أعراض وأسباب الكوليرا وطرق الوقاية من الكوليرا
يعود أصل الكوليرا إلى الهند إذ وُجد المرض هناك منذ القدم، لتبدأ رحلتها حول القارّات في مطلع القرن السادس عشر على متن سفن الرحّالة البرتغاليين العائدين إلى أوربا، وللكوليرا تاريخ حافل بالمجازر حيث كانت تهاجم المدن وتقتل الآلاف من سكّانها في غضون أسابيع، في حين لا تزال في يومنا هذا سبباً لمرض 1.3 - 4 مليون شخص حول العالم سنويّاً ووفاة ما بين 21 – 143 ألف شخص منهم، لكن لا داعي للقلق حول إصابتنا بالكوليرا في حال توفر العناية الصحية المناسبة وتعويض سوائل الجسم.
ما هو العامل المسبّب للكوليرا؟ وكيف ينتقل للإنسان؟
إن العامل المسبّب لمرض الكوليرا هو جرثومة تدعى ضمّة الكوليرا (Vibrio cholera)، وتنجم التأثيرات القاتلة لهذا المرض عن مادّة سامّة تُدعى باسم ذيفان الكوليرا CTx (Cholera toxin)، والذي تقوم جرثومة الكوليرا بإنتاجه في الأمعاء الدقيقة. عندما ترتبط هذه المادّة مع جدران الأمعاء الدقيقة فإنها تتداخل مع عملية التبادل الطبيعي للكلور والصوديوم بين جوف الأمعاء والخلايا المكوّنة لجدار الأمعاء، ما سيؤدي بدوره لقيام الجسم بطرح كميّات كبيرة من الماء وبالتالي حصول إسهال وخسارة الكثير من السوائل والأملاح.
تنتقل جراثيم الكوليرا للإنسان طريق:
• شرب الماء الملوّث.
• تناول الأطعمة والمشروبات التي تباع من قبل الباعة المتجوّلين.
• تناول الخضروات التي تمت سقايتها بماء المجاري.
• تناول الأسماك النيئة أو غير المطهوة جيّداً والتي تم صيدها من أماكن تصب فيها مياه المجاري.
في حين لا يعد انتقال الكوليرا من شخص إلى آخر أمراً شائعاً.
ما الشكايات والعوارض المميزة لمرض الكوليرا؟
أغلب الأشخاص الذين يتعرضون لجرثومة الكوليرا لا يظهر لديهم أيّة أعراض مهمّة. بل وإن معظم الحالات تمر دون أن يلاحظ الشخص أنّه مصاب بالكوليرا أساساً. وبمجرّد الإصابة يستمر الشخص بطرح جراثيم الكوليرا مع الفضلات لمدّة أسبوع أو أسبوعين، وعادة ما يعاني المريض خلال هذه الفترة من إسهال خفيف أو متوسط الشدّة كما في العديد من الأمراض الأخرى، دون أي وجود لأعراض مميزة.
في حين تتطوّر الأعراض النموذجيّة خلال يومين إلى ثلاثة أيّام لدى شخص واحد فقط من أصل كل عشرة أشخاص مصابين بالكوليرا، وتشمل هذه الأعراض:
- الإسهال: يبدأ بشكل مفاجئ، يسبّب انخفاضاً سريعاً في سوائل الجسم وقد يصل لمقدار خسارة 1لتر كل ساعة. يتصف الإسهال من حيث المظهر بأنّه شاحب، حليبي، ويشبه الماء الذي ينُقع فيه الرز (براز ماء الأرز).
- الغثيان والإقياء: من الأعراض التي تظهر في المراحل الباكرة، قد يستمر الإقياء لساعات في كل مرّة يحدث فيها.
- التجفاف: من الممكن أن يتطوّر التجفاف خلال ساعات من بدء أعراض الكوليرا. يتراوح التجفاف من الخفيف إلى الشديد اعتماداً على كميّة السوائل التي فقدها الجسم، ويُعدّ التجفاف شديداً عندما يخسر الشخص أكثر من 10% من وزنه.
قد يسبّب التجفاف الشديد ما يلي:
- الشعور بالتعب.
