قواعد تربية طفل مستقل وتنمية استقلالية الطفل
كي يكون طفلك شخصاً مستقلاً ومرناً ومعتمداً على ذاته.. واسع الحيلة ومثابراً وجريئاً؛ عليك أن تقوم بغرس وتعزيز هذه المهارات منذ مرحلة الطفولة المبكرة، ومن الأهمية بمكان أن تحوله إلى فرد مستقل لا يحتاج إلى مساعدة تذكر أو لا يحتاج إلى المساعدة على الإطلاق، عند القيام بالمهام وحل المشكلات التي تمس حياته وتؤثر عليها بشكل مباشر.
محتويات المقال (اختر للانتقال):
لا تربي أطفالاً مستقلين!
استقلال الطفل يفسح المجال أمام التأثير السلبي للأقران والمجتمع
نحن اجتماعيون.. ولا يمكن أن نكون مستقلين تماماً، فلا ينبغي أن تعلّم أطفالك أن يكونوا مستقلين؟ وفي الوقت نفسه يجب أن تربيهم؛ كي لا يعتمدوا عليك لبقية حياتهم!.. إنها معادلة صعبة أليس كذلك؟
يقول الباحث والمتخصص النفسي جيم تايلور (Jim Taylor): "ما تعتقد أنه نمط تربوي لتعزيز استقلال أطفالك، قد يمثل عزلاً لنفسك عن أطفالك! وفي هذه الحال يبحث أطفالك عن الآخرين ليجدوا عندهم القيم والقناعات تجاه أنفسهم والعالم، وليجدوا كذلك الدعم في ظل الشعور بالارتباط"[1]، ويشرح الدكتور تايلور: هذه المشكلة.. بأن المجموعتين الأكثر ترجيحاً لتأثر أطفالك بهم هما: أقرانهم والثقافة الدارجة، وأنت بالتأكيد لا تريد أن يكون أي من هذا.. أن يكون سنداً لأطفالك يعتمدون عليه في أوقات الشدة.. لماذا؟، هذا ما يتحدث حوله الدكتور تايلور على الشكل التالي:
1- الأقران: مجموعة جيدة لأنها تضم الأصدقاء وزملاء الدراسة والرياضة والنشاطات الأخرى، التي يحبها الطفل، حيث يتحدث الأقران نفس اللغة ويتشاركون تجارب مماثلة، في الوقت نفسه.. هؤلاء الأقران لديهم أنانية مدفوعة بتلبية احتياجاتهم وأهدافهم فقط! وببساطة لا يحملون أفضل النوايا لصالح أطفالك، بالإضافة إلى ذلك لا يعرف الأقران بالضرورة ما هو الأفضل لأطفالك، حيث يتمتع هؤلاء بأدوار معينة ليلعبوها في حياة طفلك، كما أنهم لا يتخذون قرارات جيدة دائماً.
2- الثقافة الدارجة: كما وصف الدكتور تايلور في كتابه حول تأثير الثقافة الدارجة السلبي على الأطفال: "بدأ تأثير الثقافة الدراجة على الأطفال ينمو مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعمل الآن كقناة مباشرة ودائمة إلى أذهان الصغار، حيث تعمل هذه الثقافة على أن يصبح الأطفال معتمدين عليها! كما يمكن أن تحدد كيف يفكرون في أنفسهم، كذلك الأمر فيما يخص القيم التي يؤمنون بها والقرارات التي يتخذونها، والتي لن يكون أي منها في مصلحة أطفالك"[2].
التعلّم المستقل
تشجيع التعلم المستقل لدى الطفل
بطبيعة الحال.. ترتبط الاستقلالية بالقدرة على الاختيار والتمتع بحرية الخيارات، التي ينطلق من خلالها المرء في حياته، والآن.. النقطة الأهم هي تفكيرك في المهارات والسمات، التي سيحتاجها طفلك ليكون ناجحاً في مراحل لاحقة من الحياة، ليس فقط في المدرسة ومهام الواجبات المنزلية، لكن في جميع جوانب الحياة، من الثقة بالنفس والاستقلال مرة أخرى، كذلك التركيز والانضباط الذاتي.. وكل هذه هي سمات متعلّم مستقل، وهذا شيء يمكنك أن تربيه في أطفالك منذ سن مبكرة، يقول أندرو لو (Andrew Loh): "التعلم المستقل هو كل شيء عن استغلال أطفالك للفرص المتاحة لهم والوقت للتفكير والتخطيط وتطوير وتنفيذ ألعابهم المفضلة ومصالحهم أيضاً، كما أن هذا يعني أن طفلك سيكون قادراً على تمديد قدرته على التعلم؛ لتشمل مجالات مختلفة تؤدي في النهاية إلى تنمية شخصية شاملة"[3]، وفيما يلي بعض الأنشطة، التي تطور التعلّم والتفكير المستقلين لدى طفلك:
- امنحه بعض الحرية: اسمح لطفلك بقضاء بعض الوقت كما يرغب في غيابك، هذه التقنية البسيطة ستساعده على معرفة إمكانياته للقيام بالعمل (اللعب – الدراسة...) حتى في غيابك، كما تساعد هذه الطريقة الطفل على اكتساب ثقة هائلة بقدراته الفطرية.
