تأثير التوقعات المرتفعة على تربية الأبناء

لماذا يجب أن تضبط توقعاتك من الطفل؟ يزدهر نمو الطفل بعد أن تضع له توقعات عالية وبحدود قدراته!.. ما هي العلاقة بين نجاح الطفل وما تتوقعه منه؟ وكيف تضبط توقعاتك من الأطفال؟
تأثير التوقعات المرتفعة على تربية الأبناء
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

الأطفال أكثر استعداداً للنماء والتطور والازدهار والنجاح الاجتماعي والأكاديمي؛ وفقاً لما  تتوقعه منهم، وهناك أدلة قوية على أن إيمان الوالدين بطفلهم، يؤثر إلى حد كبير بنتائجه على مختلف الأصعدة،  وعندما تكون توقعاتك عظيمة، حول ما يمكن لطفلك الوصول إليه، سيركز على الوفاء بتلك التوقعات، هذا ما سنناقشه في مقالنا.

كيف تؤثر توقعاتك من أبنائك على سلوكهم؟
توقعاتك حول سلوك أطفالك ونتائجهم الاجتماعية والأكاديمية؛ حاسمة جداً.. وحول ما إذا كان هناك اختلاف في العائلات "المهمِلة فيما تتوقع من أطفالها" وتلك "العملية في توقعاتها" خلال سنوات المراهقة، تم وصف العائلات "المهمِلة" على أنها الأسر، التي يكون الوالدين فيها سلبيين وتوقعاتهم من أطفالهم قليلة، وتلك العائلات "العملية" هي التي يراقب فيها الوالدين أنشطة الأطفال والمراهقين، ويتوقعون من جميع أفراد الأسرة المشاركة مع بعضهم في نشاطات مختلفة؛ وجدت دراسة أن المراهقين الذين ترعرعوا في عائلات "مهمِلة" كانوا أكثر عرضة للجوء إلى تعاطي المخدرات، وكانت لديهم علاقات ضعيفة مع والديهم [1].
بناء على ذلك.. فإن إلزام الأطفال بتوقعات عالية؛ له تأثير إيجابي على أدائهم الأكاديمي الفعلي [2]، وهؤلاء الأطفال هم أقل عرضة للتسرب من المدرسة أيضاً، بالنتيجة فإن توقعات أولياء الأمور تمارس تأثيراً قوياً على النتائج الأكاديمية عند الأطفال.
وعلى الرغم من أن توقعات أفراد آخرين غير الوالدين؛ على النتائج الأكاديمية لدى الطفل، يمكن أن تكون أقل، لكن الطفل سيحقق نتائج جيدة، إذا كان وفياً لتوقعات أهله العالية منه، فيكون تأثير هذه التوقعات العالية نوع من الحصانة ضد توقعات المعلم المنخفضة من الطفل [3].
في المحصلة.. كل هذه الأدلة العلمية تؤكد على أهمية تحديد توقعات عالية من الطفل، لكن لا بد من الحذر مع وضع توقعاتك من أطفالك، بالنظر إلى قدراتهم وطبيعة الشخصية التي وُلدوا بها والطباع التي يكتسبونها بالتربية، وهذا ما سنتحدث عنه تالياً.
 

animate

كيف تضع التوقعات العالية وتؤمن بقدرات بطفلك؟... هناك بعض الأمور التي عليك أخذها بعين الاعتبار؛ فيما يتعلق بطريقة إيمانك بأطفالك وتحديد توقعاتك (العظيم) منهم، فلابد أن تراعي ما يلي:

- لا ترفع توقعاتك عالياً: مهما قلنا توقعات عظيمة وعالية، لا يعني أن تكون هذه التوقعات فوق قدرات الطفل، كذلك مرونته لتحقيق أية نتائج أكاديمية أو اجتماعية أو رياضية.... الخ، لأن التوقعات غير المعقولة والمرتفعة للغاية، يمكن أن تكون ضارة على أداء الأطفال [4]، بالنتيجة يكمن مفتاح تحديد أهداف واقعية.. في معرفة طفلك، لذلك ابتعد عن المقارنات غير الضرورية والضارة أيضاً، حيث أن هناك فرق بين ما يُتوقع أن يعرفه الطفل أو أن يفعله، وبين ما يعرفه فعلاً أو يمكنه فعله، كما يمكن أن يساعده حضورك وتتبع وقياس قدرات طفلك، على تحديد أفضل السبل لمساعدته على التقدم من خلال وضع التوقعات.

