كيف يفكر الأشخاص الناجحون؟
لقد منحتنا قصص النجاح ومذكرات الأشخاص الناجحين أو المقابلات التي أجريت معهم، إلى جانب الدراسات والأبحاث التي أجريت لرصد مميزات الشخصية الناجحة؛ منحتنا فهماً واسعاً ورؤية واضحة لطريقة تفكير الأشخاص الناجحين.
فالنجاح لا يتعلَّق فقط بالحظِّ والصدفة كما يروق للبعض أن يعتقد، وإنما يرتبط بآلية التفكير والعادات اليومية وكيف ننظر إلى أنفسنا وإلى العالم من حولنا، لنتعرَّف معاً على عادات الأشخاص الناجحين وآليات تفكيرهم.
تعتبر الصورة الذاتية نقطة القوة الأهم في مسيرة الأشخاص الناجحين، فالفقراء الذين تحوَّلوا إلى فاحشي الثراء والذين تسلقوا سلم المجد تمتع معظمهم بثقة عالية بالنفس واحترام وتقدير مرتفع للذات (راجع مقالنا عن احترام وتقدير الذات).
وعند كل منعطف أو عقبة يستند الناجحون إلى ثقتهم بأنفسهم ومعرفتهم الجيدة بقدراتهم ومهاراتهم للخروج من المأزق، فالناجحون يمتلكون دائماً نظرة عميقة لأنفسهم وثقة عالية[1]، ويمكن تحديد أبرز فوائد الثقة بالنفس والتقدير الجيد للذات كالآتي:
منهج بيل غيتس في النجاح
بيل غيتس صاحب مايكرو سوفت والملياردير الذي تربع على عرش أثرى أثرياء العالم لسنوات طويلة قبل أن يزيحه صاحب شركة أمازون مؤخراً؛ يعتقد بيل جيتس أن الثقة بالنفس هي أهم الأدوات لتحقيق النجاح، فوجود أشخاص يقدِّمون الدعم الحقيقي في مرحلة مبكرة من حياة الإنسان ويعززون ثقته بنفسه، يجعله أكثر إقداماً على التجارب الجديدة، وأكثر قدرة على التعامل مع الفشل كجزء من النجاح، والعثور على الشغف وملاحقته حتى النهاية[2].
الثقة بالنفس واكتشاف طريق النجاح
1- الثقة بالنفس تجعلك أكثر قدرة على استغلال مواهبك والأمور التي تبرع بها، وأكثر شجاعة في تطوير نفسك.
2- الثقة بالنفس تمنحك القدرة على خوض التجارب الجديدة، والتجارب الجديدة لطالما كانت سبباً في النجاح (راجع مقالنا عن الخوف من التجارب الجديدة).
3- ثقتك بنفسك تجعلك قادراً على الرفض والقبول، وتمييز المواقف التي تحتاج للرفض دون خجل، والمواقف التي تتطلب الإقدام والإقبال.
4- لا يمكن التغلّب على المخاوف والهواجس مثل الخوف من المستقبل والخوف من المواجهة دون ثقة بالنفس ومعرفة كافية بالذات واحترام وتقدير مرتفع للنفس.
5- الثقة بالنفس تجعلك جريئاً باكتشاف المشاكل الحقيقية وأسبابها، والبحث عن علاجها، كلما كانت الثقة بالنفس أقل كلما كانت المبررات الوهمية أكثر.
إن النجاح من وجهة نظرنا تجربة يومية، بمعنى أن الوصول إلى النجاح لا يكون فجأة ولا يمكن الاطمئنان إليه، بل هو محاولة يومية في تسلق السلم ومحاولة يومية في الحفاظ على النجاح، كيف يخطط الناجحون ليصلوا إلى النجاح ويحافظوا عليه؟:
قاعدة 20-80 للتخطيط الاستراتيجي
من المميزات التي يتمتع بها الأشخاص الناجحون قدرتهم على تحديد المكان الأمثل لبذل الجهد، وتعتبر قاعد 20-80 من أشهر القواعد التي يتبعها الناجحون في سبيل ذلك.
تعود جذور قاعدة 20-80 الشهيرة إلى العالم الاقتصادي الإيطالي باريتو الذي وجد أن الناس ينقسمون إلى 20% مقابل 80% في كثير من الأشياء، مثلاً العالم يكاد يكون مقسماً 20% يسيطرن على الموارد والثروات، مقابل 80% من الناس العاديين.