- الدراسة من تلقاء أنفسهم: هذه التقنية ستتيح لطفلك فهم جوهر الموضوع وفهمه، وتركيز الفهم هو نسخة موسعة من التعلّم المستقل، وهذه المهارة مهمة مستقبلاً للنجاح المهني عند الطفل عندما يصبح شخصاً بالغاً.
- اسمح لطفلك بقراءة القصص بنفسه: يعتقد الخبراء أن الاستماع إلى القصص التي تحمل ثيمات (مواضيع) هادفة، يمكن أن تساعد الأطفال على تطوير مهارات التحليل المنطقي والتنبؤ بما سيحدث، مما يطور لديه مهارة وضع الاحتمالات بخصوص أي موضوع، كما أنك عندما تسمح لطفلك بقراءة القصص والحكايات بنفسه، فإنك تشجعه على تطوير مهارات التحليل والتقييم أيضاً، فضلاً عن إثراء خياله الواسع.
- شجع طفلك على العمل بروح الفريق: مهارة مهمة للحياة، ستمكّن الطفل من تطوير القدرة على العيش بين الأفراد المختلفين معه في القناعات والتفكير والمنطق، حيث يجب أن يتعلم الطفل العيش بسلام بين مختلف الناس في المجتمع.
- اسمح لطفلك بالمشاركة في المناقشات: مثلاً المناقشات في الفصل الدراسي أو خلال العمل على صنع قرار داخل الأسرة بالغة الأهمية لطفلك، بحيث يمكن أن تساعده في تنمية الجراءة والشجاعة والإيمان والثقة بالنفس والصورة الذاتية، والانضباط الذاتي أيضاً.
- اسمح له بتطوير أفكاره: عندما تساعد طفلك على التصرف وفقاً لأفكاره، فإن أول فائدة سيجنيها، هي اكتساب القدرة على الصبر والتركيز، وأنت تعلم أنه شيء حاسم للغاية في الوصول إلى النجاح المهني.
- اسمح لطفلك أن يتعلم الرسم: لأنه الفنون عموماً يمكن أن تساعد الأطفال على تنمية مهارات الخيال والمنطق والمهارات التقنية أيضاً، حتى لو لم يكن لدى طفلك موهبة الرسم، يمكنك أن تكتشف ميوله وتشجعه على ممارسة هواية أخرى يحبها.
- التمييز بين الجيد والسيئ: قد ترغب في تعليم طفلك كيفية تمييز السيئ، والمتوسط عن الأفضل والعادي عن الجيد أيضاً، ستساعد هذه المهارات البسيطة طفلك؛ على تحقيق درجة مقبولة من النجاح في كل ما يفعله أو يحققه في حياته.
- اسمح له باكتساب المهارات الأساسية لتجميع المعرفة: ساعد طفلك على تطوير الفضول للتعلّم وجمع المعلومات من خلال القراءة، كما يمكنك أن تقوم بتوسيع مكتبة المنزل بشراء كتب يهتم بها الطفل، أو تسجيله في نادي قراءة أو مكتبة محلية، كذلك وفر له ما يكفي من الألعاب والمصادر لجمع معلومات حول موضوع معين، وأخيراً خصص وقتاً تقضيه العائلة في القراءة، كذلك زيارة المكتبة المحلية.. مرة واحدة على الأقل أو مرتين خلال الأسبوع أو الشهر.
