هل أنت مهووس بأطفالك؟ وكيف يؤثر ذلك على الأبناء؟
تناولنا في مقال سابق لنا هوس الأطفال وتعلقهم المرضي بوالديهم، لكننا في هذا المقال سنناقش الحالة المعاكسة تماماً، وهي هوس الأهل بأطفالهم. للأسف كلتا الحالتين تنتشران بكثرة في الوطن العربي ولابد من إيقاف الحالتين من أجل تربية وإنشاء جيل واعٍ قادر على التحكم بمسار حياته بمفرده. تعرف معنا في هذا المقال على صفات الأهل المهووسين، وطرق التخلّص من هوسهم، بالإضافة إلى الفرق بين حماية الطفل وتقييد الطفل.
هكذا تعرف أنه يجب أن تخفف من تعلّقك بطفلك
يوجد العديد من الأمور التي يقوم بها الوالدين ظنّاً منهم أنها تقوّي علاقتهم بطفلهم، في حين أنها في الحقيقة تؤذي طفلهم بدون أن يشعروا بذلك، بالإضافة إلى أنها ستؤذيهم في المستقبل عندما يكبر الأطفال، بسبب ردود الفعل التي قد يقوم بها الأطفال بعد الكبر. تعرّف معنا في هذه الفقرة على الأمور التي قد تعني أنك مهووس بطفلك، وأنّه يجب أن تخفف من تعلّقك به.
- كل نشاطاتك على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بطفلك: الهدف الرئيسي لوسائل التواصل الاجتماعي هي أن تقوم ببعض النشاط الالكتروني الذي يقرّبك من الآخرين حول العالم، إلا أنه عندما تصبح جميع نشاطاتك الالكترونيّة متعلّقة بطفلك وبما يقوم به طفلك وبما يقوله طفلك، يمكننا القول حينها أنك مهووس بطفلك، وأن ما تقوم به خاطئ لأنك يجب أن تتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي للقيام بنشاطات تخصّك أنت وليس فقط لكي تجعل من طفلك محوراً لكل ما تنشره على الفيسبوك مثلاً!
- عندما تصف نفس بأنك والد من نوع معيّن "والد مرح، والد محب لكرة القدم، والد راقص" بعض الأهالي يعتبرون أنفسهم أشخاصاً مرحين فقط لكي يتباهوا أمام الأهالي الآخرين! عندما تقنع نفسك وتحاول إقناع الآخرين بأنك شخص آخر محب لنوع معيّن من النشاطات أو المهارات أو الرياضات فقط لأن طفلك يحب هذه الأمور، هذا يعني أنك وصلت إلى مرحلة حرجة من تعلّقك بطفلك، ويجب أن تغيّر من طريقة تعاملك مع الطفل.
- استعمال كلمة "نحن" بدلاً من "هو أو هي" من صفات الوالدين المهووسين أيضاً، أنهم يقومون بإشراك نفسيهما في كل نشاط يقوم به الطفل بدون استثناء، حتّى في صيغة التكلّم! أي أنّه عندما يشارك الطفل في مباراة لكرة القدم يقول أحد الوالدين "لدينا مباراة كرة قدم"؛ هذه الطريقة من الكلام تعني الهوس، كما تعني وجود عائق سيمنع الطفل من تكوين شخصيّته المستقلّة في المستقبل.
- هل تتجاهل كل ما هو مزعج للآخرين في سبيل راحة طفلك؟: إن كان جوابك نعم فهذا أمر خطير حقاً! تخيّل أنّك في الطائرة وابنك يشاهد فيلم ما بصوت عالي، ماذا تفعل في هذا الموقف؟ بعض الأهالي سيطلبون من الطفل إخفاض الصوت أو وضع السماعات، لكن البعض الآخر "الأهالي المهووسين" سيتجاهلون راحة الركّاب الآخرين في سبيل حماية مشاعر الطفل واستمتاعه وراحته.
- تتكلّم عن نفسك بصيغة الغائب: عندما تتكلّم عن نفسك بصيغة الغائب كأن تقول "الأب يحتاج إلى بعض الراحة" أو "الأم سوف تأخذكم في نزهة"، دليل واضح على هوس الوالدين بأنفسهم وبأطفالهم، أي أنهم يستمتعون بشكل مرضي بكونهم أهل مما يدفعهم إلى التعامل بشكل هوسي مع أطفالهم، لإثبات أنهم فعلاً والدين حقيقيّين.
