آداب الزيارة وأصول الضيافة
لطالما اهتم العرب بآداب الزيارة وأصول الضيافة وسلطوا الضوء عليها كما يخبرنا الموروث الثقافي الغني، وعلى الرغم من الاختلاف الكبير الذي شهدته العلاقات الاجتماعية في العالم الحديث كنتيجة طبيعية لثورة الاتصالات؛ إلا أن آداب الزيارة وأصولها ما تزال جديرة بالاهتمام، وفيما يعتقد البعض أنّه لا يحتاج لدليل يرشده إلى ما يفعله أو ما لا يفعله عند زيارة الآخرين أو استقبالهم، قد نجد أن هناك عشرات الأخطاء التي نقع بها دون أن نعي تأثيرها على صورتنا الاجتماعية وعلاقتنا بالآخرين.
فما هي أهم قواعد الزيارة وأصول الضيافة؟ وما هي الأمور التي يجب أن نعتني بها قبل الزيارة وخلالها؟ ثم ما هي النقاط التي يجب أن نهتم بها بعد الزيارة؟ وما هي أصول الضيافة والاستقبال؟ نحاول أن نجيب عن هذه الأسئلة في الفقرات التالية.
قد يظن البعض أن الزيارات غير الرسمية أو زيارة شخص تجمعنا به علاقة عميقة لا تحتاج لأي إجراءات قبل الزيارة، لكن هناك مجموعة من الأمور التي يجب التفكير بها بل والاعتياد عليها قبل الزيارة مهما كانت طبيعة العلاقة التي تجمعنا مع المضيف، وكلّما كانت هذه العلاقة رسمية كلّما أصبحت هذه الأمور أهم قبل الزيارة.
أخذ الموعد والاتصال قبل الزيارة
إن أسوأ تصرف يمكن القيام به هو طرق أبواب الآخرين دون موعد مسبق، فمهما كانت العلاقة التي تجمعنا بالآخرين سواء جيرة أو قرابة أو صداقة...إلخ، لا بد أولاً من الاتصال وأخذ موعد مسبق، للتأكّد أن المضيف مستعد لاستقبالنا وأن ظروفه تسمح باستقبال الضيوف.
كما يجب أن يتم الاتصال قبل الزيارة بوقت كافٍ خاصة في حالات الزيارات الرسمية، فإذا كنت تريد زيارة صديق مقرب يكفي أن تتصل به قبل ساعة واحدة، أما إذا كنت ستذهب لزيارة رسمية فيجب أن تتصل قبل يومين على الأقل.
وفي حال كانت هذه زيارتك الأولى سيرغب المضيف بلا شك أن يتعرف إلى سبب الزيارة، ومن حقه عليك أن تخبره بسبب الزيارة وتترك له حرية القرار باستقبالك إن كانت الزيارة تهدف لغير التعارف أو اللقاء العادي.
كما لا بد أن تبلغ مضيفك إن كنت ستزوره وحدك أم سيكون هناك أشخاص غيرك، ومن الحكمة في الزيارات الرسمية أن تتصل في يوم الزيارة نفسه مجدداً لتتأكد أن الموعد ما زال قائماً.
هدايا الزيارة
بطبيعة الحال لا تطلّب كل الزيارات أن تحمل معك هدية، لكن في حال كانت الزيارة رسمية أو زيارة لأول مرة أو كانت من الزيارات التي تفرض بطبيعتها تقديم الهدايا مثل زيارة أهل الخطيبة أو عيادة المريض...إلخ، فلا بد أن تفكر بالأمور التالية عند اختيارك لهدية الزيارة:
- إذا كانت الزيارة لشخص محدد فالأفضل أن يحصل على هدية خاصة به تناسب شخصيته، وإذا كانت الزيارة لأهل البيت يجب أن تختار هدية عامة كالتحف أو الورود أو حتى الحلويات حسب المناسبة.
- تأكد أنك لا تبالغ بقيمة الهدية بحيث لا يتمكن مضيفك من ردها، فذلك سيحرج مضيفك وقد يجعله يتهرب من رد الزيارة لأنه لن يستطيع رد الهدية.
- غلف الهدية بشكل مناسب وجميل، وقدمها للشخص المعني إذا كانت هدية شخصية أو لصاحب المنزل إذا كانت هدية عامة.
