كوابيس وأحلام الأطفال المزعجة
كثيراً ما يستيقظ الأطفال بشكل مفاجئ من نومهم العميق يبكون ويصرخون وهم مذعورون وخائفون، وعندما نسألهم عن الذي حصل، يقولون بأنهم رأوا أشياء مخيفة، وحوش غريبة أو أشباح أو قد يرون أن أحداً ما حاول الاعتداء عليهم بشكل أو بآخر أو قد يرون حيوانات تهاجمهم والكثير من الأحلام التي تقلق راحتهم وتوقظهم من نومهم.
وهذه المسألة قد تكون سبباً في العديد من المشاكل النفسية والعاطفية على أطفالنا، لما تسببه في أنفسهم من خوف وذعر، ولذا كان يجب أن نتعرف على هذه الكوابيس والأحلام المزعجة ونفهم أعراضها وأسبابها بهدف مساعدة أطفالنا في التخلص منها أو على الأقل التخفيف من آثارها على شخصيتهم.
هي عبارة عن رؤى ومشاهد مزعجة تراود الفرد خلال نومه بشكل غير إرادي ولا يمكنه التحكم فيها، تتضمن هذه المشاهد أحداث ومواقف مخيفة ومرعبة مثل الكوارث أو أشكال الاعتداءات المختلفة التي تمارس على صاحب الكابوس نفسه أو أحد آخر، بالإضافة لأنها تتضمن الهواجس والمخاوف الشخصية للنائم مثل الفوبيات والسقوط، وقد تتضمن أشكال غريبة مثل الأشباح والأرواح الخيالية.
تكمن الضرورة في التعرف على العوامل التي تتسبب في رؤية الأطفال للكوابيس، في معرفة منشأ هذه الكوابيس وما طبيعة الأشياء التي يفكر فيها الطفل ومخاوفه التي تقلق راحته، وبالتالي إيجاد الحلول الأفضل للتخفيف من هذه المخاوف وبالتالي الكوابيس الناتجة عنها، ومن أهم الأسباب التي تقف وراء رؤية الأطفال للكابوس والأحلام المزعجة:
- التهديدات التي يتلقاها الطفل ومخاوفه: في المدرسة أو المنزل سواء من قبل المعلمين أو الأهل، يتعرض الطفل لأشكال مختلفة من العقاب أو التهديد به، بالإضافة لتهديدات من أنواع أخرى مثل حالات تعرضه للتنمر من قبل أطفال آخرين، وكل هذه التهديدات تمثل مخاوف بالنسبة له، وقد تراوده وتزعجه خلال نومه.
- بعض القصص المتداولة التي يسمع عنها: كثيراً ما يسمع الطفل بقصص وحكايات مما يروى أمامه من أحاديث قد تتضمن شخصيات وأحداث مخيفة أو ما يشاهده على التلفزيون من مشاهد وأفلام مرعبة، حيث أن مثل هذه الأشياء سوف تترسخ في وعي الطفل، وقد تأتيه في منامه على شكل كوابيس وأحلام مزعجة.
- إخافته من قبل ذويه: يلجأ بعض الأهل وبطريقة غير مسؤولة إلى إخافة طفلهم بأشياء وأفكار خيالية ومرعبة وذلك سواء بدافع اللعب والتسلية معه أو بدافع إجباره على القيام بما يردون منه مثل (غرفة الفئران – الغول – سوف تتعرض للخطف)، والأطفال كثيراً ما يفكرون بهذه الأشياء بل وقد يقومون بتحليلها وتخيلها، وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأفكار سبب في نشوء بعض الكوابيس لديهم.
- وضعية وحالات النوم: فالجو الموجود بحجرة نوم الطفل والطريقة التي ينام فيها ووضعية جسمه لها أثر كبير في ما يراه في أحلامه، مثل درجة إضاءة الغرفة ودرجة الحرارة وحالة الجسم إذا كان بوضعية مريحة أو مزعجة بالإضافة للروائح الموجودة بالغرفة وما تسببه من ضيق تنفس، وأيضاً اتساع الغرفة أو ضيقها.
- الهواجس والمخاوف: فكل طفل قد يكون لديه مخاوفه وهواجسه الخاصة به والتي قد لا توجد لدى جميع الأطفال، مثل الخوف من المرتفعات والأماكن الضيقة أو المعتمة، أو المخاوف الناتجة عن بعض الأفكار والتهديدات التي يتعرض لها الطفل خلال يومه، فكلها سوف تشكل لديه هواجس وتأتي له في نومه على شكل كوابيس.
