التحرش بالأطفال عبر مواقع التواصل الاجتماعي
مع وصول الإنترنت إلى كل بيت وحصول الأطفال على هواتفهم وكومبيوتراتهم الخاصة بل ومطالبتهم بالخصوصية الالكترونية وحمايتهم لهذه الخصوصية بتقنيات قد يجهلها الآباء أنفسهم؛ مع هذا التطور الاجتماعي الكبير الذي رافق التطور التقني اتسعت المخاطر التي تهدد الأطفال، من ألعاب غريبة ومشبوهة، إلى معلومات مغلوطة وخطابات عنصرية ومذهبية متعصبة، إضافة إلى تعرض الأطفال للابتزاز الالكتروني والتحرش الجنسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا يدفعنا للتفكير بطريقة حماية أطفالنا من التحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أشكال التحرش على الانترنت وآثاره على شخصية الأطفال وسلوكهم، وكيفية التعامل مع المتحرش الالكتروني والتعامل مع الطفل الذي يتعرض للحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هذا ما نحاول أن نقدمه من خلال هذه المقالة.
يعود تاريخ التحرش الجنسي نفسه إلى قرون طويلة، حيث يمكن تتبع التحرش الجنسي في أماكن العمل بالدرجة الأولى منذ قرون عدة [1]، الشيء الجديد هو أن العالم منذ نهاية القرن التاسع عشر يحاول حصار المتحرشين قانونياً وإعطاء الضحايا الحق في المحاسبة والحماية.
ومع انتقال عالمنا التقليدي بحذافيره إلى صفحات التواصل الاجتماعي بما يحتويه من سلبيات وإيجابيات وبأدق التفاصيل؛ كان للتحرش الجنسي نصيب كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل أن الأهداف الجنسية وشبه الجنسية الكامنة تعتبر من أهم أسباب الانتشار الكبير الذي لاقته وسائل التواصل الحديثة، لا عجب في ذلك إذا علمنا أن الإباحية لطالما كانت سبباً رئيسياً في انتشار العديد من الاختراعات الحديثة مثل شرائط الفيديو القديمة والانترنت نفسه.
إذاً فظهور التحرش الجنسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن النظر إليه كظاهرة مستقلة بقدر ما هو انعكاس لظاهرة التحرش الجنسي في الواقع، بمعنى أن التحرش عبر الانترنت هو مجرد تغيير للوسيلة، لكن هذا التغيير جعل عدد الضحايا أكبر بكثير وغير الخريطة الديموغرافية للتحرش كما سنرى.
قد لا تختلف أساليب التحرش الجنسي التقليدية عن أساليب التحرش الإلكتروني، وفي سبيل معرفة أشكال تعرض الأطفال للتحرش الجنسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن ننظر في النقاط التالية[2]:
- الاستمالة الجنسية، عندما يقوم أي شخص باستمالة الأطفال وإنشاء علاقة لطيفة معهم تهدف إلى استمالتهم فيما بعد إلى علاقة جنسية أو شبه جنسية أو استغلالهم جنسياً أو ابتزازهم بأي شكل من الأشكال.
- الرسائل الجنسية عبر مواقع التواصل Sexting: عندما يقوم شخص ما بإرسال مقاطع إباحية أو صور عارية أو شبه عارية له نفسه أو لأشخاص آخرين، كذلك كل نص يحتوي على إيحاءات جنسية، والأخطر عندما يتم إرغام الأطفال أو التغرير بهم لإرسال صور أو فيديوهات يصورونها لأنفسهم بأوضاع جنسية أو شبه جنسية.
- الاعتداء والاستغلال الجنسي على الانترنت: وهو إرغام الطفل أو المراهق على ممارسة أنشطة جنسية أو شبه جنسية من خلال الترغيب أو الترهيب والابتزاز، وتكون هذه الأنشطة الجنسية عبر الانترنت بوسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، أو تكون مقدمة لإرغام الطفل أو المراهق على الحضور شخصياً لاستغلاله جنسياً.
- الابتزاز الجنسي للأطفال: حيث يقوم شخص ما بابتزاز الأطفال أو المراهقين باستخدام صور أو مقاطع فيديو جنسيه لهم وتهديدهم بنشرها، وإما أن يكون الهدف من الابتزاز جنسياً أيضاً أو مالياً أو كليهما معاً.
وبناء على ذلك يمكن القول أن الأطفال معرضون للتحرش الجنسي عبر الإنترنت من خلال استخدام:
- المحادثات النصية أو الصوتية أو المصوّرة.
- المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي.
- الألعاب الإلكترونية المتصلة بالشبكة.
- المواقع الإباحية.
كيف أعرف أن ابني تعرض للتحرش الجنسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟... من خلال اجتماع بعض الأعراض يمكن وضع التحرش الجنسي على الانترنت من بين الاحتمالات، وهذه الأعراض هي:
- تغير في عادات استخدام الانترنت، يستخدمه لوقت أطول أو أقل.
- الحفاظ على السرية، حيث يميل الطفل أو المراهق للحفاظ على سريته بشكل فوق الطبيعي، من خلال استخدام المتصفح المخفي واستخدام الانترنت بعيداً عن الأسرة وفي أوقات يقل فيها نشاط أفراد البيت، أو حتى الخروج إلى السطح أو الحديقة.
- ظهور علامات التوتر والقلق قبل أو بعد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
- ظهور أعراض الخوف والقلق والاكتئاب، وما يصاحبها عادة من اضطرابات الطعام واضطرابات النوم والتراجع الدراسي وتغيّر الاهتمامات.
في حال اجتمعت هذه الأعراض أو معظمها فقد تدل على تعرض الطفل للتحرش أو الابتزاز على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن لم يكن الأمر كذلك فإن هذه الأعراض تشير إلى وجود مشكلة على كل حال، ويجب البحث عنها بجدية وحزم.
للأسف فإن البعض يستخف بأخطار التحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي باعتبار أن الاتصال المباشر بين الطفل والمتحرش غير موجود، بالتالي فإن الآثار النفسية ستكون أقل شدة، لكن الحقيقية أن التحرش الإلكتروني لا يقل خطورة عن التحرش التقليدي، بل أنه في بعض الحالات قد يكون أسوأ وأطول أمداً وأكثر دناءة.
في عام 2013 ألقت مراهقة سويدية (13سنة) نفسها تحت القطار، في البداية اكتشفت الشرطة في التحقيقات أنها تعرضت للابتزاز الجنسي عبر الانترنت من شاب مراهق، ليتضح بعد التحقيقات أن المتحرش كان رجلاً بالغاً، وكان يبتز الفتاة بصورة أرسلتها إليه طالباً منها ما هو أكثر من الصورة [3].
إذاً ليست آثار التحرش الجنسي بالأطفال على الانترنت أقل من آثار التحرش التقليدي، بل أن الأطفال قد يجدون صعوبة في الهروب من العالم الافتراضي والمتحرش الذي يطاردهم على صفحاتهم الشخصية وصفحات أقرانهم، وقد يقود التحرش والابتزاز الأطفال لأفكار مجنونة وسلوكيات منحرفة، أولها الانصياع والخضوع للمبتز وتنفيذ طلباته التي قد تصل إلى اللقاء والاستغلال الجنسي الفعلي، وما يترتب على ذلك من آثار نفسية، إضافة إلى الاضطرابات التي ترافق التعرض للتحرش والأفكار الانتحارية (راجع مقالنا هل يفكر الأطفال بالانتحار).
من جهة أخرى فإن الاعتداء الجنسي على الانترنت قد يشوّه الكثير من المفاهيم عند الأطفال، مثلاً قد يجد الطفل الذي يتعرض للابتزاز الجنسي عبر الانترنت مبررات للضحية، ذلك أن الاعتداء غالباً ما يتم من خلال إجبار الأطفال على ممارسة أنشطة جنسية مع أنفسهم وتصويرها، فالطفل يفكر "هو لم يلمسني حتَّى!"، ما يعزز أيضاً شعور الطفل بالذنب والعار "لقد فعلت ذلك بنفسي!" [4].
إن عملية حماية الأطفال من التحرش الجنسي تتضمن ثلاثة مراحل، الأولى هي وقاية الأطفال من التحرش الجنسي عموماً والتحرش عبر الانترنت بشكل خاص باعتباره شكلاً جديداً من التحرش، والمرحلة الثانية هي وقف التحرش وملاحقة المتحرش في حال اكتشافه، والمرحلة الثالثة هي التعامل مع الأطفال الذين تعرضوا للتحرش الجنسي عبر الانترنت.
لا بد أولاً أن يفهم الأطفال الجوانب السيئة والسلبية في مواقع التواصل الاجتماعي، فالأطفال أكثر ميلاً من الكبار لتصديق ما يقال لهم والاقتناع به، وإذا كنا نحن الكبار نتعرض للخديعة بشكل مستمر في الواقع وفي العالم الافتراضي، فما بالك بالأطفال.
