الفرق في التربية بين الذكور والإناث
الفرق بين الذكور والإناث يعد من المواضيع الشائكة والمتعددة الأوجه والمثيرة للجدل، سواء في الزواج أو العمل أو العلاقات الاجتماعية أو الأدوار المتوقع أن يمارسها كل من الجنسين في حياته، فكل ثقافة أو مجتمع له من عاداته وقوانينه وأعرافه ما يحدد هذه المسائل بطريقة تناسب أعضائه وأسلوب حياتهم؟
ومن البديهي ألا يتوقف هذا الفرق عند حدود عالم الكبار ومشاكلهم، فحتى عند الأطفال يفرض هذا الفرق وجوده من خلال الطريقة التربوية التي يجب اتباعها معهم كلٌّ وفقاً لجنسه خاصةً في أيامنا هذه التي يتصاعد فيها الخوف من نمو الميول المغايرة للطبيعة لدى الأطفال وما قد ينتج عنها من شذوذ بأوجه متعددة، ولذلك من الضروري فهم حقيقة هذه الفروق وطبيعتها وآثارها وكيف يجب التعامل معها تربوياً.
أين تكمن الفروق الطبيعية بين الأطفال الذكور والإناث؟
تتسع مساحة الفرق بين الذكر الأنثى كلما تقدم الطفل بالعمر، ويسير هذا الاتساع قدماً مع تطور الحاجات والرغبات والخبرات والخواص الجسدية لكل منهما، ثم يكبر الطفل أكثر لتبدأ الفوارق بالظهور في الميول والتصرفات والطبيعة النفسية والشكل الخارجي كالشعر والبنية الجسدية، وهكذا حتى مرحلة البلوغ التي تصبح فيها الفوارق أكثر وضوحاً واتساعاً بين الجنسين، وهذه الفوارق في مرحلة الطفولة تعكس بدورها فرقاً في طبيعة حياة كل منهما من حيث مثلاً:
ألعاب كل من الجنسين: فمن حيث نوع الدمى المفضلة، نلاحظ أن الأطفال الإناث يميلون أكثر للدمى التي تعبر عن الجمال والأنوثة والنعومة مثل العرائس أو ألعاب البيوت والأدوات التي تشبه الواقع ذات الألوان الفاتحة والزاهية، بينما نلاحظ لدى الذكور ميل أكثر نحو دمى السيارات أو المفرقعات والأسلحة البلاستيكية أو الحيوانات المفترسة.
الميول والاهتمامات: في معظم مجلات الحياة يمكن ملاحظة فروق بين الجنسين من ناحية الاهتمامات والميول، فمثلاً تميل الإناث للألعاب التي تحوي قصص أو أساطير الأميرات الجميلات والقصص الغرامية أو تقليد الإناث الكبار، بينما يهتم الذكور أكثر بألعاب أخرى مثل كرة القدم والرياضة بأنواعها أو القصص التي تحوي مغامرات.
المهارات والرغبات: فبينما يتفوق الذكور بالمهارات والمواهب الحركية مثل الرياضة والحركات البهلوانية والسرعة، يلاحظ لدى الإناث أداءً أفضل في الأشياء التي تحتاج للدقة والتركيز كالأعمال اليدوية.
الأشياء المفضلة: مثل الملابس والألوان والبرامج التلفزيونية والشخصيات الخيالية، بل وحتى المواد التعليمية في المدرسة والعديد من الأشياء الأخرى التي يمكن ملاحظة اختلاف في تفضيلها بين الطفل الذكر والطفلة الأنثى.
الاستعدادات الغريزية: فالأنثى لديها استعداد أكثر نحو الاهتمام بشؤون الآخرين والتعاطف والحنان أو الحذر والخوف، بينما يعد الذكر أكثر أنانية وأشد حساسية وأكثر شجاعة وإقدام ولديه دافع أكبر نحو تجريب الأشياء الجديدة والاختبار.
الاختلافات الجسدية: وهي مسألة تظهر مع تقدم الطفل بالعمر، ففي البداية يقتصر الأمر على الشكل الخارجي كطول الشعر وبعض الحركات كطريقة الجلوس والوقوف أو المشي والركض، ومع التقدم أكثر والوصول لمرحلة البلوغ يأخذ الاختلاف شكلاً في طبيعية بنية كل من الجنسين وخصائصهما الجسدية.
حالة التركيز في المرحلة المبكرة من العمر: من التواصل السمعي والبصري وتأثير ذلك على التركيز ونمو القدرات اللفظية والمهارات الحركية؛ فالأنثى مثلاً تظهر قدرة أكبر على التركيز من خلال التواصل البصري والسمعي والاهتمام بما يفعله الأخرون حولها بالإضافة للمهارات الحركية الدقيقة كالإمساك بالأدوات واستخدامها، بينا الذكر يبدي طاقة أكبر بالحركة ويعتبر أقل حساسية واهتماماً بمن حوله وأقل خوفاً من الدخول في مغامرات أو عراك وألعاب خطيرة.
