كيف يكون الفشل طريقاً للنجاح؟
تبدأ المشكلة عادةً من وضع معاييرنا الخاصة للفشل والنجاح، والخبر السيء أن هذه المعايير كثيراً ما تتأثر بالآخرين ونظرتهم إلينا وبالكاد تكون مرضية لنا بقدر ما هي مرضية لهم!، أما الخبر الجيد أن هذه المعايير مرنة إلى حد بعيد، وقد تكون إعادة النظر بأفكارنا ومعتقداتنا حول النجاح والفشل الخطوة الأهم بتحويل التجارب الفاشلة إلى خطوة في طريق النجاح.
سنحاول معاً أن نقترب أكثر من فهم الفشل والنجاح، وأن نلخص أهم الدروس التي نتعلمها من الفشل، كما نتحدث عن أسباب الإخفاق والفشل، وأفضل الآليات التي تساعدنا على تجاوز الفشل.
هل سبق لك أن توقفت فجأة مع نفسك وشعرت أنك أخفقت بكل شيء؟ هل تعتقد حقاً أنك كنت فاشلاً؟ هل تعتقد أنك تعرف تماماً ما هو الفشل؟.
عادة ما يتم تعريف الفشل أنه عدم القدرة على تحقيق أهداف معينة أو أن تسير الأمور بطريقة غير التي نقوم بتخطيطها، لكن هذا التعريف لا يعدو كونه تعريفاً اصطلاحياً سيفقد الكثير من قيمته إذا أعدنا النظر بمعنى الفشل الحقيقي.
كما ذكرنا في المقدمة؛ فإن معايير الفشل والنجاح معايير نسبية كلٌّ منَّا يطوِّرها على طريقته، وعادة ما نستمد هذه المعايير من محيطنا ونضفي عليها نظرتنا الخاصة، ولأن طبيعتنا البشرية تتسم بالديناميكية فإن الفشل والنجاح بدوره لا يختلف فقط من شخص إلى آخر، بل يختلف عند الشخص ذاته من وقت إلى آخر.
كلٌّ منَّا قادر على وضع تعريفه الخاص للفشل والنجاح، لكن الثابت دائماً أن الفشل الكبير والإخفاق الحقيقي لا يمكن أن يتحقَّق إلّا عندما نتوقف عن المحاولة.
الآن؛ نطلب منك أن تكتب تعريفك الخاص للفشل ورؤيتك الخاصة للنجاح، هل تعتقد أن الفشل هو عدم القدرة على أخذ مركز اجتماعي مرموق؟ هل تعتبر رفضك في مقابلة التوظيف نوعاً من أنواع الفشل؟ ثم هل تنظر إلى محبة الآخرين كجزء من النجاح؟ أم أن قدرتك على إخضاعهم وإرهابهم هو النجاح من وجهة نظرك؟ أنت الوحيد المسؤول عن وضع قيّمك الخاصة عن الفشل والنجاح، وفي اللحظة التي تستطيع أن تضع هذه القيام بأقل تأثير ممكن من الآخرين ستستطيع أن تستفيد من دروس الفشل وستحقق أكبر قدر ممكن من المتعة بالنجاح والإنجاز.
إذا كنت قد تمكَّنت من تحديد مفهومك عن الفشل والنجاح فلا تنسى أن تكتب ذلك لأنه سيكون وثيقة مهمة تحتاج للرجوع إليها بين فترة وأخرى، أمَّا الخطوة الثانية فهي أن تتعرَّف إلى أسباب الفشل، وفي كل مرَّة يهاجمك الشعور بالإخفاق فكر لماذا، فكر بشكل منطقي واستخدم الورقة والقلم لتحدد الأسباب التي أعاقتك عن تحقيق أهدافك، هذا جزء مهم من تخطيط المحاولة القادمة، وتذكَّر أن الفشل المحقَّق هو أن تتوقف عن المحاولة.
