معلومات هامة عن الولادة الطبيعية
عندما نذكر مصطلح الولادة الطبيعية غالباً ما يتبادر إلى الذهن صيحات الألم الخارجة من غرف المخاض في المستشفيات، أو قصص لنساء اختبرن آلاماً لا تحتمل أثناء الولادة وتشبيهها بألم تكسير العظام وما شابه، فهل حقاً تمثل الولادة الطبيعية تجربة مريرة من الألم والإنهاك ولا شيء غيره؟ أم أنها تنطوي أيضاً على فوائد صحية لا تحصى للأم وطفلها على حد سواء؟
سوف نتحدث في هذا المقال عن المراحل التي تمر بها عملية الولادة الطبيعية والألم المرافق لها، والفوائد التي تعود بها على الأم والطفل بالإضافة إلى بعض السلبيات التي من الممكن أن تكون مزعجة جداً للأم بعد عملية الولادة.
ما المراحل التي تُقسم إليها عملية الولادة؟
تقسم الولادة الطبيعية في المجمل إلى ثلاث مراحل أساسية لا بد لكل حامل مهما اختلف وضعها أن تمر بها (سواء كانت ولادتها الأولى أم الثانية أم...)، تبدأ عملية الولادة مع بدء المخاض (Labour) الذي يحدث في الحالة الطبيعية خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة من الحمل الذي تكون مدته القصوى 41 أسبوعاً، وتُرتب هذه المراحل كالآتي:
1- مرحلة الألم (الطلق): ينتج الألم في هذه المرحلة عن تقلصات عضلات الرحم التي تسعى لتوسيع عنق الرحم (Cervix) وتقصيره استعداداً لمرور الجنين عبره.(عنق الرحم هو جزء اسطواني من الجهاز التكاثر الأنثوي يبدأ في القسم السفلي من الرحم وصولاً إلى القسم العلوي للمهبل أي أنه يصل الرحم بالمهبل).
تكون التقلصات في بداية المخاض متباعدة وخفيفة (بمعدل مرة كل 10 دقائق) ثم تتقارب وتزداد شدة مع تقدم المخاض، ويحدث خلالها ما يدعى (نزول ماء الرأس) وهو في الحقيقة تمزق الغشاء الذي كان يحيط بالجنين طيلة فترة الحمل وخروج السائل الذي كان بداخله إلى خارج المهبل ويحدث هذا التمزق نتيجة ضغط رأس الجنين على هذا الغشاء أثناء بداية نزول الرأس عبر عنق الرحم.
تمتد هذه المرحلة في الحالة الطبيعية ما بين 12 إلى 16 ساعة كحد أقصى (وتختلف هذه المدة إذا كانت هذه هي الولادة الأولى للمرأة أم سبق لها أن ولدت بولادة طبيعية من قبل إذ تكون أطول في المرة الأولى ثم تقصر في المرات اللاحقة).
2- مرحلة ولادة الطفل: يبدأ في هذه المرحلة رأس الجنين بالنزول ببطء عبر عنق الرحم المتوسع ويتقدم الرأس بالتدريج بفضل تقلص عضلات الرحم التي تدفع لجنين باتجاه الخارج بالإضافة إلى مجهود الدفع الذي تمارسه الأم خلال حدوث تقلصات الرحم.
تمتد هذه المرحلة ما بين نصف ساعة إلى ساعتين ليخرج في نهايتها رأس الجنين عبر فوهة المهبل ومن ثم يتبعه الكتفان وبقية أجزاء جسمه ويقوم طبيب التوليد بقص الحبل السري الذي يربط الجنين بالمشيمة لتبدأ بعدها المرحلة الأخيرة من المخاض.
3- مرحلة ولادة المشيمة: المشيمة هي مجموعة من الأوعية الدموية التي تأتي من الأم والجنين معاً تتجمع مع بعضها البعض على شكل قرص مقسم إلى عدة أقسام تدعى الفلقات، تتكون المشيمة في المراحل الأولى من الحمل وتعمل عل نقل الأغذية والأوكسجين من الأم للجنين كما تنقل مخلفات عملية التنفس وغيرها من دم الجنين إلى دم الأم ليتكفل جسمها بإطراحها.
