كيفية تربية الطفل الوحيد ومتلازمة الطفل الواحد

تربية الطفل وحيد والديه، ما هي أزمات الطفل الوحيد؟ كيف يمكن التعامل مع الطفل الوحيد، وما هو دور الأهل في تنمية الصفات الإيجابية أو السلبية في شخصية الطفل الوحيد؟ ماذا تعرف عن جيل الطفل الوحيد في الصين؟
كيفية تربية الطفل الوحيد ومتلازمة الطفل الواحد
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

لأسباب مختلفة قد يقرر الأهل إنجاب طفل واحد فقط، وربما لأسباب صحية أو قهرية لا يقدرون على إنجاب طفل آخر، وعلى الرغم من حصول الطفل الوحيد على الكثير من المميزات من ناحية توفير الاحتياجات والاهتمام إلَّا أنه في المقابل هناك سلسة من الصعوبات التي تواجه الأهل في تربية الطفل الوحيد.
في هذا المقال؛ نحاول أن نرصد لكم أبرز صعوبات تربية الطفل الوحيد من خلال استعراض الأزمات والمشاكل الشائعة في تربية الطفل الوحيد، كما نحاول أن نناقش مميزات أن يكون الطفل وحيداً، ثم نقدم أبرز آليات التعامل مع الطفل الوحيد، ونختم بالمرور على الجيل الوحيد في الصين وأهمية التجربة في دراسة مشاكل الطفل الواحد.
 

لماذا يجب أن تفكر بإجراءات تربوية مختلفة مع الطفل الوحيد؟
قبل عقود قليلة لم يكن الطفل الوحيد يشكِّل ظاهرة شائعة تستحق العمل على دراستها دراسة مستفيضة، وذلك أن أغلب العائلات تهتم بإنجاب أكثر من طفلين، لكن مع تسارع إيقاع الحياة الحديثة ومع ظهور أزمات سكانية واجتماعية في بعض الدول؛ أصبحت سياسة الطفل الوحيد موضوع نقاش شائك، سواء كان هذا قرار الأهل الحر، أو كانوا مجبورين عليه لأسباب خاصة أو نتيجة سياسة الدولة التي يعيشون فيها.
وفي ظل سياسات تحديد النسل وقرارات الأهل بعدم إنجاب أكثر من طفل أصبح من الضروري فهم انعكاس سياسة الطفل الواحد على الحياة العائلية والاجتماعية.
وفي سبيل فهم ما يشعر به الطفل الوحيد ويختبره من تجارب عاطفية ونفسية تؤثر على شخصيته يمكن أن نلخص أبرز الأزمات التي يعاني منها الطفل الوحيد كما يرد في الفقرات التالية.
 

animate

هل الطفل الوحيد يعاني من اضطراب نفسي بالضرورة؟
الصورة النمطية للطفل الوحيد أن يكون مدللاً بشكل مفرط، أناني، متسلط، يطلق أحكاماً مطلقة على الآخرين، متبلد المشاعر إلى حد بعيد، غالباً ما يتميز بتفكير مادي، انتهازي وغايته تبرر الوسيلة... إلى آخره من الصفات السلبية، لكن هل هذا حقيقي؟.
يعتبر مصطلح متلازمة الطفل الوحيد Only-Child Syndrome من أكثر المصطلحات التربوية النفسية إثارة للجدل، حيث بدأت الإشارة إلى وجود مميزات خاصة بالطفل الوحيد في القرن التاسع عشر من خلال دراسة استقصائية تم من خلالها استطلاع آراء 200 شخص عن الأطفال الوحيدين الذين يعرفونهم، أربعة أشخاص فقط لم يوافقوا على أن الطفل الوحيد مدلل بشكل مفرط وأناني.