- مرور الطفل بموقف مخيف في فترة سابقة: حدث مرعب أو التعرض لهجوم أو اعتداء مخيف أو رؤية حادث مروع، بالإضافة للمواقف المحزنة كوفاة أحد الأعزاء، فهذه المواقف كلها قد تشكل اضطراب نفسي لدى الطفل يصاحبه رؤية هذه المواقف في المنام وتكراراها باستمرار، وهذه الحالة غالباً هي المرافقة للحالات المرضية.
لا يوجد شكل محدد وواضح من الأحلام يمكن وصفه بأنه المقصود بالكابوس، فهو من حيث معناه يشمل العديد من المواقف والأحداث أو المخاوف والهواجس والتي قد تأتي بصور وصيغ مختلفة ومتنوعة ولكن جمعيها تتصف بأنها مخيفة ومرعبة، ومن أشكال الكوابيس وأنواعها واسعة الانتشار بين الأطفال يمكن ذكر:
- الأحداث الكبيرة المرعبة: وهي عادة تنتج عن الجو المحيط بالطفل من مشاهد يراها بشكل يومي أو قد يكون يتابع مسلسل تلفزيوني مع ذويه، فيرى في نومه أنه وسط أحداث مخيفة وضخمة مثل المعارك الانفجارات والكوارث الإنسانية والحروب والأصوات الصاخبة.
- أشياء خيالية: وهي تنتج عن المخاوف والأفكار الغريبة المترسخة في ذهنية الطفل فيرى مثلاً الأشباح الغريبة بالإضافة لأرواح أشخاص موتى يتحركون ويتكلمون معه أو يحاولن مهاجمته، ويمكن أن يرى أيضاً حسب ما يقول أشياء غريبة أو أنه في أماكن غريبة وحيد أو تائه.
- التعرض للهجوم: قد يستيقظ الطفل مذعوراً ويقول أنه قد تعرض لهجوم من قبل قطة أو كلب أو أنه رأى إنسان بشع ومخيف المظهر يحاول الإمساك به وإيذائه، أو قد يرى أن معلمه في المدرسة يضربه أو يحبسه في غرفة مظلمة.
- الهواجس الشخصية: الأشياء التي قد تعتبر مخيفة بالنسبة للطفل نفسه مثل الفوبيات والوساوس القهرية، كالأماكن المرتفعة والحرائق والأماكن المظلمة والضيقة والتواجد وحيداً في غابة موحشة، وغيرها من الأشياء قد يراها الطفل وهي في الحقيقة قد تعبر عن مخاوفه وهواجسه الحقيقية.
- أحداث سريعة ومفاجئة: وهذا النوع من الأحلام يتميز بأنه قصير ويحدث خلال الفترة الأولى من النوم ويترافق مع بعض الظروف الخاصة مثل السقوط من مكان مرتفع أو الغرق أو التعرض لضربة مفاجئة، فيستيقظ الطفل من نومه بشكل مفاجئ وهو خائف وغير مدرك لما حدث معه وإذا كان نائماً أو مستيقظاً.
لا يوجد تفسير واضح يشرح الوظيفة الفيزيولوجية التي يمارسها الكابوس أو الحلم الذي يراه الإنسان خلال نومه، فيما عدا بعض النظريات والفرضيات التي لم تلقى اتفاقاً عاماً أو إثباتاً قاطعاً بالمجال العلمي، ولكن يمكن أن نعدد بعض هذه الفرضيات على سبيل الاطلاع وليس الإثبات:
- التحفيز على الاستيقاظ في حال وجود مشكلة: وهذه النظرية ترى أن مهمة الكابوس هي تحفيز الشخص النائم على الاستيقاظ في حالات مثل وضعية خاطئة ومضرة للجسم أثناء النوم مثل مشاكل التنفس وغيرها أو وجود خطر بالمكان الذي ينام به مثل رائحة حريق وهي مؤثر خارجي على حلم الشخص النائم.
- تنبيه الأعصاب والجملة العصبية: نوم الإنسان يمر بعدة مراحل، وفي أحد هذه المراحل يتعرض جسده لحالة من الشلل أو الخدر لمنع حركته خلال النوم، ويرى البعض أن مهمة الكوابيس في هذه الحالة هو تنبيه الجملة العصبية حتى لا تتعرض الأعصاب للضرر جراء هذه العملية.
- توقع المستقبل: يرى أصحاب هذه النظرية أن الأحلام عموماً هي عملية عقلية دماغية معقدة مهمتها التنبؤ بالمستقبل ووضع كم كبير من الاحتمالات للشكل الذي سوف يكون عليه بناء على تحليل خبرات ومواقف الذاكرة وتوقع نتائجها.
