاوة أفكارهم!.
ولذلك كان من الضروري التعرف أكثر على معنى هذا المفهوم وشكله وأنواعه، بالإضافة لأسباب وعوامل وجوده وتطوره، والآلية لتي يمكن من خلالها تخفيف حدته والوقاية من تحوله إلى طبع من طباع الطفل يتطور مع تقدمه بالعمر.
مفهوم الغرور بشكل عام يعني تقدير الذات أكثر مما تستحق ووضعها في مكانة أعلى من مكانتها الحقيقية وما قد يتبع ذلك من أوهام وسلوكيات وخصائص نفسية وشخصية لدى الشخص المغرور، وبالحديث عن غرور الأطفال ونرجسيتهم فمن البديهي أن يكون المقصود هو الأطفال الكبار أو حتى المراهقين، وهؤلاء يأخذ غرورهم شكلاً أكثر براءة وبساطة من سواهم من الناضجين والبالغين، فغرورهم هذا ينتج عادة عن خطأ ما في تقدير ذاتهم والصورة التي يحاولون تقديمها عن أنفسهم للمجتمع بالإضافة لأسباب وعوامل عدة قد لا يكون من الضرورة لهم ذنب في وجودها.
شخصية كل منا هي خليط من المشاعر والأفكار والأهداف والطموح والرغبات، بالإضافة لما نتعلمه من ظروف ومواقف الحياة وأحداثها، وعند الحديث عن أطفالنا فإن هذا الخليط يأخذ شكلاً أكثر تعقيداً كون الأطفال يبنون شخصيتهم ويختارون شكلها في هذه المرحلة، وهم أكثر تأثراً بما يتعرضون له من ظروف ومواقف ويتعلمون أكثر مما يلاحظونه، ولهذا فإن صفات مثل النرجسية والغرور من السهل تشكلها في هذه المرحلة إذا ما لاقت الظروف المناسبة لها، ومن الظروف والأسباب التي عادةً ما تنتج شخصية نرجسية لدى الطفل يمكن ذكر:
- المرحلة العمرية والغرور: يختلف مدى ظهور علامات الغرور عند الطفل باختلاف المرحلة العمرية كما يختلف نوع هذا الغرور وموضوعه، حيث أنه في المراحل العمرية الصغيرة غالباً ما يكون موضوع الغرور حول ما يملكه الطفل من أشياء كالملابس أو النقود أو الألعاب ويمكن تعديل هذا السلوك بسهولة، وأما مرحلة الطفولة المتأخرة فيتركز موضوع الغرور حول الشخص ذاته وخصائصه وصفاته مثل شكله أو ذكائه أو قدراته وتعد هذه المرحلة هي الأنسب لنمو مشاعر الغرور لدى الفرد.
- الغرور وجنس الطفل: كما تختلف مشاعر الغرور عند الأطفال من حيث درجتها وشكلها وموضوعاتها باختلاف جنس الطفل، فعادة ما تتباهى الإناث بأشياء مثل الشكل والملابس بينما يتباهى الذكور بالألعاب والقوة البدنية وذلك تبعاً للاختلاف الطبيعي بين الجنسين من حيث الاهتمامات والرغبات والأشياء التي يراها كل منهما أساسية في حياته وأولوية في شخصيته.
- المديح المبالغ به من قبل الأهل: حيث يلجأ بعض الأهل إلى المبالغة في مدح أطفالهم والثناء على كل تصرفاتهم وفي بعض الأحيان قد يقوم الأهل بمدح صفات غير موجودة لدى أطفالهم، وذلك من منطلق أن هذا المدح سوف يساهم في تنمية هذه الصفات الممدوحة في شخصياتهم بالإضافة لزيادة ثقتهم بنفسهم.
- وهنا يجوز التوضيح أن هذا المديح لصفات مزيفة في شخصية الطفل قد يؤدي لضمور هذه الصفات لديه، فهو عندما يصدق أنه يملك هذه الصفات لن يسعى إلى تنميتها وتطوريها ظناً منه ألَّا داعي لذلك كونها موجودة لديه بشهادة ذويه.
- العقد النفسية: مثل عقد النقص وضعف الشخصية والحرمان العاطفي التي يلجأ الطفل بسببها للمبالغة في تقدير نفسه ومدحها والثناء على خصائصه كنوع من التعويض عن النقص الناتج عن هذه المشاكل النفسية، ولهذا تعد هذه المشاكل والاضطرابات من المسببات الأساسية لظهور الغرور لدى الطفل ومن الظروف المناسبة لتطورها.
