متى يصوم الطفل رمضان وهل يجوز إجباره على الصيام؟
قال الله تعالى في سورة البقرة من القرآن الكريم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).
فالصيام من الفرائض التي يلتزم بها المسلم المؤمن كما يلتزم بالصلاة وأركان الإسلام، وعندما كان المسلمون حول العالم شديدي الحرص على الصوم وأداء شعائر الشهر الفضيل يتساءل البعض عن السن المناسب للصيام بالنسبة للأطفال، وإن كان الصيام للأطفال يشكل خطراً على صحتهم أو نموهم، ومتى يمكن أن يبدأ الطفل بالصيام وكيف يمكن ترغيبه بصوم رمضان الفضيل وتعويده على الصيام، نحاول أن نقدم لكم إجابات شافية في الفقرات التالية.
هو واحد من الأسئلة التي تشغل بال الأهل؛ متى يجب أن يصوم الطفل وفي أي سن يعتبر مكلفاً بالصيام؟، ومما يزيد حيرة الأهل وجود آراء مختلفة حول السن الأنسب لصيام الأطفال.
والأشهر والأصح أن صيام الطفل يكون واجباً عليه بعد سن البلوغ، أي بين الثانية عشرة والرابعة عشرة، وذلك لقول النبي الكريم ﷺ: رُفِعَ القلم عن ثلاث (...) منهم الصَّبي حتى يحتلم.
والرأي الأشهر بين علماء الإسلام الأوائل منهم والمعاصرون أن يبدأ الطفل بالصيام عند العاشرة إن كان قادراً عليه، وذلك ليعتاد عليه فإذا وصل البلوغ والتكليف كان هيناً يسيراً عليه، وكره العلماء إجبار الأطفال على الصيام قبل البلوغ أو إجبار طفل على الصيام وهو غير قادر عليه لعلة أو مرض أو مشكلة أخرى.
خلاصة القول؛ الصيام غير واجب على الأطفال قبل سن البلوغ، وإن كان عند الأهل الرغبة بتعويد الطفل على الصيام قبل ذلك فليس قبل العاشرة من عمره على أن يكون صحيحاً سليماً ومعافى وراغباً وفاهماً لواجب الصيام، وفي حال كان الصيام في الفصول الطويلة فلا مفر من تقصير ساعات الصيام التحضيري للأطفال دون سن البلوغ مع مراعاة ألا يكون في الصيام ضرر.
هناك عشرات الأساليب الذكية لإقناع الطفل بالصيام وتعويده عليه دون اللجوء إلى القسوة والعنف، وهذه الأساليب تجعل الطفل يدرك معنى الصيام الحقيقي من جهة، وتجعله أكثر رغبة بالاستمرار والاعتياد على الصيام كجزء من العبادة وليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، ومن أهم طرق تعويد الطفل على الصيام:
- البدء في الوقت المناسب: كما ذكرنا فإن الطفل لا يجب أن يبدأ بالصيام قبل سن العاشرة على الأقل، ولا بد أن يكون الصيام بين العاشرة وسن البلوغ صياماً تمهيدياً وتحضيرياً، بمعنى صيام ليَّن وتدريجي، خاصة إذا صادف شهر رمضان فصل الصيف وساعات الصيام الطويلة.
- مراعاة حالة الطفل لتعويده على الصيام
- مراعاة سن الطفل والامتناع التام عن إجبار الطفل على الصيام قبل بلوغه.
- مراعاة الحالات الخاصة مثل فقر الدم أو الأمراض المزمنة أو الأمراض المؤقتة.
- مراعاة حالة الطفل النفسية والتعامل معه بطريقة صحيحة.
- اللجوء لطبيب الأطفال أو طبيب التغذية للحصول على برنامج غذائي متوازن للصائم الصغير.
- إبلاغ المشرفين في المدرسة أن الطفل يحاول الصيام لتقديم الرعاية له في حال ظهور أعراض التعب عليه.
- الصيام التدريجي للأطفال: لن يستطيع الأطفال تحت 12سنة الصمود 16ساعة متواصلة يومياً لمدة شهر كامل، لذلك لا بد من التدريج بالصيام، فربما من الأفضل أن يصوم الطفل الصغير لساعات قليلة ثم تتم زيادة الساعات بالتدريج ويفضل أن تكون الزيادة في أيام العطلة.
- التركيز على مفهوم الصيام للطفل: من الأخطاء التي قد يرتكبها بعض الأهل تصوير الصيام للأطفال أنه امتناع عن الطعام والشراب فقط، فيما يجب أن نشرح للطفل مفهوم الصيام الحقيقي والتركيز على الأبعاد الأخلاقية للصيام قبل التركيز على امتناع الصائم عن الطعام والشراب، يجب أن نفهم الطفل أن الصيام صيام عن القول الفاحش والفعل السيء والسلوك المخالف قبل أن يكون صياماً عن الأكل والشرب.
- الربط بين الصوم والعبادات الأخرى: كما يجب الربط بين الصيام والعبادات الأخرى لتعويد الطفل وتعليمه على مفهوم العبادة ككل، فليس في شهر رمضان فقط يجب أن نلتزم بالعبادة وكأنها عبادة موسمية!.
