نظام الرصيد الاجتماعي في الصين
تنتشر الأنظمة الشموليّة بشكل كبير في العديد من الدول حول العالم، وعلى الرغم من اختلاف مسمياتها واختلاف سياسات الدول، لاتزال هذه الأنظمة قاسية للغاية. في حال كنت تستغرب هذا الكلام، عليك بمتابعة هذا المقال حتى نهايته، لكي تتعرّف بشكل مفصّل على أحد أسوأ تطبيقات الأنظمة الشموليّة في العالم، وهو نظام الرصيد الاجتماعي المطبّق في الصين والذي يعتمد على أكثر من 200 مليون كاميرا لمراقبة المواطنين في الشارع والعمل والمدرسة وربما المنازل أيضاً!
نظام الرصيد الاجتماعي، هو نظام طوّرته الحكومة الصينية من أجل مراقبة سمعة المواطنين ، ويهدف بشكل رئيسي إلى تغيير سمعة جميع المواطنين في الدولة بحلول عام 2020م لتصبح جيّدة في المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
يعتمد هذا النظام على المراقبة الجماعيّة للمواطنين وتحليل البيانات التي تم جمعها من قبل العديد من الآليّات وأهمها كاميرات المراقبة، حيث نشر القائمون على هذا الموضوع أكثر من 200 مليون كاميرا لهذا الهدف في جميع أنحاء الصين. بناءً على البيانات المحلّلة يتم تطبيق مبدأ المكافأة والعقاب، حيث أنّه في حال قام أحد المواطنين بأعمال جيّدة ونفّذ واجباته بأسرع وقت فإن رصيده سيزداد وبالتالي ستتم مكافأته، أمّا في حال قام بالعكس، فإن رصيده الاجتماعيّ سينخفض وبالتالي ستقوم الحكومة بمعاقبته بأشكال غريبة للغاية مثل حرمانه من الإنترنت، أو منعه من السفر.
ما أصل هذا النظام؟
في الحقيقة هذه ليست أول مرة يتم فيها استعمال هذا النظام، فالشركات الخاصّة لطالما استعملت هذا النظام –بغضّ النظر عن تسميته- من أجل تشجيع الموظفين على العمل بشكل أفضل وتقديم أفضل ما يستطيعون، حيث أنّه لطالما عملت الشركات الخاصّة على مراقبة موظفيها وتحديد من من هؤلاء الموظفين هو الأجدر بالترقية ومن منهم يستحق الفصل أو الطرد من العمل. من أجل تحديد هذه الأمور هناك العديد من المقوّمات كالدقة في المواعيد وعدم رفض المهمات وعدم الاستسلام والالتزام بالمواعيد النهائية لتسليم المهمّات...إلخ.
استغلّت الحكومة الصينية فكرة عدم وجود قانون واضح في الشركات ينص على ما سبق، بالإضافة إلى عدم وجود مسمّى حقيقي لهذا النظام، لكي تقوم باستعمال هذه الطريقة وتسميتها بـ"نظام الرصيد الاجتماعي"، ومن ثمّ تطبيقها على نطاق أوسع بكثير من نطاق الشركات.
كيف يؤثّر نظام الرصيد الاجتماعي الصيني على الحياة اليومية؟
للأسف، فإن هذا النظام يتدخّل بكل تفاصيل الحياة الشخصية الصغيرة منها والكبيرة، ويحدد للمواطنين الأمور التي يمكنهم أن يشتروها والأمور التي يجب عليهم أن يتخلّوا عنها في حال أرادوا الحصول على رصيد جيّد. على سبيل المثال، يوجد كاميرات مراقبة في كل متجر وفي حال قمت بشراء الحفاضات مثلاً من المتجر فهذا سيعطيك نقاطاً إضافيّة لأنّك والد مسؤول وتهتمّ بطفلك، أمّا في حال قمت بشراء ألعاب الفيديو فإن النظام سيعتبرك طائش وغير مسؤول وسيخفّض من رصيدك الاجتماعي!
كما لاحظنا فإن هذا النظام يحدّد لك بالتفصيل نمط الحياة الذي يجب أن تعيشه لكي تتمتع بحقوقك في الصين اليوم؛ ليس هذا فقط بل إنّه من الممكن أن يتم استغلال هذا النظام لزيادة شهرة منتج ما ولتدمير مبيعات منتج آخر منافس؛ هذا بالضرورة سيؤثّر على الاقتصاد العام للبلد وعلى الشركات التجاريّة أيضاً.
تعرف على عقوبات نظام الرصيد الاجتماعي
بعد الإعلان عن هذا النظام لأول مرّة في عام 2014م، حدث ارتباك كبير بين المواطنين بسبب عدم معرفتهم بشكل دقيق للأمور التي يجب عليهم أن يقوموا بها والأمور التي لا يستطيعون القيام بها، إلى أن وقعت بعض الحوادث بعد التطبيق المباشر لهذا البرنامج والذي أوضح بشكل عام كيف يجب على المواطنين أن يتصرّفوا، قامت الحكومة الصينية لاحقاً بشرح العقوبات المثيرة للجدل التي ستعاقب بها مواطنيها. في هذه الفقرة سنتعرف على هذه العقوبات.
- منعك من الطيران أو الركوب بالقطار
منذ بداية تطبيق هذا النظام، تم منع أكثر من 9 ملايين مواطن من جميع أنحاء البلاد من السفر بواسطة الطائرة أو القطار، وذلك بسبب الرصيد المنخفض من الدرجات الاجتماعيّة، بالإضافة إلى منع الكثير من المواطنين من السفر بالدرجة الأولى "الفاخرة" بسبب رصيدهم الاجتماعي المتوسّط.
