أسباب اضطراب الآنية وعلاج خلل الآنية وتبدد الشخصية
أنا أراني من الخارج!، يد مَن هذه؟، بهذه العبارات البسيطة يمكن أن نفهم كيف يفكر المصابون باضطراب الآنية DDD أو الانفصال عن الواقع وتبدد الشخصية، إنه نوع من الاضطرابات الغريبة التي يتعزَّز فيها إنكار الذات المادية والمعنوية بشكل مريب، وعلى الرغم من وجود نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يختبرون هذا الشعور؛ إلَّا أن نسبة أقل بكثير من يتطور لديهم الشعور إلى حالة اضطراب تبدد الشخصية والاغتراب عن الواقع.
نتعرف في هذه المقال على كل ما يتعلق بالانفصال عن الواقع وفقدان الشخصية، أسباب تبدد الشخصية المحتملة وأعراض هذا الاغتراب، وطريقة علاج اضطراب فقدان الشخصية والانفصال عن الواقع.
ينتمي اضطراب الآنية أو تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع (Depersonalization - Derealization Disorder (DDD لفئة الاضطرابات الانفصالية أو الانشقاقية التي تضم أيضاً اضطراب ازدواج الشخصية أو الشخصية المتعددة واضطراب فقدان الذاكرة الانفصالي،
حيث يتسم هذا الاضطراب بشعور المصاب بانفصال مستمر أو متكرر عن ذاته المادية والمعنوية، وكأنه شخص آخر يشاهد نفسه من خارجها.
من منَّا لم يسمع أغنية المغني المصري الشعبي عبد الباسط حمودة: "أنا مش عارفني أنا تهت مني أنا مش أنا، ولا شكلي شكلي ولا دي ملامحي ولا ده أنا!" هذه الكلمات يمكن أن تقدم تعريفاً بسيطاً لاضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع، لنتعرَّف أكثر إلى أسباب وأعراض الآنية والانفصال عن الواقع وتبدد الشخصية، وتعرَّف أكثر إلى أنواع اضطرابات الشخصية من خلال هذا المقال.
كغيره من الاضطرابات النفسية لا يمكن تحديد أسباب أكيدة ومباشرة لاختلال الآنية واضطراب فقدان الشخصية والانفصال عن الواقع، لكن هناك مجموعة من العوامل التي يعتقد أنها تؤثر بشكل كبير على الإصابة بهذا الاضطراب، أبرزها:
- التعرض للإيذاء وإساءة المعاملة والإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة، ويعتبر هذا السبب من أكثر الأسباب شيوعاً للانفصال عن الواقع.
- المرور بتجربة التعنيف الجسدي في الطفولة.
- العيش في أسرة تعاني من مظاهر العنف الأسري.
- التعرض لصدمة الفقدان المفاجئ.
- الإجهاد العصبي نتيجة الضغوطات الزائدة، وإن كان من النادر اعتبار الضغوطات الحياتية سبباً رئيسياً للانفصال عن الواقع.
- وجود تاريخ للأمراض العقلية في العائلة.
- استخدام العقاقير المخدرة والمواد المهلوسة يعزز فرص الإصابة بانحلال الشخصية.
غالباً ما يتم وصف الانفصال عن الواقع وفقدان الشخصية كاضطراب واحد هو اضطراب الآنية، ومع ذلك يمكن النظر إلى الأعراض على مرحلتين كالآتي:
أعراض اختلال الآنية وتبدد الشخصية
تبدد أو فقدان أو اضمحلال أو انحلال الشخصية ينعكس على المريض بشعوره التام وبشكل مستمر أو متقطع بأنه يراقب نفسه من خارجها!، فهو يفقد الشعور بسيطرته على جسده أو ملكيته لأعضائه، وكأن يديه ليست يديه، ووجهه على المرآة وجه شخص آخر، ومن الشكايات الشائعة للمصابين بفقدان الشخصية أنهم يشعرون بحركتهم كأنها آلية وغير خاضعة لسيطرتهم فعلياً.