- الطفولة هي مرحلة بناء الشخصية: بما أن الطفل في هذه الرحلة يبني شخصيته الاجتماعية وذاته النفسية فهو يعتبر شديد الحساسية والتأثر بكل ما يحيط به من أشخاص وظروف وأحداث، ولهذا يعد عرضة لتعلم مشاعر الغرور سواء عن طريق الاقتداء والتقليد أو محاولة إثبات ذاته ووجوده من خلال التباهي ببعض ما يملك من أشياء أو خصائص، فهو يرى أنه من خلال مثل هذه الأشياء يصبح محط إعجاب وتقدير من الآخرين حوله.
آثار النرجسية ومظاهرها وصفات الطفل المغرور
كل سمة أو خاصية تتصف بها شخصياتنا من البديهي أن تعكس أثراً ما في شتى المجالات على حياتنا، وغرور الأطفال أو اتصافهم بالنرجسية يعد من الخصائص ذات التأثير الأكثر وضوحاً، كون هذه الخاصية بطبيعتها تفرض نمط معيناً من السلوكيات من قبل صاحبها وبالتالي نمطاً معين من ردات الفعل من قبل الآخرين أثناء تفاعلهم معه، ويمكن تحديد بعض هذه الآثار والمظاهر والصفات كما يلي:
- الآثار النفسية للغرور: عند تطور مشاعر الغرور والنرجسية عند الطفل إلى الحد المرضي، فمن الممكن أن تتبعها بعض الآثار والمشاكل النفسية بدافع إرضاء هذا الغرور مثل حالات هوس التملك والسيطرة على الآخرين أو انعدام الثقة والمحبة تجاه المجتمع وفي بعض الحالات قد يصل الأمر لمستوى المرض النفسي مثل حالة جنون العظمة.
- المغرور يتحدث عن نفسه باستمرار: وهي من الصفات الملازمة للأشخاص المغرورين صغاراً وكباراً إذ غالباً ما نلاحظ أن الشخص المغرور يتحدث عن نفسه، عن نجاحاته أو قدراته ومهاراته وصفاته، وكل ما يجد فيه المديح لنفسه، فهو لدرجة ما يرى أنه مركز الحياة والشخص الأكثر أهميةً وتأثيراً في محيطه ولا شيء يستحق الحديث عنه سوى نفسه.
- المغرور لا يرغب بسماع الانتقادات من أحد: فهو يلاقي أي انتقاد بالانزعاج والرفض إلى حد العداوة والحقد في بعض الأحيان حيال من ينتقد تصرفاته وسلوكياته، حيث أنه لا يرغب بسماع شيء من الآخرين سوى المديح والإطراء ويرى بأنه أفضل من الجميع وليس من حق أحد انتقاد أي صفة في شخصيته أو تقييمه بينما يعطي لنفسه الحق في تقييم الآخرين وانتقادهم.
- أثر النرجسية على العلاقات الاجتماعية: فبسبب تصرفاته وأسلوب معاملته للآخرين لا يجد الطفل المغرور كثيراً من الترحاب والتجاوب من قبل الأشخاص في محيطه، ولهذا نجد لديه ضعف في بناء العلاقات الاجتماعية والصداقات المتكافئة مع الآخرين، أو كسب ود أفراد المجتمع من حوله، إلى حد الفشل الاجتماعي وما قد ينتج عنه من وحدة وانعزال.
- نرجسية الطفل تضعف ثقته بنفسه: قد يبدو الأمر غريباً ولكن الحقيقة أن الطفل المغرور ضعيف الثقة بنفسه فهو أساساً لا يدرك حجمها الحقيقي كونه مغرور أو مخدوع بها، وبالتالي سوف يتعرض للكثير من المواقف التي لا يجد فيها مسايرة من قبل الآخرين وبالتالي تعرضه للكثير من الإحراجات والانتقادات وكل ذلك سوف يؤدي لإضعاف ثقته بنفسه ما يجعله يلجأ إلى المبالغة في محبة ذاته وتقديرها هرباً من الواقع وتعويضاً عن هذا النقص.