بسبب الطبيعة المزعجة للكوابيس وما يرافقها من مشاعر الخوف والذعر أو القلق والتوتر، قد تتسبب في ظهور العديد من الآثار على نفسية الطفل وعواطفه أو حتى تصرفاته، وكل ذلك سوف ينعكس بشكل أو بآخر على شخصية الطفل، ومن أهم آثار ونتائج الكوابيس عند الأطفال:
- التبول خلال النوم: في كثير من الأحيان تكون الكوابيس التي يراها الطفل خلال نومه سبباً في التبول في فراشه ليلاً، وهو في الحقيقة قد يستيقظ ولكنه لا يجرؤ على الذهاب لقضاء حاجته وحده في الظلام، فيتبول في فراشه.
- مشاكل النوم المختلفة: يعاني الأطفال الكثير من أنواع وأشكال اضطرابات النوم، والكوابيس قد تكون من العوامل الأساسية في هذه الاضطرابات مثل حالات الاستيقاظ المتكرر ليلاً ورفض النوم في غرفة خاصة لوحده والخوف من الخلود إلى النوم والبكاء الشديد عند إجباره على ذلك.
- اضطرابات نفسية: كوابيس الأطفال قد تكون عاملاً في نمو العديد من الاضطرابات النفسية لديهم مثل حالات القلق والتوتر والاكتئاب والخوف الدائم وتخيل أشياء وأشكال وهمية مخيفة.
- فقدان الثقة بالنفس: جراء المخاوف التي تسببها الكوابيس للطفل والهواجس التي تنتج عنها بالإضافة لسخرية الآخرين منه ونعته بالجبن، في كثير من الحالات يفقد الطفل ثقته بنفسه ويخاف من القيام بأي شيء وحده.
إذا ما تجاوزت مخاوف الأطفال الحدود الطبيعية والمقبولة، فقد تتحول إلى عامل من جملة عوامل تتسبب في العديد من الأمراض النفسية أو قد تتحول لمشكلة واضطراب نفسي وسلوكي بحد ذاتها، والجميع لا يرغب بأن يعاني طفله البريء الحساس من هذه المشاكل والاضطرابات، ولذا من الضروري معرفة بعض الخطوات التي تساعد في التقليل من رؤية الأطفال للكوابيس ومن هذه الخطوات مثلاً:
- عدم إخافة الطفل: وبدلاً من إخافته بأشياء وأفكار غير موجودة لحثه على القيام بسلوك معين أو منعه عنه، يفضل اتباع خطوات تربوية أخرى مثل الحوار معه أو فكرة الثواب والعقاب والعديد من الأشياء الأخرى بعيداً عن إخافته.
- عرضه على الطبيب في الحالات المستعصية: ففي حالات الكوابيس المتكررة التي تسبب مشاكل واضطرابات للطفل، قد تصل لحدود المرض أو الاضطراب النفسي؛ هنا يجب عرض الطفل على المختصين لتقييم حالته.
- تأمين جو صحي ومناسب للحجرة التي ينام فيها: العناية بمستوى وطبيعة الإضاءة وحتى ألوان الطلاء وترتيب الغرفة وفتح منفس مناسب وكافي في الغرفة والانتباه لدرجة حرارتها، وإبقاء بعض الأنوار في المنزل حتى لا يخاف الطفل إذا استيقظ ليلاً.
- إبعاده عن الأشياء المخيفة: مثل المشاهد العنيفة على التلفزيون والقصص التي تتضمن أفكار وشخصيات خيالية مرعبة والأحاديث عن الموتى والأرواح التي عادة ما تدور بين الكبار.
- تبديد مخاوفه: فقد يخاف الطفل من أشياء عديدة أو يبالغ في الخوف من أشياء موجودة فعلاً، وهنا يجب أن نشرح حقيقة هذه الأشياء إذا كانت موجودة أم لا والأساطير التي تروى عنها، بالإضافة لعلاجه من بعض الهواجس إن وجدت.
إذاً فكوابيس الأطفال والأحلام المزعجة تسبب لهم الكثير من الخوف وعوامل القلق والتوتر، ومن جهة أخرى فهي تمارس وظيفة طبيعية نفسية وفيزيولوجية في جسد الطفل، ومن هنا حاولنا في هذه الدراسة شرح مفهوم هذه الكوابيس من حيث أسبابها وآثارها في الحالات الخارجة عن الحدود الطبيعية، وكيف تمارس وظيفتها بشكل طبيعي، وبالتالي يمكن تحديد متى تصبح حالة مرضية ويتوجب الاهتمام بها وعلاجها.