العمل الإضافي بين زيادة الدخل والاحتراق النفسي
تلجأ نسبة كبيرة من الموظفين إلى الوظيفة الإضافية أو العمل الإضافي في سبيل زيادة الدخل، وقد يصل البعض إلى العمل أكثر من 14ساعة في اليوم لتأمين احتياجاتهم المادية، لكن هل العمل الإضافي هو الخيار الأمثل لزيادة الدخل؟ وكيف تؤثر الوظيفة الإضافية على حياتنا اليومية على الأمد البعيد؟ وما هي أفضل الطرق للبحث عن عمل إضافي؟ هذه الأسئلة وغيرها تجدون إجاباتها في هذا المقال.
سنتطرَّق في الفقرات القادمة إلى الكثير من التفاصيل حول مميزات العمل الإضافي ومساوئ الوظيفة الثانية، لكننا رأينا أنه من الأفضل البدء ببعض أفضل الطرق لإيجاد وظيفة إضافية مناسبة، وذلك من خلال:
- اسأل عن العمل الإضافي في وظيفتك نفسها
يلجأ الموظفون عادةً للبحث عن عمل مسائي لزيادة الدخل، وقد يكون البحث عن فرصة العمل الإضافي في الوظيفة نفسها أمر جيد خاصة إذا التزمت الشركة أو المؤسسة بقوانين العمل الإضافي التي عادة ما تنمح الموظف أجراً أعلى على الساعات الإضافية.
إن حالفك الحظ في الحصول على ساعات إضافية في عملك نفسه قد توفِّر على نفسك الكثير من الجهد في الانتقال بين عملين، أما إن لم تكن هذه الفرصة متاحة فعليك بالنظر إلى الخيارات الأخرى. - العمل الحرّ ومبدأ العمل بالقطعة
يعتبر العمل الحرّ واحداً من أهم أبواب الدخل الإضافي التي عليك طرقها، وهناك الكثير من الخيارات التي يتيحها لك مبدأ العمل بالقطعة الذي يعتمد على خبرتك الوظيفية وطبيعة عملك، كما يمكنك مراجعة هذا المقال لتعرف أكثر عن مميزات العمل الحر ومعايير الحصول على عمل بالقطعة، كما يمكنك الاطلاع على أفضل فرص العمل من المنزل من خلال هذا المقال. - قدم خدمات صغيرة ومرنة
هناك الكثير من الخدمات التي يمكن تقديمها بشكل مرن من ناحية الزمن والتي لا تحتاج إلى جهد كبير، يجب أن تبحث عن هذا النوع من الخدمات في مكان سكنك، ربما تعمل في توصيل الطلبات أو سائق سيارة تحت الطلب، وربما ترغبين بالعمل كجليسة مؤقتة للأطفال في الفترة المسائية. - الاستثمارات الالكترونية
هناك عشرات المواقع الإلكترونية التي تتيح لك استثمار مبالغ مالية بسيطة في مجالات مختلفة أبرزها مواقع تجارة العملات والأسهم، لكن إن لم تكن لديك الخبرة اللازمة في هذا المجال فلا ننصحك بدخوله، وعلى كل حال عليك الحذر من النصابين. - أنشئ مشروعك الخاص
إذا قررت إنشاء عمل خاص بك ستجد مئات الخيارات، بعضها قد يكون مكلف قليلاً، لكن دائماً ستجد مشاريع صغيرة أقل كلفة وذات عائد مادي جيد قد يعفيك من الوظيفة الإضافية.
من أبرز المشاريع التي يلجأ إليها الناس لكسب الدخل الإضافي هي التجارة الإلكترونية، سواء من خلال تسويق منتجات الغير بالعمولة أو من خلال شراء السلع وإعادة بيعها، أو حتى من خلال عرض بعض المنتجات المنزلية عبر شبكات التواصل الاجتماعي. - ابحث عن الحرية المالية
الحرية المالية هي أن تمتلك مصادر دخل لا تحتاج إلى عمل، كأن تدخل شريكاً في مشروع بمبلغ مالي وتحصل على الأرباح، أو أن تقوم بالعمل مرة واحدة على تصميم ما أو تسجيل دورة تعليمية أو غيرها من الخدمات التي تحتاج للعمل مرة واحد، ثم تدر الأرباح بشكل دوري دون الحاجة إلى التفرغ لها، ربما تضطر لإجراء بعض التحديثات والمراجعات بين فترة وأخرى.
إن الميزة الأهم في العمل الإضافي هو الحصول على المزيد من المال، لكن هناك بعض المميزات الخفية التي قد يقدمها لك العمل الإضافي، منها مثلاً؛
العمل الإضافي يسمح لك بالتعرُّف إلى أجواء جديدة وأشخاص مختلفين، وفي حال كانت الوظيفة الإضافية في مجال مختلف عن الوظيفة الأصلية فقد تكتسب خبرات جديدة ربما تؤهلك في المستقبل لأعمال أهم وأعلى مردوداً.
وإن كنت تفكر في إنشاء مشروعك الخاص لكنك تحتاج إلى الخبرة وفي نفس الوقت لا تمتلك ما يكفي من الملاءة المالية لتتخلى عن وظيفتك الأساسية ريثما تكتسب الخبرة الجديدة؛ في هذه الحالة ستجد أن العمل الإضافي فرصة مناسبة.