- مطابقة ملابسك مع ملابس طفلك: يقوم بعض الأشخاص بمطابقة ملابسهم مع أطفالهم في المناسبات العائليّة والأعياد، ربما الأمر فيه بعض الهوس، إلا أنه لا يقارن بهوس الأهالي بأطفالهم عندما يقومون بشراء الملابس العادية واليومية بشكل متطابق، ثم يلبسون هذه الملابس المتطابقة في الزيارات الرسمية واليومية.
- لا هواية للأهل إلا جمع الألعاب للأطفال: بعض الأهالي لا يمتلكون أي هواية على الإطلاق إلا هواية جمع متعلّقات الأطفال والاحتفاظ بها! بعض الأهالي يحتفظون بجميع ألعاب وكتب وشهادات وأوراق الأطفال مهما كبر الأطفال، فتجد أن الطفل أصبح عمره 15 سنة، ولايزال الأهل يحتفظون بأول دب محشو اشتروه لطفلهم!
- كل شيء متعلّق بطفلك: عند التكلم مع الأصدقاء والجيران حول أي موضوع على الإطلاق، تجد طريقة لتحويل الموضوع ليصبح يدور حول طفلك، كاستخدام عبارات مثل "لا أعرف كيف سأخبر طفلي بذلك" أو "كان طفلي سيسعد بهذه اللعبة" أو "إن طفلي يحب هذه الأكلة".
- لا يمكنك التوقف عن التكلّم عن ابنك: في كل زيارة رسمية، أو في العمل، او عند الأصدقاء، أو مع الأهل.. لا يمكنك أن تتوقف عن الكلام حول طفلك، وإنجازاته وقصصه وما يحدث معه بالمدرسة... إلخ. هذا النوع من الأهالي هو الأكثر هوساً على الإطلاق، يجب على الأهل أن يعيشوا حياتهم الخاصة أيضاً وألا يكون أطفالهم هو كل ما يمكنهم الحديث عنه طوال الوقت.
كيف يمكنك أن تتخلّصؤمن تعلّقك الزائد بطفلك؟
للأهل حياتهم الخاصة التي يجب أن يلتفتوا إليها، ويجب أن يتم إيقافهم عند حدّهم ومنعهم من الاستمرار بهوسهم هذا، من أجل الحفاظ على مستقبل الأطفال والتأكد من عدم ضياع حياتهم بسبب التعلق الشديد من قبل الأهل. في هذه الفقرة سنتعرف على بعض الطرق البسيطة التي قد تساعد الاهل على تجاوز هوسهم.
- دع طفلك يمارس بعض النشاطات بمفرده أو مع الأصدقاء: يمكن للأطفال أن يقوموا بالأمور التي يحبوها بمفردهم، هل يمكنك تخيّل ذلك! يجب عليك أن تسمح لطفلك بممارسة بعض النشاطات التي يحبّها بدون أي تدخل منك، يمكنك مثلاً أن تتركه وأصدقاءه في حديقتك الخلفيّة ليلعبوا معاً، أو يمكنك تركه يذهب للمدرسة بمفرده إن كانت المدرسة قريبة.
- دع طفلك يخلق الفوضى ليتعلّم معناها!: قد تلاحظ أن طفلك يلعب بالرمال والطين أويقوم باستكشاف كريم الحلاقة أو طلاء الأظافر! لا مشكلة في هذا الأمر فالأطفال بحاجة للاستكشاف والبحث ليتعلّموا الفرق بمفردهم؛ تدخّلك لا يعني أنك تقوم بعمل جيّد بل يعني أنك لا تسمح لهم بتكوين خبرتهم المعرفيّة بنفسهم.
