هل هناك علاج لخيانات الزوج المتكررة؟
حتى في المجتمعات الأكثر انفتاحاً وتحرراً فإن الرجال أكثر إقداماً على الخيانة الزوجية من النساء، خاصة بعد العقد الثالث من العمر، ويبدو أن الرجال يمتلكون ميلاً أعمق لتعدد الشركاء.
بعض الرجال يمرون بنزوة قد تمتد لفترة ثم تنتهي ولا تتكرر، ما يتيح للزوجة فرصة لإعادة بناء ثقتها بالزوج وإعادة ترتيب حياتها الأسرية والخروج من عنق الزجاجة، لكن ماذا عن الخيانات المتكررة؟ هل يمكن التأقلم مع خيانات الزوج المتكررة؟ هل هناك علاج لهذا النمط من الخيانة؟
تختلف ردة فعل الزوجة على خيانة الزوج باختلاف الشخصيات واختلاف العوامل والظروف المحيطة، تتأثر أيضاً بطبيعة الزوج وشخصيته، السمات العامة للعلاقة التي تجمع الزوجين، وحتى بالمعايير الاجتماعية السائدة في مجتمع من المجتمعات، لذلك لا يشترط في ردة الفعل أن تعبر عمَّا يدور في بال الزوجة أو ما تشعر به، لكنها غالباً ما تكون استجابة محسوبة لكل الظروف التي ذكرناها.
وتعتبر ردة فعل الزوجة على الخيانة الأولى عاملاً جوهرياً في رسم ملامح مستقبل العلاقة بين الزوجين، فغالباً ما يميل الرجال إلى تكرار الخيانة الزوجية في حال شعورهم أن الخسائر أقل من الأرباح أو أن النتائج المترتبة على الخيانة ليست كارثية، وفي الفقرة القادمة سنتعرَّف إلى أسباب تكرار الخيانة.
ما أسباب تكرار الخيانة الزوجية؟ في مقالات سابقة تحدثنا بالتفصيل عن الأسباب المحتملة التي تدفع إلى الخيانة الزوجية وعن كيفية تفكير الرجل الخائن قبل وبعد الخيانة وتحدثنا أيضاً عن تفكير الرجال المخلصين وأسباب امتناعهم عن الخيانة، لكن لماذا قد يكرر الرجل خيانته إن مرَّت الخيانة الأولى بسلام؟ ما الذي يدفع الرجل إلى تكرار تجربة الخيانة؟ لنتعرف إلى الأسباب:
- ردة فعل الزوجة: كما ذكرنا فإن ردة فعل الزوجة على الخيانة الأولى لها دور كبير في تحديد ورسم ملامح العلاقة الزوجية في المستقبل، وردة فعل الزوجة على الخيانات الزوجية المتتالية أيضاً تعطي الزوج إشارات ملائمة للاستمرار في الخيانة.
فعندما تكون ردة فعل الزوجة متسامحة أو عادية أو قابلة للاحتواء بسهولة لا يخشى الزوج من افتضاح خيانته مرة تلو الأخرى، فهو يعلم سلفاً أنه سيدفع ثمناً بخساً لقاء الخيانة، ويتوقع مسبقاً ردة الفعل بناء على التجارب السابقة.
وكي لا نظلم الزوجة المخدوعة فإن ردة فعل الزوجة المتسامحة أو الراضخة أو حتى الانتهازية (كأن تقبل الزوجة هدايا ثمينة من الزوج مقابل السكوت عن خيانته) لا تكون دائماً نابعة عن رضا الزوجة، بل تسيطر على الزوجة الكثير من الاعتبارات الاجتماعية والشخصية التي تتحكم بردة فعلها.
