كيفية اختيار التَّخصُّص الجامعي
معظم الطلاب يختبرون صعوبة اختيار التَّخصُّص الجامعي بعد إنهاء دراسة الثانوية العامة، وغالباً ما يتأثَّر قرار اختار الدراسة الجامعة بالكثير من العوامل والظروف التي قد تقود إلى خيار غير موفق يندم عليه الطالب مدى الحياة.
نحاول أن نناقش أهم وأبرز العوال التي تتحكم باختيار التَّخصُّص الجامعي المناسب، ونحاول أن نقدم بعض النصائح والإرشادات التي تسهل عملية اختيار تخصص الدراسة الجامعية، كما نناقش الأسباب التي قد تدفع الأهل لإجبار الأبناء على تخصص معين، والحرية المقيدة للطلاب في اختيار مستقبله، كل هذا وأكثر في هذا المقال.
على الرغم من أن خيار التَّخصُّص الجامعي يعتبر خياراً مرناً نسبياً إلا أنه محكوم فعلياً ببعض المعاير التي يمكن النظر إليها كأنماط عامة لاختيار الدراسة الجامعية، ويمكن أن نذكر أربعة أنماط أساسية لاختيار التَّخصُّص:
- الشغف والرغبة الدراسية
من أهم المعايير التي تتحكم باختيار التَّخصُّص الدراسي في المرحلة الجامعية هو الرغبة والشغف بالاختصاص، وعادة ما يظهر هذا الميل الكبير تجاه تخصص ما لدى الطالب في مراحل مبكرة من الدراسة، كالميل للمواد الأدبية أو العلمية، التعلق بالرياضيات أو الفيزياء والكيمياء، أو الميل للعلوم الشرعية.
وفي حالة لم يجد الطالب عوائق أخرى تحول بينه وبين شغفه ونظرته لمستقبله غالباً ما يجنح إلى التمسك بهذا الشغف ويكون هو المحرك الأساسي لاختيار الدراسة الجامعية. - مستقبل الدراسة من الناحية العملية والمالية
وبما أنَّ الدراسة الجامعية من أهم مراحل الدخول إلى سوق العمل في العصر الحديث فمن الطبيعي أن يكون المستقبل المهني للتَّخصُّص معياراً جوهرياً في اختيار التَّخصُّص الجامعي.
إن رغبة الأهل الملحَّة في دخول أبنائهم لكليات الطب والهندسة والقانون لا تتعلق فقط بصورتهم الاجتماعية، بل أيضاً باعتقادهم أن هذه الدراسات هي الأكثر حظاً في الحصول على فرص عمل سريعة، وهي المهن التي تتميز بدخل مرتفع يؤمن الحياة الكريمة لأبنائهم ولهم عن طريق أبنائهم. - خيارات الآخرين
سنتحدث في فقرة منفصلة عن إجبار الأهل للأبناء على دراسة تخصُّص معين، حيث تشكِّل خيارات الأهل وتصوراتهم واحداً من أهم معايير اختيار التَّخصُّص الجامعي، وغالباً ما يخضع الطلاب عن رغبة أو عن غير رغبة إلى سلطة الأهل إن لم تكن هناك عوائق أخرى كالخيارات الإجبارية. - الخيارات الإجبارية
الخيارات الإجبارية تجعل من جميع معايير اختيار التَّخصُّص الجامعي بلا قيمة، وهذه الخيارات تتعلق عادةً بالدرجات التي يحصل عليها الطالب في الثانوية العامة والتي تؤهله لدخول كليات أو معاهد معينة بغض النظر عن رغبته أو رغبة أهله أو مستقبل هذه الدراسة، بمعنى آخر أن الدرجات الدراسية المنخفضة تحرم الطالب رفاهية الاختيار ما لم يكن لدى الأهل القدرة على تسجيله في جامعات خاصة أكثر تسامحاً مع الدرجات والمعدلات المنخفضة.
مع وضع عوامل اختيار التَّخصُّص الجامعي في الاعتبار، ومع افتراض أن هناك فرصاً وخيارات متعددة، قد يقع الطالب والأهل في حيرة من أمرهم عند اتخاذ قرار التَّخصُّص الجامعي، فبطبيعة الحال يعتبر هذا القرار مصيرياً سيتحكم بحياة الطالب بشكل كبير وسيحدد معظم خياراته اللاحقة.
