ما هو الإيحاء الذاتي وكيف يمكن الاستفادة منه؟
الإيحاء الذاتي ليس سراً من الأسرار بل هو وسيلة أكتشفت بواسطة علم النفس وهو جزء هام من قوانا العقلية والنفسية المؤثرة في حياتنا وسلوكنا وتصرفاتنا، ومن منا لم يستخدم الإيحاء الذاتي يوماً من الأيام، فجميعنا يستخدم في يومه العديد من الطرق للإيحاء الذاتي ويسخِّر قوى العقل الباطن لكي تتقبل الإيحاء وتعكسه على النفس والجسد.
في هذا المقال نتعرَّف وإياكم عن قرب إلى مفهوم الإيحاء الذاتي وتأثير الإيحاء، وكيف يمكن للاقتراحات التي تصل إلى عقلنا الباطن أن تؤثر بشكل كبير على حياتنا سواء بشكل سلبي أو إيجابي، كما نحاول أن نقدم لكم خطوات الإيحاء الذاتي وطريقة تجربته، والكثير من المعلومات والنصائح حول التنويم الإيحائي الذاتي.
نحن نقوم بعملية الإيحاء الذاتي لتعزيز شعور أو سلوك مرغوب فيه عن طريق ترديد اقتراحات وتصورات ذهنية لتنمية هذا السلوك أو الشعور وكذلك للتخلص من عادة أو سلوك غير مرغوب فيه ولا نريد استمرارنا عليه، وهناك عدة خطوات للاقتراح الذاتي منها البسيط ومنها المركب.
هل تذكر يوماً صحوت من نومك مكرهاً ومضطراً قبل أن تحصل على ما يكفي من النوم، فوجدت نفسك تردد كلمات مثل: أنا يقظ ونشيط، وبمجرد أن أقوم بشرب قهوتي سأتيقظ أكثر... وبالفعل بعد قيامك بذلك تجد نفسك قد تيقظت وزاد نشاط!.
أو لعلك في وقت آخر ألقيت باقتراحات لعقلك الباطن بعد يوم مرهق وشاق، وقلت لنفسك: حينما أصل إلى المنزل سأخلد إلى نوم عميق وهادئ، وبمجرد أن يلامس جسدي السرير سأسبح فى نوم عميق ولن أستيقظ قبل عشر ساعات على الأقل، وبالفعل حينما تصل إلى سريرك عقلك ينفذ ما قدمت له من اقتراحات فتجد أنه قد مرعشر ساعات كاملة من النوم.
جميعنا مرَّ بتجربة مشابهة على مدى عمره، فنحن في كل يوم نقوم بالإيحاء لعقلنا باقتراحات مباشرة أو غير مباشرة ويلبي العقل هذه الاقتراحات بمنتهى الدقة.
ولكن هل تسير تلك الاقتراحات دائما فى صالحنا وتعمل على سعادتنا؟ أم من الممكن أن تعمل ضدنا وتعرقل مسيرتنا في الحياة؟، ولكي نجيب على هذا السؤال دعنا نسترجع بعض الأمثلة والتجارب التي قد نكون مررنا بها أو بما يتشابه معها...
في يوم من أيام الشتاء الباردة وأنت تخرج من باب منزلك وإذا بالهواء والمطر يلامس وجهك وتستنشقه فتنتابك نوبة من العطس، فتردد داخلك: آه حتماً سأصاب بالإنفلونزا اليوم وتردد مع هذا الاقتراح بعض من الاقتراحات المعزِّزة وتتفاعل بمشاعر ك معها!! (حتماً سأصاب بالإنفلونزا، وأنا عندما تصيبني لن أبرأ منها قبل أسبوع من اليوم)، ومن الممكن أن تتخيل ذاتك وأنت مريض وتتذكر مرات سابقة أصبت فيها بالإنفلونزا ومكثت بالفراش أكثر من خمسة أيام!.
هل هذا كل ما يحدث؟ أم من الممكن أيضاً أن تعزِّز تلك الصورة وتردد اقتراحاً آخر بأنك مهما أخذت من أدوية فلن تٌجدي معك نفعاً، وهذا لتثبيت التصور الأول أنك لن تبرأ قبل أسبوع.