بعد ولادة الجنين وقص الحبل السري على بعد 2 سم من سرة الطفل تبدأ بعدها مرحلة انفكاك المشيمة عن جدار الرحم وخروجها إلى الخارج عبر المهبل، تعتبر هذه المرحلة دقيقة وحساسة جداً وتتطلب من الطبيب المولد أو القابلة توخي الحذر وتوافر الخبرة الجيدة لما تحمله من مخاطر عدة، مثل أن تُسحب المشيمة بعنف فتتمزق الأوعية الدموية في جدار الرحم وتنزف بغزارة مهددةً بذلك حياة الأم، ولا تتجاوز عادة المدة ما بين ولادة الجنين وخروج المشيمة بالكامل النصف ساعة بالحد الأقصى.
عند تطاول أي مرحلة من المراحل السابقة لأكثر من المدة الطبيعية المسموح بها لا بد عندها من تداخل الطبيب سواء بإجراءات مساعدة فقط مثل إعطاء الأدوية المحرضة للطلق أو الاستعانة بالجراحة وإجراء العملية القيصرية عند استحالة ولادة الطفل بالطريق الطبيعي.
ما هي الإيجابيات التي تتحقق عند اختيار الأم للولادة الطبيعية؟
تنعكس تجربة الولادة الطبيعية إيجاباً على صحة كل من الأم والطفل معاً، ومن فوائد عملية الولادة الطبيعية بالنسبة للطفل:
- مساعدة الطفل على التنفس: عند تقلص الرحم خلال المخاض يضغط على جسم الطفل وقفصه الصدري وبالتالي على الرئتين بداخله مما يساعد على طرد السوائل التي ابتلعها الجنين خلال الحمل من الرئتين تجهيزاً لهما لكي تبدأ عملية التنفس مباشرة بعد الولادة.
كذلك يشجع الضغط الحاصل على الجنين أثناء عبوره القناة التناسلية الضيقة عند الأم جسم الجنين على إفراز هرمونات خاصة تدعى الكاتيكول أمينات (Catecholamines) (وهي تدعى أيضاً بهرمونات الشدة لكونها تفرز من الجسم عند مروره بظرف عصيب مهدد للحياة)، تساعد هذه الهرمونات بشكل كبير على نضوج رئتي الطفل استعداداً لأخذ النفس الأول عند الولادة فهي تزيد من إفراز مادة خاصة من الرئتين تدعى السورفاكتانت (Surfactant) وهي المادة المسؤولة عن حماية سطح الرئتين من الانخماص وبالتالي بقاء عمليات المبادلات الغازية عبر سطحها والتي تعطي للجسم الأوكسجين وتخلصه من ثنائي أكسيد الكربون.
- حماية الطفل من الأمراض: تعد فترة المخاض فترة ذهبية بالنسبة لجهاز المناعة عند الطفل إذ تنتقل خلاله من الأم إلى طفلها الكثير من عوامل المناعة التي تدافع عن الجسم ضد مختلف أنواع البكتيريا والعوامل الممرضة الأخرى، كذلك فإن مرور الطفل عبر القناة التناسلية للأم يعرض جلده للعديد من البكتيريا الموجودة في المنطقة بشكل طبيعي وكميات المخاط الكبيرة هناك وبالتالي يحميه من تماس الجلد المباشر مع كف الطبيب أو قماش الملابس ريثما يتأقلم جلده مع العالم الخارجي وهو ما يعاني منه بشكل شائع الأطفال الذين ولدوا بعمليات قيصرية فيكون جلدهم أكثر قابلية للتحسس من المواد الكثيرة التي تلامسه فجأةً.