يخطأ البعض أحياناً في الدمج بين صفة النرجسية من جهة وصفة قوة الشخصية والثقة بالنفس وتقدير الذات من جهة أخرى، ومن هنا يأتي مصطلح الغرور فالشخص في هذه الحالة لا يتمكن من تقدير صفاته بشكل صحيح فيغتر بذاته ويقع في خطأ التقدير المبالغ به لذاته ولإمكاناته وقدراته.
ومن هنا يمكن استخلاص الطرق والخطوات الأمثل للوقاية من هذا الخطأ حيث تكمن هذه الخطوات في إعادة توضيح الأمور بشكل أدق وأكثر وضوحاً حتى نخرج الطفل من مأزق غروره وانخداعه بذاته، ويتم ذلك من خلال:
- يجب أن يعرف الطفل كيف يقدر نفسه وإمكاناته بشكل صحيح: فمن خلال المناقشة معه أو الاقناع أو حتى وضعه في بعض المواقف، يجب أن يتعلم الطفل ألَّا يبالغ بتقدير نفسه وإمكاناته أو يتباهى بما لديه ويتكبر على الآخرين، فمن الممكن أن يتعرض لبعض المواقف بالحياة والتي يمكن أن تحرجه وتثبت عدم صحة ما يدعي أنه يملكه من قدرات وإمكانات وفي مثل هذه الحالة لا ينقذه غروره من هذا الحرج.
- تعليم الطفل أن التواضع من صفات الواثقين بأنفسهم: فمن الخطأ الربط بين الغرور والثقة بالنفس، وإنما هما مفهومين متناقضين من حيث المعنى، فغرور الشخص يعني أنه مخدوع بنفسه وبما يملك من قدرات ومهارات وصفات أما الواثق من نفسه يعرف حدوده جيداً ويعرف مستوى قدراته وما يملكه بالفعل فلا يبالغ بتقديرها من جهة ولا يقلل من قيمة ذاته من جهة أخرى، ويعتبر التواضع من صفات الواثقين من أنفسهم والراضين عن إمكاناتهم، ويجب أن يعرف الطفل هذه المسألة جيداً ما من شأنه التخفيف من مظاهر غروره وربما إخفائها.
- حسن علاقات طفلك بالآخرين: بطريقة أو بأخرى يجب أن يعرف الطفل أنه لا يستطيع العيش وحيداً، وأن استمراره بالتكبر على الآخرين سوف يؤدي لنفورهم منه، وبالتالي سوف يفشل في بناء علاقات ضرورية معهم ويبقى وحيداً لا يلقى محبة أو إعجاب أحد.
- الحفاظ على الموضوعية في مديح الطفل: يعد مديح ذوي الطفل المبالغ فيه لابنهم من أهم الأسباب لنمو مشاعر الغرور والتكبر لديه، ولهذا يجب الانتباه لمدح ما يمتلكه الطفل فعلاً من صفات جيدة وسعيه لتطويرها من جهة، ومواجهته بنقاط ضعفه وحثه على تنميتها من جهة أخرى، بدلاً من المديح المبالغ فيه الذي لا داعي ولا فائدة منه.
- تعليم الطفل قيم التعاون والمشاركة: يجب أن يشعر أنه لا يستطيع القيام بكل شيء وحده وهو بحاجة للتعاون مع الآخرين، فيجب أن يعرف الطفل جيداً أهمية وجود بعض الأشخاص في حياته مثل ذويه وأصدقائه ومعلميه وما لكل من هؤلاء من تأثير إيجابي عليه وعلى مختلف صعد حياته.
في بعض الأحيان قد يخلط الطفل بين التصرفات والسلوكيات التي تعد ثقة بالنفس وبين ما يعد غرور ونرجسية، فهو وبحكم قلة الخبرة لا يتمكن من رؤية الحد الفاصل بينهما بوضوح وإذا اجتمع هذا الأمر مع عدة عوامل نفسية واجتماعية وظرفية أخرى، يصبح من السهل تحول ثقته بنفسه فعلاً إلى نوع من الغرور، وهنا تظهر أهمية دورنا التوعوي والإرشادي في توضح هذا الحد الفاصل بالإضافة للوعي بالآثار التي سوف يلاقيها إذا ما اتصفت شخصيته بالغرور وكيف سوف ينظر ويتعامل الآخرون معه.