المراهق في حالة حب! التعامل مع علاقات المراهقين العاطفية
استغربت موقف سيدة تختار هدية لصديقة ابنها المراهق قبل عيد الحب الفائت، عندما سألتها: "هل ستختارين هدية لصديق ابنتك المراهقة أيضاً؟.."، لتنظر إليّ بكراهية بعد أن نطقتُ كلماتي، وتمطرني بوابل من القيم والتقاليد، التي تقف حائلاً أمام مثل هذه الأمور، لأن الصبي برأيها لا يُعاب إذا أحب، لكن الفتاة.. ما هذا الكفر؟!.. ولأنني لئيمة بطبيعي.. أمام هكذا ردود فعل لم أكن أنوي أبداً الحصول عليها؛ قارنت حبيبة ابنها بابنتها فوراً وزدتها من الشعر بيت؛ بأن ابنتك المراهقة ستحب للمرة الأولى، ولن يكون لك شرف معرفة ذلك، طالما تمتلكين هذه العقلية! كيف ستتعامل أنت، مع الحب في حياة أبنائك المراهقين؟
التزم بحدودك ولا تتدخل في علاقة ابنك المراهق
تريد أن يكون ابنك أو ابنتك سعداء في حياتهم، وأن يجدوا مستقبلاً الشريك المناسب ليتزوجوا ويؤسسوا عائلاتهم، لكنك ستتعلم بالطريقة الصعبة ألا تتدخل كثيراً في حياة ابنك المراهق، الذي بدأ يشق طريقه في عالم البلوغ، فالعلاقات تأتي وتذهب في حياتهم منذ هذه اللحظة، وفي حالة طفلك المهم بالنسبة لك ألا تكون لديك أي (سيطرة)، في ظل سخونة شغفهم أو معاركهم العاطفية! سيكون الأمر مخيفاً جداً... ولا أتحدث عن رومانسيات المدرسة الثانوية أو الإعدادية فقط، لأن معظم الآباء يدركون أن علاقات المراهقين عابرة، لكن أين ترسم الخط الفاصل بين الدعم والتدخل؟
يقول عالم النفس الدكتور دانيال بليك (Daniel Blake): "الأمر كله يتعلق بالحدود، بالطبع تريد أن تكون لطيفاً مع حبيب ابنتك أو حبيبة ابنك، لأن الحدود في صالح أطفالك، كذلك لمعرفة أين تنتهي احتياجاتك وتبدأ احتياجات أطفالك"، ويقول المتخصص بعلم نفس الأسرة الدكتور آلان إنتن (Alan Entin): "إذا كنت تشعر بالحزن، فهذه علامة على أنك كنت متورطاً بالتدخل والتسلط في علاقة ابنك المراهق، بينما عليك أن تدرك أنها علاقته، وعليك أن تراقب نفسك وتضع حدوداً ".
دعنا نتحدث قليلاً عن علاقتك بطفلك المراهق ومدى ترابطكما معاً، فهل تعتقد أنه لا يوجد ما يكفي من الوقت لكما معاً؟ أو بعدم كفاية التواصل المنتظم بينكما، وحتى عدم الشعور بالحاجة للتواصل أو الرغبة ما لم يكن الأطفال بحاجة إلى شيء للتواصل معهم، وقد لا يفهمون سبب عدم قربهم منك، باستثناء القضايا الخطيرة للطفل المراهق، مثل: تعاطي المخدرات أو المرض، حيث يشعر الوالدين بالغربة أو شبه الانفصال عن الأطفال غالباً، لكنهم لا يعرفون السبب، وهذا هو الوباء الصامت في علاقتك مع أبنائك، وإذا لاحظت أي من السلوكيات التالية لديهم، فقد حان الوقت لتعرف أن هناك مشكلة في تواصلك معهم:
1- نادراً ما يتحدثون إليك.
2- من الصعب وضع خطط معهم على الرغم من توفر الوقت لديك.
3- لا يخبرونك كثيراً بما يحدث في حياتهم؛ "كل شيء على ما يرام".. هو جوابهم الشائع.
4- غالباً ما تتركهم في حالة من الحزن عندما تدلي بانتقادات سلبية بناءة على تصرفاتهم، على الرغم من أن هذه الانتقادات تكون في مصلحتهم تماماً.
5- أنت دائماً موجود من أجلهم، لكنهم لا يدعمونك في مشاكلك، ويبدو أن مشاكلك تحرجهم أو تزعجهم وهو ما يزعجك.
6- إنهم يشيرون إليك على أنك الكمال بعينه.. في نوع من الاستهزاء بآرائك.