هذه الدراسة كانت مستفزة بشكل كبير، خاصة وأنها استطلعت آراء المشاركين ولم تقم على دراسة الأطفال الوحيدين أنفسهم، ما جعل مجموعة كبيرة من الباحثين يقومون بدراسات مختلفة حول متلازمة الطفل الوحيد، ويمكن استخلاص العناوين الرئيسية لنتائج الدراسات كالتالي:
1- قد يظهر الطفل الوحيد قدراً أقل من التسامح مع الآخرين مقارنة بالأطفال الذين تربوا مع أشقاء.
2- عادة ما يكون الطفل الوحيد أكثر تعلقاً بوالديه.
3- يفتقد الأطفال الوحيدون وجود أخوة يشاركونهم حياتهم بإخلاص.
4- الطفل الوحيد أكثر قدرة على إنشاء صداقات خيالية، وهذه نقطة إيجابية نسبياً.
5- يمتلك الطفل الوحيد قدرة أكبر على حل المشاكل وابتكار الأفكار الإبداعية نتيجة اختلاف بتركيبة الدماغ!.
6- لا يوجد ما يثبت أن الطفل الوحيد أقل استجابة مع الأنماط التربوية المختلفة، بمعنى أن تأثير التربية على الطفل وحيداً كان أم مع أشقاء يلعب دوراً حاسماً في تكوين شخصيته.

الخلاصة إذاً أن ارتباط الطفل الوحيد بصفات المتلازمة المذكورة ارتباط ذهني إلى حد بعيد، لا يمكن الاعتماد عليه كدلالة أكيدة، وأن صفات مثل الأنانية والاتكالية والنرجسية يكتسبها الطفل الوحيد كما يكتسبها الأطفال الآخرون الذي يعيشون مع أخوة، فما يقوم به الأهل هو ما يحدد إن كان الطفل الوحيد سيتأثر بالمتلازمة أم لا.
 

من خلال المعلومات التي أوردناها فيما سبق عن متلازمة الطفل الوحيد يمكن أن نتتبع بسهولة الأزمات التي تواجه الطفل الوحيد في تطوره النفسي الإدراكي والاجتماعي، وجميع هذه الأزمات لا تنتج عن كونه طفلاً وحيداً بشكل مباشر، بل هي مشاكل تطورية يتسبب بها الأهل حسب طريقة تربيتهم للطفل الوحيد، فيما يلي نذكر أبرز أزمات الطفل الوحيد مع الأسباب، ثم ننتقل إلى أبرز نصائح تربية الطفل الوحيد:

الدلال المفرط في تربية الطفل الوحيد
عندما أعطى المشاركون بالدراسة التي تحدثنا عنها رأيهم بالطفل الوحيد أنه مدلل بشكل مبالغ به كانوا فعلياً يتحدثون عن الأهل الذين لم ينجبا إلا طفلاً واحداً!، حيث يميل الأب وتميل الأم إلى منح الطفل الوحيد المزيد من العناية وقدراً أقل من القيود والرقابة، ذلك يعود لتعلقهما به من جهة، ولشعورهما بالذنب تجاهه من جهة أخرى، وهناك مجموعة من الممارسات الخاطئة التي تغذي شخصية الطفل المدلل:
- المبالغة بالمكافآت على أمور عادية، والتسامح بشكل كبير مع الأخطاء، هذا ما يسبب خلل في نظام الثواب والعقاب لدى الطفل وحيداً كان أم بين أشقاء، لكن الأهل الذين ينجبون طفلاً واحداً أكثر عرضة للوقوع في فخ المكافآت الكبيرة.
- المبالغة بالاحتفالات، مثل ذكرى الميلاد أو احتفال التخرج من المدرسة، فنتيجة تعلق الأهل بابنهما يقومان بتنظيم مناسبات كبيرة لأمور عادية، فيشعر الطفل الوحيد كأن يوم ميلاده يوم عيد وطني!.
- المسموح والممنوع، حيث يمتلك الأهل الذين أنجبوا عدة أطفال قدرة أكبر على وضع قواعد منزلية مقارنة بالأهل الذين أنجبوا طفلاً واحداً.
- تغذية الشعور بالفخر، فأهل الطفل الوحيد يحمِّلونه غالباً كل آمالهم وطموحاتهم، ما يجعله يشعر بقدر أكبر من الفخر، وفي سياق النمط التربوي قد يؤدي ذلك إلى اضطراب النرجسية أو إلى قدر كبير من تحمُّل المسؤولية أيهما أقرب.

