الصراع بين العقل والعاطفة... بين الحدس والمنطق
تقود القرارات أنشطتنا اليومية؛ ولا تنتهي الحاجة إلى اتخاذ قرار أبداً، حيث يمكنك اتخاذ القرارات حتى عندما تفكر في عدم اتخاذ القرار، ونحن لا نختار الخيار الأكثر عقلانية دائماً، فالجميع يحلل المعلومات بشكل عقلاني وعاطفي في الدماغ.. هل ذلك مألوف بالنسبة لك؟ ولماذا لا تفعل أشياء تعرف أنك يجب أن تفعلها؟ دعنا نتحدث عن التفكير والإحساس.. كذلك القرارات وحل المشكلات؛ بناء على طريقة تفكيرنا ونوع مشاعرنا وعاطفتنا.
هل هما نظامان منفصلان للتفكير؟ العملية العاطفية.. البديهية، من ثم العملية المنطقية البطيئة والأكثر فعالية للتفكير العقلاني؛ هل يتنافس هذان القسمان من الدماغ!؟ [1]، وفقاً لهذه الرؤية.. قد تتطلب بعض المواقف نشاطاً أكبر في الجزء العقلاني من دماغك، بينما يعتمد آخرين على القسم العاطفي لاتخاذ القرار، فسواء يعمل الجزء العاطفي بشكل اعتيادي أم لا، فإنه يؤثر على عملية اتخاذ القرارات بشكل يومي، والحقيقة لا يمكنك أن تكون عقلاني إذا كنت عاطفي جداً، لكن في الوقت نفسه لا يمكنك أن تكون عقلاني إذا لم تكن عاطفي!
عندما تكون عاطفي جداً، فلن تتخذ خيارات منطقية، على الرغم من أنك تعرف ما هو الأفضل لك! فكم من مرة اتخذت قرارات تناقض طريقة حكمك على الأمور؟! بمعنى عندما تكون عاطفي جداً، لن يفوز الجزء العقلاني من دماغك، على الرغم من أنك تعرف ما الذي سيجعل الأمور أفضل (التوقف عن تدخين السجائر- قطع تناول الكحول.. الخ)، لأن التعامل مع خيارات الحياة، وتلك التي تدفع التغيير في حياتك؛ هي على ما يبدو أمر صعب من دون توفر المعلومات الصحيحة التي تساعد منطقك، وبغير ذلك ستكون قراراتك عاطفية.
القرارات.. حتى الحاسمة منها، ليست مجرد ابتعاد وتجرّد عن العواطف، فإذا كان علينا استخدام المنطق والعقل في جميع الحالات، وإذا كان علينا أن نبرر كل قرار؛ سنكون محاصرين في حلقة.. وغير قادرين على التحرك في أي اتجاه، لأننا نحلل ونفكر في إيجابيات وسلبيات كل خيار، حيث:
- يمثل الجزء العقلاني؛ قدرتك على التفكير من خلال خيارات مختلفة، بينما العاطفي يمثل؛ غرائزك ودوافعك وحدسك.
- التفكير العقلاني منهجي ونزيه، لكنه بطيء أيضاً، مثل العضلات لا بد من تدريبه وبنائه مع مرور الوقت بالممارسة، مع ذلك فإن الجزء العاطفي يتخذ القرارات بسرعة وبدون عناء رغم أنه غير منطقي!
- في حين أن الكثير من المشاعر يمكن أن يُضعف التفكير، فإن قلة العاطفة يمكن أن تكون ضارّة للجانب العقلاني.. بنفس الدرجة!
للقلب أسباب لا يفهما المنطق
يمكن أن نتحدث عن تدريب العواطف بالمنطق وسنوات الخبرة، ونحتفظ بها لحكمة حقيقية في حياتنا، فالحدس والمشاعر التي تعتمل في الأمعاء مثلاً؛ جزء لا يتجزأ من عملية التفكير والقدرة على التحليل العقلاني، حيث يمكن أن تطغى العواطف والعقلانية معاً، والعقلانية لا يمكن أن تبقى من دون العواطف، وخاصة عند ضعف العاطفة، بالتالي فإن عملية صنع القرار تعاني، ولكي تتخذ القرار الصحيح لا بد أن تعيش إحساسك أو على الأقل جزء منه [2]، كما يقود عقلك العاطفي جزءاً كبيراً من خياراتك.. لا تنسى ذلك! ويمكن أن نختصر هذه العلاقة بين المنطق والعاطفة فيما يلي:
- تمثل العقلانية نسبة 20% من عملية صنع القرار البشري، بينما تقود العواطف نسبة 80%! لكن العواطف أيضاً تربح كامل عملية اتخاذ القرار أي 100%؛ عندما تكون جائعاً أو غاضباً أو وحيداً، ثم من الأرجح أن تدفعك العواطف في الاتجاه الخاطئ [3].
