ظاهرة الآباء الصغار بين الايجابيات والسلبيات

ماذا يعني مفهوم الآباء الصغار وما سبب هذه الظاهرة؟ هل هناك مشاكل وصعوبات تربوية تنتج عن صغر سن الآباء؟ وما هي الجوانب الإيجابية لصغر سن الوالدين؟ ثم ما أهمية أن يكون الشخص بعمر مناسب لإنجاب طفل وتربيته؟ وكيف يمكن التصرف حول مشكلة صغر سن الآباء؟
ظاهرة الآباء الصغار بين الايجابيات والسلبيات
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

تنتشر في كثير من المجتمعات أو في بعض فئات المجتمع الواحد الظاهرة المعروفة بالزواج المبكر، وقد نتج عن هذا الأمر ظاهرة أخرى وهي صغر سن الآباء في هذه المجتمعات ما أدى لمشكلة اجتماعية مزدوجة التأثير.
فالفرق القليل في العمر بين الآباء وأبنائهم يؤثر على الأطفال والتربية التي يتلقونها على أيدي ذويهم صغيري السن من جهة،  ويؤثر على الآباء أنفسهم من حيث استنزاف جهدهم ووقتهم وكل طاقاتهم ومواردهم في تربية هذا الطفل وهم بسن صغير من جهة أخرى، طفل يربي طفل فما هي النتيجة، وما هي الخصائص التربوية الناتجة عن صغر سن الآباء الذين لديهم مسؤوليات العناية بطفل؟.
 

ما هي المشاكل الناجمة عن صغر سن الوالدين؟
كأي ظاهرة اجتماعية ينتج عنها آثار متنوعة في شكلها واتجاها، تبرز ظاهر صغر سن الآباء كمشكلة تتسبب في العديد من السلبيات والصعوبات التربوية، فبحكم قلة الخبرة والوعي بمعنى أن يكون الوالد الصغير مسؤولاً عن العناية بطفل وتربيته ورعايته، تبرز العديد من الأخطاء والمشاكل التربوية تجعله عاجزاً وحائراً في الطريقة التي سوف يتعامل بها مع طفله ومنها:

مشكلة صغر السن وآثارها بالنسبة للآباء
- مشكلة الحمل والولادة:
حيث أن الأنثى الصغيرة في السن قد لا يقوى جسدها الفتي الصغير على تحمل مشاكل وعوارض الحمل والولادة وما يرتبط بهما من مخاطر وصعوبات طبيعية أو استثنائية، وفي هذا خطورة على صحة الأم وعلى صحة جنينها.

- تحمل المسؤولية بسن مبكرة: فوجود طفل بوقت مبكر لدى الأم والأب صغيري السن يلقي على كاهلهم مسؤوليات جمة مرتبطة برعاية شؤون الطفل وتربيته وصحته وتعليمه هذا بالإضافة إلى تأمين متطلبات العيش الأساسية من طعام وشراب ولباس، مما يعني الاستغناء عن حياتهم الشخصية كالتعليم والطموح والأحلام الخاصة.

- الخلافات التي تحصل بين الآباء الصغار: فسبب قلة الخبرة وعدم النضوج العاطفي والانفعالي يعد الآباء الصغار أكثر تعرضاً للخلافات الزوجية التي قد تصل لحالات الانفصال وإنهاء العلاقة فهم أساساً لم يضعوا باعتبارهم معايير جيدة في اختيار الشريك المناسب منذ البداية، وهذه المشاكل سوف تعود بطبيعة الحال على تربية الطفل ثمرة هذه العلاقة.

- إنجاب على عدد أكبر من الأبناء: تعد نسبة الخصوبة أكثر ارتفاعاً في السن المبكرة التي تلي مرحلة البلوغ الجنسي مباشرة، بالإضافة لأن فترة العلاقة الزوجية سوف تستمر لفترة أطول في حالات الزواج المبكر، وكل ما يسبق يعد سبب في إمكانية زيادة عدد الأولاد وما لهذا من أثر على حصول كل من هؤلاء الأطفال على الرعاية الكافية.

صعوبات تربوية بالنسبة للأطفال
- يتأثر الجنين باكتمال النمو الجنسي لوالديه:
فهناك من يرى أن عدم اكتمال الأعضاء والغدد الجنسية لدى الوالدين له آثار متنوعة على صحة الجنين وسلامته الخلقية، من حيث حصول تشوهات أو عدم اكتمال نمو بعض الأعضاء داخل رحم الأم.

- نقص خبرة الوالدين: هذا الطفل ثمرة الوالدين صغيري السن سوف يتربى على أيدي والدين قليلي الخبرة سواء في مجال العناية بطفل رضيع من حيث تغذيته وصحته وحمايته من الأمراض والمخاطر، أو من حيث تربيته تربية اجتماعية نفسية وتعليمية سليمة.