وفيما بعد تم الاستفادة من نظرية باريتو هذه في مجالات مختلفة، منها التخطيط الاستراتيجي ووضع الأهداف، فإذا افترضنا أن لدينا قائمة من عشرة مهام، سنجد أن هناك مهمتان (20%) أهم من كل المهام الباقية (80%).
ومعظم الناجحين يحاولون بذل جهدهم الأكبر في سبيل تحقيق العشرين بالمائة الأهم والأكثر فاعلية، مقابل جهد أقل أو جهد ثانوي للثمانين بالمائة، فيما يقضي البعض حياته يركض خلف تحقيق الثمانين بالمائة الأقل أهمية [3].
ومن الأمور المهمة التي يفكر بها الناجحون عند وضع الخطط قصيرة وبعيدة الأمد:
1- ابحث كل يوم عن فرص جديدة للتعلم والاكتساب: لا يتوقف الناجحون عن البحث عن الفرص والأشياء الجديدة، دائماً يحاولون خلق خيارات جديدة وخوض تحديات جديدة، اكتساب مهارات وقدرات جديدة في كل يوم[4].
جزء أساسي من التخطيط للنجاح أن يكون كل نشاط هادفاً لاكتساب المزيد من القدرات المهارات.
2- تعلَّم مهارات التفكير المختلفة، مهارات التفكير المرن والتفكير الإيجابي، وكيف تأثر طريقة تفكيرك على خياراتك وإنجازاتك، وتعلم كيف تفاضل بين الخيارات وتتخذ القرار الصحيح، اقرأ مقالنا عن صعوبة اتخاذ القرارات، ومقالنا عن قواعد المفاضلة الصحيحة.
3- فكِّر بالاستراتيجية قبل تحديد الخطوات، حدد أهدافك بشكل جيد وحدد رسالتك، ضع توقعات جيدة وواقعية.
4- اجعل المراجعة والتقييم جزءاً من الخطة دائماً، فكل خطة لا تتضمن بنداً لتقييم الأداء وتحديد الأخطاء الطارئة وإمكانية التعديل هي خطة فاشلة، اقرأ مقالنا عن استراتيجيات التراجع عن الخطأ.
5- استثمر طاقتك في البحث عن الحلول بالشكل الأمثل، استخدم التفكير الإبداعي لخلق المزيد من الخيارات بدلاً من للرضوخ للخيارات المتاحة، تذكر أن هناك دائماً أكثر من خيارين، هناك خيارات جديدة مخفية يجب أن تبحث عنها.
6- لا تخشى من الفشل، فكل ناجح له نصيب من الفشل، ومن دون خوض تجارب فاشلة لا يمكن جمع عناصر النجاح للوصول إلى التجربة الناجحة، تعلم ألا تخاف من الفشل، وأن تستفيد من الفشل لأقصى درجة، اقرأ مقالنا عن تحويل الفشل لنجاح.
في مقال سابق عن كيفية تربية الفقراء لأبنائهم تناولنا دراسة أجريت على مجموعة من الأثرياء الذين كانوا فقراء في طفولتهم، ومقارنتهم بمجموعة من الفقراء الذين حافظوا على وضعهم، وكان الهدف هو استنباط مجموعة العادات التي ميَّزت الأشخاص الناجحين والقادرين على تسلق السلم والانتقال من العادي إلى المميز.
هذه الدراسة أيضاً منحتنا البصيرة اللازمة للقول أن النجاح يرتبط بمجموعة من العادات المستقرة التي تميز الأشخاص الناجحين، حتى إن لم تكن هذه العادات سبباً منفرداً للنجاح، لكنها دائماً ما تزيد من فرص الوصول إلى النجاح والحفاظ عليه، ومن عادات الأشخاص الناجحين نذكر:
على مستوى العادات الشخصية فإن النجاح يتطلب انتباهاً دائماً ومستمراً للروتين اليومي، فوضع روتين يومي مثمر ليس أمراً بسيطاً كما أن الروتين شديد التأثير على تحقيق الأهداف والالتزام بالخطط، وإليكم أبرز العادات اليومية للأشخاص الناجحين[5]:
1- كل شيء يجب أن يكون منظم
بعيداً عن الوسواس القهري والكمالية العصابي؛ جزء أساسي من حياة الأشخاص الناجحين وطريقة تفكيرهم هو تنظيم كل شيء، تنظيم المواعيد سواء فيما يتعلق بأوقات الاستيقاظ والنوم، مواعيد الطعام، الاستراحات وأوقات العمل، والأوقات المخصصة للقاءات والنشاطات الاجتماعية، أو ما يتعلق بتنظيم المهام والأعمال من خلال وضع استراتيجيات واضحة محكومة بالزمن وقابلة للقياس.