ولا ندَّعي أن هناك وصفة جاهزة تجعل الطالب يقع على الخيار الأفضل، لكن هناك بعض النصائح والإرشادات التي يمكن أن تسهِّل عملية اختيار التَّخصُّص، منها:
- هل أنت الشخص المناسب لهذا التَّخصُّص؟
أهم ما يجب أن تفكر به فعلياً هو مدى توافق شخصيتك مع التَّخصُّص الجامعي الذي ستختاره، فإن كنت تفكر بدراسة الإرشاد السياحي يجب أن تفكر، هل أنت شخص يحب السفر؟ هل تحب العمل في الهواء الطلق؟ هل تستطيع احتمال الرحلات الطويلة؟ كذلك إذا كنت تفكر بدراسة الطب وهو خيار متاح لك، يجب أن تعرف ما ينتظرك في حصص التشريح العملي مثلاً، ولأي درجة أنت مستعد لتتعامل مع الدم والعمليات والمرضى.
والجدير بالذكر هنا أن البعض يمتلك قدرة على التأقلم مع تخصُّصه الجامعي حتى وإن لم يكن متوافقاً مع شخصيته في بداية الأمر، يجب أن تفكر أيضاً إن كنت أنت من هذا النوع. - ابحث عن المستقبل المهني واقرأ واقع سوق العمل
قد تكون شديد الشغف باللغة العربية، لكنك أيضاً لا ترغب أن تعمل مدرساً وتتقاضى مرتباً عادياً، لذلك عليك التفكير جدياً بمستقبل التَّخصُّص الذي تقوم بدراسته، ومدى توفر فرص العمل لهذا التَّخصُّص، ومتوسط أجر العاملين فيه، وتذكَّر أن لكل بلاد متطلّبات مختلفة في سوق العمل، فدراسة الاقتصاد في البلاد النامية غالباً ما تصل بالطالب إلى خيارات مهنية غير جيدة، فيما تعتبر من أهم التَّخصُّصات في بلاد أخرى. - راجع تصوّراتك الذهنية عن التَّخصُّصات الجامعية
عدد لا يستهان به من الطلاب يختار تخصُّصاً جامعياً يرغب به حقاً ويتمناه، لكنه مع أولى أيام الدراسة يشعر أن تصوره الذهني عن هذا التَّخصُّص مختلف تماماً عن الحقيقة، خاصَّةً فيما يتعلق بالمواد النظرية.
كما أن هناك بعض التَّخصُّصات الجامعية التي يصعب التمييز بينها دون اللجوء إلى السؤال عن تفاصيلها، فإذا كان الطالب ينظر إلى مستقبله المهني كمعالج نفسي يجب أن يدرك الفرق بين عالم النفس الذي يدرس نظريات علم النفس النظري وبين الطبيب النفسي الذي يدرس الطب ويتخصص بالأمراض العقلية، كذلك الأمر فيما يتعلق بالفرق الكبير بين دراسة اللغة ودراسة الأدب، أو بين دراسة اللغة ودراسة الترجمة، وغيرها الكثير من التَّخصُّصات التي قد تقودنا إلى غير ما نعتقد. - تعرف على الجامعات والكليات
تلعب الجامعة دوراً أساسياً في تقبُّل الطالب لتخصُّصه الجامعي سواء اختاره بناء على شغفه أو على معايير أخرى، لذلك يجب على الطالب أن يتعرف إلى الجامعة عن قرب، وأن يقوم بزيارتها والتعرُّف إلى الطلاب الأقدم، كما يمكن أن يتعرف على السيرة الذاتية للمدرسين في الكلية، وعلى أنظمتها الداخلية والخدمات الطلابية التي توفرها، كل ذلك سيلعب دوراً كبيرها في اختيار الجامعة والكلية المناسبة لدراسة التَّخصُّص المرغوب.
