تأثير الطبيعة والمناظر الطبيعية على تعليم الأطفال
ليس الحديث عن تأثير الطبيعة على نفسية الإنسان أمراً جديداً، كما أن الربط بين التعلم واكتساب المهارات من جهة وبين البيئة المحيطة من جهة أخرى أمر معروف، لكن هذه الروابط كانت توصف بـ"الحدسية"، أي أن الأدلة العلمية لم تكن كافية لإثبات تأثير الطبيعة على تعليم الأطفال واكتسابهم للمهارات وتأثير المناظر الطبيعية على نموهم وسلوكهم.
كان هذا حتى فبراير/شباط 2019، حيث توصل الباحثون إلى أدلة أكثر ثقة فيما يتعلق بتأثير الطبيعة على تعليم الأطفال ونموهم واكتسابهم للخبرات، فما هي تفاصيل هذه الدراسة؟ وكيف تؤثر البيئة والطبيعة على الأطفال؟ وما هو الفرق بين التعليم في الهواء الطلق أو التعليم في الطبيعة وبين أساليب التعليم التقليدي؟ وهل من الممكن استثمار الطبيعة في تعزيز عملية التعلُّم لدى الطفل؟ هذا ما نجيب عنه في مقالنا.
التعليم في الهواء الطلق سابق على التعليم بين الجدران، فحلقات العلم القديمة التي ابتكرها الإنسان لطالما كانت تحت ظل الأشجار وعلى ضفاف الأنهار، ومع تطور الحياة بدأت المراكز التعليمية تبتعد عن الهواء الطلق لتنظيم العملية التعليمية بعيداً عن ظروف الطقس والعوامل الجوية، مع ذلك حافظت بعض المدارس على حدائق داخلية.
وفي العصر الحديث السؤال كان: أيهما أفضل، أن يتعلم الطفل وهو تحت ظل شجرة، أم أن يتعلم وهو محاط بالجدران الإسمنتية؟!
والإجابة بطبيعة الحال أن للتعليم في الهواء الطلق وفي أحضان الطبيعة مميزات أكثر، لكن كما ذكرنا في المقدمة فإن هذه الإجابة كانت حدسية إلى حد بعيد ولا يمكن الحديث عنها كحقيقة مثبتة علمياً، فما هي الحقائق الجديدة حول تأثير الطبيعة على التعليم واكتساب المهارات؟.
قام الباحثون بمراجعة مجموعة كبيرة من الدراسات والأبحاث في سبيل التأكد من وجود علاقة سببية بين التعلم والطبيعة، وذلك أن هناك الكثير من التصورات المضخمة لتأثير الطبيعة على التعلم كما أن هناك تشكيك كبير في مدى تأثير التعامل المباشر مع الطبيعة على عملية التعليم.
نشر الباحثون نتائج دراستهم في مجلة Frontiers in Psychology في فبراير/ شباط 2019، والتي خلصت إلى جود ثمانية مسارات رئيسية يمكن النظر إليها كعوامل لتعزيز التعلم في الطبيعة، فما هي هذه المسارات؟.
تأثير الطبيعة على التعلم
1- التعليم في الطبيعة يجدد اهتمام الأطفال: يبدو أن المناظر الطبيعية والبيئة الخضراء المحيطة بالطلاب والمتعلمين تساعدهم على تجديد اهتمامهم بالتعلم، ويظهر هذا بشكل كبير على الأطفال الذين يعانون من فرط النشاط وتشتت الانتباه وقلة التركيز، حيث أظهر الطلاب أداء أفضل في اختبارات التركيز عندما كانوا في بيئة طبيعية.
2- العليم في الطبيعة يقلل التوتر والإجهاد: التأثير الإيجابي للمساحات الخضراء والمفتوحة على مستويات التوتر والإجهاد العصبي هو ما يدفعنا للجوء إلى الطبيعة عندما نعاني من الضغط النفسي، وعلى مستوى العملية التعليمية فقد أظهرت الأبحاث أن التعليم في الطبيعة من شأنه تقليل نسبة التوتر عند الأطفال والمراهقين بشكل ملحوظ، بل أن وجود نافذة مفتوحة على مساحات خضراء ومناظر طبيعية يساعد على تقليل التوتر والإجهاد العصبي عند المتعلمين، كما أظهر الطلاب الذين أخذوا دروساً في الغابات انخفاض في معدلات الكورتزول على مدى اليوم.
3- التواصل مع الطبيعة يعزز الانضباط الذاتي: ومن النتائج المذهلة لدراسة تأثير الطبيعة على سلوك الأطفال أن اتصال الأطفال بالطبيعة بشكل مباشر يزيد من قدرتهم على ضبط الانفعالات وردود الفعل، كذلك هو الأمر في حال وجود اتصال مباشر مع الحيوانات، وظهرت قدرة الأطفال الذين يعانون من التشتت وفرط الحركة على الانضباط أكثر في أحضان الطبيعة.
