الطفل المبذر والإسراف عند الأطفال
كثيراً ما كنا في طفولتنا نسمع مصطلحاتٍ لا ندرك المقصود بها مثل "يجب أن تقدر النعمة التي أنت فيها"، كما أننا أيضاً بدافع أخلاقي أو ديني أو تربوي كنا نقوم ببعض الأفعال مثل عدم رمي الطعام واحترام المائدة أو نلتقط كسرات الخبز المرمية على الأرض ونضعها جانباً في مكان مرتفع ودون أن نفهم أيضاً سبب هذه التصرفات ولماذا تعتبر جيدة ويحثنا من حولنا عليها.
لكن بعد تطور وعينا بما كانت ترسخه هذه الأشياء في شخصياتنا من قيم وأخلاق نبيلة كالحفاظ على النعمة واحترامها، بتنا نفهم سبب هذه التصرفات التي كنا نقوم بها ونحن أطفال، والآن صرنا مهتمين بنقل هذه القيم إلى أطفالنا، ومن أهم القيم عدم التبذير وتقدير قيمة ما هو متاح له، فكيف يمكن التعامل مع سلوك التبذير عند الأطفال؟
بالمفهوم العام يمكن أن نعرف التبذير على أنه المبالغة في الصرف والتفريط بالممتلكات والإمكانيات على أشياء وأسباب لا تعد من الحاجات الضرورية للإنسان، دون وضع قيمة لما يملكه الشخص المبذر أو تقدير لقيمة الأشياء والنعم التي ربما يحلم بها الآخرين، وكلمة التبذير هي مرادفة لمصطلح الإسراف وقد يكون هذا الإسراف بالمال أو الطعام أو أي شيء يملكه الشخص المبذر.
العوامل المؤدية لسلوك التبذير عند الأطفال
الأسباب والعوامل التي تهيئ الظروف لتنمية شخصية مبذرة لدى الإنسان متعددة من حيث أنواعها، فهناك عوامل نفسية معينة تنمي شخصية مبذرة بالإضافة للعوامل البيئية والتربوية وبعض الظروف الخاصة بكل شخص على حدة كالوضع المادي للوالدين، هذا بالإضافة للأهداف الشخصية للطفل المبذر التي يبغي تحقيقها من خلال قيامه بهذه السلوكيات، ومن أهم هذه العوامل التي تتسبب في التبذير يمكن ذكر:
- محاكاة سلوك التبذير عند الكبار: فالطفل كثيراً ما يلاحظ تصرفات وسلوكيات الكبار وخاصة والديه، وتعد هذه السلوكيات بالنسبة له مغرية ليقلدها ويحاكيها، فإذا كان النموذج الكبير الذي يقلده الطفل صاحب شخصية مبذرة سوف يؤدي هذا لتعزيز هذا السلوك لدى الطفل ويحاول تقليده ومحاكاته، وهذا سوف يؤدي بطبيعة الحال لغرس هذه الصفة في شخصية طفلك كأحد خصائصه.
- إثبات الذات: فبعض الأطفال لديهم ضعف في أحد نواحي شخصيتهم، مثل عدم الثقة بالنفس أو الشعور بالدونية من جهة، أو الغرور والتعالي على الآخرين من جهة أخرى، ولجوئه لسلوك التبذير في كثير من الأحيان قد يكون انعكاس لمثل هذه المشاعر كمحاولة لتعويض النقص الناتج عنها أو لإثبات الذات والحصول على إعجاب الآخرين وتقديرهم من وجهة نظره.
- الشخصية الغير مبالية: وهي صفة عامة قد تتصف بها شخصية الطفل ككل والتي لها أسبابها وظروفها الخاصة، وهي تتميز بمجموعة من الخصائص والسمات أهما التبذير، فأصحاب هذه الشخصيات لا يقدرون قيمة الأشياء ولا يضعون اعتبار لسلبيات تصرفاتهم، فتجدهم يفرطون بأي شيء دون اهتمام، ولا يبالون بما قد ينتج عن تصرفاتهم من خسائر لهم وللآخرين.
- دلال الطفل وسلوك التبذير: الطفل المدلل الذي يرى أن كل شيء متاح أمامه بسهولة ودون عناء ويرى أن لديه وفرة من كل شيء، يكون غالباً أكثر عرضة لأن يتعلم سلوكيات التبذير بكافة أشكالها، فهو لا يعرف قيمة ما يملكه أساساً ولم يختبر مشاعر الحرمان والحاجة.