ويفكر الأشخاص الناجحون بتنظيم الأمور بشكل مسبق، فهم يخططون لأداء الأعمال قبل فترة كافية من موعدها، بحيث لا يضطرون إلى أداء الأعمال بطريقة متهورة أو على عجلة، فتجد معظم الأشخاص الناجحين يراجعون ما قاموا به ويجهزون ما يجب أن يقوموا به في اليوم التالي قبل ذهابهم إلى النوم.
2- العناية الشخصية في حياة الناجحين
يبدو أن العناية الشخصية تشكّل جزءاً مهماً من حياة الأشخاص الناجحين، فالناجحون يهتمون بصحتهم على مدار اليوم ويتمسكون بالعادات الغذائية الصحية والنشاط البدني، ذلك ليس فقط بهدف الحفاظ على الصحة أو إطالة العمر، وإنما أيضاً للحفاظ على نشاطهم من خلال عادات يومية مثل ممارسة الرياضية وتناول فطور صحي والاستحمام في الصباح والمساء وغيرها من العادات الصحية التي تساعد الأشخاص الناجحين في الحفاظ على نشاطهم.
3- المواقف الإيجابية
يتميز الناجحون بالموقف الإيجابي من الأحداث اليومية ومن أنفسهم، حيث يجب أن تحافظ على خطاب إيجابي مستمر ودائم بينك وبين نفسك، ويجب أن تتمتع بالإيجابية في التعامل مع المواقف العادية والمواقف الصعبة والمفاجآت، اقرأ مقالنا عن التمتع بعقلية إيجابية.
4- القراءة كل يوم
القراءة من أكثر العادات التي يتحدث عنها الناجحون، بغض النظر عن التفضيلات الشخصية لكل منَّا إلَّا أن القراءة اليومية ستكون بلا شك مفيدة في مسيرة النجاح، من قراءة الكتب والنشرات المتعلقة بمجالات عملنا ونشاطنا، إلى قراءة الروايات والكتب الأدبية، إلى قراءة الصحف اليومية، جميعها من العادات التي ميَّزت الأشخاص الناجحين[6].
5- العادات الاجتماعية للأشخاص الناجحين
تلعب العادات الاجتماعية دوراً فعالاً في حياة الناجحين، وكذلك في حياة الفاشلين أو العالقين في الوسط بين الفشل والنجاح، تشمل العادات الاجتماعية نوعية الأشخاص الذين يحيطون بنا ونختارهم ليكونوا أصدقائنا، وكيفية تنظيم أوقاتنا في الواجبات والعلاقات الاجتماعية، ومدى استقرارنا واندماجنا الاجتماعي.
يسعى الأشخاص الناجحون دائماً لإحاطة أنفسهم بالأشخاص الناجحين!، إنهم لا يطلبون فقط أنداداً جديرين بالمنافسة والصداقة، بل أيضاً يبحثون عن أشخاص يمتلكون صفات أو أفكار تستحق الاكتساب والتقليد، وأكثر ما يبتعد عنه الأشخاص الناجحون هم الأصدقاء أو المعارف السلبيين.
[1] مقال Alison Robins "لهذه الأسباب الثقة بالنفس هي مفتاح النجاح في الحياة" منشور في officevibe.com، تمت مراجعته في 1/7/2019.
[2] مقال Ruth Umoh "لماذا يقل بيل غيتس أن تحقيق النجاح يحتاج للثقة بالنفس في سن مبكرة؟" منشور في cnbc.com، تمت مراجعته في 1/7/2019.
[3] مقال Bria Tracy "شرح قاعدة 20/80" منشور في briantracy.com، تمت مراجعته في 1/7/2019.
[4] مقال Niklas Goeke "كيف يفكر الناجحون بإيجاز" منشور في fourminutebooks.com، تمت مراجعته في 1/7/2019.
[5] مقال JIM PROBASCO "عشرة عادات للأشخاص الناجحين" منشور في investopedia.com، تمت مراجعته في 1/7/2019.
[6] مقال Christina DesMarais " ثلاث وثلاثون عادة يومية للأشخاص الأكثر نجاحاً" منشور في inc.com، تمت مراجعته في 1/7/2019.