4- اتصال الطالب مع الطبيعة يعزز التحفيز والمتعة والتشاركية: التعليم في بيئة طبيعية يؤدي إلى تعزيز رغبة الطلاب في التعلم عموماً، ويؤدي إلى تقليل حالات الغياب المزمن، كما تؤثر الطبيعة على مشاركة الطالب وتحفيزه.
5- التعليم في الهواء الطلق يعزز النشاط البدني: التعليم والنشاطات التعليمية في البيئة الطبيعية والمساحات الخضراء لا ترفع النشاط البدني واللياقة فحسب، بل تجعل الأطفال أكثر ميلاً لاكتساب عادات تتعلق بالنشاط البدني على الأمد الطويل حتى بعد تجاوزهم مرحلة المراهقة.
6- التعليم في الطبيعة يعزز العلاقات الدافئة: كما يبدو أن هناك تأثير إيجابي للطبيعة على العلاقات بين الأطفال وبين المشاركين في العملية التعليمية، حيث يدعم التعلم في الهواء الطلق أو التعليم في الطبيعة على علاقات دافئة وصداقات عميقة، وتساعد المساحات الخضراء والمفتوحة على خلق خطوط اتصال أكثر فاعلية بين الطلاب، وتذليل العقبات الثقافية والاجتماعية.
7- الطبيعة تمنح العملية التعليمية بيئة هادئة: من أهم ما يمكن ملاحظته أن التعليم في الطبيعة يمنح المزيد من الهدوء والسكينة، حتى أن معدلات المشاغبة والمشاكسة بين الطلاب تنخفض في البيئة الطبيعية، ما ينعكس بشكل كبير على مخرجات العملية التعليمية.
8- التعليم في الطبيعة يعزز الإبداع: من خلال عملية اللعب والاحتكاك المباشر مع الطبيعة ومكوناتها يلاحظ المعلمون تأثير الطبيعة على اللعب الإبداعي وتنمية المهارات الاجتماعية والعقلية والاستكشافية.
ربما من الصعب العودة بالصفوف الدراسية إلى الطبيعة بشكل كامل، لكن الأمر لا يحتاج أن تكون العملية التعليمية في الهواء الطلق دائماً وبشكل كامل، وإنما يوم واحد في الأسبوع أو حتى ساعات قليلة في البيئة الطبيعية ستحقق نتائج مذهلة، بل أن وجود نوافذ مفتوحة على الحدائق ووجود مناطر طبيعية قريبة من شأنه أن يحقق الكثير من الفوائد في العملية التعليمية.
وفي سبيل تعزيز عملية التعليم واكتساب المهارات يمكن اتخاذا بعض الإجراءات:
1- إذا كنت معلماً فقد تحدد حصة دراسية في الأسبوع بحديقة المدرسة، أو رحلة شهرية إلى محمية طبيعية، يتم من خلالها تعزيز فرصة الأطفال لاكتشاف الطبيعة.
2- وإذا كنت مسؤولاً عن العملية التعليمية فقد توجه بزراعة الأشجار في المدرسة وإنشاء حديقة، ربما يشارك الأطفال في علمية الغراس.
3- والأمر لا يتعلق فقط بالمسؤولين عن العملية التعليمية، فحتى الأهل يمكن أن يصحبوا أطفالهم إلى المسطحات الخضراء مرة في الأسبوع لمراجعة الواجبات الدراسية ثم إعطائهم فرصة للعب.
4- وقد تكون الحديقة المنزلية فكرة سديدة، ويمكنك قراءة هذا المقال لتعرف أكثر عن الحدائق المنزلية.
5- ربط الأمور ببعضها مهم جداً، لذلك يعتبر اصطحاب الطفل لحديقة الحيوانات مثلاً تجسيداً عملياً لما يتعلمه في المدرسة، كذلك ملاحظة مجاري الأنهار والطحالب أو الاقتراب أكثر من الحياة البحرية والمد والجزر، أو حتى الصعود إلى السطح لمراقبة الغروب والشروق والنجوم والغيوم، كل ذلك سيجعل من المعلومات المكتوبة التي يتلقاها الطالب مفاهيم حقيقية يلمسها بيده، تخلق لديه المزيد من الفضول والرغبة بالمعرفة.
أخيراً... إضافة إلى كل ما ذكرناه عن فوائد التعليم في الطبيعة، فإن مجرد وجود مساحة مفتوحة يسرح بها النظر حتى الأفق دون أن يصطدم بجدار أو سقف من شأنه أن يخلق الكثير من الأفكار والتصورات عند الأطفال التي تساهم بشكل كبير في تحفيزهم وتقليل توترهم.