- وجهة النظر التي يكونها الطفل تجاه والديه: حيث أنه لعمر الوالدين دور في الصورة التي يراهما طفلهما من خلالها ووجهة نظره تجاههم، وخاصة عندما يرى أن الآخرين يتعاملان معهما على أنهما صغيرين وغير قادرين على تحمل المسؤولية، ولهذا آثار عديدة على شخصية الطفل الذي يرغب برؤية والديه بأفضل صورة وأنهما مثال للوعي والنضج والقوة.

- الوضع المادي للوالدين الصغيرين: غالباً ما يكون الوالدين صغيري السن لم يحققوا استقرارهم المادي بعد خاصة إذا ما كانوا ينتمون لأسر تعاني ضعف اقتصادي ومادي، وفي هذه الحالة سوف يعود أثر الوضع المادي والاقتصادي الضعيف للوالدين بشكل سلبي على حاجات ومتطلبات طفلهما العديدة.

- التعامل مع الطفل بشكل غير مسؤول: بحكم قلة الخبرة ونقص الاتزان والاستقرار العاطفي قد يقوم الوالدين صغيري السن ببعض التصرفات غير المسؤولة تجاه طفلهما، فهما لا يدركان بحكم صغر سنهم أثر هذه التصرفات، مثل التعامل بعنف مع تصرفات الطفل كضربه أو إهماله وعدم العناية به بشكل جيد.
 

animate

هل هناك إيجابيات للفرق القليل في العمر بين الطفل ووالديه؟
حتى نكون منصفين ونتوخى الحيادية والموضوعية في الطرح، فيمكن لصغر سن الأبوين إذا كان بالحدود المعقولة والقرب الناتج عنه بالعمر بين الأب والابن أن يفرز فوائد تعود بنتائج إيجابية على العملية التربوية للطفل، وهذه الفوائد غالباً ما تكون على المدى البعيد وفي حالات معينة إن جاز التعبير، ومن هذه الفوائد مثلاً:

بالنسبة للآباء
- تحمل المسؤولية:
وجود الطفل يعلم الوالدين صغيري السن تحمل المسؤولية ويساعدهما في النضوج المبكر ويجعلهما أقل عرضة لمشاكل واضطرابات مرحلة المراهقة وما ينتج عادة عنها من تصرفات متهورة وطائشة قد تسبب لهما أذى كبير وخاصة في ما يتعلق بالعلاقات الجنسية والغرامية.

- قدرة أكبر على الصبر: فالآباء الصغار يبدون مرونة أكبر في التعامل مع أطفالهم وأكثر قدرة على احتمال الضغوط الناتجة عن مسؤوليات العناية بالطفل، بعكس الوالدين بمرحلة عمرية متأخرة الذين يكونون بمزاجية لا تساعدهم على الصبر في التعامل مع أطفالهم.

- المرونة في التأقلم مع عصر الطفل: ففي حالة قرب المسافة بين عمر الطفل والديه يصبح كل من الأبناء والآباء منتمين لنفس العصر بما يحتوي عليه من تقدم تكنولوجي ومعرفي والأحداث المرتبطة والثقافة السائدة فيه، وهذا سوف يجعل الوالدين أكثر تفهماً لرغبات الطفل وخاصة في المرحلة المتأخرة من عمره ويقلل الشرخ الثقافي بينهما.

بالنسبة للأطفال
- قرب العمر بين الطفل ووالديه:
فمن جهة لهذا القرب في المسافة العمرية أثر على طبيعية العلاقة بين الطفل والديه، وعلى طريقة رؤيته لهم، ومن جهة أخرى له أثر على قدرة الوالدين القريبين من طفلهما في العمر على تفهمه وتربيته وفق معايير ثقافية وفكرية تناسب جيله وعصره.

- زيادة فرصة حصول الطفل على أشقاء من عمره: ففي حالة الزواج والإنجاب المبكر يكون الوالدين منتميان لثقافة غالباً تفضل الحصول على عدد أكبر من الأبناء خلال فترات متقاربة، ولهذا له أثر جيد على البيئة التي يعيش فيها الطفل من حيث وجوده مع أشقاء قريبين من عمره يلعبون معه ويأثرون ويتأثرون به.
 

إذاً فمن خلال ملاحظتنا للمتغيرات التي تطرأ على العملية التربوية ككل والتي تتحدد من خلال الفارق في السن بين الطفل ووالديه وما قد ينتج عن هذه المسألة من آثار سواء على الطفل ذاته أو على ذويه، يمكن ذكر بعض النقاط التي تبرز أهمية تحديد السن المناسب للإنجاب ومنها على سبيل المثال:

- الحالة المادية: التأني في اتخاذ قرار الزواج حتى يصل أطراف العلاقة لسن مناسب من شأنه أن يضمن ويتيح لهام الفرصة والوقت ليستطيع كل منهما الوصول لدرجة معينة من الاستقرار المادي وبالتالي يصبح لديهما قدر أكبر على تأمين ظروف مناسبة لمعيشتهم قبل الإقدام على خطوة الزواج.