- تبدّل المزاج.
- غؤور العينين (انزياح العين إلى الداخل).
- جفاف الفم.
- ظهور تجاعيد الجلد.
- العطش الشديد.
- نقص كميّة البول.
- تسرّع دقّات القلب، وعدم انتظامها.
- انخفاض ضغط الدم.
من الممكن أن يؤدي التجفاف لخسارة شوارد الجسم (عناصر كيميائيّة يحتاجها جسدنا للقيام بوظائفه المختلفة) مثل شوارد الكلور والبوتاسيوم والصوديوم، وبالتالي سيحصل خلل في التوازن الشاردي. أوّل ما يتظاهر هذا الخلل على شكل تشنّجات عضليّة مؤلمة وقد يؤدي بالنهاية إلى الدخول في حالة صدمة (shock)، وهي حالة طارئة مهدّدة للحياة تنخفض فيها تروية أنسجة الجسم المختلفة بالدم الحامل للأكسجين.
عادةً ما يختبر الأطفال ذات الأعراض لدى البالغين، لكّنّ الأطفال أكثر عرضة لنقص سكر الدم الناتج عن نقص السوائل، الأمر الذي يتظاهر على شكل:
- نعاس شديد.
- ارتفاع في درجة حرارة الجسم.
- نوبات شبيهة بالصرع.
- الدخول في غيبوبة.
عوامل الخطر التي تزيد من احتمال الإصابة بالكوليرا
إن أي شخص معرّض لاحتمال الإصابة بالكوليرا، باستثناء صغار الأطفال الذين يستمدون المناعة من الأمّهات المرضعات واللواتي أصبن بالكوليرا في وقت سابق. ومع ذلك فإن بعض العوامل تجعلك أكثر عرضة للإصابة بالمرض أو أكثر عرضة لاختبار أعراض المرض الشديدة. تشمل هذه العوامل:
- الظروف الصحيّة السيئة: غالباً ما تزدهر الكوليرا وتنتشر بشكل كبير عندما يكون من الصعب تأمين الظروف الصحيّة للحياة وعلى رأسها إمدادات المياه الصالحة للشرب. أكثر ما تُشاهد مثل هذه الظروف في مخيّمات اللاجئين، البلدان الفقيرة، والمناطق التي دمرتها المجاعة أو الحرب أو الكوارث الطبيعيّة.
- نقص أو انعدام حمض المعدة: لا تستطيع جراثيم الكوليرا النجاة في الوسط الحمضي، وعادة ما يخدم حمض المعدة كخط دفاع أول ضد الجراثيم. لذلك يفتقر الأشخاص الذين ينخفض عندهم مستوى حمض المعدة لهذه الحماية ضد الكوليرا وبالتالي يكونون أكثر عرضة للإصابة. ينخفض مستوى حمض المعدة عند الأطفال والمسنيّن، ولدى الأشخاص الذين يتناولون مضادات الهيستامين أو مضادات الحموضة (مثبطات مضخة البروتون).
- التعرّض المنزلي: يزداد خطر إصابتك بالكوليرا بشكل ملحوظ في حال كنت تعيش مع شخص مصاب بالمرض.
- زمرة الدم O: لأسباب غير واضحة تماماً، يكون الأشخاص ذوي الزمرة الدمويّة O أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا بمعدّل الضعف مقارنة بأصحاب الزمر الدموية الأخرى.
- المحّار النيّء أو غير المطبوخ جيداً: بالرغم من أن تفشي وباء الكوليرا على نطاق واسع لم يعد يحدث في الدول الصناعية، إلّا أن تناول المحار المُلتقط من المياه المعروفة باحتوائها على جراثيم الكوليرا يزيد من احتمال الإصابة.
الاختبارات التي تساعد الطبيب على تأكيد الإصابة بالكوليرا
بالرغم من أنّ علامات وأعراض حالات الكوليرا الشديدة في المناطق الموبوءة تكون واضحة للغاية دون أن تترك مجالاً للبس، إلّا أن تأكيد التشخيص يكون عبر فحص عينة من براز المريض باستعمال المجهر ومشاهدة جراثيم الكوليرا فيها.