فضلاً عن وجود جامعات متخصِّصة أو مشهورة بتفوقها في تخصصات معينة، مثل جامعات العلوم والتكنولوجية، أو جامعات الدراسات الإسلامية. - جرب واسأل واقرأ
لتتأكد أنك تختار التَّخصُّص الجامعي الأفضل لا بد أن تقرأ أكثر عن التَّخصُّص، أن تسأل الخريجين والعاملين في الاختصاص نفسه، أن تجرِّب حضور بعض المحاضرات والدروس في الكلية وعادة ما يكون هذا متاحاً، فتكوين صورة متكاملة عن التَّخصُّص سيجعلك أكثر قدرة على اتخاذ القرار الصحيح. - وفيما يلي أهم ثلاثة أسئلة يجب أن تفكر بها قبل اتخاذ القرار:
- ما الاختصاصات الفرعية في الكلية؟ مثلاً كليات الإعلام عادة ما تحتوي على تخصصات فرعية مثل الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، والمونتاج، وغيرها من التخصصات الفرعية، وعادة ما يتم اختيار التخصص الدقيق في السنة الثانية أو الثالثة حسب النظام الداخلي للجامعة، كذلك في دراسة التجارة أو الاقتصاد توجد اختصاصات دقيقة مثل المحاسبة والمصارف وغيرها.
- كيف يستقبل سوق العمل هذا الاختصاص؟ فإذا قمت بدراسة علم النفس يجب أن تعلم تماماً كيف يستقبل سوق العمل شهادتك وما هو المسمى الوظيفي لك، فأنت في هذه الحالة لست طبيب نفسي!، كما يجب أن تدرس حاجة سوق العمل لهذا الاختصاص، ففي بعض الدول تم إغلاق كلية الصيدلة لعدة سنوات بسبب كثرة الصيادلة.
- آفاق الدراسات العليا في نفس الاختصاص، فهناك بعض الاختصاصات التي يمكن الوصول فيها إلى درجة الدكتوراه خلال ست سنوات، وفي اختصاصات أخرى يحتاج الوصول إلى هذه الدرجة 10 سنوات، من جهة أخرى هناك اختصاصات تتطلب خبرة عملية أكثر مما تتطلب دراسات عليا في سوق العمل، بينما تعتبر بعض الاختصاصات أكاديمية بشكل أساسي.
تنظر أنماط التربية الحديثة إلى إجبار الأهل أبناءهم على دراسة تخصُّص جامعي بعينه كخيار غير موفق، لكن هل يعني هذا أن على الأهل أن يتركوا الحرية الكاملة لأبنائهم في اختيار التَّخصُّص الجامعي؟ والأهم لماذا يحاول الأهل إرغام أبنائهم على دراسة جامعية محددة؟ لنحاول الإجابة عن هذين السؤالين.
لماذا يجبر الأهل أبناءهم على دراسة تخصص جامعي؟
- على رأس قائمة الاعتبارات التي يفكر بها الأهل عند اختيار التَّخصُّص الجامعي للأبناء هو الصورة الاجتماعية، حيث ينظر الأهل إلى بعض التَّخصُّصات الجامعية نظرة دونية، ما يجعلهم يرغبون دائماً بالتَّخصُّصات التي تعزز صورتهم الاجتماعية وتخلق صورة اجتماعية مثالية لأبنائهم.
- كما أن بعض البيئات المحافظة قد تنظر إلى بعض التَّخصُّصات كدراسات ممنوعة أصلاً، مثل دراسة الموسيقا أو التمثيل أو الدراسات الفلسفية.
- الأمور المالية أيضاً تؤثر كثيراً على تفكير الأهل بتخصص جامعي معين، فعادة ما يرغب الأهل أن يحصل ابنهم على فرصة عمل بدخل مرتفع ليتمكن من القيام بأعباء نفسه أولاً وليتمكن من القيام بهم أيضاً، وفي حال لم يكن الوالدان بحاجة لمساعدة ابنهم في المستقبل فهما على الأقل لا يرغبان أن يعيش ابنهما حياة الفقر.
- من الأمور التي قد تدفع الأهل لإجبار ابنهم على دراسة تخصص معين هو وجود هذا التَّخصُّص كوراثة في العائلة، مثلاً تجد عائلة من المحامين ترغب أن يتحول كل الطلاب فيها إلى محامين، وعائلة من الأطباء ترغب أن يكون كل طلابها أطباء، وهكذا.