حماية الأطفال من الاعتداء على الانترنت حسب العمر
أصدرت منظمة حماية الأطفال كتيباً حول كيفية حماية الأطفال من الاعتداء الجنسي على الانترنت سمته (#netsmart)، تضمن مجموعة من النصائح والاقتراحات من بينها كيفية الحديث مع الأطفال عن الاعتداء الجنسي عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حسب الفئة العمرية، وذلك كالآتي [5]:
1- الأطفال في الرابعة والخامسة
البداية هي الأهم والتوعية في هذه الفئة العمرية الصغيرة تحمي الطفل بشكل كبير من مخاطر الانترنت المختلفة، وأهم ما يجب أن يفكر به الأهل أن استخدام الأجهزة الإلكترونية في هذا العمر يجب أن يكون خاضعاً لقواعد وقوانين، ولا يجب أن يكون التابلت أو الهاتف جليساً للأطفال أو وسيلة إلهاء رئيسية لهم، كما يمكن في هذا العمر الحديث عن أخطار الانترنت المختلفة دون شجار أو صراخ، وبطبيعة الحال يجب أن يراقب الأهل التطبيقات والألعاب والفيديوهات التي يتعرض لها أطفالهم عبر عالم الانترنت الواسع، (راجع مقالنا كيف أحمي ابني من يوتيوب).
وقد يكون الإجراء الأهم من كل هذا بناء خط اتصال فعال مع الطفل من هذا العمر، وتعليمه ما هي الأسرار الجيدة والأسرار السيئة، ومتى يجب عليه أن يطلب المساعدة، ومساعدته على تخطي المخاوف المتعلقة بالبوح أو الحديث عن التجارب السيئة التي قد يمر بها.
2- الأطفال في سن المدرسة
- اشرح للأطفال أن هناك أشخاص سيئين على الانترنت، وشجعهم على عدم قبول صداقات غير موثوقة من أشخاص غير معروفين.
- اشرح للأطفال أن الحسابات المزيفة أمر ممكن دائماً، يمكن وضع صورة مزيفة واسم مستعار ومعلومات خاطئة بهدف إيذاء الآخرين وتضليلهم.
- حاول أن تقنع طفلك باستشارتك قبل التواصل مع أشخاص مجهولين عبر الانترنت، واشرح له أسباب مخاوفك دون أن تجعله خائفاً بشكل يؤذيه.
- فسر للأطفال كيف يمكن أن تكون صورهم ومعلوماتهم الشخصية وسيلة لاستغلالهم عبر الانترنت، وعلمهم ألا يقوموا بنشر صورهم فوراً قبل استشارتك، أو على الأقل عندما يعتقدون أن الصور قد لا تكون مناسبة.
- اعمل دائماً أن تكون ثقة أطفالك بك عالية، ليخبروك عن أي شيء يتعرضون له.
- مثلما تسأل أطفالك عن نشاطاتهم المدرسية أو واجباتهم الدراسية، اسألهم عن نشاطهم على الانترنت وعن الأشياء الجديدة التي تعلموها.
- استخدم القصص الشائعة عن الاستغلال عبر الانترنت، أو اطلب منهم المساعدة بفحص صفحة مزيفة قبل قبول طلب الصدقة، وقدم لهم كل ما يمكن أن يساعدهم على التفكير.
3- الأطفال المراهقون على الانترنت
- حتى وإن أظهر المراهقون انزعاجهم من الرقابة الأبوية على الانترنت لا بد أن تستمر هذه الرقابة بشكل أو بآخر، لا تفقد اهتمامك لمجرد أن ابنك أو بنتك تذمروا من رقابتك، فالتذمر من الرقابة سمة من سمات المراهقة.
- حاول أن تثبت حبك الكبير لأطفالك المراهقين، وامنحهم الأمان والحرية ليتحدثوا عن التجارب السيئة التي يتعرضون لها على الانترنت.
- عندما تكون أنت متذمراً من الاستماع للمراهقين في المواضيع العادية لن يرغبوا بطبيعة الحال إخبارك عن القضايا الحساسة، كن مستعداً لسماع الكثير من القصص العادية لتفتح المجال أمام القصص المهمة.
- تحدث عن الاعتداء الجنسي بشكل مباشر، الطفل الكبير أصبح يعرف الكثير ويحتاج إلى التوجيه، راجع مقالنا حول كيف اخبر ابني عن البلوغ والاحتلام.
