الإحباط وخيبة الأمل عند الأطفال
مزيج من المشاعر السلبية السيئة، حزن، غضب، لا مبالاة وعدم الرضا بواقع الحال، موقف يعبر عن الفشل وعدم تحقق الآمال؛ وغيرها كثير من المشاعر التي تجتمع معاً فيما يعرف بخيبة الأمل ومشاعر الإحباط.
في إطار الحفاظ على الصحة النفسية للطفل وبناء شخصيته وفق أفضل المعايير التربوية والاجتماعية كان من المهم فهم معنى مشاعر الإحباط والأسباب التي تؤدي لتكونها ومن ثم آثارها على شخصية الطفل المحبط وكيفية التقليل من هذه الآثار السلبية لخيبة أمل الطفل، والتعامل مع الإحباط عند الأطفال.
منشأ مشاعر الإحباط وخيبة الأمل عند الأطفال هو ذات المنشأ لهذه المشاعر عند الكبار، فهو موقف يتضمن واقع غير مرضي عند مقارنة الرغبات والحاجات والطموحات مع الأمر الواقع الذي يبتعد فيه الهدف عن المسار[1]، ولكن الأسباب التي عادة ما تمثل خيبة أمل بالنسبة للطفل وتشعره بالإحباط قد تختلف من حيث شكلها أو تفصيلها ومن هذه الأسباب:
- المواقف المحزنة: الكثير من المواقف المحزنة تمر بالطفل خلال حياته اليومية، مثل التشاجر مع أحد الأصدقاء أو مغادرة هذا الصديق لمكان بعيد أو التعرض للتوبيخ في المدرسة وعدم تحقق الكثير من الأمنيات التي يريد تحقيقها، وكل هذه المواقف تمثل للطفل خيبات أمل وتجعله يشعر بالإحباط.
- الشعور بالخسارة: وخاصة في المواقف التي تتطلب التحدي أو إثبات الذات كالمنافسة مع الزملاء بأشكالها المختلفة أو الدخول في مسابقات، وعندما يخسر الطفل بهذه الأشياء سوف يشعر بالحزن ويخيب أمله وبالتالي تتكون لديه مشاعر الإحباط.
- الشعور بالخداع: وهذه الحالة تحدث خاصة عندما يأخذ الطفل وعداً من الآخرين بأنه سوف يحصل على مكافئة أو مكسب ما عندما يقوم باستجابة معينة أو ينجح بتحقيق إنجاز ما، ثم يخلف بهذا الوعد بعدما يقوم بتنفيذ مهمته المطلوبة منه، فهنا سوف يرى أنه كان ضحية خدعة ويشعر بخيبة الأمل مما يجعله يتوانى في المرات القادمة في أداء واجباته ومهامه.
- مشاعر الفشل: قد يشعر الطفل بأنه فاشل وضعيف لأسباب عديدة ليس بالضرورة تثبت أنه فاشل فعلاً حتى وإن قام بما يجب عليه القيام به بشكل جيد، فمثلاً تراود الطفل مثل هذه المشاعر عندما يدرس بشكل جيد ومع ذلك يرسب بالامتحان في المدرسة لأسباب عديدة خارجة عن إرادته ومسؤوليته، وهذه المواقف من الأشياء التي تشعر الطفل بالإحباط وفقدان الثقة بالنفس.
- الوضع المادي للأسرة: طبيعة الوضع المادي والاقتصادي الضعيفة لبعض أسر الأطفال تجعلهم غير قادرين على تلبية جميع متطلبات الطفل وخاصة الثانوية من ألعاب وكماليات، وهذه المسألة تشعر الطفل بالإحباط كلما رغب بالحصول على شيء ولم يتمكن ذويه من تأمينه له.
- الشعور بالغيرة: أيضاً تعد مشاعر الغيرة من أكثر ما يشعر الطفل بخيبة الأمل والإحباط فالأطفال أنانيون نوعاً ما ويرغبون أن يكونوا مركز اهتمام وانتباه الجميع، وهم يشعرون بالغيرة عندما يلاحظون أن من حولهم يهتموا بطفل غيرهم وخاصية والديهم.
- الحرمان: فالحرمان له أشكال وأنواع وأوجه مختلفة سواء الحرمان المادي أو العاطفي أو الاجتماعي أو فقدان أحد الأشياء أو الأشخاص، وشعور الطفل بأي من هذه الأنواع سوف يجعله يعتقد بأنه لا يستحق الحصول على الأشياء المحروم منها وبأنه أقل من غيره أو قد يشعر بالظلم، وكل هذه المشاعر تؤثر في مدى شعوره بالاكتئاب والإحباط.