- لا تضع توقعات منخفضة: كذلك الأمر مع توقعاتك الأقل من قدرات طفلك، وعندما تدين طفلك على التحصيل الأكاديمي الأقل وتحكم عليه بالتقصير والنقص؛ فأنت بالنتيجة تستهين بقدرات طفلك ومعرفته، لاسيما في السنوات الأولى من عمر الطفل، ومرحلة التعليم المبكر، وكما يمكن أن يكون وجود توقعات عالية جداً ضاراً بالأداء الاجتماعي والأكاديمي لطفلك، فإن التوقعات التي تكون منخفضة، كذلك يمكن أن تمنع طفلك من تحقيق إمكاناته الكاملة.

- ارفع توقعاتك من طفلك بالتدريج: يكتسب الطفل الثقة عندما يكمل المهمة بنجاح، لذا امنح أطفالك المهام في حدود قدراتهم، فأنت تعلم تماماً بأن إكمال المهام الصعبة وليس السهلة.. هو ما يؤدي إلى مزيد من الرضا عن النفس [5]،  مع ذلك عندما يتقن طفلك مهام محددة ثم يكبر، من المهم أن تقوم برفع توقعاتك منه، بأن تجعل المهام أكثر صعوبة، لكن ليست صعبة للغاية، لأن الفشل قد يكون ضاراً،  والفشل المفرط قد يؤدي إلى العجز المكتسب!

- كن محدداً: يمكن قول ذلك عن تحديد التوقعات من الطفل، فأنت لن تطور القراءة عند طفلك بأن تقول: "أتوقع أن تقرأ بطلاقة"، لذا عليك أن تساعده على تطوير عادات يومية صغيرة مثل: القراءة كل يوم لمدة 20 دقيقة بنفسه، وإنشاء تقاليد عائلية للقراءة بصوت عالٍ.. إلخ، وسواء كنت تعتقد أنه يستطيع ذلك، أو تعتقد أنه لا يستطيع.. فأنت على حق.
 

عندما يرغب الوالدين بأن يحقق أطفالهم ما عجزوا هم عن تحقيقه؛ يعني أنهم يضغطون على أطفالهم ولا يرفعون التوقعات التي تساهم في نمو وازدهار ذريتهم، رغم أن الضغط يمكن أن يؤدي إلى نجاح الطفل في الحياة، إلا أن الضغط الأبوي غير الضروري والذي يشكل العبء على الطفل؛ يؤدي إلى تدمير شخصيته وحياته ربما، هذا إذا كانت آمالك كبيرة جداً فيما تتوقعه من طفلك، ورغم أن طموح الوالدين يمكن أن يساعد في تحسين الأداء الأكاديمي للأطفال، إلا أن طموح الوالدين المفرط يمكن أن يكون سامّاً! نتحدث هنا عن الطموح.. بمعنى مدى رغبة الأهل في أن يحصل طفلهم على درجة معينة، فيما يلي عدد من المخاطر، التي قد يتعرض لها الأطفال.. عندما يضعهم آبائهم تحت ضغط هائل  [6]:

- يؤدي الضغط على الطفل إلى مزيد من القلق: كما قد يؤدي الإجهاد المرافق للضغوطات؛ إلى تعريض الأطفال لخطر الإصابة بالاكتئاب أو غيره من مشكلات الصحة العقلية.