- في بعض الأحيان تكون العواطف هي القوة الأكثر إلحاحاً في حياتنا، إذ أن لدينا ميل قوي للسماح بسيطرة المشاعر على تفكيرنا المنطقي، الذي يكون عاجزاً من دون عواطف كما أسلفنا، كما أننا ننتهز الفرص بسرعة (عاطفيين) لأننا متحمسون لآفاق جديدة، كما أن العواطف تملي الأفكار والأفعال بسلطة على عقولنا، لكن عندما تكون هذه العواطف عبارة عن إحساس خاطئ؛ فإننا نتخذ قرارات يُرثى لها [4].
- تهيمن العاطفة على التفكير عندما يكون للأقارب والأهل علاقة مباشرة في أي قرار نعمل على اتخاذه، ونظراً لأن العقل يحتاج الكثير من المعالجات أثناء التفكير.. يزداد الاحتمال العاطفي في الطغيان على اتخاذ القرار.
- يعمل الجزء العاطفي على الحد من المنطقي وتقيده؛ فيتيح فرصة من التفكير المتكامل! لأن بعض الناس ينجحون في تحقيق التوازن بين الاثنين، وبعضهم الآخر يكون منطقي، لكنه يعتمد على قيمه وشخصيته وقناعاته... الخ.
- تضعف قدرتك على اتخاذ القرار عندما تتوفر لديك الكثير من المعلومات حول موقف ما! وأهم تلك القرارات التي تتخذها هي ما يطغى فيها الإحساس عليك، فيبدو القرار مستحوذاً على تفكيرك بالكامل! هل يبدو هذا الكلام متناقضاً؟ إليك إذاً ما أظهرته الدراسات [5]؛ عندما يتم تحميل أذهاننا بالمعلومات، يفوز الجانب العاطفي من دماغنا.. حيث نواجه عادة الكثير مما يجب مراعاته، فيطغى على الجزء العقلاني من دماغنا، بالتالي مع وجود الكثير من الضغط على الجزء العقلاني من دماغنا؛ سيخسر المعركة ضد الجزء العاطفي.
- العواطف تلهم الفعل.. فالغضب يدفع جسمك للتحرك، والقلق يسحبه إلى التراجع، كذلك الفرح يضيء الوجه، بينما يحاول الحزن العمل على إخفاء وجودك عن الأنظار!
على الرغم أن المشاعر تحمل الحكمة والحماقة في نفس الوقت وتؤثر على الجسم ككل؛ فإنها تدفع وعينا أكثر مما نتخيل، وتكمن أهميتها في القدرة على عيش اللحظة (الآن).. حيث تتجسد فكرة وجودك وقدرتك على التحكم بنفسك وحياتك، وعلى الرغم من أن الجزء العقلاني في الدماغ يساعدك على اتخاذ قرارات محسوبة، إلا أنه يعني الغرق في الماضي (بناء على الخبرات والتجارب السابقة)... والشطح إلى المستقبل (الأمل بالأفضل).
حل المشكلات اختبار للعواطف والمنطق معاً
هناك استراتيجيات تساعدك على التفكير الأوضح، خاصة في حال وجود مشكلة ما، ورما يذهب دماغك العاطفي أثناء عملية التفكير؛ باتجاه منطقة مشوشة تحديداً، هنا تكون عملية اتخاذ القرار في حل مشكلة ما.. مدفوعة عاطفياً وبشكل غير منطقي! والحل أن تجيب نفسك على تساؤلات:
- ما هي تجربتي فيما يخص هذا الموقف (المشكلة)؟
- ما الذي أريد أن تكون عليه تجربتي؟
أي بالتفكير العقلاني: ما الذي تريده، وما الذي تملكه لتحقق ذلك؟ والفجوة بينهما في تقييم سلوكياتك، حيث ستواجه أحيانا بعض المقاومة والشك، ثم ستتمكن من إدارة ذلك عندما تركز على:
- "ماذا يمكنني أن أتعلم من هذه التجربة، وكيف سأكون مختلفاً بعدها؟".
إن عملية التغلب على مشاكلنا العميقة واتخاذ القرارات الحاسمة لحلّها، وحتى السريعة منها والتي لن تندم على اتخاذها؛ تصبح أكثر وضوحاً من خلال معرفة ما نريد أن نختبره ونعمل عليه بدلاً من الغرق في التفكير بالمشكلة أو الحزن على نتائجها، وهناك خيارات مهمة تساعدك في ذلك:
- استخدم قيمك: وجود قيم واضحة تحاول العيش بها؛ يمكن أن تجعل عملية اتخاذ القرارات الصعبة.. أسهل.