أن يصاب الطفل بخيبة أمل أو تراوده مشاعر الإحباط فقد يبدو الأمر في بدايته على أنه مجرد مشاعر حزن طفوليّة لا تلبس أن تزول وتنتهي مع الوقت أو بمجرد حصول الطفل على أحد الأشياء التي تسعده، ولكن الحقيقة أن مشاعر الإحباط وخاصة إذا كانت عميقة في نفس الطفل وعواطفه، قد يكون لها آثار ونتائج أبعد من ذلك، ومن هذه الآثار مثلاً:
- عدم الثقة بالنفس: حيث أن مشاعر الإحباط عادة ما تأتي بسبب خيبة الأمل أو الشعور بالفشل والعجز أو الحرمان والخسارة وكلها سوف تتسبب بالتالي بمشاعر النقص عند الطفل المحبط و بالتالي يفقد ثقته بنفسه ومحبته لذاته، وتعتبر هذه المسألة من علامات الإحباط.
- مشاعر لوم الذات: في بعض الأحيان قد يرى الطفل أنه المتسبب والمذنب في الموقف المحبط، وخاصة بحالات الشعور بالفشل والخسارة، وهذه المسألة تجعله يلوم نفسه على أفعاله، وقد يرى أنه يستحق ما حصله معه جراء تقصيره.
- الكسل واللامبالاة: فجراء مواقف خيبات الأمل وخاصة إذا كانت متكررة لعدة مرات، فقد يشعر الطفل أنه لا جدوى من فعل أي شيء وأن جميع آماله سوف تبوء بالفشل وقد يرمي ذلك على الحظ في كثير من الأحيان، ولهذا نجده يتعلم الكسل واللامبالاة، فيرى أنه لا فائدة من القيام بأي عمل ما دام سوف يفشل.
- فقدان الطموحات: خيبة الأمل مهما كان موضوعها أو نوعها تؤثر سلباً بشكل عميق في نفس الطفل وقد تتسبب في فقدانه وعدم اهتمامه بتحقيق أمنياته وطموحاته والأشياء أو الأهداف التي يسعى ويحلم للوصول لها.
للأطفال طرقهم في التعبير عن شعورهم بالإحباط وخيبة الأمل، ومن خلال هذه الطرق يمكن أن نفهم سبب وجود هذه المشاعر عند الطفل وبالتالي معرفة الطرق التي من شأنها، التقليل من مشاعره هذه وتعويضه عن الأسباب التي قد تشعره بخيبة الأمل، ومن أساليب التعبير هذه عند الأطفال:
- الانطوائية والعزلة: الطفل الذي يشعر بالإحباط غالباً ما يرغب بالبقاء وحيداً وعدم الاختلاط مع الآخرين أو الانخراط في أنشطة جماعية، وهذه الرغبة ناتجة عن الشعور بالاكتئاب والحزن وليست ناتجة عن معاناة الطفل من مشكلة اجتماعية أو نفسية.
- كثرة الشكوى والتذمر: وهي ناتجة عن الشعور بالظلم وعدم الحصول على الحقوق فلا يجد الطفل المحبط في هذه الحالة مهرباً أو طريقة لتفريغ مشاعره السلبية إلا من خلال الشكوى والتذمر لاستجداء تعاطف الآخرين أو إظهار شعوره بالظلم.
- العدوانية والغضب: كطريقة للانتقام من أسباب إحباطه أو الدفاع عن رغباته يميل الطفل المحبط لبعض أشكال العدوانية في التعامل مع الآخرين وعدم تقبلهم، وتتجلى هذه العدوانية في نوبات من الغضب إزاء بعض المواقف التي فيها خيبة أمل له والتي لا تأتي وفق توقعاته ورغباته.
- عدم الاهتمام أو الاكتراث بأي شيء: وهو شكل من أشكال الإحباط وطريقة للتعبير عنه، يلجأ الطفل المحبط لعدم المبالاة بأي شيء فتجده لا يضع قيمة للأشياء ولا يأخذ أي وعود أو مهام وأعمال على محمل الجد، فهو يرى أنه لا جدوى من التعب والعمل كونه يتوقع الأسوأ دائماً.
- رفض الواقع وفقدان الصبر: حيث أن الإحباط وتوقع السوء بشكل دائم ينمي شخصية لدى الطفل لا يتمتع بالصبر وترفض الواقع بجميع أشكاله، فالطفل المحبط يرى أن الواقع ظالم وهو دائماً ليس في صالحه، ولذلك نجده يرفض هذا الواقع الذي لا يتوافق مع رغباته.