وعادة ما يفقد المصابون بتبدد الشخصية القدرة على ربط الذكريات بالعواطف، بل أنهم يعانون من اضطراب شديد على مستوى وصف المشاعر والعواطف وتسميتها وتحديدها، وهو ما يعرف بنقص الانسجام النفسي أو اللامفرداتية Alexithymia.
أعراض خلل الآنية والانفصال عن الواقع
- ما يميز أعراض الانفصال عن الواقع عن أعراض تبدد الشخصية أن الأولى تتعلق بالعالم الخارجي وما فيه من أشخاص وأشياء، ويمكن تلخيص أعراض الانفصال عن الواقع كالآتي:
- قد يشعر المريض أن هناك حاجز ضبابي بينه وبين الأشياء والأفراد من حوله.
- ينظر المريض إلى العالم من حوله وكأنه فيلم خيالي، لا يستطيع أن يلمس الواقعية من حوله.
- قد ينعكس اضطراب الاغتراب عن الواقع على ما تنقله الحواس للمريض، من خلال رؤية الأمور بطريقة مختلفة أو عدم القدرة على إدراك الأبعاد والمسافات كما هي فعلاً.
- قد يرى المريض العالم كفيلم كرتون، ربما يكون ملوناً أكثر من اللازم أو يفقد بعض ألوانه، وقد يكون شديد الضبابية، أو ببعدين فقط بدلاً من ثلاثة.....
- اضطرابات في عملية تخزين الذكريات واستعادتها.
- تتفاعل أعراض الانفصال عن الواقع مع أعراض تبدد الشخصية لتنتج اضراب الانحلال والاغتراب، المعروف اختصاراً باسم (DDD).
هل يعرف مريض اضطراب الآنية بحالته؟
على الرغم من فقدان المريض يخلل الآنية بدرجات مختلفة لوعيه بماضيه وذكرياته، وعلى الرغم من كون الانفصال عن الواقع هو السمة الأساسية لهذا الاضطراب، إلَّا أنَّ الغالبية الساحقة من المصابين بالاغتراب وفقدان الشخصية يحافظون على قدرتهم بتمييز الحالة الشاذة، بمعنى أن المريض بخلل الآنية غالباً ما يعرف أن مشاعره هذه ليست حقيقية تماماً، وأنه يعاني من مشكلة ما في إدراكه وتفكيره، ولذلك لا يعتبر هذا الاضطراب من الاضطرابات الذهانية التي تفقد المريض قدرته على معرفة ما يجري معه بالضبط، وهذا أيضاً يساعد المعالج بفهم الأعراض والأسباب بشكل أوضح.
في سبيل تشخيص اضطراب الانفصال عن الواقع وتبدد الشخصية عادة ما يقوم الطبيب النفسي المختص باتباع بعض الإجراءات الضرورية لحصر التشخيص، خاصة أن المريض يصف حالة لا يمكن التأكد من وجودها كاضطراب مخبرياً، وأبرز إجراءات تشخيص اضطراب الآنية:
- يقوم الطبيب المعالج بإجراء بعض الفحوصات للتأكد من عدم وجود عوامل مؤثرة أخرى، مثل تعاطي المخدرات أو مواد الهلوسة.
- يحاول الطبيب المعالج استبعاد الاضطرابات النفسية المشابهة مثل تعدد الشخصية من خلال فهم وصف المريض لمشاعره بشكل دقيق.
- يحاول الطبيب استبعاد المشاكل الجسدية المتعلقة بصحة وسلامة الدماغ وعمل الجسم بشكل عام.
- يستخدم الطبيب المعالج معايير أساسية لتسمية الاضطراب وتشخيصه، في حال انطبقت على المريض يكون مصاباً فعلاً باضطراب الانفصال عن الواقع وانحلال الشخصية، هذه المعايير هي:
- أن يعاني المريض من أعراض مستمرة أو متكررة من ضمن أعراض الانفصال عن الواقع وتبدد الشخصية التي ذكرناها.