- وفي حالات أخرى قد يهتم الأهل بمستوى التَّخصُّص الجامعي لابنهم ليكون متوافقاً مع أخوته أو مع أقاربه، فتجد الأهل يصرون على اختيار واحد من التَّخصُّصات الأربعة الكبيرة؛ الطب والصيدلة، الهندسات بأنواعها، القانون.
- هل يجب أن ينفرد الطالب باختيار التَّخصُّص الجامعي؟ كما ذكرنا فإن التربية الحديثة لا توافق على إجبار الطلاب على التَّخصُّص الجامعي، لكن هذا لا يعني أن ينفرد الطالب بخياراته بشكل كامل، بل يجب أن يستمع الطالب إلى وجهات النظر المختلفة ويتفهم رغبات الأهل بحصوله على تحصيل جامعي مميز ومستقبل مهني جيد.
ومن الأجدى دائماً أن يتفهَّم الأهل وجهة نظر ابنهم وأن يتم اتخاذ قرار التَّخصُّص الجامعي برضاه وليس رغماً عنه، ذلك أن احتمالات نجاحه في الدراسة الجامعية تنخفض كل ما كان كارهاً للتخصُّص وغير مقتنعٍ به.
بعد أن ناقشنا أبرز القضايا المتعلقة باختيار التَّخصُّص الجامعي المناسب، وتحدثنا عن أنماط اختيار التَّخصُّص ومعاييره، وعلاقة الأهل باختيار التَّخصُّص الجامعي لأبنائهم؛ نقدم لكم بعض النصائح السريعة التي قد تساعدكم في اتخاذ القرار الصحيح:
- ضع سلم للأولويات، فكر بما تريده من الدراسة الجامعية ورتِّب طموحاتك تسلسلياً، ثم اختبر الخيارات المتاحة وما يحققه كل خيار.
- نملك بعض المقالات التي قد تساعدك على اتخاذ قرارك، تعرَّف مثلاً إلى آليات اتخاذ القرارات الصحيحة من خلال هذا المقال، وتعرف أيضاً إلى مفهوم العصف الذهني وأهميته من خلال هذا المقال، وإن كنت طالباً جامعياً وتفكر بتغيير الاختصاص الجامعي يمكنك أيضاً قراءة هذا المقال.
- يجب أن تحاول دراسة شغفك والتفكير إن كنت بحاجة حقاً لدراسة هذا الشغف أكاديمياً، أم أنك ستقوم بدراسة تخصُّص مفيد في سوق العمل بالتوازي مع تنمية شغفك بطرق أخرى.
- هناك الكثير من الأمثلة لأشخاص نجحوا في تخصُّص معين وفي نفس الوقت نجحو في مهن أخرى لا علاقة لها بدراستهم، خذ مثلاً مقدم البرامج الساخرة المصري باسم يوسف وهو طبيب جراح متفوق في دراسته الجامعية، وفي نفس الوقت تمكَّن من تحقيق نجاح كبير في المجال الإعلامي.
- إذا كنت تعتقد أن درجات الثانوية العامة ستجبرك على تخصُّص جامعي يجب أن تعيد النظر بمفهوم الدراسة الأكاديمية الحديث، فهناك عشرات الدورات التدريبية والتأهيلية المعترف بها دولياً والتي يمكن أن تنوب عن الدراسة الجامعية في سوق العمل وإن لم تكن بنفس القوة والقيمة، كما أن هناك جامعات افتراضية وإلكترونية قد تكون أكثر تسامحاً مع الدرجات المنخفضة لكنها ستكون أعلى تكلفة بطبيعة الحال.
- يمكنك في أي وقت الحصول على استشارة من مجتمع حلوها وخبراء موقع حلوها عبر هذا الرابط، كما يمكنك التواصل مع خبراء موقع حلوها بسرية تامة من خلال خدمة ألو حلوها، وستجد لديهم المساعدة الفعالة في اختيار التَّخصُّص الجامعي.
- مهما كان تخصصك الجامعي ومهما كان موقفك منه، تذكر أن هذا الوقت الذي تقضيه في الدراسة الجامعية هو خسارة كبيرة إن لم تتمكن من استثماره بالشكل الصحيح، لذلك حاول أن تستفيد من دراستك الجامعية قدر الممكن عندما تكون أمراً واقعاً، وانظر ما يكون من الأمر بعد التخرج من متابعة الدراسة أو البحث عن شغفك في مجالات أخرى.