العزلة والوحدة
بطبيعة الحال فإن الطفل الوحيد خاصة في السنوات الأولى من حياته يشعر بنوع من الوحدة، وخصوصاً إن لم يكن محاطاً بأطفال من سنه من الأقارب أو الجيران، لكن حتى إن كان محاطاً بالأطفال فإنه يفتقد الصديق الأقرب وهو الأخ.
غالباً ما يتمكن الطفل الوحيد من تجاوز الشعور بالوحدة أو العزلة في الطفولة حيث يلجأ إلى الأصدقاء الخياليين، ما يساعده على تطوير الكثير من المهارات.

التعلُّق بالأهل والاتكالية
من الأزمات الكبرى التي يجب أن يراعيها الأهل في تربية الطفل الوحيد هو تعلقه الشديد بهم واعتماده الكامل عليهم، وذلك نتيجة طبيعية لاهتمامهم الزائد به، وقد يتطوَّر هذا التعلق إلى اضطراب الشخصية الاتكالية أو الاعتمادية.

التنافسية والحوافز
ليس بالضرورة أن يفتقد الطفل الوحيد حس المنافسة والحوافز، لكن في حال لم يكن الأهل على قدر المسؤولية في تنمية سلوك المنافسة عند ابنهم الوحيد فإنه بطبيعة الحال لن يشعر بضرورة المنافسة ولا لذة الانتصار، هو يحصل على كل شيء ولا أحد ينافسه على الحب أو المديح أو المكافآت.

أنت من تصنع طفلاً وحيداً نمطياً
معظم الدراسات التي تناولت المقارنة بين الطفل الوحيد والطفل مع أشقاء أثبت أنّه لا يوجد فرق حقيقي بين الحالتين، فالطفل الوحيد لا يمكن أن يكون أنانياً أو عدوانياً أو متبلد المشاعر فقط لأنه وحيد، والمنافسة الوحشية بين الأشقاء لا تعني بالضرورة شخصية سوية، بل أنَّ الطفل الوحيد يمتلك مميزات إبداعية أكثر.
وهنا يبرز دور الأهل في فهم وإدراك كيفية التعامل مع الطفل الوحيد، فهو يمتلك فعلياً بعض المميزات التي تؤهله ليكون مصاباً بمتلازمة الطفل الوحيد، لكن الصفات السلبية لهذه المتلازمة ستظهر عند الأطفال الأشقاء في حال أساء الأهل تربيتهم، الأهل هم من يصنعون طفلاً أنانياً، وحيداً كان أم بين عشرين شقيقاً!.

 

نعتقد أننا من خلال الشرح السابق لأزمات الطفل الوحيد المحتملة، ولدور الأهل في تغذية وتنمية الصفات السلبية في حياة الطفل الوحيد؛ قد قدَّمنا بشكل غير مباشر أهم ما يجب أن يراعيه الأهل المربون في التعامل مع الطفل الوحيد، وفي السطور التالية سنحاول أن نقدم أهم النصائح التي تساعد على التعامل مع الطفل الوحيد:

لا تبالغ بحماية الطفل الوحيد
وحيداً كان طفلك أم بين أشقاء، فإن المبالغة بحماية الأطفال من الممارسات التربوية الخاطئة التي تنعكس بشكل سلبي على الطفل، فقد يعاني الطفل من وساوس ومخاوف متنوعة نتيجة شعوره الدائم بالخطر، كما أنَّ الحماية المفرطة للطفل تجعله أقل قدرة على مواجهة العالم وحده، إلا إذا كنت تعتقد أنك ستبقى معه إلى الأبد!. 

دلل طفلك بحدود
حقك أن تدلل طفلك الوحيد، لكن لا تجعل هذا الدلال مفرطاً، ضع نظاماً عادلاً للثواب والعقاب، وحاول أن تجعل من احتفالك بإنجازات طفلك على قدر الإنجازات نفسها، وتوقف عن المديح المبالغ به، توقف عن مشاركة صوره على وسائل التواصل الاجتماعي وكأنه نجم سينمائي، واحرص على الحديث معه عن أخطائه بشكل جدي.