- وفهم المريض أن ما يشعر به ليس واقعياً.
- وجود تأثير واضح على الحياة الاجتماعية والنشاطات اليومية للمريض.
هناك 12 سؤال تحدد إجاباتها أي نوع من الأعراض التي تدل على إصابة الشخص بالانفصال عن الواقع وتبدد الشخصية أو اختلال الآنية، وتعتبر بمثابة اختبار ذاتي: [2]
- هل تشعر أنك ترى نفسك من الخارج وكأنك تشاهد شخص آخر؟
- هل تشعر أنك تعيش في حلم؟
- هل تشعر بفقدان السيطرة الجزئي أو الكامل على الكلام والحركة؟
- هل تشعر أنك تعمل بنظام الطيار الآلي؟!
- هل تشعر أن جسدك ليس جزء منك فعلاً؟
- هل تجد صعوبة في فهم ما تقوم بلمسه وتشعر أنه شيء غير واقعي؟
- هل تتساءل عندما تنظر إلى المرآة إن كنت ترى نفسك حقاً؟
- هل تشعر أن أعضاءك تبدو مشوهة وغريبة؟
- هل ترى يديك أو رجليك تكبر أو تتقلص؟
- هل تشعر أنك ترى العالم من حولك كفيلم سينما؟
- هل تشعر أنك منفصل عن ما يجري حولك وكأنه يجري في عالم آخر؟
- تشعر أن البيئة المحيطة بك كبيرة جداً وتتخطى حدود فهمك؟
في حال كنت تشعر بمعظم هذه الأعراض بشكل متكرر أو مستمر أو شبه مستمر فلا بد أن تطلب المساعدة من الطبيب أو المعالج النفسي المختص، لأنك عندها تعاني من اضطراب فقدان الاتصال بالواقع وتبدد الهوية.
كما هو الحال أيضاً مع معظم اضطرابات الشخصية فإنه لا يوجد علاج دوائي مباشر لحالات اختلال الآنية والانفصال عن الواقع وتبدد الشخصية، لكن الطبيب أو المعالج النفسي قد يستعين ببعض الأدوية المهدئة والمضادة للاكتئاب التي تساعد المريض على التعايش مع الأعراض خلال فترة العلاج النفسي، وتساعد المريض أيضاً على تقبل العلاج بشكل أفضل.
وعادة ما يتم اتباع أساليب العلاج النفسي الشائعة في اضطرابات الشخصية لعلاج اختلال الآنية، وأبرز هذه التقنيات:
- العلاج السلوكي المعرفي: حيث يستهدف المعالج إعادة بناء المفاهيم والأفكار عند المريض، ويستخدم في سبيل ذلك تقنيات عديدة لمكافحة الوساوس والمخاوف، وإعادة ربط المريض بالواقع.
- العلاج بإعادة التأسيس: قد يلجأ المعالج إلى بعض الإجراءات التي من شأنها تنشيط ارتباط المريض بالحواس، مثل الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة أو تنبيه الحواس بالحرارة والبرودة.
- التحليل النفسي: تعتبر اجراءات التحليل النفسي بالغة الأهمية في فهم الأسباب الكامنة وراء اضطراب الاغتراب والتبدد، حيث يتتبع المعالج الأسباب الظاهرة والباطنة للاضطراب ويحاول التعامل معها بأساليب مختلفة.
لا يرى المعالجون أهمية للاستمرار بالعلاج في حال توقف الأعراض أو عدم ظهورها بشكل مقلق، خاصة وأن أكثر من 50% من الناس يختبرون درجة من اختلال الآنية والانفصال عن الواقع وتبدد الشخصية في مرحلة ما من حياتهم، لكن نادراً ما يتطور شعرهم بالانفصال عن الواقع إلى اضطراب في الشخصية.