- ماذا إن أخطأ طفلك؟: بالتأكيد ليست نهاية العالم، صحيح؟ عندما يصعد طفلك على الكرسي لا تهلع وراءه لكي لا يقع، الأطفال بشكل عام يقعون! وعلى طفلك أن يتعلّم الاعتماد على نفسه. في حال أراد طفلك أن يلمس الأبريق الساخن لا تهلع بشكل هستيري لمنعه، لأنه إذا لمسه مرّة سيتعلّم لوحده ألا يلمسه مرّة ثانية.
- هوسك بنظافته وتعقيمه الدائم: لطالما نجا الأطفال من الجراثيم والفيروسات المنتشرة في البيئة والطبيعة بدون أي مساعدة منك، فما الذي يجعلك تعتقد بأهميّة معقّم اليدين الذي تبقيه معك طوال الوقت؟ الأطفال ليسوا حاجة إلى أن تركض وراءهم كل بضعة دقائق لتتأكد من نظافتهم ولكي تعقّم يديهم ووجههم، هم بحاجة إلى خلق مناعة ذاتيّة وإلى الاستكشاف بدون هذا الهوس الخاص بك.
ما الفرق بين الحفاظ على سلامة طفلك وتقييد الأطفال بسبب هوسك؟
إن حماية الأطفال أمر بالغ الأهميّة وضروري للحفاظ على الأطفال، إلا أنك لا تحتاج إلى حماية طفلك في كل لحظة ومن كل شيء، إن حمايتك لأطفالك تكون عندما يحدث أمر خطير حقاً أو عندما يكون طفلك على وشك القيام بأمر قد يهدد صحّته وحياته؛ أما بشكل عام فالأهل يخطؤون بين هذا المفهوم وهوسهم بأطفالهم، فعندما تقول لطفلك "لا" في كل مرة يريد فيها أن يقوم بأمر ما لأنك تخاف من أن يصيبه أي مكروه، هذا هوس خالص.
كما أن الأهالي المهووسين قد يحدّون بدون قصد من نشاطات أطفالهم، فيمنعونهم من الذهاب إلى الحديقة لأنهم يعتقدون أن الطقس بارد عليهم على الرغم من أن جميع الأطفال الآخرين ذاهبين إلى الحديقة، في حين أن الأهل الذين يريدون أن يحموا أطفالهم، يمنعونهم من الذهاب إلى الحديقة عندما يكون بالفعل هناك برد شديد ولا يوجد أي طفل آخر ذاهب ليلعب في هذا الطقس.
كما يمنع الآباء المهووسين أطفالهم من اللعب مع الحيوانات الأليفة أو الذهاب إلى حديقة الحيوان خوفاً من أن يمرضوا، أو قد يقوموا بمنع الأطفال من المشاركة في النشاطات المنزليّة المرحة مثل الطبخ مع الوالدين أو التخييم مع الإخوة الأكبر عمراً خوفاً من إصابتهم بأذيّة؛ في حين أن الأهل الذين يريدون حماية أطفالهم، يقومون باقتناء حيوان أليف لكن بعد إعطائه كل اللقاحات اللازمة، ويقومون بالتخييم مع الطفل أو السماح له بالتخييم مع إخوته وأصدقائه.
بشكل عام الأهل الذين يرغبون بحماية أطفالهم، لا يقومون بتقييد الأطفال وحرمانهم من كل ما هو ممتع، كما أنهم لا يشاركونهم في كل نشاط خاص بالأطفال؛ أما الأهالي المهووسين هم من يقوم بحصر نشاطات الطفل بالمنزل، أو يمنعون الطفل من امتلاك حياته الخاصّة البعيدة عنهم لأنهم يريدون أن يكونوا جزءاً رئيسيّاً من كل نشاط يقوم به الطفل.
في النهاية، يمكن القول بأن الهوس بالأطفال هو أمر شائع إلا أنّه قابل للتحكم به، فعندما تلاحظ أنك مهووس قليلاً بطفلك يمكنك أن تمنع نفسك من الاستمرار بهذا الهوس ومنع مفاقمة الخطر النفسي الذي قد يصيب الأطفال في المستقبل في حال استمرارك بهوسك. بكل الأحوال إن وصلت إلى مرحلة معقّدة لا تعرف كيف يجب عليك أن تتصرف بها، لا تتردد في التكلم معنا وإخبارنا بمشكلتك لأننا دائماً موجودين لمساعدتك.