المشاكل وطرق علاجها: فبينما تلجأ الأنثى للبكاء والاعتماد أكثر على الوالدين أو التعامل بتسامح، يلجأ الذكر إلى العصيان والعناد وربما العدوان بالإضافة للبكاء والتشبث برغباته.
الطبيعة النفسية والعاطفية: وهي مسألة متغيرة ومختلفة بحسب المرحلة العمرية والظروف العائلية، سواء من حيث الحساسية أو مستوى الغيرة بالإضافة للاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية ففي كل مرحلة عمرية مختلفة يظهر الجنسين أداء مختلف في هذه النواحي.
ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه الفروق أو معظمها ما زالت محلَّ بحث إن كانت فروق بيولوجية صرفة أم أنها فروق تفرضها التربية والمعايير الاجتماعية، بمعنى أنه لا يمكن التنبؤ بشكل قاطع إن كانت الطفلة الأنثى سترغب حقاً بالعراس بدلاً من السيارات أو الأسلحة البلاستيكية بشكل غريزي، أم أن معايير التربية تضعها في هذا الإطار بشكل مسبق وتفرض عليها هذه الخيارات، فتبدو الطفلة التي تلعب كرة القدم مثلاً عنصراً غريباً بين قريناتها.
لماذا يجب أخذ جنس الطفل بعين الاعتبار أثناء عملية التربية؟
بطريقة خارجة عن إرادتنا نضحك عندما نلاحظ أن طفلنا الذكر يلعب بأشياء والده ويقلده كأن يقف أمام المرآة ويمثل أنه يحلق لحيته وأن نغضب منه ونوبخه عندما يلعب بأشياء والدته ويجربها كأدوات ومساحيق التجميل، بينما ينعكس شعورنا أثناء تعاملنا مع الطفلة الأنثى فنغضب من تقليدها لوالدها ونضحك عندما تتقمص شخصية والدتها، فلكل منهما دوره وطبيعته التي نتوقعها منه عندما يكبر، ومن هنا تأتي ضرورة الانتباه لجنس الطفل أثناء التربية، فالكثير من المشاكل والمخاطر سوف تنشأ وتتطور عندما تنمو ميول وتصرفات لدى الطفل مغايرة لطبيعته الجنسية ومنها:
- شخصية الطفل والطبيعة الجنسية: طريقة التحدث والمشي والتفاعل مع الآخرين، فبينما يتسم كلام الذكر وحركاته بالاندفاع والحماسة، يتسم سلوك الأنثى وكلامها بالهدوء والنعومة، وهذه الصفات هي أساساً المتوقع نموها لدى كل منهما لاحقاً والتي تمثل ثقافة نوعه وجنسه، لذلك فمن الضروري تنميتها وتقويمها في ما إذا لم تتناسب مع الطبيعة الجنسية، حتى يصل الطفل أي كان جنسه إلى التمثيل الأفضل لدوره الاجتماعي من مختلف النواحي عندما يكبر.
- الميول والاهتمامات الطبيعية: سبق وذكرنا أن ميول الأطفال واهتماماتهم تختلف باختلاف طبيعتهم الجنسية فهي مسألة غريزية تهيئ كل منهما لتنمية الصفات المناسبة لدورهم وموقعهم المستقبلي، وهنا يجب على ذوي الطفل إدراك هذه الحقيقة وجعل الخطة التربوية لطفلهما متناسبة مع جنسه الذي يحدد طبيعة ميوله واهتماماته سواء بالألعاب والمواهب والأشياء المفضلة والمهارات.
- المستقبل: تكمن ضرورة التربية المناسبة لجنس الطفل في أنها تساعده على فهم طبيعته وادارك خصائصه، ويعمل على تطوير هذه الخصائص وتنميتها ليتمتع بها بأفضل حالاتها وصورها بالمستقبل، بالإضافة لأن هذا الإدراك سوف يساعده في تحديد خيارته ويعرف ما يريد من الحياة وما يجب أن يستبعده من قائمة أهدافه.
- الدور الاجتماعي لكل من الجنسين: تأتي أهمية الانتباه لجنس الطفل خلال عملية التربية من فكرة تأهيله نفسياً وجسدياً لمستقبله كشخص بالغ سواء كان ذكر أو أنثى، حتى يصبح إنسان ناجح بالحياة في الحالتين، فعندما يمارس تصرفات ووظائف غير مناسبة لجنسه لن يستطيع تحقيق أداء جيد بهذا الدور المختلف مع طبيعته ولن يستطيع العودة بسهولة لطبيعته نظراً لعدم تنمية خصائصه منذ كان طفلاً.
- المهام التي سوف تطلب منه في المستقبل وعدم قدرته على تأديتها: فالمسؤوليات والوظائف سوف تختلف بين الذكور والإناث عندما يكبرون، ولهذا من الضروري أن يكون نوع التربية مناسب لتنمية القدرة على تأدية هذه الوظائف المناسبة له والتي سوف تصبح مسؤوليات مطالب بها بجدية في المستقبل.