ماذا إن اتصل بك صديق ليطمئن عليك ويقدم لك اقتراحاً آخر بأن يقول لك أنه إعتاد على أن يشرب فنجان من البابونج الساخن قبل النوم مباشرة ليزول أثر الإنفلونزا عن جسده ويصحو في أفضل حال وينصحك بفعل ذلك وسوف تتحسن حالتك في الصباح!.
في الحالة الأولى والثانية كل ما حدث كما لاحظنا هو إيحاء ذاتي للعقل الباطن ليسلك مسلكاً محدداً وفق ما قدمت له من اقتراحات بكيفية التعامل مع المرض، فإما أن يقوم بتنشيط المناعة لتقليل الأعراض وإما أن يصيبها الكسل فتتمكن منك الأعراض المصاحبة للأنفلونزا لمدة أسبوع تنفيذاً لفكرتك والاقتراح الذى قدمته أنت لنفسك.
إذن بإمكاننا تعلم الطرق الصحيحة للإيحاء الذاتي لبرمجة عقلنا الباطن ليعمل وفق إرادتنا عن طريق تغذيته بأفكار واقتراحات وتصورات مفيدة لنا، وأيضاً لمعالجة ما يعرقل تنمية ذاتنا ويعيق مسيرتنا.
لعل أوضح وأبسط الطرق هي التي قال عنها إميل كوي، وهي استغلال الأوقات التي يكون فيها العقل هادئاً ومسترخياً وذلك قبيل النوم مباشرة أو عندما نصحوا مباشرة، وفى هذه الأوقات يكون العقل الواعي مسترخياً في حين يتمدد العقل الباطن متقبلاً للأفكار والاقتراحات.
وقد صاغ كووي صيغة عامة للإيحاء يمكنك إتباعها: "في كل يوم وفي كل مكان أنا أتقدم من الأفضل إلى الأفضل".
وتعد هذه الصيغة بسيطة جداً وكذلك الطريقة التي نصح لترديدها، وهي أن تردد الجملة بدون أي مجهود عقلي أو إجبار على التقبل وكأنك تردد ترنيمة ملحَّنة.
كما يمكنك إضافة بعض التعزيز لها وفقا لإيمانك بأن تقول: "في كل يوم وفي كل مكان، وبفضل الله أتقدم من أفضل إلى الأفضل)، وتعد هذه الصيغة صيغة عامة وشاملة لأي نشاط أو سلوك أو للتعافي من الآلام، أما عن الطرق المتخصصة والمستهدفة لسلوك محدد فلها عدة خطوات وأولها تحديد السلوك المراد الوصول إليه وصياغته.
أولاً: كي يتقبل العقل الباطن الاقتراحات فلابد من الإسترخاء وتهدئة العقل كي نتخطى العنصر الناقد، فيمكنك الدخول لغرفة بحيث تضمن عدم مقاطعة أحد لك والجلوس في وضعية مريحة ويمكنك الاستماع إلى موسيقى هادئة وتهدئة جسدك وعقلك وعضلاتك وكأنك تستعد للنوم، راجع هذا المقال لتتعرف أكثر إلى التنويم الإيحائي وتجاوز العقل الناقد.
ثانياً: ترديد الاقتراح الذى حددته مسبقاً ولكن على طريقة ايميل كووي أيضاً بإضافة كلمة (يوم بعد يوم)، ولنأخذ مثالا ونتعرف لماذا نضيف هذه الجملة:
إذا كنت تريد زيادة الثقة في النفس فلا يصح أن تقول بطريقة مباشرة (أنا واثق من نفسي)، ففي تلك اللحظة سيتدخل العنصر الناقد في العقل، ولكن عندما تردد (يوم بعد يوم تزداد ثقتي بنفسي) فهنا يتقبلها العقل على أنها شيء موجود ويزداد يوماً بعد يوم وكأنها بذرة تنبت وتنمو يوماً بعد يوم فتصبح نبتة، ويوم بعد يوم تزهر، فلا يتقبَّل العقل تصوّر أن بذرة اليوم سوف تزهر مباشرة بدون المرور بمراحل النمو ، وبهذا يترسخ الاقتراح في العقل الباطن.