فأهل الزوجة غالباً ما ينصحون بالصبر، والزوجة قد لا تمتلك استقلالية مالية ودعماً أسرياً يسمح لها باتخاذ مواقف حاسمة، كما أنها قد تكون ضعيفة الشخصية لا تستطيع مواجهة الزوج الخائن الوقح أو العنيف، لكن كل هذه الاعتبارات لا تغير من حقيقة أن الزوجة المتسامحة مع الخيانة بشكل أو بآخر تسهِّل على زوجها تكرار الخيانة مرة بعد أخرى. - السمات الشخصية للزوج: على الرغم من كون خضوع الزوجة يؤثر على فرص تكرار الخيانة؛ لكن المذنب الأول والأكبر هو الزوج الخائن، ولا يمكن تجريم الضحية بوجود الجلاد الذي يكرر خيانته.
وفي هذا السياق فإن السمات الشخصية للزوج وتكوينه الأسري والتربوي وتجاربه الخاصة؛ كل ذلك يلعب دوراً كبيراً في إقدامه على الخيانة للمرة الأولى، ويلعب دوراً أكبر في توبة الزوج عن الخيانة أو تكراراها مرة ثانية.
فالزوج المهمل اللامبالي بارد المشاعر والذي ينظر إلى زوجته كخادمة أو كأم للأولاد فقط، والزوج الذي يؤمن بالفكرة القائلة أن من حق الرجل فعل ما يشاء، والزوج الأناني.... كل هؤلاء أكثر عرضة للخيانة وأكثر عرضة لتكرارها. - أسباب ودوافع الخياتة ما تزال موجودة: يضع الرجل الخائن عدد لا نهائي من المبررات التي تساعده على تقبل خيانته لزوجته والظهور بمظهر الضحية أو صاحب الحق، ومن أشهر هذه المبررات عدم الرضا الجنسي أو الخلافات الزوجية العميقة أو ضغوطات الحياة أو حتى عدم القدرة على مواجهة الإغراء...إلخ، وعندما لا يتمكن الرجل من علاج ما يعتقد أنها أسباب ومبررات للخيانة، لا يستطيع الوصول إلى صورة الحياة التي يريدها مع زوجته، فإنه يحافظ على الحياة الموازية التي أنشأها خارج الزواج من خلال المداومة على الخيانة الزوجية.
وهنا لا بد من التنويه أن الزوج معدوم الضمير سيتمكن دائماً من وضع مبررات جديدة وأسباب جديدة لتكرار الخيانة، لكن وجود الأسباب نفسها لفترة طويلة يجعله أكتر تسامحاً مع ذاته عند تكرار الخيانة. - الاضطرابات النفسية والجنسية: قد تكون الخيانات الزوجية المتكررة خارجة عن إرادة الزوج الواعية، حيث تقف خلفها دوافع مضطربة نتيجة الإصابة بالاضطرابات النفسية أو الجنسية المميزة أو المشخَّصة، وفي هذه الحالة لا مفرَّ من مراجعة الطبيب والمعالج النفسي المختص لتقديم التشخيص الصحيح والعمل على علاج الحالة، ومن الاضطرابات التي قد تقود إلى خيانات زوجية متكررة إدمان الجنس والهوس الشبقي والاضطرابات الانشقاقية والفصامية.
- الزوج الماجن! في حالات خاصة لا تكون الخيانة الزوجية بحد ذاتها هدفاً للزوج، بل هي جزء من حياة ماجنة متكاملة، فيها شرب الكحول والإدمان على المخدرات أو القمار والذهاب إلى الملاهي الليلية والقيام بسلوكيات انحرافية مختلفة، وبعيداً عن تحليل الشخصية الماجنة يكفي القول أن علاج الخيانة بشكل منفرد لن يكون حلاً مع الزوج الماجن.
لا تنسى الزوجة جرح الخيانة بسهولة سواء استمر زواجها أم لم يستمر، ومن حقها أن تشعر بالريبة والقلق من أي تصرفات غريبة أو حتى عادية يقوم بها الزوج وإن كانت هذه التصرفات بريئة، وقد يكون الزمن كفيلاً بتخفيف آثار الخيانة النفسية لكنه قد لا يقوى على محوها نهائياً.