وإليك أبرز خمسة أسباب للإخفاق في أمر ما:
1- المعرفة: هل تعرف المبلغ الكبير الذي تدفعه الشركات التجارية والفعاليات الاقتصادية للحصول على المعرفة؟، بيانات العملاء ومعلوماتهم واهتماماتهم، الإحصاءات والاستبيانات، دورات التأهيل والتدريب، هذه المعرف باهظة الثمن، لكنها دائماً شرط لازم من شروط النجاح المستمر.
عندما تشعر أنّك أخفقت في أمر ما أعد البحث عن المعلومات الناقصة، فكِّر بالأشياء التي كان يجب أن تعرفها ولم تعرفها، ابذل مزيداً من الجهد في سبيل المعرفة، فالمعلومات الناقصة سبب رئيسي للإخفاق، والبيانات الكافية والكاملة وحسن تدبير هذه البيانات والمعلومات جزء أساسي من التخطيط الناجح.
2- التراجع والاستسلام: الكاتب الراحل جابرييل غارسيا ماركيز الحاصل على جائزة نوبل عن رائعته مائة عام من العزلة يروي في مذكراته قصته مع الإصرار والتحدي، حيث كان ماركيز مفلساً تماماً، يعيش فعلياً على معونات بسيطة من أصدقائه الذين يجلبون ما تيسر من الطعام والشراب ليجلسوا ويسمعوا آخر ما كتبه، وكانت زوجته تحصل على الطعام بالدَّين.
وعندما أنهى ماركيز رواية مائة عام من العزلة لم يكن يملك تكلفة إرسالها في البريد إلى دار النشر، وبتدابير استثنائية استطاع أن يؤمن هو وزجته نصف التكلفة (الإرسال بالبريد والتكلفة على الوزن)، فأرسل نصف الرواية علَّهم يعطونه دفعة على الحساب فيرسل النصف الآخر، لكن المضحك في الأمر عندما اكتشف أنه قام بإرسال النصف الأخير من الرواية، فقامت زوجته ببيع أثاث منزلهما لإرسال النصف الأول، وما هي إلى أسابيع قليلة حتى أصبح ماركيز الفقير واحداً من أكثر كتاب العالم شهرة.
ماذا لو يأس ماركيز؟ ماذا لو شعر أن القدر يتآمر عليه والحظ يخونه؟ كان سيخسر ملايين الدولارات التي جناها لاحقاً من أعماله الأدبية، وكانت المكتبة العالمية ستخسر واحداً من أمهر أدباء العصر الحديث وأكثرهم تأثيراً في الحياة الروائية.
3- هل أنت كسول؟: هل تفكر الآن أنك تعمل لساعات طويلة وتركض وراء لقمة العيش ومع ذلك تشعر أنك مخفق في تحقيق أهدافك؟ مع أنَّك نشيط لكنك مخفق!، على الرغم من أهمية النشاط البدني والعمل الجاد إلَّا أن الكسل الأخطر هو كسل التفكير، وكسل القرار، وكسل الدخول بالتجربة.
فكِّر ثانيةً، هل تبذل ما يكفي من التفكير في أهدافك والتخطيط لمستقبلك؟ هل تبذل ما يكفي من الجهد لتعرف أسباب إخفاقك وعوامل نجاحك؟.
4- فخ منطقة الراحة: في كتابه الأب الغني والأب الفقير يناقش روبرت كيوساكي واحداً من أبرز أسباب الإخفاق، إنه الوقوع في فخ منطقة الراحة، الدخول في دوامة الخوف من التغيير وتفضيل ما هو موجود على ما قد يكون موجوداً، إنه تعلُّقك بالعصفور الذي في يدك حتى وإن كان ميتاً!، اقرأ أكثر عن منطقة الراحة من خلال هذا المقال.
5- الحظ: هل تؤمن بالحظ؟ جميعنا نؤمن بالحظ حتَّى وإن أطلقنا عليه تسميات أخرى، لكن الناجحين فقط من يعرفون معادلة الحظ الجيد، فما دمت خائفاً من التجربة مستسلماً للتجارب الفاشلة لا يمكن أن تستفيد من الحظ الجيد، وكلَّما جرَّبت أكثر وعرفت أكثر كلَّما اكتشفت سرَّ الحظ الجيد، وكلما عرفت الأوقات والأماكن التي يكون فيها الحظُّ صديقك.