جهِّز نفسك للزيارة
- اختر الثياب المناسبة للزيارة التي تتوافق مع الهدف من الزيارة وطبيعة العلاقة التي تجمعك بالمضيف، فإذا كنت تزور مديرك في العمل للمرة الأولى بهدف تعميق علاقتك الشخصية معه لا بد أن تختار ثياباً أقرب إلى الثياب الرسمية دون مبالغة.
- استخدم العطر باعتدال، وتأكد من لبس جوارب جديدة، واهتم بأناقتك خاصة في الزيارات الأكثر رسمية.
- تأكد من تنظيم جدولك جيداً للتمكن من الوصول إلى الزيارة في الموعد المحدد مسبقاً.
إن علاقتك بالمضيف وسياق الزيارة تتحكم إلى حد بعيد بالأمور التي يجب الانتباه لها أثناء فترة الزيارة، نذكِّر القارئ هنا أننا نهتم في مقالنا هذا بالزيارات الرسمية بشكل أساسي، أي عندما نزور أشخاصاً للمرة الأولى أو عندما نزور من تجمعنا بهم علاقة رسمية أو الزيارات التي تندرج تحت بند المجاملات الاجتماعية.
ومن الأمور التي يجب الانتباه لها جيداً أثناء الزيارة:
- اطرق الباب بهدوء، وقد يكون الأفضل أن تتصل بصاحب البيت عندما تصل وقبل أن تصعد السلالم، هذا سيوفر عليه بعض الارتباك حتى إن كان بانتظارك.
- تأكد أنك مبتسم، صافح مضيفك باليد ولا تصافح المضيف المغاير لجنسك إلَّا إذا بادر هو أو هي بالمصافحة، ولا تدخل إلى البيت قبل أن تتم دعوتك بشكل مباشر "تفضل أهلاً وسهلاً".
- قدم الهدية -إن وجدت- لصاحب البيت عند الباب، أو ضعها على أقرب طاولة أو حتى على الأرض حسب نوع الهدية وحجمها.
- اترك مضيفك يرشدك إلى مكان الجلوس.
- كن على طبيعتك وكن عفوياً، لكن في نفس الوقت تذكر أنك ضيف يجب أن تجلس كضيف وتتحدث كضيف.
- واحدة من أسوأ التجارب التي يخوضها المضيف هي انتقادات الضيف اللاذعة؛ لذلك لا تنتقد ديكور البيت أو حتى حجمه أو تهويته، لا تنتقد الضيافة من مأكل ومشرب، ولا تنتقد أمور لا تعنيك مثل تعامل المضيف مع زوجته أمامك أو مع أولاده، حتى الحديث عن صعوبة الوصول إلى منزل مضيفك قد يكون مزعجاً.
- حدد زمن زيارتك مسبقاً، وإن كان هناك هدف من الزيارة فلا بد أن تدخل بالموضوع بعد ربع ساعة مثلاً أو حسب سير الأمور لكن تأكد أنَّ فترة بقائك ضيفاً يجب ألا تطول.
- اطلب الإذن بالمغادرة واعلم أن إصرار المضيف على بقائك يعتبر جزءاً من بريستيج الضيافة، أي أنها غالباً دعوة وهمية يجب أن تشكره عليها دون تلبيتها!.
نقصد بالحالات الخاصة زيارة المريض أو العائد من السفر أو المباركة بزواج أو ولادة... وكل زيارة يكون لها موضوع محدد، ويمكن القول أن هذا النوع من الزيارات يتشابه من حيث آداب الزيارة، وأبرز ما يمكن ذكره في هذا الصدد هو:
- في حالة زيارة المريض أو المباركة أو التهنئة بالعودة من السفر أو حتى تقديم واجب العزاء يعتبر عامل الزمن مهماً جداً، هذه الزيارات يجب أن تكون قصيرة وخاطفة، نصف ساعة على الأكثر، فالأسرة صاحبة المناسبة ستستقبل الكثير من الزوار، كما يكون صاحب المناسبة أو الظرف مرهقاً وغير قادر على المجاملة لفترة طويلة.
