مفهوم القتل الرحيم وأنواع الموت الرحيم

ما هو الموت الرحيم أو القتل الرحيم؟ نشأة وتاريخ الموت الرحيم والدول التي تسمح بموت الشفقة، قوانين الموت الرحيم والدوافع الأخلاقية للقتل الرحيم، إضافة إلى رأي الشرع الإسلامي في القتل الرحيم وحجج ضد الموت الرحيم
مفهوم القتل الرحيم وأنواع الموت الرحيم
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

تشير الإحصاءات إلى أن الولايات التي تسمح بالموت الرحيم في أمريكا تشهد بين 0.5 و4.5% من حالات الموت الرحيم من مجمل الوفيات، لكن في أكثر من نصف حالات الموت الرحيم لم يكن الألم هو الدافع الرئيسي لإنهاء الحياة، بل الشعور باليأس وفقدان الكرامة وفقدان القدرة على الاستمتاع بأنشطة الحياة.
في هذا المقال؛ نتعرَّف أكثر إلى مفهوم ونشأة الموت الرحيم وتاريخه، الدول التي تسمح بالموت الرحيم، ونتحدث عن دوافع ومبررات القتل الرحيم وأنواعه، إضافة إلى حكم الموت الرحيم في الإسلام والآراء والحجج المناهضة للقتل الرحيم.
 

الموت الرحيم أو القتل الرحيم Euthanasia ويعرف أيضاً باسم الانتحار بمساعدة طبية physician-assisted suicide، هو باختصار شديد عملية إنهاء حياة الشخص من قبل الطبيب أو من يقدم الرعاية الطبية، وعادة ما يقترن الموت الرحيم بحالة ميؤوس منها غالباً ما تكون مرض مستعصي يسبب الكثير من الألم وتكون نهايته الوفاة على أي حال، وفي حالات أندر يتم تنفيذ القتل الرحيم مع أشخاص يعانون من إعاقات جسدية أو عقلية غير قابلة للعلاج ويعتقدون أنهم غير قادرين على التأقلم معها.
 

animate

على الرغم من إعادة طرح قضية الموت الرحيم في العصر الحديث كقضية أخلاقية شائكة إلا أنَّ نشأة الموت الرحيم تعود إلى فترات أقدم بكثير، حيث شهدت حضارات الشرق القديم حالات من القتل الرحيم للمصابين بالأمراض المستعصية، كما عرفت اسبرطة اليونانية القتل في المهد للأطفال الذين يعانون من إعاقات جسدية واضحة بهدف تخفيف العبء عن المجتمع.
ويعود الجدل العميق حول القتل الرحيم إلى عصر أفلاطون الذي كان يؤيد إنهاء حياة المرضى بأمراض عقلية أو جسدية مستعصية، فيما عارض الفيثاغورثيون ذلك، وكانت ممارسة إعطاء السم للمريض من قبل الأطباء شائعة في تلك الفترة، لكن قسم أبقراط أبو الطب تضمن الامتناع عن هذه الممارسة.

الموت الرحيم في العصر الحديث
مرَّ القتل الرحيم بفترات مختلفة من السماح بممارسته أو التسامح معه أو غض البصر عنه أو منعه نهائياً، وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر سجل عدد كبير من الفلاسفة المشاهير تأييدهم أو رفضهم للموت الرحيم.
ومع بداية القرن التاسع عشر بدأت محاولات تقنين القتل الرحيم في سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية، لكن النقطة الفارقة في تاريخ القتل الرحيم كانت في ألمانيا، حيث أعجب الزعيم النازي أدولف هتلر بفكرة الموت الرحيم كحل جيد لتصفية العرق الآري من الشوائب، وكان ذلك يتم من خلال تعقيم المصابين بالأمراض العقلية والتشوهات الولادية لمنعهم من الإنجاب وقتل المواليد الذين يبدو عليهم التخلف العقلي، وقتل من يعتقد الأطباء أنه ميؤوس من إعادة تأهيله.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهرت الكثير من الدعوات لتقنين الموت الرحيم في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وعلى الرغم من وضع قوانين تسمح بالموت الرحيم في أكثر من دولة أبرزها هولندا وبلجيكا فإن الجدل الأخلاقي والقانوني والديني ما زال قائماً حول فكرة إنهاء الحياة بكرامة أو القتل الرحيم.
 

يمكن تصنيف الموت الرحيم من حيث إرادة المريض في ثلاثة أنواع رئيسية هي:
1- القتل الرحيم الطوعي أو الإرادي Voluntary Euthanasia:
وهو عندما يكون المريض قادراً على اتخاذ القرار ويشرف بنفسه على طلب إنهاء حياته، وهذا النوع هو أكثر أنواع القتل الرحيم الذي يدافع عنه مؤيدو الموت الرحيم.

2- القتل الرحيم غير الطوعي Non-voluntary Euthanasia: حيث يكون المريض غير قادر على إعطاء رأيه الصريح بخصوص إنهاء حياته لسبب من الأسباب، كما يحدث في الموت الرحيم للأطفال أو في حالات الغيبوبة أو الخرف.