- الشخصية الاتكالية: الأطفال الذين يتميزون بشخصية اعتمادية اتكالية لا يقدرون الجهد والتكاليف التي تبذل لحصولهم على أي شيء يريدونه، فهم اعتادوا الحصول على كل شيء بالاعتماد على أشخاص آخرين وخاصة والديهم، ولهذا هم من أكثر الشخصيات عرضة لأن يصبحوا مبذرين.
تختلف أنواع التبذير باختلاف موضوعه أو الشيء الذي حصل عليه فعل التبذير، وهذا الاختلاف ينشأ غالباً من طبيعة العوامل التي تعلم الطفل بسببها سلوك التبذير، وحتى نتمكن من علاج مشكلة التبذير عند الأطفال من كافة جوانبها ونواحيها، تبدو ضرورة التعرف على هذه الأنواع وشرح معناها وفهم أسبابها، ومن أوجه أو أنواع التبذير الأكثر شيوعاً يمكن أن نذكر:
- التبذير والإسراف المادي: وهو النوع الذي يكون موضوعه التبذير بالأموال، حيث تجد المبذر في هذا النوع يصرف الكثير من الأموال على أشياء ليست له حاجة بها ولا فائدة مرجوة منها، وغالباً ينمو هذا النوع عند أطفال الذين ينتمون لأٍسر ثرية كونهم لا يجدون صعوبة في الحصول على المزيد من الأموال في أي وقت.
- التبذير بالطعام وعدم احترام النعمة: كشراء كمية من الأطعمة والمأكولات المخصصة للأطفال أكبر من الحاجة الفعلية أو التي يستطيع أن يأكلها، فتجد الطفل في هذه الحالة يستهلك جزء من هذه الأطعمة ويرمي الباقي منها عندما يشعر بالشبع، بدلاً من شراء فقط ما يحتاج إليه منذ البداية، ويلاحظ أيضاً هذا النوع عند الأطفال الذين يملؤون صحونهم بكمية كبيرة من الطعام على المائدة ولا يأكلوا ربع هذه الكمية فقط.
- التبذير في الأشياء والممتلكات: كحالة الطفل الذي يقوم بتحطيم لعبته بعد أن يشعر بالملل منها، أو الأطفال الذين يقومون بتخريب الأشياء مثل أثاث المنزل أو أغراضهم المدرسية أو حتى ملابسهم، فالطفل في هذه الحالة لا يدرك قيمة هذه الأشياء وربما لا يعرف من أين جاء ذويه بها إن صح التعبير فهو يفترض أنها موجودة بشكل طبيعي وعند تخريبها سوف يحصل على بديل عنها بسهولة.
يعتبر سلوك التبذير والإسراف لدى الأطفال أو الكبار سلوك سلبي ومرفوض لما يعود به من آثار ونتائج سلبية سواء على الطفل ذاته أو على أسرته ومحيطه، وبالأخص على مقدراته وممتلكاته، فسلبيات هذا السلوك قد تنعكس على بعض نواحي شخصية الطفل وربما على مستقبله أو صورته الاجتماعية وطبيعته النفسية، ويمكن ذكر بعض سلبيات هذا السلوك مثلاً:
عدم احترام قيمة النعمة: غالباً ما يكون الطفل المبذر لم يتعرض بعد لمواقف كالحرمان من بعض الأشياء التي كانت متاحة في الماضي أو يشعر بالحاجة الماسة لشيء ما ولا يتمكن من الحصول عليه، فهو يرى أن كل شيء متوفر وموجود لا داعي للقلق او الحفاظ على ما يملكه مهما كان فمجرد أن يخسره سوف يحصل عليه من جديد في وقت لاحق.
خسارة الممتلكات: فالطفل المبذر تنمو لديه صفة اللامبالاة، فمهما كلفت تصرفاته من خسائر لا يهتم، وكأن كل شيء يمكنه الحصول عليه بسهولة، ولا يكترث إذا أدت لا مبالاته وتبذيره إلى تخريب الأشياء والممتلكات فكونه يلعب ويتسلى لا قيمة لأي شيء آخر.
الطفل المبذر لا يحترم مشاعر الآخرين: في بعض الأحيان قد يتواجد أطفال أبناء العائلات الثرية وأبناء العائلات الفقرة جنباً إلى جنب بنفس الأماكن كالمدراس، وعندما يتصرف الطفل الغني بتبذير أمام الطفل الآخر الذي لا يستطيع الحصول على الأشياء التي أمامه، سوف يؤدي هذا لجرح مشاعره وإثارة عواطف تعتبر سلبية بين الأطفال.