- التسامح مع كسر الصيام: كما يجب ألا يشعر الطفل بالعار أو الخجل من عدم قدرته على الصيام، بل يجب إفهامه أنه الآن -أي قبل سن البلوغ- يتدرب على مرحلة الصيام المفروض عليه، لذلك لا يجب عقابه بشدة في حال أفطر، ولا يجب لومه إن لم يتمكن من الصبر والاحتمال، خاصة وأن الأطفال يمتلكون قدرة مميزة على الخداع، فهم ببساطة عندما يشعرون بالخوف يقومون بكسر صيامهم سراً إرضاءً لأهلهم، وهذا يضيّع الهدف الرئيسي من تدريب الطفل على الصيام.
- الصيام دون مقابل مادي: من الأخطاء التي قد يرتكبها الأهل في سبيل تعويد الطفل على الصيام هو ربط الصيام بمقابل مادي ومكافآت مالية، الأجدى أن يتم إفهام الطفل أن الصيام عبادة، وأن مقابل العبادة أجر وثواب من الله تعالى، وليس مال أو هدايا، وإذا أردنا ترغيب الطفل بالصيام من خلال المكافآت فلا بأس بالثناء والمديح وإعداد الأطعمة المفضلة، أما الربط المباشر بين الصيام والمقابل المادي فله نتائج غير محمودة.
ومن أسوأ العادات ربط صيام الطفل بمشاهدة المسلسلات والبرامج الرمضانية، وكأن مشاهدة المسلسلات مكافأة على الصيام، فيما يجب أن يتم تنظيم مشاهدة الطفل للتلفاز بمعزل عن الصيام. - تعويض الطفل الصائم غذائياً: يجب أن تهتم الأمهات اهتماماً استثنائياً بتغذية الطفل الذي يحاول الاعتياد على الصيام، من خلال تقديم وجبات متوازنة ومتكاملة وتعويض السوائل المفقودة، كما يجب أن تهتم الأمهات بنوعية الغذاء أكثر من الكميات، من خلال تقديم الأطعمة الصحية والابتعاد عن الأطعمة الدسمة والمالحة.
تعويض الطفل غذائياً يحافظ على صحته وعمليات جسمه من جهة، ويحميه من الشعور بالتعب والوهن الذي يؤثر على رغبته بالصيام بشكل كبير من جهة ثانية، لذلك لا بد من الاهتمام بتعويض الطفل بشكل جيد، وفي حال ظهور أي أعراض نقص فيتامينات أو معادن أو جفاف يجب التوقف عن الصيام فوراً واستشارة الطبيب. - الاهتمام بتفضيلات الطفل الصائم بالطعام: تقديم الأطعمة التي يحبها الطفل على أن تكون صحية تعتبر خطوة مهمة في اعتياد الطفل على الصيام، على ألا يبدو ذلك كبديل أو مقابل مباشر للصيام، ويجب أن تتضمن الوجبات تحلية مفضلة وصحية مثل حلوى الجلي الغنية بالجلاتين والسوائل، مع التحلية الطبيعية من عصائر رمضانية وفاكهة.
نتفهَّم رغبة الأهل بتعويد ابنهم على الصيام في سن صغيرة، لكن قد يلجأ بعض الآباء إلى إجبار الأبناء على الصيام بالإكراه وقد يستخدمون عقوبات قاسية وهذا لا يجوز، لأنه يجعل الأطفال ينفرون من الصيام ويعلمهم الاحتيال على الأهل وتمثيل الصيام والنظر إلى هذه العبادة وكأنها مرتبطة بالأهل وليس بالله تعالى جلّ جلاله.
وإجبار الأطفال على الصيام يؤدي إلى مخاطر صحية ونفسية قد لا يفكر بها الأهل، أبرزها:
- كل ما هو ممنوع مرغوب، وكلما شعر الطفل أن الصيام هو مجرد منع عن الطعام والشراب كلما ازدادت رغبته أكثر بكسر صيامه ولو سراً.
- ترهيب الطفل وإكراهه على الصيام يكوِّن لديه مشاعر سلبية تجاه الصوم، وبمجرد أن يصبح قادراً على التمرد سيرفض الصيام، وستحتاج المشاعر السلبية تجاه الصيام لكثير من الجهد والوقت لعلاجها واستبدالها بمشاعر إيجابية فيما بعد.
- إرغام الأطفال الصغار على الصيام إذا كانوا غير قادرين عليه بسبب طبيعة أجسادهم أو عدم بلوغهم السن الذي يؤهلهم لاحتمال الجوع والعطش قد يسبب مضاعفات صحية خطيرة نتيجة فقدانهم كميات كبيرة من سوائل الجسم ونقص العناصر الغذائية الضرورية لنمو الأطفال نمواً سليماً.
- عندما يصادف حلول الشهر الفضيل مع موسم الدراسة فإن الصيام قد يكون سبباً بتراجع المستوى الدراسي خاصة بالنسبة للأطفال تحت 12سنة، وذلك نتيجة التعب وانخفاض التركيز.
أخيراً... يتفق خبراء التغذية والأطباء مع علماء الإسلام على خطورة صيام الطفل قبل بلوغه سن العاشرة صياماً كاملاً، وعلى إمكانية البدء بعد سن العاشرة بالصيام التحضيري إن لم يكن هناك ما يمنع الطفل من الصوم، ولا بد من مراعاة النقاط التي ذكرناها سابقاً في سبيل تحقيق الهدف من الصيام التمهيدي وهو تعويد الطفل على ركن من أركان الإسلام.