3- القتل الرحيم بالإكراه Involuntary Euthanasia: وهذه الحالة هي الأكثر انتقاداً، حيث يكون الشخص قادراً على اتخاذ القرار ولا يرغب في إنهاء حياته لكن أحدهم قرر إنهاء حياته من باب إيقاف الألم وإنهاء العذاب، وذلك أن القاتل يعتقد أن حياة الشخص ستنتهي بطريقة مأسوية.
هذا ما فعله مثلاً وزير الدعاية الألماني في الحرب العالمية الثانية جوزيف جوبلز عندما قرر إنهاء حياة أطفاله الستة بعد تنويمهم ووضع كبسولة من السم في أفواههم ثم قتل زوجته وقتل نفسه.

أما من حيث طريقة القتل الرحيم فهناك نوعان:
1- القتل الرحيم النشط Active euthanasia:
وهو عندما يقوم مقدم الرعاية الصحية أو أحد أهل المريض يحقن المريض بأدوية تسرع إنهاء حياته مثل جرعات زائدة من المسكنات والمهدئات أو مواد سامة.

2- القتل الرحيم السلبي Passive euthanasia: أما القتل الرحيم السلبي فهو عندما يطلب المريض أو أحد أهله إيقاف الرعاية الطبية التي من شأنها أن تطيل فترة بقائه على قيد الحياة، مثل أجهزة التنفس أو الأدوية الفعالة.
 

على الرغم أن معظم الحجج التي تواجه القتل الرحيم هي حجج أخلاقية ودينية نتطرق إليها لاحقاً؛ إلا أن مناصري الموت الرحيم لديهم أيضاً مجموعة من المبررات الأخلاقية لممارسة القتل الرحيم، كما أنّهم يعتقدون بوجود بعض الشروط التي تجعل من الموت الرحيم جزءاً من الرعاية الطبية التي يقدمها الطبيب للمريض وتحميه من تهمة القتل، ويعتقد الأطباء المناصرون لهذه النظرية أن الطب الحديث يتمكَّن بشكل من مستمر من إيجاد حلول لإطالة حياة المرضى لكن بغض النظر عن نوع هذه الحياة.
أما عن المعايير الأخلاقية التي يقدمها مؤيدو الموت الرحيم فهي بشكل أساسي احترام رغبة المريض بإيقاف العذاب الناتج عن الألم والعلاج، وأما عن شروط الموت الرحيم فغالباً ما يشترط مقدمو الرعاية الطبية موافقة المريض وإرادته الكاملة بإنهاء حياته، ويلجؤون إلى الفحوص الطبية التي تؤكد أن المريض لن ينجو وأن عذابه سينتهي بالموت المحتم.

ويمكن تلخيص أبرز المفاهيم التي يطرحها مؤيدو الموت الرحيم في النقاط التالية:
- يعتبر الموت الرحيم في المقام الأول وسيلة لإنهاء عذاب المريض بإرادته في الحالات الميؤوس منها، فإذا كان المريض سيتلقى علاجاً لإطالة حياته لكن حياته ستكون عبارة عن ألم لا يحتمل، فقد يرغب في إنهاء حياته ويجب أن نحترم هذه الرغبة.
- يساعد الموت الرحيم الأهل على تقبُّل موت المريض وتوديعه وهم يعرفون أنه ذاهب إلى الموت في موعد معلوم.
- من شأن الموت الرحيم أن يزيح الكثير من الأعباء الاقتصادية عن كاهل الأهل في الحالات المستعصية، وكذلك عن كاهل المجتمع والدولة.
 

- في الكثير من الدول يحقُّ للمريض أن يمتنع عن أخذ العلاج ما يعتبر موتاً رحيماً سلبياً، والجدل الأكبر حول الموت الرحيم النشط أو حقنة الموت الرحيم.
- في البلدان التي وضعت قوانين تنظِّم الموت الرحيم تم تعديل قسم أبقراط الذي يتضمن عدم إعطاء دواء يقتل المريض حتى وإن طلب ذلك وعدم التوصية بأي إجراء من شأنه إنهاء حياة المريض، وكانت ألمانيا النازية من السباقين إلى إعادة صياغة القسم الذي يؤديه الأطباء.
- الموت الرحيم في سويسرا أصبح قانونياً عام 1937. 
- عام 1938 تم تأسيس جمعية القتل الرحيم في أمريكا للضغط نحو تقنين الموت الرحيم، وبدأت بعض الولايات تقر قوانين الموت الرحيم منذ السبعينات أولها ولاية أوريغون، وتم وضع قانون ينظم عملية الموت الرحيم في ولاية واشنطن ومونتانا عام 2009.
- ألغت كل من هولندا وبلجيكا القوانين التي تجرِّم الموت الرحيم عام 2002.
- من الدول التي تسمح بالموت الرحيم أيضاً لوكسمبورغ 2009، كولومبيا 1997، كندا بين 2014 و2016، إضافة إلى بعض الدول التي شرَّعت الموت الرحيم السلبي فقط مثل المكسيك، بمعنى أنه يحق للمريض طلب إيقاف الرعاية الطبية والعلاجية والحصول على رعاية لتسكين الألم ريثما يموت.
 