- لا تتردد بالإجابة عن أسئلة الأطفال مهما كانت، راجع مقالنا كيف أجعل ابني يثق بي أكثر من ثقته بجوجل؟.
التعامل مع المتحرش الإلكتروني
في معظم الدول تم وضع قوانين خاصة بالتحرش على شبكة الانترنت وبات يعتد بالرسائل النصية أو الصوتية أو المصوّرة كقرينة قضائية، وفي دول أخرى تم وضع التحرش في السياق العام لقوانين الجرائم الإلكترونية.
في المملكة العربية السعودية ينص القانون الخاص بمكافحة التحرش أن من يرتكب جريمة التحرش بأي وسيلة ومنها الوسائل التقنية الحديثة يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تزيد عن 100 ألف ريال سعودي أو إحداها في الحالات العادية، وينص القانون السعودي على معاقبة من يتحرش بالأطفال عبر الانترنت بغرامة لا تزيد عن 300ألف ريال وسجن لا يزيد عن خمس سنوات أو إحداها، ونفس العقوبة لمن سهّل أو حرّض على التحرش بالأطفال عبر الانترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي، ونصف العقوبة للشروع بالتحرش، كما ينص القانون على كتم هوية المجني عليه والحفاظ على السرية [6].
القصد من استعراض القانون السعودي كنموذج للتعامل مع المتحرشين على مواقع التواصل الاجتماعي هو ضرورة التأكيد على ملاحقة ومتابعة المتحرش، وتقديم البلاغ اللازم حسب قانون البلاد، والتأكّد من متابعة الدعوى ليكون القضاء رادعاً.
التعامل مع الطفل الذي تعرض للتحرش على الانترنت
عندما كانت الآثار النفسية للتحرش بالأطفال عبر الانترنت لا تقل خطورة عنها في حالات التحرش التقليدي؛ كذلك ستكون آليات مساعدة الطفل على تجاوز هذه المحنة متشابهة، ومتناسقة مع المدى الذي وصل إليه التحرش والضرر الذي ألحقه بالطفل.
وهنا يجب أن نتذكر دائماً أن عقاب الطفل على أخطائه باستخدام الانترنت ليس الهدف منه إدانة الطفل وتبرئة المتحرش، بل حماية الطفل من تجارب مماثلة، لذلك لا بد من الوقوف إلى جانب الطفل ودعمه نفسياً، ونعتقد أن اللجوء إلى المرشد النفسي المتخصّص لا غنى عنه في حالات التحرش الجنسي بالأطفال.
من جهة أخرى فإن هناك إجراء لا بد من التفكير به بخصوص التحرش بالأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو محاولة حذف كل محتوى يتعلق بعملية التحرش من صور أو فيديوهات منتشرة، ذلك من خلال التعاون مع الجهات المختصة في حالة إقامة دعوى، والتواصل مع إدارة المواقع المعنية لحذف المحتوى.
وكجزء مهم من التعامل مع الطفل الذي تعرض للتحرش الالكتروني يجب الحفاظ على السرية، لا خوفاً من الفضيحة بل حفاظاً على نفسية الطفل ومستقبله، حيث لا يجب أن يطّلع أحد على الحادثة باستثناء الجهات القضائية المعنية.
[1] دراسة Cathaiune a Mackinnon & Reva B. Siegel "التاريخ القصير للتحرش الجنسي" منشورة في law.yale.edu، تمت مراجعته في 25/6/2019.
[2] مقال "الإيذاء عبر الانترنت نصائح للحفاظ على أمان الأطفال عبر الانترنت" منشور في nspcc.org.uk، تمت مراجعته في 25/6/2019.
[3] مقال "رجل بالغ يدفع مراهقة للانتحار" منشور في sverigesradio.se، تمت مراجعته في 25/6/2019.
[4] مقال Malin Joleby, Carolina Lunde & Linda Jonsson "فهم الاعتداء الجنسي عبر الانترنت وكيف يمكن أن نتحدث مع أطفالنا عنه" منشور في n-mind.org، تمت مراجعته في 26/6/2019.
[5] كتيّب (#Netsmart) منظمة حماية الطفل حول "كيفية حماية الطفل من الاعتداء الجنسي عبر الانترنت" منشور في resourcecentre.savethechildren.net، تمت مراجعته في 26/6/2019.
[6] مقال عبد الرحمن البرقاوي "بدء تطبيق نظام مكافحة التحرش وهذه تفاصيله وعقوبات المتحرشين" منشور في جريدة القبس، تمت مراجعته في 26/6/2019.