أسباب ودوافع هوس السرقة وطرق علاج إدمان السرقة
الكثير من الأطفال يجربون السرقة مرَّة واحدة على الأقل في طفولتهم، بعضهم يعتاد على السرقة ويتأخر في فهم الضوابط والمعايير التي تجعل من السرقة تعدياً على الآخرين، لكن ماذا عن إدمان السرقة عند الكبار أو كليبتومانيا؟!.
في هذا المقال نتعرَّف معاً إلى اضطراب إدمان السرقة أو هوس السرقة المعروف أيضاً باسم جنون السرقة، نحاول أن نفهم الأسباب والدوافع وراء إدمان السرقة، وتأثير هوس السرقة على الصحة النفسية والحياة الاجتماعية، لنصل إلى الحديث عن آليات وطرق معالجة داء السرقة.
"هوس أو جنون السرقة سلوك يتصف بالقهرية!"
يعتبر اضطراب هوس السرقة اضطراباً نادراً لكنه خطير في نفس الوقت، حيث يكون المريض عاجزاً باستمرار عن مواجهة الإغراء بالسرقة، وغالباً ما تكون المسروقات التي يحوز عليها مدمن السرقة غير ذات قيمة وغير ذات أهمية بالنسبة له، فهذا الاضطراب ينتمي إلى اضطرابات التحكم بالحوافز والدوافع، حيث تكون المشكلة في مواجهة الإغراء والإقدام على السلوك بغض النظر عن نوع المسروقات وقيمتها. [1]
وتشير الرابطة الوطنية الأمريكية لمنع السرقة في المتاجر (NASP) إلى أن الإدمان على السرقة من المتاجر يشبه الإدمان على المخدرات، حيث أفاد مدمنو المخدرات الذين تزامن إدمانهم مع هوس السرقة أن الإدمانين على قدم المساواة!، وتشير الرابطة إلى أن 57% من البالغين الذين تم توقيفهم نتيجة هوس السرقة من المتاجر Shoplifting يجدون صعوبة في التوقف عن السرقة [2,3]
إن الأساس في أعراض هوس وإدمان السرقة هو السلوك القهري، بمعنى عدم قدرة المريض وعجزه عن مواجهة الإلحاح للسرقة، إضافة إلى شعور الاسترخاء والراحة بعد تنفيذ السرقة، ومن هنا يمكن تحديد أبرز أعراض داء السرقة: [4]
- الرغبة الجامحة والملحَّة بالسرقة، التي تتزامن مع العجز عن المقاومة.
- الشعور بالتوتر قبل السرقة.
- الشعور بالراحة والاسترخاء بعد السرقة.
- غالباً ما يسرق أشياء غير مهمة وغير ذات قيمة بالنسبة له وقلَّما يستفيد منها لاحقاً.
من شروط تشخيص إدمان السرقة ألا يكون السلوك استجابة لهلوسة أو أوهام ناتجة عن اضطرابات عقلية ونفسية، وألا تكون السرقة بدافع الانتقام أو بدوافع تقليدية كالحاجة، وألا تكون حالة خاصة مرتبطة بظرف راهن كالسرقة من الزوج البخيل مثلاً إلا في حال تطور السلوك إلى سلوك قهري.
خصائص وسلوك المصاب بإدمان السرقة [5]
- لا يسرق مدمن السرقة إلا لأنه عاجز عن مقاومة الإغراء بالسرقة، أي الأسباب التقليدية والمعروفة لسلوك السرقة معدومة، بل السرقة من أجل السرقة.
- غالباً ما تحدث السرقة بشكل عفوي دون تخطيط مسبق ودون مشاركة مع آخرين.
- غالباً ما تزداد حدة الإغراء بالسرقة في الأماكن العامة كالمتاجر، أو في التجمعات مثل الحفلات.
- في كثير من الحالات يكون مدمن السرقة قادراً على شراء السلعة التي سرقها، ونادراً ما يسرق شيئاً يعتقد أنه مميز أو مفيد، بل ربما لا يدرك ما سرقه إلا فيما بعد، ويلجأ إلى إخفائه أو التخلص منه أو إهدائه.
- الرغبة في السرقة متذبذبة لكنها حاضرة بتواتر مختلف بين فترة وأخرى.
- شعور الذنب والعار غالباً ما يرافق المدمن على السرقة.
- نادراً ما يتطور هوس السرقة إلى سلوك إجرامي أو جماعي.
هل السرقة مرض وراثي؟ أم أن العوامل التربوية والبيئة هي فقط المسؤولية عن داء السرقة؟
كمعظم الاضطرابات السلوكية تبدو أسباب إدمان السرقة غامضة وتحتاج إلى المزيد من الدراسة، وهناك العديد من الملاحظات والاقتراحات التي تشير إلى اجتماع العوامل البيئية وتكوين الشخصية والتجارب السابقة مع العوامل الوراثية كأسباب للإصابة بإدمان السرقة، ويمكن تلخيص أسباب هوس السرقة المقترحة كالتالي:
الأسباب النفسية والمعرفية لإدمان السرقة
يعتقد معالجو التحليل النفسي أن هوس السرقة قد يكون تعبيراً عن رغبة كامنة بالتعويض عن خسارة ما أو عن الإهمال، ويقترح داعمو هذا الرأي أن العلاج في هذه الحالة هو تحليل الدوافع الكامنة والتجارب السابقة للوصول إلى المحفزات الحقيقية للسرقة [6].