دورك كأحد الوالدين وما يمكنك القيام به
حقاً إن الموضوع صعب ومعقد في بداية التفكير به أو دخول طفلك في مرحلة المراهقة، ففي الوقت الذي يجب أن تلتزم بحدودك معهم، عليك ألا تتجاهلهم.. هدفك هو علاقة أفضل، وبصفتك الوالد أو الوالدة؛ أنت القائد والمثل الأعلى لحياتهم، وإليك هذه هي الأسئلة التي ستطرحها على نفسك، وما يمكنك فعله:
- هل تتواصل مع أطفالك المراهقين، بحيث يمكن اعتبار أنك تتعقبهم في كل خطوة؟ وما يمكنك القيام به في هذه الحال: اسأل ابنك أو ابنتك عن الطريقة والوقت، الذي يفضلون أن تتواصل من خلاله معهم، ثم احترم رغباتهم.
- هل أنت شخص متدخل وتطرح الكثير من الأسئلة أو تقدم نصائح غير مطلوبة؟ وما يمكنك القيام به: لا تبدأ في البحث عن السلبيات بشأن المزايا أو التفاصيل التي يختارها ابنك، وما عليك إلا أن تسأل عن قراره، وتقديم النصح له في حال طلب رأيك قبل أن يختار.
- هل يعتبر ابنك المراهق أن انتقاداتك "تافهة"؟ مثلاً.. هو يعاني من زيادة الوزن وعاداته الغذائية غير صحية، وما يمكنك القيام به في هذه الحال هو: الثناء عليه بسخاء وتقدير جهوده في الحمية وبكل صدق، وعليك أن تحتفظ بردود فعلك السلبية لنفسك، لا تصرخ بها في وجه طفلك عندما تغضب منه أيضاً.
- هل تريد التحقق من دورك كأم أو كأب فقط؟ لأن الأهل غالباً ما يكون لديهم توقعات غير واقعية بواجب أبنائهم تجاههم، ومن الصعب بشكل خاص على الأهل أن يتوقعوا من أطفالهم حل المشكلات العاطفية؛ من خلال الاعتراف بأنها تجارب خاطئة، إنه دور لا يود المراهق القيام به، لكن ما يمكنك القيام به هو: أن تلعب خارج دور الوالدين المتسلطين، أكرر ضع حدوداً واضحة ولا تتدخل في شؤنه العاطفية ما لم يلجأ إليك، أو تشكل هذه العلاقة العاطفية خطورة ما على طفلك المراهق.
- هل دائما يقول لك "نعم" حتى عندما تريد منه أن يقول "لا"؟ لا أحد يحب دور الضحية؛ إذا كنت دائماً تقول نعم عندما تريد أحياناً أن تقول لا... فكر في هذا: لا بأس أن تقول لا للطلبات التي لا تريدها أو لا تستطيع أن تفعلها دون أن تزعج نفسك، لكن عليك التمييز بين الحاجة الحقيقية للمساعدة وعندما يريد طفلك شيئاً ما.. لذا ما يمكنك القيام به هو: إذا كان طفلك يحتاج إلى مساعدة؛ استخدم طلبه كفرصة لتعليمه أن يعرف متى يقول "لا" مثل: "أنا سعيد للقيام بذلك (أو أنا آسف لا أستطيع الآن)".
كيف تتعامل مع الحب في حياة طفلك المراهق؟
بعد أن دخلنا في تفاصيل مهمة عن شكل العلاقة بينك وبين طفلك المراهق وكيفية وضعك الحدود معه.. كيلا تتسلط على حياته، دعنا نتحدث الآن عن كيفية تصرفك عندما لا توافق على علاقة طفلك الغرامية، حيث لا يبدو من تحبه ابنتك أو لا تبدو الفتاة التي يحبها ابنك؛ مثل بقية أصدقائهم، وقد لا يعجبك ما يبدو أنه أول حب في حياة طفلك! هذا ليس أكبر أخطائه.. وما بلك تتعامل بنفور مع أطفالك وكأنك لم تحب في حياتك؟
عندما يحدث ذلك.. يتم تحديك حتى أعماق روحك، لكن اسأل نفسك: هل حبك لطفلك أكبر أو أصغر من التزامك برأي أو معتقد أو نظام قيم اجتماعية؟ وهل اختيار طفلك مخيب للآمال أو يتناقض مع الطريقة التي نشأت عليها؟ بحيث لا يمكنك إيجاد طريقة للاتفاق معه؟
إنها ليست مسألة سهلة... نعلم ذلك جميعاً، وأنت تأمل أن رفضك سوف يعيد طفلك إلى رشده (برأيك)، وينهي هذه العلاقة.. وكأنك تؤمن بأن غضبك وخيبة أملك وكرهك الواضح لهذه العلاقة؛ طريقة لتغير رأي طفلك.. والحقيقة الصادمة.. لن يحصل ذلك، أنا وأنت نعرف ذلك تماماً.