ثالثاً: إضفاء كثافة حسية أثناء قولك للاقتراح بأن تتفاعل بشعور يتفق مع الاقتراح بصوت منخفض، لكنك تسمعه ليكتمل التأثير، فإن كنت قد جددت الثقة وقتها سوف تستشعر الثقة في قوة صوتك والحيوية وأنت تقول الاقتراح، وقم بتكرار الاقتراح بنفس نبرة الحماس والثقة والحيوية.
رابعاً التصورات: وهي تتطلب الإجابة عن ثلاثة أسئلة: أين وكيف ومتى؟ أين تريد أن تمارس السلوك، أو أين تحديداً تحب أن تشعر بهذه المشاعر؟، كيف تعلم أنك بدأت تشعر بها؟ وتحديد الكيفية.. في أي موقف تشعر أنك تمارس هذا السلوك أو تلك المشاعر؟.
وأثناء عملية التنويم الذاتي تبدأ بتصوّر نفسك في الموقف والمكان المحدد الذي تريد أن تشعر فيه بالثقة وترى نفسك وأنت تتحدث بحيوية وثقة تامة وتنعكس الثقة على لغة جسد واسترسالك بالحديث، وإن أردت الاستزادة فعليك تصور انطباعات الناس عنك والمحيطين عندما يحدث التغيير المناسب الذي تريد إحداثه عن طريق الإيحاء الذاتي.
خامساً: التعزيز؛ يمكنك تعزيز اقتراحك في مرحلة أخرى من الإيحاء الذاتي بأن تسترجع تجاربك السابقة التي شعرت فيها بنجاحات وإنجازات سابقة وتستخدمها كي تذكِّر نفسك بأنك كما نجحت في تحقيق أمر سابق فإنك تستطيع تحقيق هذا الأمر الجديد.
وبذلك تنهي عملية الإيحاء الذاتي وتخرج بهدوء من حالة الاسترخاء.
وإليك وسيلة يمكنك إضافتها كي تتمتع بأكبر قدر من الإستفادة
وهي ملاحظة كل تغيير في اتجاه الهدف الذى قمت بزرعه في عقلك اللاواعي وكتابته وتسجيله، فكما قلت لعقلك أنه يوماً بعد يوم سيحدث كذا.. فبهذه الوسيلة أنت تثبت له أن الأمر يحدث بنجاح وتسجله في الذاكرة لكي يعينك عقلك على تحقيق المزيد من النجاحات في نفس الهدف، فالعقل الباطن يمدنا دوماً بالطرق الصحيحة والوسائل الإيجابية كي يحقق ما تركز عليه وتفكر به وتوحي به لنفسك.
وأخيراً تذكَّر أن عقلك إن لم تستطع برمجته بما تريد أصبح صيداً سهلاً ليتبرمج بما لا تريد سواء عن طريقك أو عن طريق الغير!، ودعني أسألك: هل قابلت أحدهم يوماً فسألك: ماذا بك؟، أرى اصفرار وجهك!، هل تعانى من شيء ما أم أنك مرهق اليوم؟.
وبالفعل بعدها بدأت تشعر بإنهاك وتعب، وصرت ترى الشحوب على وجهك، في حين أنك قبل أن تقابله كنت تشعر أنك في أفضل حال؟!.
للأسف كثيراً ما يحدث هذا ونحن لا نشعر أو لعلنا لم نكن نعلم عن الاقتراحات الايحائية، لكن الآن يمكنك إيقاظ عقلك وأن تقوم بعكس الاقتراحات التي قيلت لك، وترددها بهدوء كي لا تستسلم لشعور سلبي أو إيحاء من قبل الغير، وحينما نمارس الإيحاء الذاتي أكثر وأكثر سيصبح تواصلنا مع العقل الباطن يوماً بعد يوم أسهل وأيسر، وتصبح أنت المسيطر على عقلك وأحاسيسك وتتمتع بحياة إيجابية دوماً.