من جهة أخرى يقترح رواد العلاج السلوكي المعرفي أن سبب السرقة القهرية قد يكون ناتجاً عن تشجيع إيجابي على السرقة تلقاه الفرد سابقاً، وعند تجربة السرقة لأول مرة دون عواقب تزداد فرص تكرار السلوك.
الأسباب الصحية لإدمان السرقة
مؤخراً تم الاهتمام أكثر بدراسة العلاقة بين النواقل العصبية والهرمونات وبين إدمان السرقة، حيث رصد الباحثون علاقة بين مستويات هرمونات السعادة السيروتونين والدوبامين وأفيون الدماغ وبين الإصابة بإدمان السرقة [7].
كما وجدت الأبحاث أن الأدوية المستخدمة في علاج الإدمان من المخدرات وفي علاج الأمراض والاضطرابات هرمونياً كان لها أثرها أيضاً على إدمان السرقة، كما تم الإبلاغ عن حالات إدمان السرقة المرتبطة بأذية وإصابة الرأس، ما يعزز الاعتقاد أن هناك روابط عصبية لإدمان السرقة [8]، كما أشارت دراسات أخرى إلى أن هوس السرقة يظهر بنسبة أكبر بين الإناث مقارنة بالذكور [9].
لا نفشي سراً إذا قلنا أن الإدمان تجارة مربحة غالباً، فإدمان المخدرات أو إدمان القمار أو إدمان الانترنت وغيرها من أنواع الإدمان السلوكي والكيميائي جميعها تغذي قطاعات عملاقة تقوم على صناعة السلع والخدمات التي تلبي حاجة المدمنين حول العالم، لكن على ما يبدو فإن إدمان السرقة استثناء ربما يكون وحيداً.
في أمريكا وحدها خسرت متاجر البيع بالتجزئة 48.9مليار دولار أمريكي عام 2016 نتيجة فقدان المخزون [10]، ويشير المسح الوطني لأمن البيع بالتجزئة الذي يجريه الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة في أمريكا NRF سنوياً أنَّ 36.5% من المبلغ المهدور هو نتيجة السرقة في المتاجر[11] والتي تحتل أعلى نسبة من المبلغ المهدور، ويعتقد أن مكافحة إدمان السرقة ستوفر الكثير من الأموال على متاجر البيع بالتجزئة.
أما على الصعيد الشخصي فهناك روابط قوية بين إدمان السرقة والمشاعر السلبية واضطرابات المزاج مثل القلق والاكتئاب، وغالباً ما ينعكس اضطراب هوس السرقة بشكل سلبي على الصورة الذاتية والعلاقات الاجتماعية، إضافة بالطبع لمواجهة عقوبات السجن والغرامات ووضع إشارة على السجل العدلي على الرغم أن سلوك السرقة القهري لا يعتبر سلوكاً إجرامياً.
في حقيقة الأمر فإن الاهتمام بعلاج إدمان السرقة ليس اهتماماً بريئاً أو عادياً؛ بل أن جزءاً من هذا الاهتمام يهدف إلى تقليص الخسائر المالية التي تمنى بها متاجر بيع التجزئة والفنادق وحتى المعارض وقاعات الاحتفال حول العالم نتيجة فقدان السلع والمحفوظات، من جهة أخرى فإن البحث عن علاج فعَّال لهوَّس السرقة يستهدف أيضاً إقناع السلطات القضائية باستثناء المصابين بهوس السرقة من العقوبات الجنائية وتحويلهم إلى العلاج النفسي.
وآفاق العلاج كما ذكرنا في فقرة أسباب هوس السرقة؛ هي العلاج النفسي السلوكي القائم على فهم الدوافع الكامنة والتجارب السابقة والتعامل معها، ومنح المريض علاج مساعد كمضادات الاكتئاب، إضافة إلى الدراسات المستمرة على علاج داء السرقة من خلال التدخل بعمل الدماغ والناقلات العصبية ونظام المكافأة في الدماغ ومن خلال الهرمونات المرتبطة به.
أخيراً... التحدي الكبير الذي يواجهه المعالجون مع مرضى هوس السرقة هو ندرة الإبلاغ عن الحالة، فنتيجة العار المرتبط بهذا الإدمان غالباً ما يبقى سراً وطي الكتمان، حتى العائلات عندما تكتشف إصابة أحد أفرادها باضطراب هوس السرقة تلجأ للتكتم ومحاولة العلاج الذاتي، وفي حالات نادرة إلى العيادة النفسية.