أعراض الحصبة الألمانية ومخاطرها
حتى فترة وجيزة من التاريخ البشري، كانت الصحة العامة للمجموعات السكانية مرهونة بالكثير من العوامل الخارجة عن سيطرة الإنسان مثل الجائحات والأوبئة التي كانت تحصد آلاف الأرواح دون وجود أي رادع حقيقي حتى عند أثرياء المجتمع وأكثرهم قدرة على تأمين العناية الصحية.
ثم أتى عصر اللقاحات الذي قلب الطاولة ورجح الكفة إلى صالح الإنسان في حربه ضد العديد من العوامل الممرضة الخطيرة، وفي هذا المقال سنتحدث حول الحصبة الألمانية التي تعتبر مرضاً بسيطاً نوعاً ما لكنها قد تؤدي إلى اختلاطات قاتلة في بعض الحالات الخاصة.
لمحة عامة حول الحصبة الألمانية وكيفية انتقالها
الحصبة الألمانية (German Measles) أو (Rubella) هي مرض نادر نسبياً لكنه شديد العدوى ينتج عن الإصابة بفيروس الحصبة الألمانية، وهو مرض مختلف عن الحصبة بالرغم من كونهما يملكان العديد من الصفات المشتركة.
تراجع عدد الحالات المسجلة بالحصبة الألمانية عالمياً بشكل مذهل بعد البدء باستخدام التطعيم في ستينات القرن الماضي، وظهر هذا التراجع في معدل الإصابة بشكل واضح لدى الأطفال حتى أن كثيراً من البلدان أعلنت القضاء تماماً على المرض، أما الإصابات الجديدة في وقتنا الحالي فتظهر لدى البالغين المسافرين من بلدان نامية ضعيفة الرعاية الصحية إلى بلدان متطورة تستخدم التطعيم، أو لدى الذين يرفضون أخذ التطعيم لأسباب دينية أو اجتماعية.
ينتقل فيروس الحصبة الألمانية بطريقة التماس المباشر مع المفرزات الأنفية أو البلعومية للشخص المصاب، كما يمكن أن تتم العدوى بالقطيرات التنفسية التي تتطاير عندما يقوم المريض بالسعال أو العطاس أو الكلام.
الشكاوى الشائعة التي نلاحظها لدى المصاب
عادة ما تكون الحصبة الألمانية خفيفة وبسيطة لدى الأطفال، كما أن الأعراض الواضحة لديهم تكون قليلة، أكثر الأعراض وضوحاً وتميزاً في هذا المرض هو الطفح الجلدي الذي يظهر بشكل مبكر على الوجه وينتشر إلى باقي أنحاء الجسم من الجذع إلى الطرفين العلويين والسفليين ليستمر حوالي 3 أيام (لذلك يدعى المرض باسم حمى الأيام الثلاثة) ثم يزول الطفح بالترتيب ذاته الذي ظهر به، تتضمن الأعراض الأخرى التي قد تسبق الطفح الجلدي ما يلي:
- الصداع.
- ارتفاع بسيط في درجات الحرارة، ومن النادر أن تتجاوز حرارة المريض 39 درجة.
- التهاب الملتحمة (Conjunctivitis) أي الغشاء الذي يغطي العين، ويظهر هذا الالتهاب على شكل ألم في العينين واحمرار في بياضهما بدون تأثر يذكر في القدرة البصرية للمريض.
- السعال.
- التهاب وتضخم العقد اللمفية في القسم الخلفي من العنق وخلف الأذنين.
- سيلان الأنف والعطاس.
- التهاب الحلق.
- ألم في الأصابع والمفاصل خصوصاً لدى النساء الشابات والذي يتركز في المعصمين والركبتين.