- زيادة خطر الانتحار: هناك صلة بين التفكير في الانتحار والضغط الأبوي، ويمكن أن يفكر الطفل بالانتحار! بسبب الضغط الهائل من الآباء والأمهات لتحقيق درجات استثنائية.

- مشاكل احترام الذات: يضر دفع الأطفال للتفوق الدائم.. باحترامهم لذاتهم، بحيث يتداخل الضغط المستمر حول ما يجب عليه القيام به، مع تكوين شخصية الطفل، كما يتسبب في شعوره بشكل سيء على الدوام.

- مشكلات النوم: يعاني الأطفال الذين يتعرضون للضغط المستمر من القلق، بالتالي قلة ساعات النوم.

- ارتفاع خطر الإصابات الجسدية: حيث يستمر الطفل الرياضي الذي يتعرض للضغط من أبويه، في المشاركة بالألعاب والبطولات على الرغم من الإصابات التي يتعرض لها، ذلك بتجاهله الألم أو إصراره العودة إلى ممارسة الرياضة قبل التئام الجروح. مما يزيد مخاطر الإصابة بتلف دائم.

- زيادة احتمال الغش: عندما يكون التركيز على الإنجاز؛ بدلاً من التعلم، سيحاول الطفل الغش في الامتحانات مثلاً، أو اتباع الأساليب الملتوية لتحقيق نتائج ترضي ذويه، وهذا سلوك شائع بين الأطفال الذين يتعرضون للضغط الأبوي من أجل الأداء الجيد.

- رفض المشاركة، عندما يشعر الطفل أن الهدف هو بأن يكون الأفضل دائماً، فمن غير المحتمل أن يشارك عندما لا يكون متأكداً أنه سيفوز! وهذا يعني أن الأطفال لن يغتنموا الفرص لصقل مهاراتهم والتعلم من الفشل.
 

بالطبع أنت تريد أن يتعلم طفلك بشكل أفضل وأسرع، لكن هذه التوقعات العالية ستفرض على الطفل ضغطاً، لذا ينصح الخبراء بوضع توقعات على جهود الطفل وليس على ما يحققه من نتائج [7]، وجميعنا نعرف أن النتائج مهمة، وهو ما تعززه ثقافتنا، حيث يتم الحكم علينا جميعاً من خلال النتائج التي نحققها؛ في العمل والدراسة.. الخ.
كيف بأطفالنا إذاً عندما ننتظر منهم فقط النتائج!؟ سنمارس هذه التوقعات بناء على النتائج فقط، وهنا سيلبي الطفل التوقعات بنجاح أو أنه يفشل، بطبيعة الحال.. فرصة النجاح ضئيلة جداً مقابل الفشل، فالأطفال مرتبطون بالأهداف ويريدون تحديد أهداف لأنفسهم، طبعاً بتوجيه من الآباء والمدرسين والمدربين وكل المسئولين عن رعايتهم، ويريدون متابعة هذه الأهداف، حيث لا يتم تحقيق كل هدف، لكن سيكون هناك تحسن دائم نحو تحقيقها (الأهداف هي ما يترجم الجهود)، وهذا التقدم هو ما يحدد النجاح.
ويعول العديد من أولياء الأمور على أهمية النتائج في سن مبكرة، لذلك يؤكدون على النتائج ويفرضون توقعاتها على أطفالهم، لكن مرحلة الطفولة تدور حول تعلّم القيم والمواقف والمهارات اللازمة للنجاح وتحسينها وتطويرها واكتسابها كلما كبر الطفل، لذا فإن استخدام الأهداف بدلاً من التوقعات؛ أحد أفضل الطرق لتعزيز هذا النمو.
ونتحدث هنا عن الأهداف من النتائج، أي أن يركز الطفل على الفوز في رياضة ما أو النجاح في مقرر أكاديمي، خلال التركيز على العملية بدلاً من النتيجة، من المرجّح أن يكون أداء الطفل أفضل، بالتالي من المحتمل أن يحققوا النتائج المرجوة في المقام الأول، مثلاً.. تحدث إصابة الأطفال بالتوتر قبل الاختبار أو الحدث الرياضي؟ لأنهم خائفون من النتيجة أي يخشون الفشل، لذلك التركيز على النتيجة فقط يعني أداء أقل، لذا إذا كنت ستحدد لطفلك بعض التوقعات حول النتائج؛ فضع أهدافاً لبذل الجهود للوصول إلى تلك النتائج، وحاول أن يركز الطفل على الجهود وعملية الأداء، وما يتعين عليه القيام به لتحقيق النتيجة المرجوة.