- الخبرة في التربية: فوصول أطراف الزواج إلى سن معين ودرجة نضوج واستقرار عاطفي انفعالي مناسبة يجعلهم أكثر كفاءة وقدرة على وضع نظام لحياتهم وخطة تربوية لأطفالهم تضمن لهم نوعية حياة ورعاية أفضل.

- اكتمال نمو الأهل الجنسي: سواء بالنسبة للأب أو الأم فمن الضروري أن يكتمل نموهم الجنسي والجسدي، لتحقيق عملية حمل وولادة بظروف أفضل بالسبة للأم والجنين.

- القدرة على تحمل المسؤوليات: فوصول طرفي العلاقة إلى سن مناسبة قبل الاقدام على خطوة الزواج يجلهم أكثر وعياً ونضجاً على المستوى النفسي والعقلي لإدراك والوعي بمسؤولية العناية بطفل وتربيته وبالتالي التعامل معه بطريقة أفضل. 

- حماية الأم من مشاكل الحمل والولادة: فمن جهة السن المناسبة للزواج تضمن جهوزية جسم الأم لعملية الحمل والولادة من ناحية استقرار الرحم واكتمال النمو الجسدي والجنسي، ومن جهة أخرى تصبح هي أكثر معرفة ودراية بكيفية العناية بنفسها وبجنينها خلال هذه المرحلة.

- الاستقرار العاطفي: من الضروري أن يصل طرفي العلاقة لعمر يجعلهم مستقرين على المستوى العاطفي وأكثر كفاءة في اختيار الشريك المناسب.
 

بهدف تجاوز الآثار السلبية وتحقيق أفضل بيئة تربوية ممكنة للأطفال، تبدو أهمية البحث عن وسائل تساعد في تجاوز مشكلة صغر سن الآباء أو ما يعرف بأبوة المراهقين، وبناء على طبيعة هذه الآثار وشكلها يمكن ذكر بعض هذه الطرق التي تساعد في هذا الإطار، ومنها مثلاً:

- وضع معايير وضوابط لتحديد السن المناسبة للزواج: حيث أن الزواج في حالتيه المبكر أو المتأخر له العديد من السلبيات على مستوى أفراد هذه العلاقة وطبيعة ومستوى نضوجهم واتزانهم العاطفي أو على مستوى الأطفال ثمرات هذا الزواج، ولذلك يجب تحديد السن الأفضل للزواج بناء على معايير مثل الحالة المادية أو اكتمال النضوج الجسدي والعقلي لطرفي هذه العلاقة.

- تحديد سن الإنجاب في حالات الزواج المبكر: في الحالات التي يصبح فيها الزواج المبكر أمر واقع ولا يمكن التراجع عنه فيفضل تأخير عملية الإنجاب حتى يصبح أفراد هذا الزواج جاهزين على المستوى النفسي والعقلي والجسدي والمادي والعاطفي، للحصول على طفل والقدرة على تربيته ورعايته.

- دعم الآباء الصغار من قبل ذويهم: سواء من ناحية تقديم النصائح والإرشادات على كيفية التعامل مع الطفل ورعايته وتربيته، أو على مستوى الدعم المادي بغية مساعدتهم على تأمين مستلزمات هذا الطفل، ريثما يصبان قادرين على إكمال الطريق وحدهم وتحمل مسؤوليات أسرهم.

- تأهيل الوالدين في حال صغر سنهم: فيمكن عن طريق برامج دعم الأسرة وتنظيمها الموضوعة من قبل المؤسسات الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني وبالتعاون مع المدرسة، العناية بتأهيل الأسر المكونة من أزواج صغار السن لتعريفهم على الوسائل الأفضل في التعامل مع أطفالهم والعناية بصحتهم وغذائهم وتعليمهم.

الزواج وإنجاب الأطفال ضرورة طبيعية، تؤدي مهمة الاستمرار والحفاظ على بقاء النوع، ولكن لمتغيرات عديدة تختلف الطريقة التي تمارس فيها هذه الحاجة الطبيعية لدى البشر من حيث تنظيمها وشكلها وأسلوب تأديتها، وهذا الاختلاف غالباً يهدف لأداء هذه الوظيفة بالطريقة الأمثل، وربما من هنا يبدو سبب ميل بعض المجتمعات لعادات مثل الزواج وإنجاب الأطفال بعمر مبكر، وهذه المسألة كأي متغير سوف تفرض نفسها بطبيعة الحال على نوعية التربية التي سوف يتلقاه الأطفال ثمرات هذه الطريقة في الزواج، ومن هنا كان اهتمامنا في دراسة هذه الظاهرة من حيث أسبابها ومعاينة آثارها على العملية التربوية.