تستمر فترة حضانة الفيروس التي تسبق ظهور الأعراض من 12 إلى 24 يوم، وهي وسطياً حوالي 14 يوم، كما يكون المريض قادراً على نقل العدوى قبل ظهور الطفح الجلدي بأسبوع إلى أسبوعين (أي قبل أن يعلم بمرضه حتى) وبعد اختفاء الطفح بفترة مشابهة.
عادة ما يسير المرض بشكل سليم منذ بدء العدوى حتى تمام الشفاء، إذ يستمر الطفح الجلدي لمدة 3 أيام أما تضخم العقد اللمفية فيبقى لأسبوع أو أكثر، ويستمر ألم المفاصل حوالي أسبوعين أو أكثر، عادة ما يتعافى الأطفال من الحصبة الألمانية خلال أسبوع بشكل وسطي، أما البالغون فقد يستمر المرض لديهم فترة أطول، ومن الجدير بالذكر أن 25 إلى 50 في المئة من المصابين بالحصبة الألمانية لا يبدون أي أعراض.
كيف نتجنب الإصابة بالمرض ومضاعفاته الخطرة؟
تعتمد الوقاية من الحصبة الألمانية على تلقي التطعيم ضد الفيروس، والذي يشمل عادة مرضين فيروسيين آخرين هما الحصبة (Measles) والنكاف (Mumps) في لقاح مشترك يدعى تطعيم (MMR)، ينصح الأطباء والمنظمات الصحية العالمية بتقديم هذا اللقاح لجميع الأطفال (ما عدا حالات خاصة مثل نقص المناعة الخلقي أو التحسس) على جرعتين بدءاً من عمر 12 إلى 15 شهر.
يعتبر لقاح (MMR) من أكثر التطعيمات أماناً وفعالية خصوصاً ضد الحصبة الألمانية، إذ أن جرعة وحيدة منه تعتبر فعالة في منع الإصابة بالحصبة الألمانية بنسبة 97%، كما يتوفر حديثاً لقاح جديد يدعى (MMRV) الذي يشمل بالإضافة إلى الفيروسات السابقة فيروس الحماق (Varicella) المسؤول عن مرض جدري الماء (Chickenpox).
ما هي المخاطر الصحية المرتبطة بالحصبة الألمانية؟
ذكرنا أن المرض يسير عادة بشكل سليم وبسيط لدى معظم المرضى، فيحدث لديهم ألم في البلعوم وطفح جلدي بسيط لا يلبث أن يشفى لكن هذه القاعدة لا تنطبق على الجميع، إذ قد يبقى التهاب المفاصل في اليدين والمعصمين والركبتين لمدة شهر لدى المرأة، وفي حالات نادرة يسبب فيروس الحصبة الألمانية التهاب الأذن الوسطى الحاد أو التهاب الدماغ الذي يحمل عواقب مدمرة أو قاتلة.
أما الخطر الأكبر الناتج عن فيروس الحصبة الألمانية فهو إصابة الحامل ونقل الفيروس إلى الجنين، وهو احتمال يبقى قائماً وحقيقياً حتى في الدول المتطورة صحياً إذا لم تكن المرأة قد تعرضت للتطعيم ضد الفيروس في وقت سابق، لذلك تعتبر مراجعة سجلات اللقاحات والمناعة ضد العوامل الممرضة الشائعة شرطاً رئيسياً للسماح بحمل صحي وآمن.
يبلغ الأذى الناتج عن فيروس الحصبة الألمانية أشده إذا أصيبت الحامل في الأسابيع الـ 12 الأولى من الحمل (الثلث الأول)، كما يعبر مصطلح متلازمة الحصبة الألمانية الخلقية (Congenital Rubella Syndrome) عن الحالة المرضية التي تحدث لدى الجنين داخل الرحم عندما يتعرض للعدوى بفيروس الحصبة الألمانية.