بالمحصلة.. التوقعات على جهود الطفل وأهدافه خلال عملية الأداء؛ أفضل بكثير من التوقعات على النتائج فقط، حيث يسيطر الطفل على هذه التوقعات، كما يبذل قصارى جهده للقيام بما يلزم لتحقيق النتائج، من خلال تملكه للأدوات اللازمة لتحقيق أهداف جهوده، لأن الأطفال لديهم القدرة على استخدام توقعات الجهد والأدوات المرتبطة بها؛ ليصلوا لأفضل ما يمكن أن يحققوه، لكن يجب أن تراعي ما يلي:
- تحديد توقعات الجهد بالتعاون مع الطفل: يضمن هذا النهج التعاوني امتلاك أطفالك للتوقعات بدلاً من الشعور بأنك تفرضها عليهم فرض.
- التحدث مع أطفالك حول قيمة الجهد: وكيف يساعدهم على تحقيق أهدافهم، وأن لديهم سيطرة كاملة على جهودهم.
- مشاركة أطفالك لقصص أشخاص نجحوا؛ في مهارات بذل الجهد لتحقيق النجاح.
- مساعدتهم على الربط بين جهودهم ونجاحهم.

إذا حقق أطفالك توقعات الجهود، فسوف يحققون أداء جيد في المهام كما يحققون مستوى من النجاح، وفقاً للمهارات التي ولدوا معها أو يكتسبونها بالتربية.
وإذا لم يفِ الطفل بتوقعات الجهد، فقد لا ينجح ويجب أن يواجه عواقب ذلك، بما فيها الرفض بين أقرانه والدرجات الرديئة.. الخ، نعم سيصاب بخيبة أمل، لكن الفشل لن يسحقه، لأنه يعرف قدراته على تحقيق مثل هذه التوقعات مستقبلاً.

في النهاية.. إن تلبية الطفل لتوقعات ذويه من خلال جهده، سيشجعه على تعيين وتقبل توقعات جهد أعلى، وإذا كنت تعرف ابنك وكنت صادقاً في معرفة شخصية الطفل؛ يجب أن تكون قادراً على تحديد توقعات عالية واقعية، شاركنا رأيك من خلال التعليقات.
 

[1] دراسة حول دور توقعات الأهل في مكافحة المخدرات بين المراهقين، منشورة على موقع: Web Md، تمت المراجعة في 16/06/2019
[2] دراسة حول تأثير التوقعات الأسرية العالية من النتائج الأكاديمية للطفل، منشورة على موقع:  sagepub، تمت المراجعة في: 16/06/2019
[3] دراسة حول توافق توقعات المعلم والوالدين من نتائج الطفل الأكاديمية، منشورة على موقع: apa، تمت المراجعة في: 16/ 06/ 2019
[4] دراسة حول ضرر فرط التوقعات الأكاديمية من الطفل، منشورة على موقع: apa، تمت المراجعة في: 16/06/2019
[5] دراسة حول أثر صعوبة الأهداف على نتائج المهام، منشورة على موقع: sciencedirect، تمت المراجعة في: 16/06/2019
[6] مقال آمي مورين (Amy Morin) حول مخاطر الضغط على الطفل، منشور على موقع: Very Well Family، تمت المراجعة في: 16/06/2019
[7] مقال الدكتور جيم تايلور (Jim Taylor)؛ توقعات الوالدين بين النجاح والعبء، منشور على موقع: Psychology Today، تمت المراجعة في: 16/06/2019