- نفور الآخرين منه سواء أبناء جنسه أو الجنس الآخر: فالطفل عندما يكبر ويوجد لديه صفات لا تتناسب مع جنسه سوف يبدو مختلفاً عن أقرانه سواء من حيث الميول ولاهتمامات أو السلوكيات والصفات الشخصية، وهذا الاختلاف بينه وبين أقرانه سوف يجعله غير مرحب به لديهم، وتعد هذه مسألة خطيرة فإن لم يستطع الطفل تحديد هويته الجنسية وتنميتها فقد تكون هذه بداية لأحد أنواع الشذوذ في شخصيته المستقبلية.
كيف يمكن تحديد الأمور الواجب تنميتها في شخصية الطفل والمناسبة لجنسه؟
انطلاقاً من الدور الاجتماعي المتوقع لدى كل من الجنسين، وانطلاقاً من الثقافة السائدة في المجتمع بالإضافة للطبيعة التي خلقنا عليها، كان من الضروري أن نفهم الطريقة التربوية التي يجب اتباعها مع أطفالنا وما هي الأشياء التي يجب أن نساعدهم في تطويرها وتنميتها في شخصياتهم والمناسبة لجنسهم، ومن هذه الأمور الواجب التركيز عليها:
• غرس القيم الصحية منذ الطفولة: فكل ثقافة لها منهجها الخاص وعاداتها في التفريق بين الجنسين ودور الآباء هنا يكمن بانتقاء ما هو نافع لطفلهم وتنميته لديهم مثل تحمل المسؤولية المناسبة لجنسهم وغرس القيم الجيدة المتوقعة من هذا الجنس كواجبات وليس كمزايا أو عيوب لهذا الجنس، وبالمقابل التخفيف من أهمية القيم والعادات الخاطئة مثل تفضيل الذكر على شقيقاته لدى بعض الآباء أو العكس تفضيل الأنثى لدى بعض الأمهات.
• تنمية ثقة الطفل بنفسه: فأي كان جنس الطفل يجب أن يكون واثقاً بنفسه محباً لذاته كما هي، ويمكنه تحقيق النجاح والوصول لما يريد من خلال معرفة دوره الطبيعي والنجاح في أدائه.
• عدم التفرقة بينهما بالأشياء المتعلقة بالحاجات وتوزيع المحبة والحنان: فكلاهما أطفال وهم يحتاجون من ذويهم لمستوى معين من التربية والرعاية والمحبة والحنان كونهم أطفال وبعيداً عن جنسهم، فالتفرقة ضرورية ليعرف كل منهما دوره في المجتمع وليتمكن من ممارسة هذا الدور بأفضل طريقة ممكنة وليس لمجرد التفرقة بذاتها.
• تنمية الميول المناسبة لجنس الطفل: كالألعاب فبعضها مناسب للذكور وسوف يتعلم منها أشياء ضرورية للمرحلة القادمة من حياته مثل تعلم مسؤولية تأمين متطلبات المنزل والقيام بالأعمال التي تحتاج لقوة بدينة، وبنفس الطريقة تنمية الميول لدى الطفلة المتناسبة مع أدوار الأنثى الاجتماعية كأنثى بالمستقبل كالعناية بالأناقة والجمال واللباقة بالحديث والتصرفات.
• عدم حصر الاهتمام بأحد الجنسين دون الآخر: بعض الأهل غير مدركين قد يظهرون قدراً من المحبة والحنان لأحد أبنائهم أكثر من الآخر بسبب جنسه كأن تحب الأم الطفلة الأنثى وأن يدلل الوالد الطفل الذكر وهذه من المسائل التي سوف تعود بنتائج عكسية وتنمي مشاعر سيئة بين الأشقاء.
• الانتباه إلى أن القدرة على تعلم بعض المهارات والقدرات تختلف بسبب الجنس: مثل توقيت الكلام أو المشي والتخلص من الحفاض وهنا يجب توزيع الاهتمام بشكل عادل بما يؤدي لتعلم الطفلين المهارات الضرورية لحياتهما بشكل أفضل وكلي.
• عدم زرع مشاعر الغيرة بينهما: من خلال تفضيل أحدهما على الآخر سواء بقائمة المسموحات والمحظورات أو بتلبية الرغبات أو الاهتمام العاطفي بأحدهما دون الآخر.
الفرق الجنسي بين أطفالنا أمر طبيعي وضروري لاستمرار حياتنا، ولا يجب التعامل مع الأمر على أنه مشكلة أو صعوبة تربوية معقدة، ولكن مع ذلك هذا الفرق سوف يكون موجوداً في مختلف نواحي حياة الطفل من حاجات وميول وطبيعة نفسية وعاطفية وجسدية، وكل من هذه المسائل سوف تفرض علينا أن نأخذها بعين الاعتبار ونحن نربي أطفالنا ونعلمهم أدوارهم الاجتماعية والأشياء الضرورية في حياتهم، وكيف يجب أن ينمّوا شخصياتهم وميولهم وبالتالي اهتماماتهم وتصرفاتهم بما يناسب جنسهم، وهذا ما حاولنا توضيحه في هذه الدراسة حول الفرق الجنسي بين الأطفال وكيف يجب التعامل معه تربوياً.