بالإضافة إلى الرصيد المنخفض، يوجد بعض الأمور التي تتسبب بتطبيق هذه العقوبة على المواطنين، كالتدخين في المناطق غير المخصصة للمدخنين في القطار، أو التسكّع بالمطارات ومحطّات القطار، أو محاولة استقلال وسيلة النقل بدون تذكرة.
- حرمانك من الإنترنت
يعتبر دفع الضرائب بالوقت المحدد من أهم الأمور التي تزيد من رصيدك الاجتماعي، أما في حال عدم الالتزام بالمواعيد المنصوص عليها أو في حال شرائك ولعبك بألعاب الفيديو لفترات طويلة للغاية، أو إهدار الأموال على أمور تعتقد الحكومة أنها تافهة، أو نشر الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنك بالتأكيد ستعرّض نفسك للحرمان من الإنترنت أو لإبطاء سرعته بشكل كبير للغاية.
- منعك أو أطفالك من إكمال تعليمكم
لا تستغرب هذا، فالنظام يعلم ما هو الأفضل للمواطنين. في حال حصول الطفل على رصيد اجتماعي منخفض للغاية قد يتم منعه من الالتحاق بالمدرسة الثانوية أو الجامعة ومنعه من استكمال دراسته. ليس هذا فقط، بل من الممكن أن يُحرم طفل من حقّه في التعليم نتيجة رصيد والديه المنخفض من النقاط.
- منعك من الحصول على الوظائف الجيّدة
من الممكن أن يكون رصيدك الاجتماعي المنخفض عائقاً كبيراً أمام ترقيتك في الشركة أو حصولك على مكافأة ماديّة على الرغم من أدائك الجيّد في الشركة التي تعمل بها؛ وفي حال كنت تقدّم لوظيفة جديدة فإن الشركات قد تمنعك من الحصول على وظيفة جيّدة بها مهما كانت مؤهلاتك وخبراتك بسبب رصيدك الاجتماعي المنخفض للغاية. بالتأكيد السرقة والاختلاس سيكونان السبب الرئيسي في حرمانك من أي تقدّم وظيفيّ.
- منعك من الإقامة بالفنادق الفخمة
سيتعامل معك الفندق في الصين بحسب رصيدك الاجتماعي، ففي حال كنت من أصحاب الرصيد الاجتماعي المنخفض سيتم منعك من زيارة الفنادق الفخمة والإقامة بها مهما كانت قدرتك المادّيّة؛ أما في حال كنت من أصحاب الرصيد الاجتماعي الجيّد فإن الفندق سيستقبلك ويحجز لك غرفة بدون دفع أي وديعة ماليّة، بل وقد يساعدك على تنظيم أمورك في فروعه الأخرى حول العالم.
- حرمانك من حيوانك الأليف
من أصعب وأقسى العقوبات الاجتماعيّة! في حال خالفت القواعد الخاصّة بمربّي الكلاب وفقدت النقاط التي تمتلكها، ستقوم الحكومة الصينية بمصادرة كلبك منك ومنعك من اقتنائه! ومن الغريب أن تمشية كلبك بدون مقود سيتسبب لك في خسارة نقاط مهمّة!
- التشهير والذمّ بشكل علني
أحد التكتيكات المتاحة التي يتم استعمالها، القيام بفضحك وتعميم اسمك وإذاعته بصفتك مواطن سيء، بالإضافة إلى إخبار الجميع بأنك على اللائحة السوداء. وعلى الرغم من عدم التأكد من تأثير وجودك في حياة أصدقائك على رصيدهم الاجتماعي إلا أن هذا الإعلان قد يمنعهم من الاختلاط بك بشكل علني أو طبيعي.
هل يمكن أن يكون هذا النظام جيّداً؟
يوجد العديد من الآراء المختلفة حول هذا النظام الاجتماعي، حيث أنّه وعلى الرغم من اعتقاد القسم الأكبر من العامّة بأنه قاسٍ وغير منصف، يوجد العديد من الأشخاص الذين يعتقدون أنه مهم وضروري للغاية للصين ومواطنيها.
يسمي بعض المواطنين الموالين للحكومة هذا النظام بأنّه "نظام الثقة الاجتماعية"، حيث يهدف إلى الحدّ من الفساد ومعالجة التقصير في الأداء الرسمي وتحسين الكفاءة في تنفيذ قرارات المحاكم وكذلك معاقبة كل من يقوم بالسلوكيات السيئة من محامين وأطباء ومدرسين وغيرهم.
للأسف غالباً ما تعتمد النظرة العامّة والأخبار العديدة حول هذا النظام على رؤية الغرب له وقصصه المبالغ بها حول الحكومات وأنظمتها بهدف الإساءة إلى بعض الدول في العالم بشكل عام؛ ومن الجدير بالذكر أن أحد أهم الأخبار حول سياسة البلاد الجديدة لا يزال قيد الكتمان لأنه يبرز الصورة الإيجابيّة للفكرة المطبّقة؛ هذا الخبر هو أنّه يوجد أكثر من 20 برنامج لاختبار نتائج وتبعيّات هذا النظام الاجتماعي في البلاد لكي تبتّ الحكومة في نهاية المطاف، ما إذا كان هذا النظام قابل للاستعمال بشكل مستمرّ أم يجب التوقف عن استخدامه بأسرع وقت ممكن.
في النهاية، يعتبر نظام الرصيد الاجتماعي اليوم أمراً لا مفرّ منه في الصين، وعلى الرغم من كثرة الكلام والنقاشات حوله، فإننا لا يمكننا أن ننكر أن هذه الفكرة تمتلك العديد من الميزات والحسنات ولكنّها بنفس الوقت تملتك العديد من السلبيّات. أخيراً، نتمنّى أن تكون هذه السياسة الجديدة تصبّ في مصلحة المواطنين.