تربية طفل مستقل
تربية طفل مستقل وحمايته في نفس الوقت من التأثيرات السلبية للاستقلالية
لا يوجد حلّ سحري لقضايا ومشاكل تربية الأطفال، ويقول الدكتور جيم تايلور: "لا يعرف الأطفال في كثير من الأحيان ما يفكرون فيه أو يشعرون به أو يفعلونه في المواقف التي تواجههم في حياتهم كصغار، لذا.. فإنهم يبحثون في مكان آخر (إذا لم تكن متاحاً)؛ عن إرشادات حول كيفية التعامل مع هذه الحالات"، لذلك يقترح الدكتور تايلور أنك بدلاً من تربية الأطفال المستقلين، عليك أن تربي أطفالاً يعتمدون على أنفسهم، فالاعتماد على الذات أمر مختلف تماماً في معناه وتأثيره على الأطفال عن موضوع الاستقلالية، حيث يكون الاستقلال بالتعريف: "خالٍ من السيطرة الخارجية"، على النقيض من ذلك، فإن الاعتماد على الذات يعني أن تكون "واثقاً من مهاراتك وقدراتك على فعل الأشياء بنفسك"، وفي حالة الاعتماد على الذات كأطفال؛ فإنهم يطورون مجموعة أساسية من أدوات الحياة: الإدراكية والعاطفية والسلوكية والعملية... والتي تحدثنا عنها بالتفصيل في مقالاتنا السابقة حول تربية طفل يعتمد على ذاته، وكيفية تعزيز مهارات الاعتماد على الذات عند الأطفال.
والنصيحة التي يقدمها لك الدكتور تايلور: "يمكن للطفل استخدام أدوات (مهارة الاعتماد على الذات) للبقاء خارج نطاق الأمان الذي توفره له العائلة والمنزل، وعلى عكس الاستقلال؛ ينصّب التركيز على قدرات أطفالك وإيمانهم بقدراتهم على التصرف في عالمهم"، مع ذلك يمكنك تربية طفل قادر على تطوير استقلالية، سيحتاجها ليزدهر في مراحل نمو شخصيته كبالغ، من خلال ما يلي:
- لا تضع توقعات مرتفعة من سلوكيات وتصرفات طفلك: فمدى استقلالية طفل في الخامسة من عمره، يختلف عن استقلال شخصية طفل في الحادية عشرة.
- أعطه بعض المسئوليات المنزلية: السماح لطفلك بتولي بعض المهام المنزلية الصغيرة، هو وسيلة جيدة لتطوير الاستقلال البنّاء.
- تربية الاستقلالية لدى الطفل بطرق ممتعة: السماح له بالقيام بأشياء مثل: الذهاب مشياً إلى المدرسة مع مجموعة من الأصدقاء، أو إرساله لشراء البقالة من سوبر ماركت قريب.
- ذكره بضرورة الاهتمام بنفسه: لتشجيع استقلال الطفل؛ ذكره بأن لا بد أن يفكر بنفسه وأن يهتم بما يريد تحقيقه، وذلك بدلاً من توجيه الطفل إلى ما يجب عليه فعله.
- رتب يوميات طفلك وفقاً لجدول زمني: وهذا مفيد جداً عندما تحاول بناء استقلالية طفلك الصحيحة.
- شجعه على كتابة يومياته والتخطيط وتدوين الملاحظات والمهمات: حيث يمكنك تعزيز تقليد الجائز والمكافأة كلما لمست تميزاً في السلوك المستقل، الذي تريد أن يتقنه طفلك.
- كن حازماً وعلمه الانضباط الذاتي: إذا كان طفلك يعاني من أجل الاستقلال والتنظيم، شجعه على كتابة ملاحظات حول ما يحتاج إلى فعله، كذلك ما هي الأمور المزعجة في قواعد البيت والعواقب التي تفرضها عليه.
- كن إيجابياً كلما أظهر طفلك استقلاليته: لأن الثناء والتعليقات الإيجابية أمر ضروري، عندما تحاول تعليم طفلك مهارة جديدة، وعندما يعرف أنك راضٍ عن اعتماده على ذاته، فإن الطفل يبدأ مرحلة تطوير المهارات الحياتية بنفسه.
في النهاية.. عليك تربية أطفالك ليعتمدوا عليك ويبقوا على اتصال بك، مع إعطائهم جميع الأدوات التي يحتاجون إليها للاعتماد على أنفسهم أثناء انتقالهم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة ثم مرحلة البلوغ، كشخصيات مستقلة ومرتبطة مع العمود الفقري لحياتها أي العائلة.. شاركنا رأيك من خلال التعليقات.
مراجع ومصادر:
[1] مقال.لا تربي طفلاً مستقلاً للباحث والمتخصص النفسي جيم تايلور (Jim Taylor) منشور على موقع Psychology Today، تمت مراجعته في 20/05/2019
[2] كتاب.(أطفالك يتعرضون للهجوم: كيف تدمر الثقافة الدارجة قيم أطفالك، وكيف يمكنك حمايتهم) تمت المراجعة في 19/05/2019
[3] مقال.أندرو لو (Andrew Loh) تشجيع التعلم المستقل عند الطفل؛ منشور على موقع brainy-child، تمت مراجعته في 21/05/ 2019