كن صديقاً قريباً
من المهم أن يشارك الأب وتشارك الأم طفلهما الوحيد حياته كأصدقاء، يشاركانه اللعب، النشاطات، القراءة، الحديث، القرارات....إلخ.

علِّم طفلك تحمُّل المسؤولية
عندما تربي الأم ثلاثة أطفال مثلاً ونتيجة ضيق الوقت تجبرهم على الاعتناء بأنفسهم وببعضهم من خلال ترتيب أغراضهم وألعابهم وأداء بعض المهمات المنزلية وغيرها من الأمور، في حالة الطفل الوحيد قد يكون الأهل أكثر تهاوناً، لكن الأفضل أن يكون الطفل الوحيد مسؤولاً عن أغراضه، ومسؤولاً عن بعض الأدوار المنزلية المناسبة لعمره.
    
لا تتهاون بقواعد البيت
إن شعورنا بالمحبة تجاه الطفل الوحيد وربما شعورنا بالذنب يجعلنا نتهاون بالقواعد المنزلية، انسى أنه طفل وحيد وتذكر أنه طفل، يكتسب ويتعلم من خلال التربية، ويتعرَّف إلى الخطأ والصواب من خلال القواعد المنزلية، لذلك تأكَّد أن هناك قواعد منزلية واضحة تنطبق عليه ولا يمكن التهاون بها.

أجب عن أسئلة الطفل الوحيد
للطفل الوحيد أسئلة محرجة أكثر من غيره أحياناً، ربما أبرزها "لماذا لم تنجبوا لي أخاً أو أختاً؟!"، لا تتردد بالإجابة عن أسئلة الطفل الوحيد إجابة مقنعة وواضحة ومناسبة لعمره، لا تخدعه ولا تكذب عليه.

أمِّن لطفلك بيئة اجتماعية مناسبة
 إن وجود بيئات اجتماعية مختلفة يتفاعل بها الأطفال مع بعضهم أمر مهم لجميع الأطفال بغض النظر عن ترتيبهم في البيت أو كونهم وحيدين، لذلك تأكد من ارتياد ابنك لروضة الأطفال في المرحلة المناسبة، وتأكد من انضمامه إلى أطفال من سنه في نشاطات رياضية أو موسيقية، وحاول أن تهتم بشكل جيد بقدرته على إنشاء الصداقات.

اطلب المساعدة
إذا كنت تعاني من مشاكل معينة في تربية ابنك الوحيد، أو كنت تعتقد أنك غير قادر على أداء مهامك التربوية بالشكل الأفضل؛ فلا تتردد بطلب المساعدة من المختصين، كما يمكنك التواصل مع خبراء موقع حلوها للحصول على الدعم والمساعدة.

في تجربة اجتماعية فريدة من نوعها قررت الصين عام 1979 اعتماد سياسة الطفل الواحد لمواجهة الضغوط السكانية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، حيث سمحت الصين لكل زوجين بإنجاب طفل واحد فقط، وفي حال تهوَّر الزوجان وأنجبا طفلاً آخر سيواجهان مجموعة من العقوبات والحرمان من بعض المميزات بشكل تراكمي مع كل طفل زائد.
أربعة عقود وكل الأطفال الجدد في الصين تقريباً أطفال وحيدون، ما يعني أن جيلاً كاملاً في الصين لم يختبر معنى الأخوة أو وجد أشقاء معه في نفس البيت، واستمر ذلك حتى عام 2015 وإيقاف سياسية الطفل الواحد نتيجة مشاكل جديدة أبرزها وجود عدد أكبر من المواليد الذكور وانتشار الإجهاض للإناث أو حتى الوأد.
أما على مستوى الأفراد؛ فإن سياسة الطفل الواحد جعلت الأبناء يشعرون بمسؤولية أكبر تجاه آبائهم وأمهاتهم، ما رفع معدلات التحصيل العلمية وزاد من فرص تواجد جيل الطفل الواحد في الجامعات العالمية والدولية، هذا لا ينفي أن بعض أطفال الجيل الوحيد في الصين عانوا من بعض المشاعر السلبية نتيجة عدم وجود أشقاء، لكنهم أيضاً يعتقدون أنهم حصلوا على فرص أكبر بالتعليم والرفاهية.