وسائل للتقليل من مشاعر الإحباط عند الأطفال
إذاً فشعور الأطفال بالإحباط قد يكون له الكثير من الآثار السلبية على شخصيته أو توازنه النفسي وحتى الاجتماعي، ومن هنا كان من الضروري البحث عن وسائل وطرق لتجنب هذه المشاعر عند الأطفال وعلاج أسبابها وآثارها، ويمكن تلخيص بعض الخطوات أو الوسائل التي قد تساعد في هذه الإطار:
واجبات الأهل في التقليل من مشاعر إحباط الطفل[2]
- تعويض الطفل المحبط: وتتم هذه الخطوة عبر معرفة السبب الذي يشعر الطفل بالإحباط، فإذا كان مثلاُ قد خاب أمله في الحصول على المكافئة التي وعد بها عندما يحصّل مستوى جيد في امتحاناته المدرسة يجب تحقيق هذه المكافئة أو تعويضه عنها بشيء يختاره هو ويرضيه، وعند العجز عن تحقيق رغبة الطفل يجب استبدال هذه الرغبة لديه بشيء آخر يمكن تحقيقه حتى لا يشعر بالظلم.
- الاهتمام بالطفل واحتضانه وتقدير مشاكله: حيث يجب أن يشعر الطفل دائماً بمحبة أهله له وأهميته لديهم ومدى تأثرهم بمشاعره واهتمامهم بتحقيق جميع رغباته وتنمية قدراته[3]، حتى لا يشعر أنه وحيد ولا أحد يفهم احتياجاته أو يهتم بحل مشاكله، ولكن دون المبالغة في الدلال حتى لا يتعلم الطفل الأنانية وأن الجميع يجب أن يكون هو شغلهم الشاغل.
- تحقيق أقصى حد ممكن من الاحتياجات: فلا يجب أن يشعر الطفل بأنه محروم من شيء يحصل عليه أقرانه أو أن ذويه يبخلون عليه ولا يعطونه ما يحتاج وما يستحق، فالطفل شديد الحساسية إزاء تعامل الآخرين مع احتياجاته.
- تقدير الوضع المادي قبل اتخاذ قرار إنجاب طفل: فإنجاب الطفل ورعايته وتربيته ليس بالأمر البسيط ولا يصح التعامل معه على أنه تجربة أو مجرد واجب يجب القيام به دون دراسة وتخطيط، ولهذا يجب على الوالدين تقدير وضعهما المادي والمعيشي ومدى استقراهما المهني والعاطفي قبل إنجاب الطفل حتى يتمكنوا من رعايته وتأمين احتياجاته بأفضل ما يمكن عند مجيئه.
- زيادة ثقة الطفل بنفسه: عبر تطوير خبراته في حل مشكلاته وتحقيق رغباته بالإضافة لرعاية مواهبه وتنميتها، حيث أن الطفل الواثق من نفسه الذي يرى أنه يقوم بشيء هام ويتمتع بموهبة خاصة اقل عرضة لخيبات الأمل ومشاعر الإحباط.
دور المؤسسات
- برامج دعم الطفل والأسرى: كالبرامج التي تقدم العون الصحي والغذائي للأطفال وأسرهم، فهذه البرامج من شأنها التقليل من مستويات أو مجالات حرمان الأطفال وبالتالي التخفيف من أسباب إحباطهم.
- دور المدرسة: فالمدرسة هي جزء أساسي بعد الأسرة في تربية الطفل وفي التأثير على تكوينه الشخصي والنفسي. وهي عن طريق اهتمامها بجميع الأطفال وحل مشاكلهم وتقديم الرعاية الاجتماعية والتعليمية لهم، يمكن أن تخفف من مستويات الإحباط لديهم.
الطفولة هي بداية الحياة والأطفال هم أمل الحاضر في بناء المستقبل وتحديد شكله وخواصه، وكيف سوف يكون هذا المستقبل عندما يعاني هؤلاء الأطفال من مشاعر الإحباط وخيبات الأمل منذ بداية حياتهم وما يرافق هذه المشاعر من آثار مثل اللامبالاة وعدم الاهتمام أو التأمل بأي شيء أو فقدان الثقة بالنفس وعدم الثقة بإمكانية تحقيق الطموحات والأمنيات، ولهذا فمهما كلف الأمر لا يجب أن يشعر الأطفال بالإحباط وعليهم دائماً توقع الأفضل.