- افسح المجال لصاحب الظرف أو المناسبة أن يتحدث وكن مستمعاً جيداً، فعادة ما يرغب المريض في الحديث عن مرضه تلقائياً دون أن تسأله عن التفاصيل، كذلك يرغب العائد من السفر بالحديث عما رآه في سفره، لكنه قد ينزعج من الفضول والأسئلة الكثيرة.
- ولا داعي للقول أن أخذ الموعد المسبق وحسن اختيار الهدية له أهمية استثنائية في زيارة الحالات الخاصة.
إن كل ما ذكرناه يعتبر حاسماً في الزيارة خاصة في الزيارات الرسمية والزيارة لأول مرة، ويضاف إلى ذلك بعض المجاملات الاجتماعية والأمور المهمة التي يجب التفكير بها بعد الزيارة، منها مثلاً:
- اتصل بمضيفك في اليوم التالي واشكره على حسن الضيافة، حتى وإن لم تكن تعتقد أن ضيافته كانت على أحسن ما يرام.
- ضع في اعتبارك أن تتصل بمضيفك بعد فترة قصيرة وتدعوه إلى رد الزيارة.
- تجنب الحديث عن زيارتك سلبياً أمام الآخرين، لا تنتقد مضيفك علناً.
- وإن صادف حصول أمر عائلي أثناء وجودك في منزله يجب أن تلتزم بحفظ السر وكتمانه واحترام خصوصية مضيفك.
ليست أصول الضيافة أقل أهمية من آداب الزيارة، فالتزام الضيف باحترام أهل البيت وآداب الزيارة إلى جانب كونه مسؤولية الضيف؛ فهو أيضاً مسؤولية المضيف.
ذلك أن بعض التصرفات الطائشة التي قد يقوم بها المضيف قد تجعل الضيف أقل اهتماماً باحترام مضيفه وأقل سعادة بهذه الزيارة.
ومن الأمور التي يجب أن يعتني بها المضيف صاحب البيت:
- استقبال الضيف بالترحاب والابتسام ودعوته إلى الدخول بسرعة، والمبادرة في إرشاده إلى مكان الجلوس.
- تقديم الضيافة بطريقة لائقة وفق العادات السائدة، ففي بعض الثقافات تعتبر القهوة في بداية الزيارة دليلاً على رغبة المضيف بزيارة قصيرة أو بمثابة استعجال الضيف على الرحيل، فيما تعتبر القهوة في ثقافات أخرى استقبالاً كريماً للضيف.
- مساعدة الضيف على كسر الجليد من خلال المبادرة بالحديث العادي وتوفير جو دافئ يقلل من توتر الضيف خاصة إن كانت له حاجة من الزيارة أو كانت هذه زيارته الأولى.
- هناك مثل قديم يقول "كثرة السلام تقلّ المعرفة" فعلى الرغم من أهمية الترحيب بالضيف ودعوته للضيافة من طعام وشراب؛ إلا أن الإكثار والمبالغة بالترحيب والدعوة غالباً ما تكون مزعجة للضيف.
- وعندما كان على الضيف تجنب الانتقادات اللاذعة أو التي لا دخل له بها كذلك على المضيف ألا ينتقد ضيفه انتقادات مزعجة.
- يجب أن نترك للضيف حرية المغادرة، وإن كانت المجاملات الاجتماعية تفرض على صاحب البيت التمسك بضيفه، إلى أن هذا التمسك يجب أن يكون معقولاً.
- وداع الضيف كما استقباله، بابتسامة وترحيب، وفي حال كان ضيفنا شخصاً مهماً كمدرينا في العمل وكانت زيارته بناء على دعوتنا؛ من الجيد أن نشكره على الزيارة في وقت لاحق.
- ومن المهم أن نتجنب انتقاد الضيف علناً فيما بعد، كانتقاد عاداته في الأكل أو الشرب أو الحديث عن الفترة التي قضاها أو الهدية التي قدمها، فهذه إهانة للضيف.
أخيراً... ربما تراجع الاهتمام بآداب الزيارة وأصول الضيافة في العصر الحديث، لكن الزيارات الرسمية على الأقل ما زالت خاضعة لمعظم المعايير التي ذكرناها، ومهما كان الهدف من الزيارة فإن احترام الضيف لأهل البيت، وقيام المضيف بتقدير ضيفه واحترامه؛ ذلك وحده ما يضمن أن تكون الزيارة فعالة تؤدي هدفها.