- التحدث عن المشكلة أو القرار: لا تحتاج إلى التحدث مع شخص مطّلع على الموضوع، تحتاج فقط إلى مستمع جيد يمنحك الوقت لسماع ما تفكر فيه بصوت عالٍ، ومن المحتمل أن تتوصل إلى قرار في نهاية المحادثة، حتى لو كان مستمعك يقول القليل.
- وجهات النظر: في بعض الأحيان تحتاج إلى أكثر من وجهة نظر أي تحتاج المشورة، وعادةً تكون مهمة عندما تفكر في القيام بشيء لم تفعله من قبل، حيث يمكن أن يساعدك البحث عن مستشار متخصص في الوصول إلى قرار ذكي بشكل أسرع، لكن عليك الحرص على عدم قبول النصيحة بصورة عمياء، فقد لا يكون الخيار مناسب لك، وعواطفك هنا تلعب دوراً في مدى شعورك بالراحة إزاء النصيحة، لست مضطراً.. لكن المشورة قد تحثك على اتخاذ قرار على أي حال.
- اختبار مسبق: يمكن في بعض الحالات اختبار قرار قبل اتخاذ القرار الفعلي! ففي تلك اللحظات التي تعرض فيها نفسك لتجربة جديدة، يميل جسدك إلى الإشارة إليك؛ ما إذا كان الموقف غير المألوف "غير مريح" أو "مريح".
- ماذا تأمل؟ عندما تعاني من قرار أو مشكلة ما، ذلك لأن جزئي دماغك المنطقي والعاطفي مختلفان في هذه اللحظة؛ انتبه لما سوف يحدث، دعنا نقول: عندما تسأل أحد المتخصصين للحصول على المشورة، ما الذي تأمل أن يقوله لك لتقوم به؟ أو إذا كان عليك اتخاذ قرار بناءً على الاختيار، ما هو الجانب الذي تأمل أن ترسو إليه؟ نحن لسنا عقلانيين بصورة بحتة، ومن الصواب الاستماع لآمالك، لأنها غالباً ما تمنحك نظرة أعمق حول القرارات التي تريد اتخاذها فعلاً.
- الحياة مليئة بالخيارات الصعبة، لكنها لا تحتاج إلى أن تستنزف ساعات كثيرة من الوقت: ضع أساساً قوياً لاتخاذ القرارات بشكل عام، ثم اختبر هذه التكتيكات الخمسة واختر من بينها لجعل عملية اتخاذ القرار أسرع، حيث ستقضي وقتاً أقل في المعاناة دون اتخاذ خيارات، ربما ستندم عليها لاحقاً.
في النهاية.. يلعب توازن القوة في التسابق بين (دماغك العقلاني) و(الدماغ العاطفي) دوراً كبيراً في صياغة قراراتك اليومية وعادةً ما يكون القرار عاطفي، بغض النظر عن الطريقة التي ترشد بها هذا القرار، فإذا كنت لا تشعر به.. لن تطيع عقلك المفكر، ويرى دماغك العاطفي نفسه على أنه العقل الذكي العقلاني، كما يعتقد أنه يتحكم في وعيك! فالعواطف والمشاعر ليست ترفاً، بل هي وسيلة لتوصيل حالاتنا الذهنية للآخرين، كذلك وسيلة لتوجيه أحكامنا وقراراتنا، وشاركنا رأيك من خلال التعليقات.
[1] كتاب دانييل كانيمان (Daniel Kahneman)، "التفكير السريع والبطيء"، رابط Amazon، تمت المراجعة في: 19/06/2019
[2] مقال دريك باير (Drake Baer) "المنطق يدمر حياة الإنسان"؛ منشور على موقع: The Cut، تمت المراجعة في: 19/06/2019
[3] مقال مايكل ليفين (Michael Levine)؛ "المنطق والعاطفة" منشور على موقع: Psychology Today، تمت المراجعة في: 19/06/2019
[4] مقال الدكتورة كارمن هارا (Carmen Harra)؛ "خطوات السيطرة على عواطفنا" منشور على موقع: Huff Post، تمت المراجعة في: 19/06/2019
[5] مقال جاكلين كلير سيرالدو (Jacqueline Claire Ciraldo) "الدماغ العقلاني والدماغ العاطفي" منشور على موقع: Personal.psu.edu، تمت المراجعة في: 19/06/2019