إن إجبار طفلك البالغ على الاختيار بينك وبين والشخص الذي يحبه ربما ينتهي بشكل سيء، كما أنك لن تتمكن من رؤيته يتطور وينمو إلى شخصيته البالغة، ولن تكون قادراً على أن تكون معه لتهدئته في الأوقات الصعبة أو الاحتفال في أوقات فرحه.. سيكون موجوداً في حياتك ويساير رأيك، لكنه سيفعل ما يريد.
أنت أكبر سناً وأكثر حكمة، والأمر متروك لك لتعليم طفلك؛ كيف يكون كريم ومنفتح بمجرد تعلم اتخاذ القرار، فكيف يمكنك التعامل مع علاقة الحب الأولى في حياة ابنك أو ابنتك من المراهقين؟ بحيث لا تساهم في إحباطه منذ بداية حياته وفي طريق الرشد؟
إليك هذه النصائح من الطبيبة النفسية ماري هارتويل ووكر (Marie Hartwell-Walker):
- لا ترسم خطاً في الرمال: فالإنذارات لن تنجح.. لأن الحب الرومانسي أقوى من الولاء للآباء والأمهات، على الأقل في أول تجربة رومانسية، كما أن الاعتراض سيجعل طفلك أكثر التزاماً باختياره، ثم ليس لديك شيء مجزي لتقدمه، فإذا أجبرت طفلك على الاختيار بينك وبين حب حياته! سوف تخسر.
- تحدث عن مخاوفك بجدية وصراحة: اجلس معه لحديث خاص، وحدد اهتماماتك أو اعتراضاتك بهدوء ومنطق، ثم عبّر عن رغبتك وأمنيتك بالسعادة المستقبلية لطفلك، كذلك الأسباب التي تجعلك تعتقد بأن علاقتك خطئ، وأكد حبك له.. ثم استمع إلى وجهة نظر طفلك باحترام، كما لا تسمح لنفسك بالدفاع عن وجهة نظرك المتعنتة أو الغضب أو التهديد أثناء الحديث معه، فلا يمكن للناس الإصغاء للناس الذين يصرخون.
- ثق بمن ربيت وماذا علمته: قد تكون هناك سمات إيجابية في طفلك لم ترها بعد، استمع جيداً إلى وجهة نظره، وخذ وقتك للتعرف على حبه الجديد عن قرب وبشكل شخصي، ادعوا حبيب ابنتك أو حبيبة ابنك لتناول العشاء والنزهات العائلية مثلاً، وتحدث بصدق معه عما يثير اهتمامه بابنك وما الذي يحبه فيه، وأخيراً.. اكتشف كيفية تفهم علاقتهما الرومانسية وما تراه في المستقبل، كن مهتماً وابقَ نزيهاً في رسم حدود تمنعك من التسلط على أبنائك المراهقين، بالنتيجة إما ستتقلص مخاوفك أو يرى طفلك بنفسه التفاصيل، التي تجعلك قلقاً أو رافضاً لهذه العلاقة.
- العثور على شيء تحبه: قد لا تتمكن على الأقل حتى الآن؛ من حب الشخص الذي يحبه طفلك، لكن إذا كنت مقرباً منه، ربما تجد شيئاً يعجبك وإذا لم تستطع؛ الحقيقة أنك ستكون قادراً على تحمل رفضك وتحترم هذه العلاقة.. ولو على مضض، لأن هناك من يحب طفلك الذي تحبه.. وهذا ما في نفس فريق حبيب ابنتك المراهقة!
- عليك معرفة متى تستسلم: سيكون طفلك دائماً طفلك.. لكنه (بالغ)، ولديه الحق في اتخاذ قراراته الخاصة وتحمل نتيجة أخطائه، دعه يعرف أنك تتمنى أنه رأى الموضوع من وجهة نظرك، وأنك ستبذل قصارى جهدك لتقبل الشخص الذي يهتم به كثيراً، وستكون معه على طول الطريق مهما حصل، فأنت وعائلته تشكلان العمود الفقري لحياته أبداً.
في النهاية... ستسير الأمور على ما يرام، وبقدر ما تعتقد أنك تعرف أفضل من طفلك المراهق؛ فإنك لست متأكداً من ذلك دائماً، في بعض الأحيان يتبين أن الشخص الذي بدى مخطئاً كان على صواب، لكن إذا انهار كل شيء فإن حبك لطفلك سيجعله يعود إليك دوماً؛ من أجل الراحة والتعلم من الخطأ، دعنا نستفد من تجاربك من خلال المشاركة في التعليق على هذا المقال.