وهناك مجموعة من البنود التي تعتبر أساسية في معظم الدول التي وضعت قوانين تنظيم الموت الرحيم، منها:
- أن يكون المريض بالغاً راشداً قادراً على اتخاذ القرار السليم بإنهاء حياته، وفي حالات نادرة تم إنهاء حياة أطفال يعانون من أمراض مستعصية بطريقة القتل الرحيم.
- أن يكون المريض مصمِّماً على طلبه إنهاء حياته من خلال انتظار خمسة عشر يوماً بين طلبين شفهيين وانتظار يومين بعد طلب كتابي لإنهاء الحياة.
- أن يتم إبلاغ الجهات المعنية بحالات الموت الرحيم، وفي بعض البلدان يحتاج الموت الرحم للحصول على أذن قضائي قبل التنفيذ.
- يعاقب من يثبت أنه استغل الموت الرحيم لأهداف أنانية وشخصية مادية أو معنوية أو كستار للقتل.
 

على وجه العموم يعتبر القتل الرحيم مرفوضاً من وجهة نظر دينية في المقام الأول، وعلى الرغم من نقاش بعض رجال الدين للقضية إلى أن الاتجاه العام في اليهودية والمسيحية هو تجريم القتل الرحيم باعتباره تدخلاً بالإرادة الإلهية، ويصنف كحالة انتحار في حال موافقة المريض وكحالة قتل في حال كان المريض غير واعٍ.

رأي الشرع الإسلامي بالموت الرحيم
من وجهة نظر الإسلام فإن إجماع الآراء هو عدم جواز القتل الرحيم بأي شكل من الأشكال، ويعتبر كل من طلب القتل الرحيم وساعد في إنهاء حياة المريض بأي طريقة آثماً ومخالفاً لشرع الله تعالى.
وذلك أن الموت إرادة إلهية لا يجوز لأحد أن يتدخل بها، ولا يقدر أحدٌ على تأجيل الموت أو تعجيله إلا بإرادة من الله، وكذلك هي الحياة، فالله وحده من يعرف إن كان المريض يشفى أم لا، مهما كان مرضه أو حاله فهو بين يدي ربه لا يمكن التنبؤ بشفائه من عدمه بشكل قاطع، وإقدامه على قتل نفسه بمقام الانتحار، ومن ساعده على إنهاء حياته فهو قاتل عمد.
ولا يجوز للإنسان وفق الشريعة الإسلامية أن يؤذي نفسه عمداً ولا أن يبتر عضواً من أعضائه ما لم يكن هناك سبب شرعي يبيح ذلك، وكل الإجراءات الطبية من وجهة نظر الإسلام يجب أن تفضي إلى الحفاظ على الصحة والحياة، لأن الطب في الإسلام مسخَّر لجلب المصالح ودرء المفاسد.
ولا يوجد خلاف بين أهل الفتوى في الإسلام حول حرمة القتل الرحيم أو قتل الشفقة، ومما نقل عن النبي ﷺ أن رجلاً من المجاهدين جرح جرحاً بليغاً فعمد إلى قتل نفسه بسيفه، فقال ﷺ هو في النار.

حجج أخلاقية ضد الموت الرحيم
وإذا أردنا أن ننظر في الآراء الأخلاقية المعارضة للموت الرحيم بعيداً عن الحكم الشرعي، يمكن أن نلخصها كما يلي:
- لا يمكن التنبؤ فعلياً بقدرة المريض على التعافي لوجود الكثير من الاعتبارات التي قد تجعله يعود إلى حياة مقبولة وإن لم تكن طبيعية بالمطلق.
- قد يستخدم البعض القتل الرحيم بهدف الحصول على الميراث أو لدوافع انتقامية أو للتخلص من عبء المريض.
- إن معظم المرضى الذين يطلبون الموت الرحيم يعانون من الاكتئاب الحاد نتيجة مرضهم، وقد يكون تقديم الرعاية النفسية لهم خياراً أفضل من قتلهم.
- قد يتم استخدام الموت الرحيم في التصفية بحق المتأخرين عقلياً كما حصل في برنامج الموت الرحيم في ألمانيا النازية.

أخيراً... على الرغم أن تشريع الموت الرحيم في بعض الدول أدى إلى ارتفاع نسبة الوفاة تحت الطلب، إلَّا أنَّ حالات الموت الرحيم ما تزال نادرة، وليست دائماً نتيجة مرض عضال، ففي إحدى الحالات المشهورة أقدم شقيقان توأم مصابان بالصمم في بلجيكا على طلب الموت الرحيم بعد أن فقدا حاسة البصر أيضاً، وبررا ذلك أنهما لن يستطيعا الاستمرار في الحياة وهما غير قادرين على التواصل مع بعضهما إلَّا عن طريق اللمس، وتمت الموافقة على طلبهما وقتلهما بدافع الشفقة!.