فإذا كنت تفكر بإنشاء نشاط تجاري إلكتروني قد تبدأ في العمل من المنزل مع المسوِّقين المحترفين قبل أن تشق طريقك، وإن كنت ترغب في افتتاح دكان صغير لبيع الثياب ربما الأفضل أن تعمل مساءاً في بيع الثياب لصالح الغير لتقترب أكثر من الخبرات المهمة في سبيل نجاح مشروعك.
كما أن بعضنا يعمل في النهار عملاً لا يحبه لكنه يوفر له الاستقرار اللازم، لذلك يبحث عن وظيفة مسائية أو عمل إضافي في مجال يحبه ويريد أن يعمل به حقاً، بذلك يحقق الدخل الإضافي المنشود ويبقى على تماس مع شغفه.
باستثناء الحصول على دخل إضافي من الوظيفة المسائية أو العمل الإضافي يمكن القول أن سلبيات العمل الإضافي أكثر بكثير من إيجابياته، وسنحاول أن نسرد باختصار أبرز سلبيات ومشاكل العمل الإضافي:
- الإصابة بالاحتراق النفسي: تعدّ متلازمة الاحتراق النفسي من أبرز المشاكل النفسية التي يواجهها من يعملون في وظيفتين، فكمية الضغط الذي يتعرَّض له الموظف أو العامل على مدى النهار والليل يؤدي إلى شعور عميق بالتعاسة والإنهاك وكأنه يحترق من الداخل.
- الإرهاق الجسدي: وبطبيعة الحال فإن الإرهاق النفسي متلازم مع التعب الجسدي نتيجة العمل لساعات طويلة والتنقلات بين الوظيفتين والحصول على قدر أقل من الراحة، خاصة أن معظم العاملين في وظيفتين يجدون عقبات في الحصول على يوم إجازة كامل من كلا الوظيفتين، بل أن بعض الوظائف قد تحرمك من العطلة الأسبوعية الكاملة، كأن تأخذ العطلة من الوظيفة الصباحية في يوم، والعطلة من الوظيفة المسائية في يوم آخر.
- انخفاض الكفاءة: نتيجة الإرهاق النفسي والجسدي غالباً ما يتسبب العمل في وظيفتين ولفترة طويلة نسبياً إلى انخفاض كفاءة الموظف في العمل وانخفاض قدرته على أدا مهامه بالشكل الأمثل.
- الوقت الضيق: وربما تكون أعمق المشاكل أن العمل في وظيفتين يسرق منَّا معظم يومنا، هذا لا يؤثر فقط على وقت الراحة، بل يؤثر مباشرة على علاقاتنا بأسرنا وعلى علاقاتنا الاجتماعية، ويحرمنا من الأنشطة التي تعتبر ضرورية لاستمرار الحياة، ويوماً بعد يوماً، عاماً بعد آخر، يصل الموظف بدوامين إلى حد الانهيار على مختلف الصعد.
- كره الوظيفتين: حتى وإن كان الموظف يعمل في مهنة يحبها ويعتبرها شغفه؛ لكن نتيجة كل الضغوط التي ذكرناها سابقاً قد يصل إلى حد يكره فيه الوظيفتين معاً، ويشعر كأنه يتعرض لعقوبة عند الذهاب إلى العمل.
- تفويت الفرص: أسوأ ما ينتج عن العمل الإضافي أننا نفوِّت الكثير من الفرص بسببه، دورة تعليمية مجانية هنا، وجلسة تعارف مع أشخاص مهمين هناك، ورحلة ترفيهية مميزة، وغيرها الكثير من الفرص التي تضيع من يدينا نتيجة انهماكنا في العمل طيلة النهار وثلثي الليل.
قبل سنوات قليلة كنت أستيقظ عند السابعة صباحاً وأتجه إلى مكتب المحاماة الذي أعمل به كمدخل للبيانات ومسؤول عن الأرشيف، ثم أخرج من المكتب مباشرة إلى العمل الثاني في مطعم صغير أعمل فيه حتى وقت متأخر من الليل، في بعض الأحيان عملت 16ساعة متواصلة كل يوم لمدة أسبوع أو اثنين دون راحة، ولم أكن أحصل على يوم عطلة كامل، استمرت هذه الحالة لعامين تقريباً.
في يوم ما شعرت أنني أنهار تماماً وأنني لم أعد قادراً على رؤية مديري في العمل أو زملائي، بل لم أعد أستطيع أن أبتسم حتى بوجه زبائن المطعم أو عملاء المكتب، عندها قررت تقديم استقالتي من الوظيفتين في يوم واحد، وبدأت أبحث عن فرص جديدة أفضل، وهذا ما كان بعد فترة قصيرة.
لا أحد يرغب فعلياً بالعمل لساعات إضافية إن كان يمتلك من المال ما يكفيه لتلبية احتياجاته، لكن العمل الإضافي هو الطريق الأقصر والأسهل لتأمين دخل إضافي على المدى القصير، أما إن فكرنا قليلاً في المستقبل سنجد أن العمل الإضافي وزيادة ساعات العمل لا يمكن أن يكون الخيار المثالي.
يتجه الأشخاص الأذكياء مالياً إلى التفكير في تقليص ساعات العمل بدلاً من زيادتها، وإلى البحث عن الطرق التي تقلل القيود الوظيفية بدلاً من تعزيزها بوظيفة ثانية، ويبحثون عن أفضل الخيارات التي من شأنها أن تقدم لهم دخلاً إضافياً مع عمل أقل، وضمن هذه الأفكار يخططون أيضاً للتقاعد المبكر مع ملاءة مالية تجعلهم قادرين على الاستمتاع بالسنوات الأخيرة من حياتهم.