التبذير ينمي شخصية مادية: حتى يتمكن الطفل المبذر من تحقيق كل الأشياء والكماليات التي هو معتاد عليها سوف يحتاج مورد دائم ولا ينتهي، وفي بعض الحلات التي لا يتوفر فيها هذا المورد قد يسرق الطفل المبذر أو يقوم بأي شيء للحصول على ما يريد، ويصبح جل اهتمامه المال والأشياء المادية.
تعلم الأنانية: الطفل المبذر غالباً يرى أن كل شيء من حقه ويمكنه أن يتصرف به ويبذره كما يحلو له، وهو يفكر بأنانية عندما يقترب أحد من أي شيء يعتبره ملكه، وهكذا تنمو لديه الشخصية الأنانية.
كون التبذير والإسراف سلوك مرفوض وصفة سلبية غير مرغوب بها لدى الإنسان من ناحية، وكون التبذير بحد ذاته سلوك مضر لصاحبه من نواحي أخلاقية واجتماعية ونفسية عدة، وكون جميع الناس يرغبون بتنمية شخصية مثالية خالية من أي صفات سيئة لدى طفلهم من ناحية أخرى، يأتي الاهتمام في الطرق والوسائل التربوية التي يمكن من خلالها أن نقي أطفالنا من تعلم هذا السلوك والاتصاف به، ويمكن تحقيق هذه الغاية من خلال عدة طرق تمثل منهج تربوي أخلاقي وأهمها:
تعويدالطفل على القناعة: قيم مثل القناعة والاكتفاء بالحاجات الفعلية والضروريات تعتبر من القيم الهامة التي تجنب الأطفال العديد من الصفات السلبية، فعندما يقتنع الطفل ويرضى بالقليل الذي يسد حاجاته، فإنه سوف يصبح أقل عرضة لتعلم التبذير كونه اعتاد أن يكتفي بما يحتاجه.
تعليم الطفل فكرة التوفير والادخار: عن طريق تجميع الفائض عن حاجاته في حصالة خاصة به، ولا يفتحها إلا في مناسبات معينة ليجد فيها ما يكفيه لتحقيق كل رغباته في هذه المناسبة مثل الأعياد أو الرحلات المدرسية.
التمييز بين الكرم والتذبير: قد يلجأ بعض الأطفال للتبذير والإسراف كونهم لا يدركون الفرق بين مفهومي الكرم والتبذير، وفي مثل هذه الحالة يجب شرح هذه المسألة للطفل عن طريق الأمثلة الحية، فالألعاب التي يحطهما يوجد أطفال آخرين لا يمكنهم الحصول عليها، وبدلاً من تخريبها من الأفضل أن يتبرع فيها لأحد هؤلاء الأقران.
تعليم الطفل تقدير قيمة الأشياء: ويتم هذا عن طريق إشعار الطفل بصعوبة الحصول على بعض الأشياء، عن طريق إطالة الفترة التي سوف يحصل فيها على ما يريد أو ربط رغباته ببعض الواجبات التي عليه القيام بها، ولكن دون المبالغ حتى لا يشعر أن هناك شروط دائماً حتى يحصل على حاجاته.
وضع بعض المسؤوليات على عاتق الطفل: كإعطائه مصروفاً مناسباً، وجعل بعض الِاشياء والحاجات من مسؤوليته وعليه شرائها من مصروفه الشخصي، مثل حاجاته المدرسية أو ألعابه، أو حتى القيام برحلات ونزه مع أقرانه، وذلك عن طريق التوفير والادخار.
تحديد مصروف مناسب: فبناء على عدة معايير مثل وعي الطفل ومرحلته العمرية بالإضافة لحاجته الفعلية اليومية وما عليه من مسؤوليات، يجب أن يخطط المصروف الدوري الذي يحصل عليه حتى لا يكون الفائض أكثر من اللازم وبالتالي يتعلم التبذير لأنه يحصل على ما هو أكثر من حاجاته.
شخصية طفلك في معظم جوانبها هي انعكاس لما يتعلمه من محيطه، سواء من والديه أو مدرسته أو ألعابه وبرامجه التلفزيونية التي يشاهدها، فكل هذه الأِشياء تعد بمثابة نماذج تعليمية ينهل منها طفلك أفكاره وقناعاته وربما صفاته وخصائصه، وإذا كانت هذه الأِشياء تمثل نموذج بصفة سيئة مثل التبذير فمن الطبيعي أن يتعلم هذا السلوك ويقلده، ومن هنا حاولنا تقديم دراسة عن هذا السلوك من حيث معناه وأسبابه وآثاره وطرق وقاية أطفالنا منه، في محاولة لتجنيب أطفالنا الاتصاف بهذه الصفة المرفوضة.