تؤدي العدوى بالفيروس خلال الحمل إلى زيادة خطورة حدوث الإسقاط العفوي أو موت الجنين داخل الرحم، كما أن الجنين يكون معرضاً لعدد كبير من التشوهات الخلقية الشديدة والمدمرة التي لا يمكن علاجها أو التعافي منها، فالفيروس قادر على إصابة وتخريب جميع أعضاء وأجهزة جسم الجنين مما يؤدي إلى حدوث المضاعفات الشائعة التالية:
- الصمم الخلقي.
- الساد الخلقي أو الماء الأبيض بسبب تكثف عدسة العين.
- تشوهات القلب الولادية.
- التأخر العقلي.
- ضخامة أعضاء البطن وتخريب الكبد والطحال.
- نقص وزن الولادة.
- الطفح الجلدي الخلقي.
كما يوجد عدد من المضاعفات أقل شيوعاً من تلك المذكورة أعلاه مثل:
- الزرق الولادي أو الماء الأزرق.
- الإصابات الدماغية المتنوعة.
- اضطرابات الغدة الدرقية والمشاكل الهرمونية المختلفة.
- التهاب الرئتين.
عموماً لا يوجد علاج شاف لمتلازمة الحصبة الألمانية الخلقية، أما تدبير الأطفال المصابين فيعتمد على معالجة الأعراض وتحسين نوعية الحياة قدر الإمكان، لذلك يبقى الحل الأمثل هو تلقيح السيدات ضد الفيروس في فترة مبكرة.
بما أن تطعيم (MMR) من النوع الحي المضعف فهو يحتوي على فيروسات ضعيفة غير قادرة على إمراض الإنسان السليم إنما تنبه جهازه المناعي وتجعله منيعاً ضد الإصابة بها في المستقبل، وهذا يعني أن إعطاء التطعيم للمرأة الحامل ممنوع منعاً باتاً لأن الفيروسات المضعفة قد تتمكن من غزو جسم الجنين الذي لا يملك وسائل فعالة في مكافحة الفيروسات.
يجب على السيدات المتزوجات في سن النشاط التناسلي التأكد من كونهن مطعمات ضد الحصبة الألمانية قبل التخطيط للحمل، وإذا كانت السيدة غير مطعمة لكنها ترغب بالحمل في المستقبل القريب عليها تعاطي اللقاح واتباع وسيلة فعالة لمنع الحمل لمدة 4 أسابيع على الأقل حتى يقضي الجسم على الفيروسات الموجودة في اللقاح ويصبح الحمل آمناً.
ماذا تفعل إذا أصيب طفلك بالحصبة الألمانية؟
لا تحتاج الإصابة بالحصبة الألمانية إلى أي دواء نوعي، إنما يعتمد العلاج على تحسين الحالة العامة ومساعدة الجسم على التعامل مع المرض، لذلك تفيد الإجراءات التالية في تسريع شفاء المريض والوقاية من حدوث مضاعفات:
- شرب كمية وافرة من السوائل مثل الماء والحساء ومشروبات الأعشاب.
- الحصول على قسط كاف من الراحة.
- تناول الأدوية المسكنة للألم عند الضرورة مثل دواء باراسيتامول وبروفين بالإضافة إلى الأسبرين عند البالغين (تذكر أن إعطاء الأسبرين للأطفال تحت عمر 16 أمر خطير وممنوع منعاً باتاً).
تذكر واجباتك الصحية تجاه الآخرين وابق بعيداً عن المدارس وحضانات الأطفال لأسبوع على الأقل من وقت ظهور الطفح الجلدي، وتجنب التماس المباشر أو التعامل القريب مع النساء الحوامل في هذه الفترة.
وفي الختام.. نرى أن الحصبة الألمانية مثال واضح على أهمية التطعيمات في وقاية المجتمع من الأوبئة والأمراض التي قد تسبب مخاطر لا يحمد عقباها، كما أن التزام جميع أفراد المجتمع بتعليمات التطعيم يمكن أن يؤدي خلال سنوات قليلة إلى القضاء على هذه الأمراض واستئصالها من المجتمع.