وفي حالات الخيانة الزوجية المتكررة فإن الجرح لا يكاد يبرأ حتى ينكأه الزوج من جديد، فتعيش الزوجة في حالة خيانة مستمرة قد لا تستطيع مواجهتها، وهنا تفكر: هل هناك علاج لخيانات الزوج المتكررة؟.
- معالجة الأسباب: على الرغم أن معظم الأسباب التي تدفع الرجل للخيانة هي مجرد ذرائع ومبررات تساعده في تحقيق التسامح الذاتي مع فعلته؛ لكن قد يكون من المفيد أن تحاول الزوجة تحديد الأسباب التي تدفع زوجها لخيانتها باستمرار، وتقوم بمعالجة ما تقدر عليه وما يتعلق بها من هذه الأسباب لتضيق الدائرة على الأقل.
- تغيير ردة الفعل: غياب ردة الفعل الحازمة من الزوجة وقبولها بالأعذار باستمرار أو حتى قبولها بالتعويضات المادية التي يقدمها الزوج على شكل هدايا؛ كل ذلك يحرض الزوج على التمادي أكثر، وتغيير ردة الفعل وإن لم يكن هيناً لكنه مهم في سبيل كبح الرجل عن الاستمرار بالخيانة.
وقد يكون اتخاذ موقف حازم وتحديد خيارات ضيقة أمام الزوج "إما الأسرة أو الحياة الماجنة" طريقاً لدفع الزوج نحو إعادة التفكير بتصرفاته ومسؤولياته تجاه زوجته وأسرته. - الطريق المسدود: لطالما نظر الناس إلى الطلاق باعتباره خراب بيوت، لكن الطلاق والانفصال أحياناً يكون هو الحل المثالي، فإن لم تكن الزوجة قادرة على تصحيح مسار زوجها أو التأثير عليه أو جعله أكثر مسؤولية ربما يكون من الأجدى أن تحفظ كرامتها وتقلب الصحة وتبحث عن حياة جديدة لا تكون فيها تلك المرأة الساذجة أو المخدوعة أو الخانعة.
- التأقلم مع الخيانة: وإن كنا لا نؤيد التأقلم مع الخيانة لكن... ليست كل زوجة قادرة على المواجهة، وليست كل زوجة قادرة على اتخاذ مواقف حاسمة من الخيانة، وليست كل زوجة لها أهل يستقبلونها أو مجتمع يدعم قرارها بالانفصال أو عمل يعيلها أو سقف يسترها، كما أن بعض النساء تتملكهن المشاعر والعواطف حتَّى يسامحن دون حساب، والبعض يرغبن في البقاء مع أولادهن مهما كانت ظروف الزواج...
في هذه الحالات لا بد أن تسعى الزوجة إلى التأقلم مع زوجها الخائن، ولا بد أن تقوم بجعل حياتها مع أبنائها منفصلة عن زوجها وبعيدة عن الخلافات والمشاكل، كما لا بد أن تهتم بنفسها أكثر وتستفيد من وقتها الخاص بالطريقة التي تراها ملائمة. - طلب المساعدة: الحلول التي تأتي من الداخل دائماً أفضل من الحلول التي يقدمها الآخرون، لكن في ظروف معينة قد يصبح طلب المساعدة هو الحل الأفضل، مساعدة الأقرباء أو الأصدقاء، أو طلب استشارة زوجية من متخصص أو استشارة نفسية من المعالج النفسي.
أخيراً... تجربة الخيانة الزوجية من أقسى التجارب التي يمر بها الزوجان، وهي من أقل التجارب التي يمكن القفز فوقها وتجاوزها أو إيجاد حلول سريعة وفعالة لها، لكن إذا كان الزوج تائباً حقاً وإذا كانت خيانته نزوة عابرة مرَّت فقد يتمكن من إصلاح الأمور، أما مع الزوج الخائن المصمم على الخيانة فالحياة تبدو كالجحيم، وعلى الزوجة أن تبتكر حلولاً خاصة تساعدها على كبح زوجها أو التأقلم مع حياتها الزوجية بهذا الشكل أو وضع حد ونهاية لهذه المأساة.