وقد أصبحت شرائط التشخيص السريع للكوليرا متاحة الآن، وهي عبارة عن شرائط مشابهة من حيث الشكل لتلك المستعملة في كشف الحمل. أتاحت هذه الشرائط للعاملين في مجال الرعاية الصحيّة بالمناطق النائية تأكيد التشخيص بشكل أبكر، الأمر الذي ساعد على التقليل من عدد الوفيّات عند بداية تفشّي جائحات الكوليرا، كما أنها تعطي وقتاً أطول للمنظامات الصحيّة حتى تتخذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على انتشار المرض.
الأدوية والعلاجات المستخدمة في مرض الكوليرا
يجب أن يتم علاج الكوليرا بشكل إسعافي ودون تأخير،فقد تحصل الوفاة خلال ساعات من بدء الأعراض، وتتضمن الخطّة العلاجيّة ما يلي:
- تعويض السوائل عن طريق الفم: يجب تعويض ما خسره الجسم من سوائل ومعادن باستعمال محاليل مائية بسيطة ومحاليل ملحية فمويّة، تتوفّر المحاليل الملحية على شكل مسحوق يضاف الماء إليه ومن ثمّ يؤخذ عن طريق الفم. في حال عدم تعويض السوائل فإن نصف المرضى تقريباً سيموتون، لكن عند تقديم العلاج في الوقت المناسب فإن عدد الوفيات ينخفض إلى أقل من 1%.
- تعويض السوائل عن طريق الوريد: خلال جائحات الكوليرا يمكن مساعدة معظم المرضى عن طريق المحاليل الفمويّة، لكن تتطلّب حالات التجفاف الشديدة تعويض السوائل عبر الوريد أيضاً.
- المضادات الحيويّة: بالرغم من أنّ إعطاء المضادات الحيويّة لا يدخل ضمن الخطة العلاجيّة لمرض الكوليرا، إلّا أنّ بعض هذه الأدوية له دور في إنقاص كميّة ومدة الإسهال في الحالات الشديدة.
- الزنك: أظهرت الأبحاث الجديدة أن للزنك دور فعّال في التقليل من مدّة الإسهال عند الأطفال المصابين بالكوليرا.
التعليمات التي عليك اتباعها لتفادي الإصابة بالكوليرا
يمكنك باتباع التدابير التالية أن تقلّل من احتمال إصابتك بالكوليرا في حال كنت تخطط للسفر إلى أحد البلدان التي ينتشر فيها المرض:
- اغسل يديك جيّداً بالماء والصابون، خصوصاً بعد استعمال المرحاض وقبل تناول الطعام. افرك يديك بالماء والصابون لمدّة 15 ثانية على الأقل قبل أن تغسلهما.
- اشرب الماء من الزجاجات المعبأّة أو بعد غليه فقط.
- تجنّب تناول الطعام والمحار النيّء.
- احرص على تقشير الخضار والفواكه قبل تناولها.
وافقت إدارة الغذاء والدواء (FDA) حديثاً على لقاح للوقاية من الكوليرا وهو متاح في الولايات المتحدّة الأميركيّة وعدد آخر من الدول، يتوفّر هذا اللقاح على شكل شراب يؤخذ عبر الفم قبل 10 أيام على الأقل من السفر إلى المناطق التي تتواجد الكوليرا فيها، إلّا أنّه فعاليّته كانت محدودة في الوقاية من المرض.
ختاماً.. لطالما مثّلت الكوليرا واحداً من أهم مستغلّي الحروب والفقر والكوارث الطبيعية التي تصيب البشر وتجبرهم على البقاء في تجمّعات سكانيّة مزدحمة بلا وسائل تصريف صحي مناسبة، فقد كان لاستعمال النظم الحديثة في المعالجة المائيّة وفي تصريف مياه المجاري الدور الأهم في إنهاء وجود الكوليرا ضمن الدول الصناعيّة، أمّا بالنسبة للدول النامية فقد تعهد المسؤولون عن منظمات الصحة العالمية باجتماع لهم في فرنسا على خفض عدد الوفيّات الحاصلة بسبب الكوليرا بنسبة 90% بحلول العام 2030.