- الحفاظ على استقرار سكر الدم: تنقطع التغذية عن الطفل عند قطع الحبل السري وفصله عن المشيمة وفي حال تأخر حليب الأم عن الخروج لأول مرة يتعرض عندها الطفل لنقص سكر الدم لديه الأمر الذي يشكل خطراً على صحة الدماغ والأعضاء الأخرى في حال لم يتم الانتباه له، لكن الأطفال الذين يولدون بالطريق الطبيعي يكونون أقل عرضةً للإصابة بنقص سكر الدم لأن الكاتيكول أمينات التي تفرز من جسمه أثناء المخاض تحرض على إفراز الغلوكوز وإبقاء مستوياته ضمن الحدود المقبولة.
أما بالنسبة للأم فعلى الرغم من الألم الذي تمر به أثناء الولادة الطبيعية إلا أنها تحمل لها الكثير من الفوائد منها:
- توفر الولادة الطبيعية على الأم مخاطر الخضوع للتخدير العام خلال الولادة القيصرية والتي تعد من العمليات الجراحية التي تتطلب تخديراً لفترة أدناها خمس وعشرون دقيقة.
- تستعيد الأم عافيتها بعد الولادة بساعات قليلة وتكون بعدها قادرة على المشي والذهاب إلى لحمام بمفردها دون الحاجة لأية مساعدها كما تكون قادرة على الاعتناء بطفلها وإرضاعه وهي بكامل نشاطها، أما الحوامل اللواتي يخضعن للقيصرية يحتجن بعدها لفترة نقاهة والاستلقاء في السرير والإقلال من الحركة غير الضرورية خوفاً على القطب في الجرح وبالتالي ستحتاج إلى المساعدة في الاعتناء بطفلها والنهوض إلى الحمام وغيرها من النشاطات.
ما هي المخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها الحامل خلال الولادة؟
تتعرض الحامل أثناء المخاض لشدة جسدية لا يستهان بها، فالولادة عملية مؤلمة ومرهقة على الصعيدين الجسدي والنفسي ومن المخاطر التي قد تؤثر على الحامل أثناء الولادة الطبيعية:
- التمزقات: قد تترافق الولادة الطبيعية ببعض التمزقات في المنطقة التناسلية وصولاً لمنطقة الشرج والتي تختلف شدتها وفقاً لعوامل كثيرة، تترك هذه التمزقات آثاراً سيئة على الوظيفة البولية والتناسلية للمرأة وكذلك على عملية التغوط، وهي كثيرة الحدوث بشكل خاص لدى النساء اللواتي يلدن للمرة الأولى بالطريق الطبيعي.
- البواسير: تكون النساء اللواتي تعرضن للولادة الطبيعية أكثر عرضة للإصابة بالبواسير بسبب الضغط الكبير الذي تتعرض له المنطقة أثناء دفع الأم للجنين خلال المخاض بالإضافة إلى دور التشققات التي تصل للشرج في إحداثها.
- السلس البولي: وهو خروج البول من فوهة الإحليل بشكل لاإرادي، ويكثر حدوثه لدى النساء عقب الولادة الطبيعية نتيجة التمزقات والضغط الذي يرخي الأربطة المثبتة للرحم وعنق الرحم في مكانها فتقوم بدورها بالضغط على المثانة وإنزالها لمستوى أدنى من مكانها.
تصحح هذه المشكلة عند ازديادها سوءاً بعمليات جراحية خاصة تثبت الرحم وعنق الرحم والمهبل في أمكنتها وتعيد للمثانة مكانها وغالباً ما تنجح في التخلص من المشكلة نهائياً.
وختاماً.. مما لا شك فيه أن عملية الولادة تترافق بآلامٍ يمكن وصفها بالشديدة إلا أنه من الشائع أن تُنسى فوراً لحظة رؤية الأم لمولودها واختبارها لذلك الشعور الجديد المدعو بالأمومة، بالإضافة إلى الفوائد الكثيرة التي تعود بها على الأم والطفل معاً، لذلك لا يُنصح أبداً باللجوء للعمليات القيصرية دون وجود سبب واضح لذلك بل فقط بهدف تجنب الشعور بالألم لأن إدراك إيجابيات الولادة الطبيعية يجعل الألم عند الكثيرات قابلاً للتحمل.