يعتقد الناجحون أن التجارب الفاشلة قدمت لهم الكثير من المعلومات والمعرفة والكثير من الدوافع والحوافز التي جعلتهم يصلون إلى النجاح، يمكنك مراجعة هذا المقال عن دروس الفشل، ونحن سنذكر لك خمسة دروس رئيسية تتعلمها من الإخفاق والفشل:
- الخوف من الفشل هو خوف من النجاح: أحد أسوأ تجارب الإخفاق والفشل هي التي تنتج عن الخوف من الإخفاق والفشل!، التجارب غير الناجحة تعلُّمك ببساطة ألَّا تخاف من الفشل والسقوط، لأنك تعلم من تجاربك غير الناجحة أن مجرد النهوض خطوة جديدة في تجربة النجاح، لا تخشى من الفشل.
- الفشل بابٌ مفتوح على الإبداع: كل الاختراعات والابتكارات التي غيَّرت العالم كانت نتيجة إخفاقات كثيرة في تحقيق هدف ما، وفي كل مرة كان الإخفاق يفتح المزيد من الاحتمالات أمام المبدعين، أن تفشل في تجربة ما يعني أن تستبعد العوامل التي تسبب الإخفاق، وأن تبحث أكثر عن عوامل النجاح.
- التجربة الناجحة هي مجموعة من التجارب الفاشلة: كما ذكرنا فإن كل الأفكار التي غيَّرت العالم وقفت وراءها سلسلة طويلة من الإخفاقات المتتالية، فكِّر مثلاً كمَّ مرَّة فشل أديسون في إشعال مصباحه!، كمَّ مرَّة فشلت التجارب الطبية في علاج أمراض مثل الكوليرا والملاريا والطاعون حتَّى وصلت أخيراً إلى العلاج!.
- الإخفاق يسلط الضوء: ربما من أهم ما تقدمه لنا التجارب الفاشلة والإخفاقات المتتالية أنها تخبرنا بنقاط القوة ونقاط الضعف لدينا، وكأن الفشل بقعة ضوء تجعلنا نفهم أكثر كيف يمكن أن ننجح في التجربة القادمة، وما هي الأشياء التي يجب أن نستغلها لننجح.
- لا تستسلم: مراراً وتكراراً، إنما الفشل هو أن تتوقف عن المحاولة، أن تسقط وتفقد الإرادة على النهوض، تعلم من الأطفال عندما يحاولون المشي لأول مرَّة، من إصرارهم على النهوض بعد كل سقطة حتَّى يتمكنوا من المشي والركض.
- استفد من الفشل: لا تبدأ من الصفر أبداً، فكل تجاربك الفاشلة خطوات مهمة في مسيرتك إلى النجاح، لا تترك تجارب الفشل تمر دون أن تدرسها وتفهمها.
- اخلق حوافزك: ابحث دائماً عن حوافز جديدة، تعرَّف إلى قصص الناجحين، وحاول أن تجد ما يدفعك أكثر نحو أهدافك، واجعل من الفشل دافعاً جديداً للاستمرار.
- تخلَّص من منطقة الراحة: لا تطمئن لما أنت عليه، فوجودك في منطقة الراحة أشبه بتجميد لكل قدراتك ومهاراتك، حاول أن تخرج من منطقة الراحة.
- تخلص من التصورات المسبقة: توقف عن التفكير بالقوالب والأنماط، اخلق نمطك الخاص وشكِّل قالبك الخاص، ابدأ بوضع تصوُر جديد للنجاح الذي تبحث عنه وللفشل الذي تخشى منه.
أخيراً... شارك تجاربك مع الآخرين، اسأل واستشر ولا تتردد في التعرف إلى تجارب الآخرين مع الفشل والنجاح، يمكنك في كل وقت أن تنضمَّ إلى مجتمع حلوها من خلال النقاش المفتوح عبر هذا الرابط، كما يمكنك الحصول على استشارة من خبراء حلوها من خلال خدمة ألو حلوها.